أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


هذا البحث أخذته من رد مطول كتبته على فصول من كتاب الموسوعة اليوسفية في بيان أدلة الصوفية للدكتور يوسف خطار وكتابه هذا طار له متصوفة أرض الشام يشترونه ويقتبسون منها علماء ومريدين وهي موسوعة بحق لكنها للشبهات والظلمات نسأل الله السلامة
وإليكم نص البحث :"ترتيب الأئمة في البحث موافق للترتيب الذي اختاره صاحب الموسوعة"
((( القسم الأول:
1- الإمام الشافعي :
ذكر المخالف هداه الله عن الشافعي قولين في مدح التصوف

القول الأول: قول الشافعي:
[صحبت الصوفية فاستفدت منهم ثلاث كلمات:
قولهم: الوقت سيف إذا لم تقطعه قطعك.
وقولهم: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
وقولهم: العدم عصمة]
القول الثاني:
[وقال أيضا: حبب إلي من دنياكم ثلاث: ترك التكلف وعشرة الخلق بالتلطف والاقتداء بطريق أهل التصوف]
{أ}

أما القول الأول فلا يثبت عن الشافعي رحمه الله فقد ذكره السيوطي في كتابه تأييد الحقيقة العلية بغير إسناد فكيف يصح أن ننسبه إليه
كذلك فإن السيوطي متأثر بالتصوف وذلك يظهر جليا للناظر في تصانيفه فأنى يقبل منه قول ينصر مذهبه بغير إسناد.
هذا والسيوطي رحمه الله المتوفى سنة911 هجرية حاطب ليل فهو مع سعة اطلاعه يجمع في كتبه الغث والسمين كما هو قول المحققين من العلماء



أما القول الثاني ذكره الشيخ اسماعيل العجلوني في (كشف الخفاء ومزيل الإِلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس)
وهذا القول ذكره العجلوني المتوفى سنة 1162 هجرية بغير إسناد ولم أجده مسنداً أثناء بحثي عنه بل إن العجلوني ذكره ضمن قصة عجيبة واضحة النكران
وقال عند سوقه لها: وفي كلام بعضهم
كأنه يشير إلى تضعيفها إذ من عادته أن ينسب الآثار التي يذكرها إلى مواضعها في بطون كتب أهل العلم
{ب}

وعلى فرض صحة نسبة الأقوال التي ذكرها الدكتور فليس لهم فيها دليل لأن
القول الأول قد دلَّس فيه الدكتور كعادته وأظن أن القارئ قد اعتاد على تدليس الدكتور هداه الله فقال : [صحبت الصوفية فاستفدت منهم ثلاث كلمات]
أما السيوطي فذكرها بلفظ:
[صحبت الصوفية فلم أستفد منهم سوى حرفين، وفي رواية سوى ثلاث كلمات].
وهي بهذا اللفظ أقرب منها للذم منها للمدح كما يظهر للقارئ
والقول الثاني على فرض صحته - وهو كما تبين ضعيف - إنما عنى فيه أئمة التصوف القدامى كابراهيم بن أدهم وأقرانه أرباب التقوى والمجاهدة والاتباع لا المتصوفة اليوم إذ غرقوا في ألوان من البدع شتى والله المستعان
{ج}
معلوم عند علماء الأصول عند اختلاف الرواية عن الإمام في مسألة معينة نرجح إحدى الروايتين

فانظر أخي لما روي عن الشافعي بالأسانيد الثابتة الواضحة التي رواها عن الشافعي تلاميذه ثم انظر أي الروايتين أرجح :
روى البيهقي في مناقب الشافعي (2 ـ208)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا محمد جعفر بن محمد بن الحارث يقول: سمعت أبا عبد الله: الحسين بن محمد بن بحر يقول: سمعت يونس بن عبد الله الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: (لو أن رجلاً تصوَّف من أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمقاً).

