الأديبة خولة العناني (أم حسان الحلو) نظرات موضوعية وفنية في كتابتها الأدبية
إعداد /محمد عباس محمد عرابي
مجلة الأدب الإسلامي الإلكترونية العدد21
الأدب الإسلامي أدب ملتزم له هدف وغاية نبيلة جادة كما أنه يتسم بالواقعية، وهو أدب ايجابي وحيوي ومتطور، كما أنه يدعو إلى قِيَم ربانية ويحمل نزعة إسلامية، وذو مفهوم فكري إسلامي يتميز عن غيره من الآداب بالمحتوى الذي يدعو إلى الفضائل والأخلاق الحميدة وإلى الخير والعمل الصالح..
لقد أصبحنا اليوم نتحدث عن آداب إسلامية وفنون إسلامية وأناشيد إسلامية، وهذه بادرة خير بأننا نسير نحو الأدب الملتزم، حيث يتم توظيف الشعر والقصة والرواية والمسرح في التعريف بالإسلام وفي الدفاع عن قيمه ومبادئه، حيث إن كل أدب يدعو إلى نشر الرذيلة أو الفكر الملحد مهما بلغ من درجات الرقي من حيث الإخراج والحبكة الفنية فهو أدب ساقط ناقص.
وليس المقصود بالأدب الإسلامي فقط الدعاء والتسبيح ومدح الرسول "صلى الله عليه وسلم" والتغني بأمجاد المسلمين وفتوحاتهم وانتصاراتهم، بل يتعدى ذلك ليشمل جميع نواحي الحياة المعاصرة، وآفاقه لا حدود لها. فهي تشمل جميع القضايا الإنسانية من مشكلات وعلاقات وسلوكيات وروحانيات وانفعالات، شأنه شأن باقي الآداب الأخرى، إلا أنه يتميز عنها بأنه أدب محترم. وبذلك يكون الأدب الإسلامي: كل أدب تخطه يد أديب مسلم ملتزم ولا يخل بالضوابط الشرعية الإسلامية.
وللأدب الإسلامي رواد كُثر من أمثال الكاتب علي أحمد باكثير، و د.نجيب الكيلاني وغيرهما من الكتّاب المسلمين الملتزمين الذين ساهموا في انتشاره وتوسعه، يقول د. حامد أبو أحمد في مقال له بعنوان: "الأدب في خدمة الدعوة": " وإذا كنا ندعو إلى توسيع الرؤية بحيث تشمل نقاط الاتفاق والاختلاف، وتسمح بمد مظلة الأدب الإسلامي إلى كل أدب صادر عن حس إنساني راق وبقلم أديب مسلم، فإننا ندعو كذلك إلى دعم كل اتجاه يؤكد ويدعم كل ما كان للعرب والمسلمين من أثر فعال في الثقافة الإنسانية. وهذا الاتجاه يحظى بانتشار عالمي حاليا، ويكفي أن كثيرين من المهتمين بالثقافة الإسلامية صاروا يؤلفون فيه الكتب بكل لغات العالم.
على الأديب المسلم أن يحمل رسالته على كاهله، وأن يعبر عن واقع أمته بكل شفافية وموضوعية، وينقل للعالم أجمع فكر وعقيدة هذه الأمة، وأن يناقش قضاياها، إيجابياتها وسلبياتها، ويبحث في مشكلاتها، ويضع لها الحلول المناسبة في ضوء الشريعة الإسلامية، وهذا ليس بالأمر الهين، بل يحتاج إلى جهد وعزيمة وثبات.
ومن رواد الأدب الإسلامي أديبة كتاباتها وقراءاتها هي من مشكاة أدب الدعوة، فهي لا تؤمن بأدب دون دعوة، ولا بدعوة دون أدب، قدمت للطفل المسلم كنز أمتنا المخبوء سلسلة كتب (البيان في تعليم وقراءة القرآن) في أربعة أجزاء.! وترى أن الأديب الإسلامي هو أرقى أديب عرفته البشرية، وآمل أن يتلفت إلى المناهج الدراسية التي تصوغ ذوق وعقل الجيل!.
