أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


عندما يكون الكاتب تابعا لشخصيته الأدبية
(1)
بينت في مقالات سابقة مظاهر الخلل الفني في قصة "علي مبارك" المقررة على الصف السادس الابتدائي"؛ فوضحت في مقال "تلويث القيم في المخرج التعليمي للقصص التربوية" كيف يُضلّل النشء في قيمه، وفي مقال "ظهور إخوة علي مبارك المفاجئ خلل في الحبكة" أظهرت أن حجب المعلومات غير الفني يضر بالبناء الفني، وفي مقال "المبالغة في رسم شخصية علي مبارك زمن طفولته" دللت على تعظيم الكاتب لشخصية علي مبارك الصبي الذي أوقعه في خلل فني أضر بعمله الفني، وفي مقال "العقدة المصطنعة في قصة علي مبارك التعليمية" سردت كيف تسرب الاصطناع إلى عقدة قصته.
وفي هذا المقال أبين مظهرا خامسا من مظاهر الخلل الفني الموضوعي في هذه القصة.
كيف؟
إن علاقة الكاتب بشخصيات أعماله الفنية يجب أن يسودها احترام عقل القارئ المنضبط بضوابط الواقع، فإذا صادم الكاتب ذلك محاباة لشخصيته الأدبية فإن هذا يعد خللا فنيا يضر عمله.
كيف؟
عندما تكون مهمة الكاتب هي تسويغ مواقف شخصيته الأدبية المتناقضة من خلال تعليقه المباشر فإن ذلك يحيل عمله الفني إلى عبثية، ويجعله أضعف من شخصيته الأدبية، وتجعل عمله الأدبي ضعيفا.
(2)
وهل تحقق ذلك مع كاتب "علي مبارك"؟
نعم.
كيف؟
في صدر ص40 في الفصل الثالث المعنون بـ"السجين المظلوم" يسوغ الكاتب طرد الكاتب لـ"علي مبارك" قائلا: "لأنه – أي علي مبارك- كان لصغره يتحدث إلى الناس ببساطة عما يأخذه الكاتب من الفلاحين، ولا يعرف خطر ذلك عليه".
هكذا يفشي الصبي "علي مبارك" أسرار عمل رئيسه، وبدلا من أن يعترف الكاتب بخطأ "علي مبارك" يلتمس له سخيف العذر الذي ينطبق عليه القول المشهور: "عذر أقبح من ذنب".
ولا نغادر الصفحة ذاتها حتى نفاجأ بأن "علي مبارك" الذي لم يتغير سنه لم يعد ذلك الصبي الساذج.
كيف؟
بعد ما أوردته بأسطر يقول الكاتب عن سبب ترك "علي مبارك" لصاحب العمل الجديد: "لكنه لم يستمر طويلا في هذا العمل؛ إذ وجد أنه يخدم هذا الكاتب بصدق وأمانة، ومع ذلك يأكل عليه أجره ولا يعطيه شيئا غير الطعام. ومكث على هذا الحال ثلاثة أشهر حتى ساءت حاله فعزم على أن يأخذ حقه بالحيلة".
هكذا نما وعي الصبي فجأة فأدرك أنه يخدم رئيسه بصدق وأمانة، هكذا على الرغم من خيانته الآخر قبل ذلك!
ولا يقف الأمر عند هذه الدرجة من الوعي، بل ينمو الوعي فيقرر "علي مبارك" أن ينتقم بتدبير حيلة.
(3)
وهل اقتصر هذا التحيز المباشر من الكاتب لنصرة شخصيته الأدبية بالباطل على زمن الصبا؟
لا.
كيف؟
بعد أن تقدم العمر بـ"علي مبارك" وبعد أن تقلد مناصب كثيرة، وبعد خلع الخديو إسماعيل وتولية ابنه توفيق، وبعد نشوب الثورة العربية- نجد الكاتب يقول في ص109 في الفصل الثامن والأخير المعنون بـ"أبو التعليم": " ... حتى اشتعلت الثورة العرابية تطالب بالإصلاح وإنصاف المظلومين، واشترك فيها كثير من الناس من ضباط وغير ضباط".
ماذا يفيد كلام الكاتب السابق؟
إنه يُظهر صورة طيبة وجميلة لهذه الثورة، فهل كان هذا رأي شخصيته الأدبية علي مبارك؟
لا.
كيف؟
لم يشترك علي مبارك فيها على الرغم من أنها كانت لنصرة المظلومين، والمطالبة بالحقوق.
لماذا؟
لأنها خالفت مزاجه.
كيف؟
يقول الكاتب في الصفحة ذاتها: "ولم يشترك فيها علي مبارك لا بالانضمام إلى العرابيين ولا إلى توفيق، ولزم الحياد بين الطرفين المتنازعين؛ فقد كان بطبعه هادئا متمهلا في الوصول إلى مطالبه، يسعى إليها في تأن ورفق، لا يميل إلى العنف والاندفاع، بعيد الرؤية للأحداث ونتائجها".
هكذا عاد الكاتب فذم الثورة العربية نصرة لمزاج شخصيته الأدبية فوصفها بممارسة العنف الذي لا يحبه "علي مبارك" بعد أسطر من مدحها.
وهل اقتصر على ذلك؟
لا.
كيف؟
استمر في تسويغ موقف شخصيته فتابع في ص 109 و110 قائلا: "يعلم الجميع أنه لا يهتم إلا بخدمة وطنه والعمل على ترقيته، ولا شأن له كثيرا بالصراعات التي يضيع فيها بعض الناس أوقاتهم دون فائدة".
هكذا بات العرابيون أناس يضيعون اوقاتهم فيما لا فائدة فيه على الرغم من أنه وصفهم قبل ذلك بمناصرة الحق ضد الظلم.
ويبدو أنه أحس بأنه أساء إلى شخصيته الأدبية فبادر يقول في ص110: "كان يميل إلى العرابيين ويوافقهم على فكرتهم في طلب حقوقهم، ويخالفهم في الوسيلة إليها".
هكذا كان "علي مبارك" معهم، بل كان أستاذا لهم.
كيف؟
يتابع الكاتب قائلا بعد الكلام السابق: "ويبين لهم الطريق الصحيح لبلوغها في هوادة".
فماذا حدث؟
رفض العرابيون رأيه، فجانبهم.
كيف؟
يتابع الكاتب قائلا: "قبيل أن يعلنوا الخروج واتخاذ القوة سبيلا إلى مطالبهم، فلما اتخذوا الطريق الذي لا يرضاه ولا تؤمن عواقبه لم يعد يناصرهم، ومضى في سبيله من الاعتدال والتوسط من غير أن يكون خصما لأحد".
هكذا يظهر الانحياز الكامل من الكاتب لنصرة شخصيته الأدبية؛ فموقفه هو موقف التوسط والاعتدال، أما موقف العرابيين فهو موقف التطرف والإرهاب. وأظن الكاتب بهذا يؤيد من يصف هذه الثورة بأنها "هوجة عرابي".
والسابق يجعله ضعيفا وتابعا على الرغم من كونه الأعلى والأقوى؛ لأنه المنشئ ولو كانت القصة قصة تاريخية!