أخبرنا اسماعيل بن احمد السمرقندي نا حمد بن احمد الحداد نا أبو نعيم الأصفهاني ثنا أبو حامد بن حيان ثنا أبو الحسن البغدادي ثنا ابن صاعد قال سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: (أسس التصوف على الكسل)
أخبرنا محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن السندي يقول: سمعت الرَّبيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: (ما رأيت صوفياً عاقلاً قط إلا مسلم الخوَّاص).
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا عبد الله الرازي يقول: سمعت إبراهيم بن المولد يحكي عن الشافعي أنه قال:
(لا يكون الصوفي صوفياً حتى يكون فيه أربع خصال كسول كول نئوم كثير الفضول).
وروى ابن الجوزي (تلبيس إبليس صفحة: 371)
عن الشافعي قوله: (ما لزم أحد الصوفيين أربعين يوماً فعاد عقله أبداً).
وأنشد الشافعي
ودع الذين إذا أتوك تنسكوا ... وإذا خلوا كانوا ذئاب حقاف.
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
(تركت بالعراق شيئاً يقال له (التغبير)،أحدثه الزنادقة، ويصدُّون الناس عن القرآن)

روى ذلك أبو نعيم في الحلية وقال الألباني إسناده صحيح
وقد سُئلَ الإمام أبو إبراهيم المُزَني رحمه الله، وكان من كبار أصحاب الإمام الشافعي رحمه الله، فقيل له: ما تقول في الرقص على الطار والشبّابة؟ فقال: هذا لا يجوز في الدين. فقالوا أَمَا جوّزه الإمام الشافعي؟ فأنشد رحمه الله تعالى:
حاشا الإمامَ الشافعي النّبيه******* أن يرتقي غير معاني نبيه
أو يتركَ السنّةَ في نُسكه******* أو يبتَدِعَ في الدِّين ما ليس فيه
أو يبتدع طاراً وشبابة******* لناسك في الدِّين يقتديه
(الحلية 9/ 146) (وابن الجوزي 244 - 249)
قلت ((فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم صادقين))

2- الإمام أبو حنيفة النعمان :

انتقل الدكتور بعدها لينقل عن أبي حنيفة مذهبه في التصوف فقال:
[نقل الفقيه الحنفي الحصكفي صاحب الدر: أن أبا علي الدقاق رحمه الله تعالى قال:
(أنا أخذت هذه الطريقة من أبي القاسم النصر أباذي، وقال أبو القاسم: أنا أخذتها من الشبلي وهو من السري السقطي، وهو من معروف الكرخي وهو من داود الطائي، وهو أخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه وكل منهم أثنى عليه وأقر بفضله)]
قلت: الحصكفي نقل عبارته من الرسالة القشيرية كما بيَّن إلى قوله (وهو من داود الطائي)
ثم زاد الباقي من كيسه وزيادته مردودة قطعاً فبين الحصكفي والإمام أبي حنيفة رحمه الله حوالي ثمانية قرون فهل نقبل منه مثل هذه المجازفة هكذا لمجرد الهوى
وإليك نص ما جاء في الرسالة القشيرية:
(وكان الأستاذ أبو عليّ، يقول: أخذت هذا الطريق عن النصراباذي، والنصرأباذي عن الشبلي، والشبلي عن الجنيد، والجنيد عن السريّ، والسريّ عن معروف الكرخي، ومعروف الكرخي عن داود الطائي، وداود الطائي لقي التابعين.).
فهو هاهنا قد أبهم من فوق داود الطائي
)
ثم وجدت لابن الصلاح كلاماً قال فيه:
(ولي في لبس الخرقة إسناد عال جدا: ألبسني الخرقة أبو الحسن المؤيد بن محمد الطوسي, قال: أخذت الخرقة من أبي الأسعد هبة الرحمن بن أبى سعيد عبد الواحد بن أبي القاسم القشيري قال: أخذت الخرقة من جدي أبى القاسم, وهو أخذها من أبي علي الدقاق, وهو أخذها من أبى القاسم إبراهيم بن محمد بن حمويه النصر اباذي, هو أخذها من أبي بكر دلف بن جحدر الشبلي, وهو أخذها من الجنيد, وهو أخذها من السري, هو أخذها من معروف الكرخي, وهو أخذها من داود الطائي, وهو أخذها من حبيب العجمي, هو أخذها من الحسن البصري, وهو أخذها من علي بن أبى طالب, وهو أخذها من النبي صلى الله عليه وسلم)
وهذا الإسناد بين أن التابعي المبهم في إسناد القشيري هو حبيب العجمي وليس ابو حنيفة كما زعم الحصكفي والله المستعان
وبهذا بان تلبيسهم على الناس بزعمهم أن أبا حنيفة كان صوفياً والله أعلم
وأنبه ها هنا إلى أن الرواية التي ذكرنا في لبس الخرقة الصوفية لا تصح أصلاً وقد سلمنا بصحتها من باب الجدل والنقاش لا أكثر
فقد قال السخاوي في المقاصد الحسنة: "حديث (لبس الخرقة الصوفية وكون الحسن البصري لبسها من علي)
قال ابن دحية وابن الصلاح إنه باطل وكذا قال شيخنا إنه ليس في شيء من طرقها ما يثبت ولم يرد في خبر صحيح ولا حسن ولا ضعيف أن النبي ألبس الخرقة على الصورة المتعارفة بين الصوفية لأحد من أصحابه ولا أمر أحدا من أصحابه بفعل ذلك وكل ما يروى في ذلك صريحا فباطل قال ثم إن من الكذب المفترى قول من قال إن عليا ألبس الخرقة الحسن البصري فإن أئمة الحديث لم يثبتوا للحسن من علي سماعا فضلا عن أن يلبسه الخرقة
ولم يتفرد شيخنا بهذا بل سبقه إليه جماعة حتى من لبسها وألبسها كالدمياطي والذهبي والهكاري وأبي حيان والعلائي ومغلطاي والعراقي وابن الملقن والأبناسي والبرهان الحلبي وابن ناصر الدين وتكلم عليها في جزء مفرد وكذا أفردها غيره ممن توفي من أصحابنا "