وتأمل أن يلتفت إلى المناهج الدراسية التي تصوغ ذوق وعقل الجيل، وتأمل أن يلملم شتات عطاء المسلمين المبعثر، ويصنع منه قوة فاعلة تثبت ذاتها أمام الدراسة الجامعية، إذ تتمنى أن ترى مسافات أكاديمية للأدب الإسلامي معروضة أمام ناظري طالبي الدراسات. فإن كان بالأمس ضد التيار فهو اليوم يجب أن يكون موجهاً للتيار، وغداً قائداً لهذا التيار، وتقول لكل أديب مسلم: مضى عهد النوم يا أخي!. إنها الأديبة والكاتبة والداعية الإسلامية (أم حسان الحلو.. خولة العناني)
وخولة من الكاتبات اللاتي يتمسكن بالقيم الإسلامية، ويؤكد ذلك قول الدكتور مازن مطبقاني، في حديث له بعنوان: الاستشراق الأدبي بين الإيجابيات والسلبيات. قدمه في الملتقى الأدبي الشهري يوم الأربعاء 23جمادى الأولى 1432هـ، في المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية بالرياض حيث يقول: يأتي الاهتمام بالأديبات العربيات في الدراسات الاستشراقية، في الإطار نفسه، فقد عنوا بالأديبة التي تأثرت بالفكر الغربي. وتبنت قضايا معينة مثل تحرير المرأة، والعلاقة بين الرجل والمرأة، واختلاطها بالرجال. أما الكاتبات اللاتي يتمسكن بالقيم الإسلامية فهن غير معروفات مثل هدى اللحام، وخولة العناني!.
وفي هذا المقال محاولة للتعريف بالأديبة خولة العناني (أم حسان الحلو) من خلال إلقاء الضوء على العناصر الآتية:
- التعريف بالأديبة ومؤلفاتها.
- قراءة موجزة في بعض أعمالها الأديبة.
- سمات أسلوبها.

*أولا التعريف بالأديبة ، ومؤلفاتها:
أم حسان الحلو هي خولة العناني، سميت أم حسان لسببين: الأول تيمنا بالصحابيات الكريمات اللواتي كن يدعين أم سليم ،وأم سلمة، رضي الله عنهن. ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لأحكمت الاقتداء وأسميت نفسي أم حسان بنت محمد العناني؛ اقتداء بأم سليم بنت ملحان رضي الله عنها. أما السبب الثاني فهو أنني أعتبر كلمة "أم" بمثابة كلمة دكتور؛ لأن الأم صاحبة رسالة عظيمة ومهمة جدا في الحياة وهذا تكريم لها.
ولدت في عمان حيث درست فيها جميع المراحل الدراسية، وتخرجت من الجامعة الأردنية عام 1979 حاملة شهادة البكالوريوس من كلية العلوم قسم الفيزياء، إضافة إلى دبلوم في الشريعة الإسلامية. وعملت في سلك التعليم ما يقارب العامين، ثم تزوجت من الدكتور الطبيب سمير الحلو، وسكنت المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم، وتنعمت بالحياة هناك سبعة عشر عاما تقريبا، ثم عادت إلى عمان.
وفي مدينة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنجبت أبناءها الثمانية، وهناك تفرغت للبيت ولتربية الذات والأولاد.
بدأت رحلتها في القلم عام 1983، وأصدرت كتبها الثمانية، ثم أتبعتها بأربعة كتب تعليمية للأطفال، استهدفت فيها تعليم الصغار دون سن المدرسة قراءة القران الكريم. وصدرت هذه الكتب بعنوان "البيان في تعليم لغة القران". وأخذت عضوية رابطة الأدب الإسلامي عام 1993 بعد صدور قصتها الأولى عفاف.

كتبت في المجلات الكويتية النور والمجتمع، وفي مجلة الفرقان الأردنية، وفي مجلة الأسرة السعودية، وفي صفحة ثابتة بعنوان "معا نبني" قي مجلة منبر الداعيات اللبنانية.
وتقوم بإعطاء دورات تربوية للأمهات في جمعيات المحافظة على القرآن الكريم، كما تلتقي الشابات في بعض المدارس ولله الحمد.
وفي حوار لها مع الأستاذ محمد شلال الحناحنة أشارت إلى بداية مشوار عطائها فقالت:
كان اكتشافاً مبكراً لموهبة أديبة كانت توجهها معلمة اللغة العربية وأنا في المرحلة المتوسطة. تلك المعلمة القديرة التي فوجئت بتخصصي الدراسي وأنا على مقاعد الجامعة، وعندما تخرجت وعملت معلمة في فيزياء للمرحلة الثانوية علمت يقيناً أن الأجيال التي أمامي تحتاج إلى توجيه تربوي أضعاف احتياجها لعلم الفيزياء، فدونت لهن رسائل توجيهية بعد أن ضرب الفراق جدارنا بيني وبينهن. ثم تطورت كتاباتي بفضل الله الذي أنعم عليّ بنعم جليلة إضافة إلى حب القراءة والتدوين .
