أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





أيها الأحبة هذه مقالة بعنوان هكذا ينبغي أن يكون التزاور بين المسلمين لشيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله فيها تذكير لبعض الفضائل والآداب التي ينبغي على المسلم التحلي بها

بسم الله الرحمن الرحيم
هكذا ينبغي أن يكون التَّزاور بين المسلمين
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله، و صحبه أجمعين .
أما بعد :
إن لزيارة الأقارب و الأصحاب و الجيران في الله أيها الأحبة فضل عظيم ،وأجر كبير عند ربنا سبحانه الكريم، فثمارها تُقطف في الدنيا قبل الآخرة بإذن الله.
فمن أهم ثمارها النافعة في الدنيا كسب محبة الله جل جلاله ورضاه،فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ الله له على مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا– أي على قارعة طريقه-فلما أتى عليه قال أَيْنَ تُرِيدُ؟ قال: أُرِيدُ أَخًا لي في هذه الْقَرْيَةِ، قال:هل لك عليه من نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا – تقوم بها-؟ قال: لَا غير أني أَحْبَبْتُهُ في اللَّهِ عز وجل، قال: فَإِنِّي رسول اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قد أَحَبَّكَ كما أَحْبَبْتَهُ فيه".رواه مسلم( 2567)
أما ثمرتها في الآخرة فهي الفوز بالجنة بإذن الله تعالى، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من عَادَ مَرِيضًا،أو زَارَ أَخًا له في اللَّهِ، نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ من الْجَنَّةِ مَنْزِلًا".رواه الترمذي (2008)
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- :" والزيارة لها فوائد فمع هذا الأجر العظيم – أي محبة الله جل جلاله و دخول الجنة بإذن الله-، فهي تؤلف القلوب، وتجمع الناس، وتذكر الناسي، وتنبه الغافل، وتعلم الجاهل، وفيها مصالح كثيرة يعرفها من جربها ". شرح رياض الصالحين ( 3/243)
إن الزيارة في الله كما تقدم في الله أيها الكرام أنواع فبعضها أفضل من بعض، كزيارة الأهل والأقارب خاصة الآباء و الأمهات فهذه أرفع درجة وأعلى منزلة لأنها صلة للرحم وتزاور في الله ،ولهذا تكاثرت النصوص في الحث عليها و بيان فضلها ، فعن أنس –رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، وأن يُنْسَأَ له في أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" .رواه البخاري (5639) و اللفظ له ، ومسلم (2577)
قال الشيخ السعدي –رحمه الله :"هذا الحديث فيه : الحث على صلة الرحم وبيان أنها كما أنها موجبة لرضى الله وثوابه في الآخرة، فإنها موجبة للثواب العاجل، بحصول أحب الأمور للعبد ، وأنها سبب لبسط الرزق وتوسيعه،وسبب لطول العمر وذلك حق على حقيقته ; فإنه تعالى هو الخالق للأسباب ومسبباتها .
وقد جعل الله لكل مطلوب سببا وطريقا ينال به ، وهذا جار على الأصل الكبير وأنه من حكمته وحمده جعل الجزاء من جنس العمل ، فكما وصل رحمه بالبر والإحسان المتنوع وأدخل على قلوبهم السرور، وصل الله عمره ووصل رزقه، وفتح له من أبواب الرزق وبركاته ما لا يحصل له بدون هذا السبب الجليل .
وكما أن الصحة وطيب الهواء وطيب الغذاء،واستعمال الأمور المقوية للأبدان والقلوب،من أسباب طول العمر ، فكذلك صلة الرحم جعلها الله سببا ربانيا".بهجة قلوب الأبرار(ص 728)
ولما كانت صلة الرحم بهذا الفضل وهذه المكانة أيها الأفاضل ، حذر الشرع المطهر أشد التحذير من قطعها ورتب على ذلك آثما، فعن جبير بن مُطْعِمٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ-أي رحم-".رواه البخاري(5638) واللفظ له،ومسلم ( 2556)
قال الإمام النووي –رحمه الله- :"هذا الحديث يتأول تأويلين ... أحدهما : حمله على من يستحل القطيعة بلا سبب ولا شبهة مع علمه بتحريمها فهذا كافر يخلد في النار ولا يدخل الجنة أبدا.
والثاني:معناه ولا يدخلها في أول الأمر مع السابقين بل يعاقب بتأخره القدر الذي يريده الله تعالى".الشرح على صحيح مسلم ( 16/ 113)
أيها الأحبة إن الذي يريد بزيارة أهله وجه الله سبحانه و الثواب على ذلك،لا تحدثه نفسه بأن من وصلني من أقاربي وصلته ومن قطعني قطعته، فإن هذه ليست بصلة كما قال صلى الله عليه وسلم:"ليس الواصل بالمكافئ،إنما الواصل من إذا قُطعت رحمه وصلها ". رواهالبخاري (5991)من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما-.
قال ابن بطال –رحمه الله- :"يعنى : ليس الواصل رحمه من وصلهم مكافأة لهم على صلة تقدمت منهم إليه فكافأهم عليها بصلة مثلها".شرح صحيح البخاري ( 9/ 208)
ومن تذكر عند إرادة زيارة أقاربه أن الذي يريد أن يصله قد ظلمه، فعليه أن يعفو عنه ويُصلح ما بينهما طمعا في عفو الله ومغفرته قال تعالى ﴿ فمن عفا و أصلح فأجره على الله ﴾ [ الشورى: 40]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- : " وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل ". تفسير السعدي ( ص760)
وليتذكر أن عفوه في الحقيقة هو عز ورفعة له و ليس خوفا وذلا ، ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ". رواه مسلم (2285)من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-.