والله أعلم)
3-الإمام مالك

ثم انتقل إلى الإمام مالك فنقل عنه أنه قال:
(من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن جمع بينهما فقد تحقق)
حاشية العلامة علي العدوي على شرح الإمام الزرقاني في الفقه المالكي وشرح عين العلم وزين الحلم للإمام ملا علي القاري
قلت: أليس من العجيب أن يقول الإمام مالك هذا الكلام ثم لا نجده في كتب الإمام وتلاميذه الأوائل ثم يذكرها عنه أصحاب القرون المتأخرة هكذا بغير إسناد
وأحيلكم إلى جواب الشيخ عبد الله الفقيه عن هذه المقولة كما في فتاوى الشبكة الإسلامية:
(فإن هذه المقولة كثر عند المتأخرين نسبتها للإمام مالك رحمه الله تعالى، فقد نسبها له العدوي في حاشيته على شرح الزرقاني لمختصر العزية في الفقه المالكي.
ولم نر ما يفيد صحة نسبة هذه المقولة للإمام رحمه الله، ومما يدل على عدم صحة نسبتها إليه أن لفظ الصوفية لم يكن معروفاً في القرون الأولى، كما قال ابن تيمية في الفتاوى، وابن الجوزي في التلبيس.
وأما كتب الإمام مالك فإنما المعروف مما ألفه بنفسه كتاب الموطأ، وقد جمع أسد بن الفرات وسحنون فتاواه التي أفتى بها وأخذوها من ابن القاسم وهي التي تسمى بالمدونة الكبرى أو مدونة الإمام مالك، ولم نر في الكتاب كلاما للإمام عن التصوف، واعلم بأنه قد نسب بعضهم هذه المقولة للشيخ إبراهيم الدسوقي، وهو من شيوخ التصوف)
)
فكيف وقد روي بالأسانيد كلام الإمام مالك في ذم المتصوفة رواها القاضي عياض رحمه الله في كتابه "ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك" (2ـ54) عن عبد الله بن يوسف التنيسي، وكان أحد الحاضرين لهذه القصة، وهو من مشاهير أصحاب الإمام مالك.
قال التنيسي: (كنا عند مالك وأصحابه حوله فقال رجل من أهل نصيبين: يا أبا عبد الله عندنا قوم يقال لهم الصوفية يأكلون كثيراً ثم يأخذون في القصائد ثم يقومون فيرقصون.
فقال مالك: أصبيان هم? قال: لا.
قال: أمجانين? قال: لا، قوم مشائخ وغير ذلك عقلاًء.
قال مالك: ما سمعت أن أحداً من أهل الإسلام يفعل هذا.
قال الرجل: بل يأكلون ثم يقومون فيرقصون نوائب ويلطم بعضهم رأسه وبعضهم وجهه. فضحك مالك ثم قام فدخل منزله.
فقال أصحاب مالك للرجل: لقد كنت يا هذا مشؤوماً على صاحبنا، لقد جالسناه نيفاً وثلاثين سنة فما رأيناه ضحك إلا في هذا اليوم).
)
واستفهام الإمام عن القوم يدل على عدم شهرتهم في ذلك الزمان.
وكما قال الشيخ الفقيه فقد يكون الكلام ثابتاً عن ابراهيم الدسوقي فقاموا بتحريفه وتبديله.
أولعل بعض الناس حرَّف الأثر المروي عن أبي بكر الوراق نسبة ومتناً بما أظنه أصلا لهذه المقولة المكذوبة لينقلها عن الإمام مالك رحمه الله قال أبو نعيم في حلية الأولياء:
(حدثنا أبو بكر الرازي قال سمعت غيلان السمرقندي يقول سمعت أبا بكر الوراق يقول: من اكتفى بالكلام دون الزهد تزندق ومن اكتفى بالزهد دون الكلام والفقه ابتدع ومن اكتفى بالفقه دون الزهد والورع تفسق ومن تفنن في هذه الأمور كلها تخلص)