وقد ابتدأت رحلتها مع القلم في مجله الأمة القطرية بسلسلة مقالات بعنوان: أحاديث الجارات التي صدرت فيما بعد في كتيب منفصل، ثم كتبت في المجتمع الكويتية والنور الكويتية حيث نشرت مقالات وقصصا قصيرة وطويلة جزئت على حلقات، منها: عفاف، وأطياف، وقوارب وأمواج، وليالي الفجر. وقد لاقت هذه القصص قبولا في الأوساط الثقافية وخاصة في أوساط الشابات، ودرست قصة عفاف في كلية البنات في المدينة المنورة قراءة إضافية من أجل التحليل والدراسة.
ولها عدة دراسات وأبحاث تربوية، وقد نشرت بعض مقالاتها في مجلة ولدي الكويتية، ولا تزال تعد لهذه المجلة الرائدة دراسات تربوية والحمد لله.
ومن أبرز مؤلفاتها التربوية: كتب تعليمية للأطفال، بهدف تعليم الطفل دون سن الدراسة قراءة القرآن الكريم هجاء، وذلك يعني تعليم اللغة العربية قراءة وكتابة، وهذه الكتب تحت سلسلة كتب البيان، وهي موجهة للمسلمين في ديار الغربة وهي:
*البيان في تعليم القراءة للأطفال، وقد استطاع الأطفال ما دون الثالثة دراسة هذا الكتاب وفهمه، والحمدلله.
* تعليم الكتابة للأطفال وهذا الكتاب ينصح بالبدء به بعد سن الخامسة ليستطيع الصغير إتقان الخط وتذوق جماله .
* البيان في تعليم قراءة لغة القرآن، وهذا متمم للكتاب الأول فبعد أن يتقن الصغير قراءة الحرف نأخذه في مرحلة مطولة لتعليمه قراءة لغة القرآن، والكتاب يقع في 180 صفحة من القطع الكبير، اعتمد على الجرس القرآني في تعليم اللغة، مثلا: تعليم مد ياء، أوردنا الأمثلة خليل، عليل، جليل، مليل، وربما يكون هذا الأسلوب السبب في تعليم لغتنا الجميلة للصغار الذين يسرهم الجرس والأنشودة. قد قدمت له مقدمة طويلة وشرحت فيها فكرته وأهدافه ولله الحمد
*آية وصورة : هذا الكتاب يتحدث عن تعليم الصغير الحرف، ثم الكلمة، ثم الجملة "الآية" بمرافقة الصورة، مثال ذلك موضوع الدرس: حرف "س" الكلمة "سبع" الآية: "إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف" (يوسف،آية43)
الصورة: سبع بقرات، وتتبعتها تمارين لجميع الحروف العربية في حالاتها الثلاث: فتح، كسر، ضم، وهذه السلسلة من الكتب دونتها بعد خوض جمال تعليم الصغار لغة القرآن، فهي حصيلة تجارب عملية.
وفي هذا تقول خولة:
قدمت للطفل المسلم بل لكنز أمتنا المخبوء سلسلة كتب "البيان في تعليم قراءة وكتابة لغة القرآن" في أربعة أجزاء. هذه المجموعة كانت تدويناً لتجارب تعليمية دامت حوالي ثماني سنوات طبقت على نطاق ضيق، ثم طلبت مني أخوات لي في ديار الغربة بعمل شيء يحفظ لهن ولأسرهن هويتهن الإسلامية. أذكر عبارة إحداهن وهي تقول لي: السورة مكررة في ديار المسلمين، إذ يذهب الرجال للعمل والجهاد، وتترك الأجيال أمانة في أعناق النساء اللواتي يبحثن عن توجيه. ثم إني ولله الحمد ما زلت أقدم دراسات تربوية، ودورات عن الحياة الأسرية، وحياة الشباب خاصة، وعن تربية الطفل، وذلك منذ حوالي عشر سنوات.
قدمت جزءاً منها في مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي في المدينة المنورة، والجزء الآخر أقوم بعرضه هنا في عمّان ولله الحمد. وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني لإخراج ذلك في كتب تربوية.
وتعلق على هذه الكتب بقولها: سلسلة البيان في تعليم القرآن؛ خاصة كتاب تعليم القراءة شعرت بعظمة وجمال اللغة العربية لفظا ومعنى وكتابة، بل وجرسا. فلغتنا العظيمة عريقة عميقة أصيلة مرنة رائعة المعنى والمبنى، لغة ذات قدر أنزل الله بها كتابا ذا قدر لأمة ذات قدر!. خذ مثلا عندما أردت تعليم الصغار "مد الياء" أوردت الأمثلة الآتية: قليل، جميل، جليل، خليل، وسمعت التلامذة الصغار ينشطون في ضرب الأمثلة المشابهة فيكملون: عليل، دليل، ذليل، هديل،..
