الرد على شبهة:
قول عائشة (ما أرى ربك إلا يسارع في هواك)
عن عائشة قالت: «كنت أغار على اللاتى وهبن أنفسهن لرسول الله وأقول أتهب المرأة نفسها فلما أنزل الله تعالى (ترجئ من تشاء منهن وتؤوى إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) قلت ما أرى ربك إلا يسارع فى هواك» (بخاري4788).
وعائشة لم تقل باطلا إذا أثبتت للنبي هوى هو به متحكم، فإن رسول الله بشر يهوى ويرغب الشيء مثلما يرغب بقية البشر. فلا يعيبه وجود هوى يرغب به النساء. ولكن يعيبه إذا كان متبعا لهواه دون أمر الله ونهيه. يتمادى به هواه للوقوع في الزنا وسائر المحرمات.
والحديث صحيح إجماعا. والأمة لا تجمع على ضلالة. فمن زعم ضعفه فقد خرج عما أجمعت الأمة على صحته. وادعى أنها بقيت على ضلال طيلة ألف وأربعمئة سنة تجمع على صحة الضعيف. ومثل هذا هو والله الضال.
فإذا صح الحديث وهو كذلك ولا ريب. نظرنا إلى ردة فعل النبي تجاه قول عائشة. فإذا لم ينكر عليها بل أقرها على قولها فيكون عدم إنكاره عليها حجتنا البالغة. فإن النبي لا يقر أحدا على باطل.
وقد أجل الله رسوله عن أن يقول أحد بحضرته كلاما باطلا ثم هو يسكت ويترك الإنكار لأمته من بعده.
والله هو الذي قدر للنبي زواجه من عائشة وحرم عليه تبديلها بزوجة أخرى كما قال: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من ازواج ولو أعجبك حسنهن).
كما أن الله أثبت أن عائشة تريد الله ورسوله والدار الآخرة كما قال: (إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما).
وكما أثبت عمار أنها زوجة النبي في الدنيا والآخرة إذ قال: "والله إني لأعلم أن عائشة زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة".
فإذا لم يسرحها النبي بل مات وهو بين سحرها ونحرها، عُلم حينئذ أنها من المحسنات اللواتي أن الله اعد لهن أجرا عظيما. وصحت الرواية عنها في قولها (يسارع في هواك).
صار المنكر على قولها هذا حينئذ جامعا بين أخلاق الخوارج وزندقة الرافضة. فهو جريء على الله وعلى رسوله، مستدرك على الله ورسوله، قليل الأدب في حق أهل بيته.
وقد اختار الرافضة أن يقفوا في صف النصارى في إثارتهم لهذه الشبهة. وأخشى أن يكونوا معهم في صف واحد يوم القيامة. فليأكلوا التراب، هم وذنبهم الذي يثير الشبهات من فيينا.
فإذا صح الحديث بقي أن أن ننظر في فقهه نظرة ملؤها الأدب وعدم التقدم على الله والرسول.
فحينئذ نقول:
الهوى هو الرغبة إلى الشيء والميل إليه. وهو مذموم. وأما ما كان منه في رغبة النساء مما تقتضيه الطبيعة البشر – والرسول منهم – فهذا هوى لا شبهة في أنه غير مذموم.
وقول عائشة (يسارع في هواك) مرتبط بهوى النساء ورغبتهن كما دلت عليه الآية، ولا يمكن أن نفهم من قولها أنها تثبت للنبي الهوى المطلق. وسياق الآية والحديث يشهدان بذلك.
وحينئذ فلا تعارض بين قولها هذا رضي الله عنها، وبين قوله تعالى (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى). فالآية تنفي أن يكون هذا القرآن من نفس النبي وهواه. وإنما نزل به جبريل من عند الله.
فالآية لا تنفي أن يكون عند النبي هوى كما يتوهمه البعض. وإنما تنفي ان يكون قد أنشأ القرآن من هواه. فلا يضر الإنسان أن يكون له هوى منقادا بالشرع. وإنما يضره أن يصير هواه قائدا له.
ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به".
فليس عيبا ان يكون عند الإنسان هوى تابعا للشرع، وإنما العيب ان يصير قائدا متبوعا وينأى بصاحبه عن شرع الله امرا ونهيا.
فكيف وأن الهوى في كلام عائشة مرتبط برغبة النساء؟
ومن الأدلة على ان الهوى يطلق ويراد به رغبة النساء ما رواه البخاري عن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه قال: "لما قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينى وبين سعد بن الربيع فقال: سعد بن الربيع إنى أكثر الأنصار مالا، فأقسم لك نصف مالى، وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها" (البخاري2048).
فقوله (هويت) أي رغبت ومالت إليها نفسك. وعلى هذا يحمل قول عائشة (يسارع في هواك) أي يسارع إلى موافقتك فيما ترغب.
وهواية النساء تنقسم الى هواية حلال.
وهواية حرام وهي من جنس ما نسبه اليهود والنصارى لأنبيائهم زورا وكفرا. كقولهم أن داود كان يهوى زوجة جاره حتى زنا بها. وأن يعقوب زنا بكنته، وأن لوطا زنا بابنتيه فأنجبتا منه أولادا.
فبعدا وسحقا لمن كانت له حواس ينتقد بها قول عائشة وتتعطل حواسه عند مطالعة هذه الكفريات من كتابه الباطل المحرف. وبعدا وسحقا لمن لم يبالوا أن يناقضوا آيات القرآن وأعني ذاك الأحمق القابع في فيينا والذي يستحق هذا البيت من الشعر:
وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم

http://www.dimashqiah.com/articles.a...15&links=False