)
4-الإمام أحمد بن حنبل :
لقد أبعد الدكتور النجعة حين صور الإمام أحمد كعامي سار في ركب المتصوفة مصفقا ومهللا ومباركا.
كلا والله بل كان أسداً للسنة ليثا لا يهاب الفتنة, ومن مثله رحمه الله صديق الأمة الثاني ,رجلٌ يزن أمة قام في وجه أهل البدعة كجبل أشم لينفض عن هذه الشريعة غباشة أهل الجدل والكلام والدكتور كعادته يلقي الكلام على عواهله لا يلقي له بالا
وكلامه هذا لايتكلم به أحد من أهل العلم والإيمان ولا يذكره إلا أعور بين عميان أو محتلم بين صبيان وثالثهم أحمق ذو هذيان
نسأل الله السلامة
قال الدكتور هداه الله:
[كان الإمام أحمد رحمه الله تعالى قبل مصاحبته للصوفية يقول لولده عبدالله رحمه الله تعالى: (يا ولدي عليك بالحديث وإياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية فإنهم ربما كان أحدهم جاهلا بأحكام دينه فلما صحب أبا حمزة البغدادي الصوفي وعرف أحوال القوم أصبح يقول لولده: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة).
ونقل العلامة محمد السفاريني الحنبلي رحمه الله تعالى عن إبراهيم بن عبدالله العلاني رحمه الله تعالى أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى قال عن الصوفية (لا أعلم أقواما أفضل منهم قيل إنهم يستحيون ويتواجدون قال دعوهم يفرحون مع الله ساعة ... )]