موضوع الكتاب رائع وهدفه نبيل.
أما الفئة المستهدفة من البراعم الناشئة فقد أذهلوني بمدى تفاعلهم وسرعة استيعابهم، فقد قرأت كتاب الله العظيم طالبات في عمر الأربع سنوات، وأتقن قراءته أخريات في عمر السادسة. وإني على يقين تام أن من ينشأن على مثل هذه التدريبات سيتقن قراءة كتاب الله العظيم في حدود السادسة من العمر، وقد رصدت في حواشيه أسلوب التعليم والمدة الزمنية التي يحتاجها الصغير لقراءة الدرس وإتقانه.
لكن للأسف الشديد لم تأخذ هذه السلسلة حظها من النشر رغم أن أصولها تعليمية أخذت من القاعدة البغدادية الشهيرة، والتي نشأ عليها علماؤنا الأجلاء.

وفي الجزء الرابع من السلسلة التي كانت بعنوان: صورة وآية، وجدت روعة للغة القرآن ما بعدها روعة! مثلا: في تدريس الحرف "أ" الكلمة "أول" الآية: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا) الصورة المرفقة هي صورة المسجد الحرام، فكم تحتاج الأجيال المسلمة لمثل هذه البدايات.. باختصار: بقدر ما أفرحتني كتابة هذه السلسلة أحزنني نشرها!

- كتاب أخطاء تربوية شائعة.. التربية العشوائية تربية المد والجزر التي أراها، والله أعلم هي بعض أسباب غثائية الأمة! كانت هي موضوع الكتاب، لكن البحث لم يكتمل لأن الكتيب طبع دون إذن مني، فقد أرسلت مسودة محاضرة ألقيتها في جمعية طيبة الخيرية في المدينة المنورة عام 1414هـ، وأذكر أن الكاتبة الكويتية الأخت "طيبة اليحيى" هي التي طلبت من الجمعية حمل هذه الوريقات وعرضها على دار حواء لأخذ رأيهم فيها فقط، وفوجئت عندما قدمت لي هذه الوريقات هدية على شكل كتيب. المهم غثائية الأمة قضية تهمتي جداً، وأعلم أن الأمهات المسلمات أنفسهن أكثر الناس بعداً عن إدراك فنون وأدوات التربية الإسلامية! .

*ثانيا : قراءة موجزة في بعض أعمال الأديبة خولة العناني القصصية:

من أبرز الأعمال الأدبية والكاتبة والداعية الإسلامية خولة العناني القصصية:
- أطياف: قصة عروس شابة أسست بناء عشها على عود جمالها، فقط!، وبعد أيام قليلة من زفافها تعرضت لحادث حريق، فيزورها زوجها "شادي" وتتحطم آماله بأن يعود لأطياف جمالها، فيبدأ بالتفكير بالممرضة الشابة التي كانت إحدى المشرفات على أطياف، وتنمو العلاقات بين
"سهام وشادي" وكذلك نمو علاقات حميمة بين الممرضة "فاطمة" وأطياف وأمها، وتبدأ الممرضة بإرشاد أطياف وتعليمها الوضوء والصلاة ومبادئ الإسلام، حيث تتبدل أطياف تدريجيا مما يسعد أمها التي عانت الأمرين بسبب احتراق ابنتها وابتعاد زوجها عنها،
ولما ظهرت علامات العافية على يدي أطياف بدأت تدون ما يدور بخلدها، وقبيل خروجها من المستشفى بقليل أصيبت بجلطة مفاجئة فودعت الدنيا وبقيت العبرة من سيرتها.

ليالي الفجر: مجموعة من المقابلات مع الغريبات المسلمات تحدثن فيها عن إسلامهن، ورأيهن بالعربية بالوراثة. وكانت سيدة المقابلات هي المقابلة مع الألمانية "مريم شكر الله" حيث حدثتنا فيها عن البحث عن إسلامها الذي استغرق سنوات ورحلات وما اكتنفته من صعوبات ومخاطر. الكتاب فيه كثير من التأملات العميقة لبطلة الرحلة التي اهتدت للحجاب وللصلاة بفطرتها قبل أن تعرف الإسلام دينا.
أحاديث الجارات كانت بداية مشوارها الأدبية، إذ نشرتها على حلقات في مجلة الأمة القطرية، ثم صدرت في كتاب صغير، تحدثت فيه عن عروس ملتزمة تعيش في وسط نسائي تائه لا يعطي الوقت قيمته، فتتعرف هذه العروس على جارة ملتزمة جادة تعلمها بعض أفانين الحياة بشكل أحاديث دارت بين الجارتين.