وكذلك أيها الكرام من أعظم أنواع الزيارة في الله عيادة المريض، فهي من حق المسلم على أخيه المسلم، وتتأكد الزيارة أكثر إذا كان المريض من الأهل والأقارب ، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"حَقُّ الْمُسْلِمِ على الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ".رواه البخاري (1183) و اللفظ له، و مسلم (2162 )
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- :"أما الحق الثاني فهو عيادة المرض: المريض إذا مرض وانقطع في بيته فإن له حقاً على إخوانه المسلمين أن يعودوه ويذكروه ما ينبغي أن يذكروه به من التوبة والوصية،وكثرة الذكر والاستغفار وقراءة القرآن، وغير ذلك من الأعمال الصالحة، وكذلك يدعون له بالشفاء؛ مثل أن يقولوا: لا بأس طهور إن شاء الله، وما أشبه ذلك.
وعيادة المريض فرض كفاية، لابد أن يعود المسلمون أخاهم، وإذا عاده واحد منهم حصلت به الكفاية، وقد تكون فرض عين إذا كان المريض من الأقارب".شرح رياض الصالحين( 2/595)
ولقد جاءت أدلة كثيرة أيها الأفاضل تدل على فضل عيادة المريض و الحث على زيارته ،من ذلك ما جاءعن علي -رضي الله عنه- أنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إلا صلى عليه سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حتى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إلا صلى عليه سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حتى يُصْبِحَ، وكان له خَرِيفٌ في الْجَنَّةِ". رواه الترمذي ( 969) وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-
أيها الأحبة إن للزيارة في الله بكل أنواعها أحكاما شرعية و آدابا رفيعة عليَّة ينبغي أن يتحلى بها الزائر، ومن أهم ذلك :
-أن لا يكون في الزيارة مخالفات الشرعية كالاختلاط و مصافحة غير المحارم أو أن لا تكون فرصةً للغيبة و النميمة و الكلام في أعراض الناس و الله المستعان .
- أن تُستغل الزيارة فيما ينفع من الأمر بالمعروف كالحث على المحافظة على الصلوات وسار الأركان و الواجبات ، و التمسك بالسنة و الرجوع إلى العلماء الربانين عند النوازل ، وكذلك النهي عن المنكر بالحث عن الكف عن سائر البدع والمعاصي و المحرمات .
- أن يراعي الزائر الوقت المناسب الذي ليس فيه إحراج ولا مشقة على المزار، و ليستأذنه بالزيارة قبل المجيء ، و إذا جاء فعليه بعد أن يُسلِّم على من قصده أن يسمع كلامه ويجلس في المكان الذي دلَّه عليه .
يقول الإمام ابن مفلح – رحمه الله- : " وحاصل ذلك وتحقيقه أنه إن أمره صاحب المنزل بالجلوس في مكان منه لم يجز أن يتعداه، لأنه ملكه وسلطانه وتَكرمته –الموضع الخاص بالجلوس- ولهذا لو لم يأذن في الدخول لم يجز ولو أمره بالخروج لم يجز له المقام فيه ". الآداب الشرعية (1 / 427)
-وكذلك من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها أن لا يقترح طعاما بعينه إذا لم يُخير ، أما إذا خُيِّر فالأولى أن يراعي حال صاحب البيت و يختار الأيسر عليه ، قال ابن الجوزي –رحمه الله-:" ومن آداب الزائر أن لا يقترح طعاما بعينه، وإن خير بين طعامين اختار الأيسر، إلا أن يعلم أن مضيفه يسر باقتراحه ولا يَقصر عن تحصيل ذلك".الآداب الشرعية(3 / 197)
-وإذا كان من يريد زيارته مريضا فلا ينبغي أن يطيل عنده وليستغل وقته معه بمواساته وتذكيره أن ما أصابه لم يخطئه وهو بقضاء الله وقدره، وأن عليه التوبة وكثرة الاستغفار فالذي ألم به هو مطهرة له بإذن الله،و ليحرص على عدم زيارته في وقت نومه وراحته .
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- : " واعلم أن العلماء - رحمهم الله - ذكروا لعيادة المريض آداباً منها: ألا يكثر العائد لمريض محادثته بالسؤال عن حاله وعن نومه وأكله وشربه وما أشبه ذلك، إلا إذا كان يأنس بهذا ويُسر به، أما إذا كان يتضجر ولا يحب أن يكثر أحد الكلام معه كما هو حال بعض المرضى، فإنك لا تتبع مع الكلام ولا تضجره بالمساءلات.
لذلك قالوا: ينبغي أن لا يكثر المقام عنده ويطيل؛ لأنه قد يكون له حاجة مع أهله أو في نفسه، ولا يحب أن يطيل الجلوس عنده أحد، لكن إذا علمت أنه يستأنس بهذا ويفرح، فإنك تنظر ما فيه المصلحة.
وقالوا: ينبغي أيضاً أن لا يزوره في الأوقات التي يكون الغالب فيها النوم والراحة؛ كالقيلولة والليل وما أشبه هذا؛ لأن ذلك يضجره وينكد عليه، بل يكون بكره وعشيا حسب ما تقتضيه الحال ". شرح رياض الصالحين ( 2/595)
فهذه أيها الأحبة الأفاضل أهم الضوابط و الأخلاق التي ينبغي للزائر لأهله و إخوانه وأصدقائه أن يتحلى بها ويراعيها عند زيارته، لتتآلف القلوب وتتوثق المودة، و تزداد المحبة بإذن الله.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى و صفاته العليا أن يقوي روابط القرابة والأخوة بين المسلمين في كل مكان و يكتب أجر كل زائر في الله وواصل لأهله وأقاربه،ويهدي من كان قاطعا أو مقصرا،ويتوب عليهما، فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبو عبد الله حمزة النايلي