)
قلت أما القول الأول فقد نسبه الدكتور إلى كتاب تنوير القلوب لأمين الكردي رحمه الله وهو من رجال القرن الرابع عشر الهجري, والد الشيخ أحمد كفتارو, صوفي عتيق, وكتابه في أحوال الصوفية وأخبارهم.
وحقاً أقول إذا لم تستح فاصنع ما شئت فهذا الكلام من الكذب الواضح على الإمام إذ لم يوجد في شيء من كتبه ولم ينقله أحد من تلاميذه بل بحثت عنه في كتب المتأخرين من الحنابلة ولم أجده, حتى خرج علينا صوفي عتيق في قرون متأخرة ليتحفنا بمثل هذا النقل الساذج البارد فإلى الله المشتكى وبه المستغاث.
أما القول الثاني فقد ذكره الدكتور ونسبه إلى غذاء الألباب شرح منظومة الآداب ج1 ص 120.
والدكتور كعادته في بتر النصوص آثر أن يحرف المعاني فنقل ما يريد وأغمض العين عن التتمة, لا أدري, لعله نسي أن كلام أهل العلم لا يفهم إلا قطعة واحدة بمعرفة السياق واللحاق نقول عساه نسي ذلك من باب حسن الظن به!؟
وانظر كلام الشيخ محمد السفاريني كاملاً في غذاء الألباب ج1 ص 120
(وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَلَانِسِيُّ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ عَنْ الصُّوفِيَّةِ: لَا أَعْلَمُ أَقْوَامًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ، قِيلَ: إنَّهُمْ يَسْتَمِعُونَ وَيَتَوَاجَدُونَ، قَالَ: دَعُوهُمْ يَفْرَحُونَ مَعَ اللَّهِ سَاعَةً، قِيلَ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُغْشَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: {وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}
)
وَلَعَلَّ مُرَادَهُ سَمَاعُ الْقُرْآنِ، وَعَذَّرَهُمْ لِقُوَّةِ الْوَارِدِ، كَمَا عَذَّرَ يَحْيَى الْقَطَّانَ فِي الْغَشْيِ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ سَمِعَ عِنْدَهُ كَلَامَ الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَرَأَى أَصْحَابَهُ: مَا أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْت مِثْلَهُمْ، وَلَا سَمِعْت فِي عِلْمِ الْحَقَائِقِ مِثْلَ كَلَامِ هَذَا الرَّجُلِ، وَلَا أَرَى لَك صُحْبَتَهُمْ، وَقَدْ نَهَى عَنْ كِتَابَةِ كَلَامِ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ وَالِاسْتِمَاعِ لِلْقَاصِّ بِهِ قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: لِئَلَّا يُلْهُونَهُ عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا غَيْرُ، وَأَنْكَرَ الْآجُرِّيُّ وَابْنُ بَطَّةَ وَغَيْرُهُمَا هَذَا السَّمَاعَ).
فانظر أيها القارئ المبارك الفرق بين النقلين إذ أورده السفاريني مستغرباً فتأول ذلك بسماع القرآن وأتبعه بذكر نهي الإمام أحمد عن صحبة أصحاب هذا الصنيع وقد تكلف رحمه الله بالإجابة عن النص احتياطاً إذا ما ثبتت نسبته إلى الإمام والحق أن الحكاية موضوعة على الإمام أحمد كما سيتبين لنا بعد قليل
وقد ذكر هذا النقل أيضاً صاحب "كشاف القناع" (17ـ387) وصاحب "مطالب أولي النهى" (15ـ363)
و ذكره أيضاً الإمام ابن مفلح في الآداب الشرعية وهذا نصه:/ج2ص322و323 /
(وذكر الحافظ ابن الاخضر فيمن روى عن أحمد في ترجمة إبراهيم بن عبدالله القلانسي قال: قيل لأحمد بن حنبل إن الصوفية يجلسون في المساجد بلا علم على سبيل التوكل؟ قال: آلعلم أجلسهم؟ فقال: ليس مرادهم من الدنيا إلا كسرة خبز وخرقة فقال: لا أعلم على وجه الارض أقواما أفضل منهم قيل: إنهم يستمعون ويتواجدوان؛ قال: دعوهم يفرحون مع الله تعالى ساعة؛ قيل: فمنهم من يغشى عليه ومنهم من يموت؛ فقال: وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون
)
كذا روى هذه الرواية والمعروف خلاف هذا عنه؛ ولعل مراده أنهم يستمعون ويتواجدون عند القرآن فيحصل لبعضهم مايحصل من الغشي والموت كما كان يحصل ليحي بن سعيد القطان وعذره الإمام أحمد فلا يخالفه والله أعلم)