قوارب وأمواج (جزآن): مجموعة قصص قصيرة عبارة عن لقطات من الحياة، فالأبطال تتقاذفهم الأمواج، وكل واحد يركب قارب نجاة ليصل إلى شاطئ الأمان، ولعل القصص القصيرة هي الخط الأدبي الذي ساد عند الكاتبة، فما زالت تمدنا بقصصها القصيرة التي تنشر هنا وهناك في صفحات المجلات مثل المجلة اللبنانية "منبر الداعيات" والمجلة الكويتية " النور".
وقد طرح الأستاذ محمد الحناحنة عليها سؤالا حول هذه المجموعة القصصية فقال:
- مجموعتك القصصية (قوارب وأمواج) ما الذي تضيفه إلى القصة الإسلامية؟.
- فقالت: كما البحر، في الحياة أمواج عاتية، وأخرى هادئة. وقوارب ناجية وأخرى غارقة. تقلبات تجعل عالي الأمور سافلها، والقيم التي يعتقدها الإنسان هي قواربه التي تزيده بؤساً في بعض الأحيان، أو تحمله إلى مرافئ دافئة في أحيان أخرى. وفي رحلة منذ البداية حتى النهاية يصدق عليه قوله سبحانه: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا"، فالبعد عن المنهج الإسلامي كان سبباً في تعاسة الصغير والكبير، للطالب والأستاذ، وقد فهمت أستاذتي بلقيس إدريس، والمدرسة في كلية البنات في المدينة المنورة، وقد فهمت ما أرمي إليه غاية الفهم فقدمت إلي الجزء الثاني من قوارب وأمواج، وقد اقترحت تعديل العنوان إلى " قارب وأمواج قاتلة"، قارب النجاة واحد، وأمواج الغواية متعددة .
- من خلال أجوبتك أفهم أن للنقاد أثراً ما في توجيهك!..
- أنا أحترم رأي الناقد الذي يتحدث عن بصيرة لا عن هوى. فالمسافة جد شاسعة بين التوجيه والتجريح. وسأضرب لسيادتك مثلاً.. فقد عرضت قصة أطياف قبل طباعتها على الأديب الإسلامي المعروف الدكتور عبد الباسط بدر، فقام بدراستها مشكوراً، وكتب لي توجيهات وعبارات أضاءت سيرتي الأدبية، فله مني جزيل الشكر وعظيم التقدير. وقد قام بقراءتها ودراستها أيضاً أحد الأدباء المشهورين فقال كلاماً غريباً معظمه اتهامات..! والعجيب يا أخي أن كثيراً من ناقدي الأدب لديهم جرأة لا تعرف الأدب، وقد فاجأتني رسالة يقول صاحبها: إن هذه الأديبة تقرأ الجرائد ثم تصوغ قصصها!. تعجبت وقلت: ليتني كذلك! إن هذا شرف لا أدعيه في زمن تسطر فيه بطولات عظيمة على أرض أولى القبلتين، ألا ليتني أستطيع صياغة قصص أبطالنا العظماء، وهنيئاً لمن يستطيع ذلك، وله مني ألف تحية قلبية! .
عفاف: قصة تقع في حوالي مئة صفحة من القطع المتوسط، تدور أحداثها في جامعة مختلطة، حيث تتعرض البطلة عفاف إلى كثير من المضايقات والمناقشات والتحديات التي ظهر فيها جليا "الدكتور سراج" مدرس المادة التي اضطرت عفاف لدراستها، فهي مادة يتوقف عليها تخرجها، لكن الدكتور سراج كان مستغربا فكرها وسلوكها الملتزمين، تحديات تماوجت بها الصفحات، ثم عاد الدكتور سراج إلى أصله ومعدنه وذاته، وناقش نفسه طويلا وبعيدا عن أجواء الجامعة، وبعد أن أصلح نفسه قرر أن يتقدم للفتاة التي كانت سبب ثورته على نفسه فوجدها قد ارتبطت بغيره!.
ويرى بعض النقاد أن نهاية رواية (عفاف) نهاية قسرية تفتقر إلى الإقناع!.
وردت خولة على هذا النقد بقولها:
منذ البداية كانت (عفاف) تدور في فلك الدكتور سراج، إذ لم تبد إعجابها بحركاته الصبيانية قيد أنملة، ولم يقنعها فكرياً بواحدة من أفكاره الغربية، فمن الطبيعي جداً أن تنسجم مع شخص أتى من خارج دائرته. أما الدكتور سراج فعندما بحث في دقائق ذاته وجذوره المتشعبة في أرض وطنه، وفضاء أفكاره؛ وجدها مثالاً للقيم والفكر الذي يؤمن بالحقائق المطلقة، لكن الوقت لم يسعفه ليعيش في ذلك سلوكاً عملياً. ولأن "عفاف" بتألقها ورونقها لم تكن لتقف على قائمة الانتظار فقد أقلعت طائرتها ،وذهب الذهب من بين يدي الدكتور سراج! وكيف لا تكون هذه النهاية منطقية وقد أقلعت طائرة "عفاف" حين تسكع قارب الدكتور سراج!؟ وأذكر هنا ما قاله لي أستاذي وعمي الأديب الإسلامي "أحمد عناني" إذ قال: أجمل ما في قصة عفاف يا بنتي خاتمتها، فهذه خاتمة موفقة جداً!. وهذه شهادة أعتز بها.
ولقد قام مروان يوسف حسين بقراءة وتحليل لقصة (عفاف) حيث يقول:
نظرة عامة في القصة: (عفاف) قصة هادفة كما هو مدون على الغلاف، ومذيلة باسم الأستاذة (أم حسان الحلو) مع تقديم للأستاذ محمد رشيد العويد في تعريف بسيط لشخصية عفاف، وهي الطبعة الثانية لدار ابن حزم في بيروت عام 2000 م، وهي قصة طويلة وليست رواية، فعدد صفحاتها حوالي 90 صفحة .
تركز القصة على شخصية عفاف (عنوان القصة) الشخصية المحورية في القصة، عفاف الطالبة في كلية الآداب قسم الفلسفة في سنة التخرج، طالبة مؤمنة ملتزمة بالإسلام مبدأً ونظاماً ومنهج حياة، في مقابل الشخصيات الأخرى في القصة التي تمثل شخصيات عادية من هذا المجتمع المعاصر، طالبات في كلية الآداب قسم الفلسفة صديقات عفاف (عبير، غادة، هالة، رانية)
رانية: الفتاة المتحررة العصرية، أو التي تظهر بهذا المظهر حتى لا تتهم (بالرجعية والجمود)، تنظر إلى سلوك عفاف وتصرفاتها باستخفاف وازدراء وجفاء .
الدكتور سراج: الشخصية الأساسية الأخرى في القصة، شاب متفوق كان الأول في قريته على دفعته في الثانوية العامة، وسافر إلى أمريكا بمنحة دراسية لإكمال دراسته الجامعية والعليا، وحصل عليها في زمن قياسي قصير (سبع سنوات ونصف)، وهو لم يتجاوز بعد الأربع والعشرين سنة ليلقب (بأصغر حامل دكتوراه في الشرق الأوسط) كما أعلن في حفل استقبال الدكتور سراج في الجامعة .
سافر الدكتور سراج من قريته (ذاتا) فانبهر بثقافة الأمريكان وحياتهم وسلوكهم، فانفصل عن جذوره وأصوله الإسلامية، وعاد متغرباً وداعياً إلى أنماط حياتهم وثقافتهم وأفكارهم في مجتمعه ووطنه وأهله، مفتخراً بشهاداته، معتزاً بأفكاره ومكانته الاجتماعية .
توجد شخصيات أخرى ثانوية إن جاز التعبير مثل: أم عفاف، أخو عفاف، أم رانية، أم سرور أخت الدكتور سراج، وزوجها، الصغيران (سرور وسارة) لتتمة أفكار وشخصيات القصة.
البلاغة والأسلوب الفني في القصة: هي قصة الشخصية والفكرة كما أسلفت، فهي لا تهتم بالأسلوب واللفظ بقدر ما تهتم بالشخصية والحوار والهدف إلا ما دعت إليه الحاجة، وهذا شيء محمود وأساسي في القصة الإسلامية، ولكن لا بد من الاهتمام بالألفاظ والصور الفنية، وكان يمكن للكاتبة أن تجمل وتزين الكثير من المواقف والحوارات في القصة بصور وتراكيب لغوية وفنية رائعة وجميلة، لتكتمل المشاهد الفنية بأسلوب نظيف وراقٍ، وحتى نبتعد من جهة أخرى عن المباشرة والوعظية التي قد تخل قليلاً بالقصة .
أقول لا بد من الأديب المسلم الاهتمام بتذويق القصة وتنميقها بشكل فني أخاذ، حتى نعرض الالتزام بصورة جميلة وحركة ملفتة فيحلو ويتزين في ذهن وعين القارئ، ونبين الانحراف كذلك والتشوه في المجتمع والأفكار والسلوك في قالب لفظي جميل ورائع .