فانظر كيف استغرب العلامة ابن مفلح هذه الرواية وجزم بأن الثابت عن الإمام أحمد خلافها وقد صدق رحمه الله وإليك نصه:
روى أبو بكر الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله يقول: " التغبير محدث " ـ ومنه قوم يغبرون بذكر الله، أي يهللون ويرددون الصوت بالقراءة ونحوها ـ.
وقال أبو الحارث: سألت أبا عبد الله عن التغبير وقلت: إنه ترق عليه القلوب. فقال: " هو بدعة " وروى غيره أنه كرهه، ونهى عن إسماعه.
فلو صح نقلهم لكان مردوداً بما هو أثبت منه مما نقلنا آنفاً
ولم يتفرد الإمام بذلك فقد ذكرنا ما صح عن الشافعي أنه قال: " تركت بالعراق شيئاً يقال له التغبير، أحدثته الزنادقة، يصدون الناس به عن القرآن ".
وقال يزيد بن هارون: " ما يغبر إلا فاسق، ومتى كان التغبير؟ ".
وقال عبد الله بن داود: " أرى أن يضرب صاحب التغبير "
__________
1 - قال الزمخشري في تاج العروس:
قال ابنُ دُرَيْد: التَّغْبِير: تَهْلِيلٌ أَو تَرْدِيدُ صَوْتٍ يُرَدَّدُ بقِرَاءَةٍ وغَيْرِهَا. ومثلُه قولُ ابن القَطّاع ونَصُّه: وغَبَّرَ تَغْبِيراً: وهو تَهْلِيلٌ وتَرْدِيدُ صَوْتٍ بقراءَةٍ أَو غَيْرِهَا
)
أما ثبوت القصة التي ذكرها الدكتور فمطلب صعب المنال ولعد ذرات رمل عالج أهون عند أهل الحديث من إثبات مثل هذا
وإليك كلام فريد عصره شيخ المحدثين وإمام المفتين أحمد بن حجر العسقلاني الذي لم تلد النساء بعده مثله حفظاً ونقداً.
قال رحمه الله في لسان الميزان /ج4ص220/:
علي بن الحسن الطرسوسي، صوفي وضع حكاية عن الإمام أحمد في تحسين أحوال الصوفية رواها عنه العتيقي. انتهى
والحكاية المذكورة روينا في الطيوريات عن العتيقي عنه سألت سليمان بن أحمد الطبري سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول وقيل له: إن هؤلاء الصوفية جلوس في المساجد بغير علم. قال: العلم أفقدهم.؟ قيل له: فإن همتهم كسرة وخرقة.؟ فقال: لا أعلم عززا ممن هذا صفتهم. قيل: فإنهم إذا سمعوا السماع يقومون فيرقصون.؟ قال: دعوهم ساعة يفرحون بربهم.
وبهذا يتبين أن هذه القصة موضوعة على الإمام أحمد رحمه الله
ولعله وضعها من طريق ابراهيم القلانسي أيضاً إذ لم أجد هذه الرواية ولو عثر عليها ابن حجر وحسبك به علما واطلاعا لما حكم على القصة بالوضع والله المستعان
)
وأما الإمام أحمد بن حنبل فقد كان صارماً في مسائل البدع منكراً ومبيناً لها وإليك شيئا من النصوص المروية عنه:
فقد قال عندما بدأ الحارث المحاسبي يتكلم في هذه الخطرات: ((ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون". وحذر من مجالسة الحارث المحاسبي وقال لصاحب له: "لا أرى لك أن تجالسهم)).
سمعت أحمد بن حنبل وقد سئل عن الوساوس والخطرات. فقال: ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون.
قال السلمي: وتكلم الحارث المحاسبي في شيء من الكلام والصفات فهجره أحمد بن حنبل فاختفى إلى أن مات.
وقد ذكر أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل أنه قال: حذروا من الحارث أشد التحذير، الحارث أصل البلية -يعني في حوادث كلام جهم- ذاك جالسه فلان وفلان وأخرجهم إلى رأي جهم ما زال مأوى أصحاب الكلام، حارث بمنزلة الأسد المرابط انظر أي يوم يثب على الناس"
وقال عن سري السقطي الشيخ المعروف بطيب المطعم ثم حكى له عنه أنه قال أن الله عز و جل لما خلق الحروف سجدت الباء فقال نفروا الناس عنه (تلبيس إبليس 167 - 168)
والسري السقطي والحارث المحاسبي من أئمة التصوف الأوائل وقد أنكر عليهم الإمام أحمد رغم أن مخالفتهم للسنة كانت قليلة لا تكاد تذكر فليت شعري ما عساه يقول إمام أهل السنة لو رأى زماننا وقد عصفت به البدع من كل حدب وصوب والله المستعان
)