قصت الكاتبة قصتها بضمير الغائب (الماضي) بأسلوب بسيط ومباشر، وتراكيب سلسة، ولغة سليمة فصيحة، والصور قليلة إلا ما دعت إليه الحاجة.
أمثلة:
- (نظرت عفاف إلى الصف الأول المزدحم... تأملت الرؤوس المتمايلة والتسريحات المتباينة... مارت في أعماقها مشاعر غامضة وصرفت وجهها تلقاء النافذة..) (ص17)
(هذه المظلة المظلمة التي تغطي ما يجري فيها، وما أراه يشبه أكثر من شبهة لما يجري في الجحور والكهوف!!) (ص 35 )
- ( كان مقبلاً بكل أحاسيسه على بلدته بل إن جميع جوارحه لتسبقه إلى هناك .... ) ص 61 .
- ( لقد عادت الطيور إلى أوكارها، وعادت الأرانب إلى جحورها، وعاد كل إنسان إلى بيته وعشه وسكنه و...... فلم لا تسكن يا سراج لأسرة وعش وبيت.. شأنك في ذلك شأن بقية الكائنات!؟.. ) (ص 66 )
موضوعات ورسائل القصة:
الرسالة الأولى: عفاف حياتها وسلوكها والتزامها بدينها وحجابها هي الرسالة الأولى للفتيات في هذا العصر وكل عصر، إنها الفتاة المؤمنة الملتزمة التي تعاني ما تعاني في جو الدراسة المختلطة في الجامعات العصرية، أجواء الفساد والعلاقات غير الشرعية، تقول عفاف بعد أن رأت صور الحفل المختلط المقام لاستقبال الدكتور سراج متسائلة: (وهل كل هذا حصل في الحرم الجامعي؟ والله لا أدري لماذا سميت مباني الجامعة بالحرم الجامعي؟ هل لأن الحرمات جميعها أو معظمها تنتهك فيها...!؟ ) (ص 12) .
عفاف هي الفتاة الملتزمة بمبادئ الدين والإسلام التي تدخل الجامعة بثقة وحذر واطمئنان، لا لتنحرف ويجرفها التيار، بل لتزيدها هذه التجربة وعياً ونضجاً ورشداً أكثر .
الرسالة الثانية: سلوك عفاف وتفكيرها الراقي المتزن، وتفوقها من جهة، وتعاملها مع الآخرين من زميلات في الجامعة، وشباب - من جهة أخرى - وذلك ضمن حدود الضرورة والأدب والحاجة، دون تعقيد أو ابتذال، وتأثيرها بهذا السلوك، وبهذه الصورة على فكر غادة بعد إجراء المقابلة الصحفية معها عن تفوقها المشرف، وكذلك تأثيرها على فكر الدكتور سراج نفسه بعد تفوقها، وما رآه في ورقة إجابتها من فكر متزن، ودقة في المعلومات، وتعليقات سديدة سليمة على أسئلته الحساسة بنظره في المادة التي يدرسها، وتبلور هذا التأثير، ونفذ إلى أعماقه بعد المقابلة الصحفية معها باعتبارها المتفوقة الأولى بشرف وجدارة .
إنها رسالة إلى الفتيات اللواتي تعين دورهن في الدعوة والالتزام ليكُنَّ قدوات في محيطهن، إنها رسالة للفتاة لتعي دورها الخطير في هذا المجتمع الحائر المتخبط، ولتكون بسلوكها وحياتها دعوة صامتة في هذا المجتمع، وهذا ما نلاحظه في إجابات عفاف على أسئلة المقابلة الصحفية التي أجرتها غادة معها، أمثلة:
- (إنني أجدد عهدي مع الله بأنني لا أتعلم إلا من أجل تسلم مفاتيح قيادة البشرية الحائرة، فأنا واحدة من الركب المبارك الذي يحدوه الأمل بقيادة هذه البشرية المنهكة..) (ص 53)
وفي ردها على اتهام الطالبات والطلاب لها بالاستعلاء والكبرياء وعدم المجاملة والكلام تقول: (قد تبدو تصرفاتي هكذا... والله يشهد أنني لا أستعلي على الناس، بل إن استعلائي على المواقف. فأنا أعتقد جازمة أن هناك بوناً شاسعاً بين (التواضع) و(الوضاعة)! إنها اتهامات أستطيع القول بأن سببها هذا اللبس الذي حدث عند غيري...!) تأملوا معي ردها الجميل دون استخفاف أو استهزاء، إنها تعي ما تريد وتلتزم ما تنادي به .
وفي ردها على سؤال: هل حصلت المرأة على حقوقها ؟؟ تقول :
)أعتقد أنها لم تحصل على حقوقها، ولن تحصل عليها إلا يوم أن تعيش مبادئ الإسلام كاملة ...) وهكذا...
الرسالة الثالثة: قضية التأثر بالفكر الغربي والأمريكي، وذلك عند سافر الطلاب والشباب إلى العالم الغربي؛ إما بدافع الدراسة أو العمل، فيؤدي ذلك إلى انخراطهم بهذه المجتمعات وانبهارهم الكبير بثقافتهم وأفكارهم وقيمهم النفعية (البراجماتية)، ونقل ذلك إلى مجتمعاتهم وأوطانهم ليصبحوا دعاة إلى المذاهب الفكرية الغربية والحياة الاجتماعية الأوربية بين أهلهم وإخوانهم .
في القصة يسافر الدكتور سراج بعد تفوقه المميز من قريته الوادعة ( ذاتا) إلى أمريكا بمنحة دراسية، ذهب إلى هناك دون أن يتسلح بمبادئ دينه وقيمه وإيمانه، فتأثر بقيمهم وأعرافهم وأفكارهم وحياتهم، ثم عاد مدعماً بشهاداته ومكانته ليدعو إلى الحرية والديمقراطية والحياة الأمريكية، ويلاحظ ذلك من خلال تعامله واختلاطه مع الطلاب والطالبات، ومشاركاته في حفلاتهم مثل حفلة عيد ميلاد رانية، وحفلات الطلاب المختلطة الجامعية، ولكن الدكتور سراج في هذه القصة تأثر بفكر ومنطق عفاف من خلال ورقة إجابتها في مادة (الفلسفة 402) التي يدرسها الدكتور سراج، وكذلك أجوبة المقابلة الصحفية مع عفاف باعتبارها المتفوقة الأولى على الكلية بجدارة، ثم ذهاب الدكتور سراج إلى قريته الوادعة الآمنة بعد طول غياب ورؤيته لحياة الفلاحين والعمال وبيت أخته أم سرور وزوجها، والمعاناة الفكرية والحيرة التي يعانيها بين عفاف وحياتها والتزامها وتفوقها، وبين حياته وفكره وفكر رانية وغادة، والحياة التي يحيونها، خاصة بعد سماع آيات القرآن الكريم من فم الصغيرين (سارة وسرور) أولاد أخته، ليكتشف بعد ذلك خطأه وتشوه أفكاره وسلوكه وحياته، ثم يقرر ترك هذه الحياة الفاشلة (لا هدف، لا اطمئنان، لا استقرار..) والزواج من عفاف، فيأتي إلى الجامعة وقد قرر شيئاً في نفسه إلا أن أخا عفاف يأتي برفقة عفاف، ويسلمه بطاقة دعوة لحضور (حفلة زفاف عفاف على المهندس سليم عبد الهادي) وتنتهي القصة بهذه الحادثة.
*ثالثا:- سمات الأسلوب في بعض أعمال الأديبة خولة العناني القصصية.
قصص خولة العناني تبرز القيم الإسلامية على حساب الوهج الفني كما يقولون! وتعلق على ذلك بقولها : كقارئة لا يهمني الوهج الفني؛ إذ إنه يشتت أفكاري أحياناً وقد يصل بي الأمر إلى الخوف من تصنيف ما يمكن إلغاؤه من القول على أنه ضرب من اللغو المذموم شرعاً، ثم إني أحب الوصول إلى غايتي عبر خطوط مستقيمة، وقد يكون لدراستي أكبر الأثر على هذه الرؤية. فما أكتب وما يكتبه أي إنسان ليس بعيداً عن قراءته، وبالمناسبة فإن معظم قراءاتي ما يكتبه الأدباء الدعاة.. فما أقرأ وما أكتب هو من مشكاة أدب الدعوة، فأنا لا أؤمن بأدب دون دعوة ولا بدعوة دون أدب.
*ومن أبرز سمات أسلوبها:
- يتمتَّع أسلوبُ خولة العناني بالجُرأة الواضِحة، والبساطة في صياغة الجمل، بأسلوب سهل ممتنع.
- يروي الأحداثَ بعيدًا عن قفص الاتِّهامات المباشرة لأيِّ شخصٍ كان.
- يخرج القارئ عن المألوف، ويُضفِي للقِراءة طعمًا حلوًا.
- يمزج بين الخيال والواقع، دون النفور من الحديث المستحيل.