أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


خطبة الجمعة بعنوان "فضل الحج وأيام العشر"ا

لخطبة الأولى


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون:
تتوالى مواسم الخيرات محفوفةً بفضل الزمان وشرف المكان، وأفئدة المسلمين تهفو لبيتٍ يتجهون إليه مراتٍ كل يوم، (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) وأنظارهٌم تتطلَّع لبقاعٍ مباركةٍ تتجدَّد فيها العِبَر والعِظات، قال سبحانه فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ نفعُه متعدٍّ للحاضر والباد، (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) والأرزاقُ إليه دارَّةٌ والنعم حوله متوالية، (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) رِكاب الحجيج يمَّمت بيت الله العتيق، راجيةً موعود الله، مُستقبلةً طاعةً من أجلِّ العبادات وركنًا من أركان الدين، حجُّ بيت الله الحرام بيتٌ لحطِّ الأوزار والآثام، قال - عليه الصلاة والسلام - لعمرو بن العاص عند إسلامه: «أَما علمتَ أن الإسلام يهدِم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدِم ما كان قبلها، وأن الحج يهدِم ما كان قبله»؛ رواه مسلم.
فيه غسلُ أدران الذنوب والخطايا، قال - عليه الصلاة والسلام -: «من حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجع كيوم ولدَته أمه»؛ متفق عليه.
ثوابه جنات النعيم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة»؛ رواه مسلم.
في الحج منافع وعِبَر: توحيد الله وإفراده بالعبادة شِعار الحج، وافتتاح النُّسُك: لبيكَ اللهم لبيكَ، استجابةٌ لأوامر الله وأعظم أمرٍ أمر الله به، قال جابر - رضي الله عنه -: أهلَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد؛ رواه مسلم.
لبيك لا شريك لك لبيك: نبذُ الشرك وإقراره بالتوحيد؛ إذ هو أساس الدين وأصله، وشرط قبول الأعمال.
إن الحمد والنعمة لك: فيها تذكيرٌ بإسداء النعم والثناء على المُنعِم، لتُصرَف الأعمال له وحده، ومن لبَّى في بلد الله الحرام فقد عاهَدَ ربه بإفراده بالعبودية في كل مكان وزمان.
والتجرُّد من المخيط تذكيرٌ بلباس الأكفان بعد الرحيل، وإرشادٌ إلى التواضع ونبذ الكبرياء، الجمع كله إزارٌ ورداء، الرأس خاضعٌ للجبار مُستكينٌ للرحمن.
وواجبٌ على الحاج إخلاص أعمال الحج وغيرها لله، فلا يريد بعمله رياءً ولا سُمعة، ولا مُباهاة ولا مفاخرة، (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) طلبُ رضا الله وتكفير السيئات.
وفي مناسك الحج درسٌ في التقيُّد بالسنة وحسن الاتباع، قال - عليه الصلاة والسلام -: «خذوا عني مناسككم»؛ رواه مسلم.
فعلى المسلم اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل قُربة، واقتفاء أثره في كل طاعة، وعدم تتبُّع الرُّخَص في الحج أو غيره، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).
والذكر حياة القلوب، والإكثار منه في المشاعر مقصدٌ من مقاصد أداء تلك الشعيرة، وأرجى لقبولها، وأصدق في إخلاص فعلها، قال - عز وجل -: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) وقال - جل وعلا -: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) وقال - سبحانه -: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) وقال تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) فشعائر الحج شُرِعت لذكر الله، قال - عليه الصلاة والسلام -: «إنما جُعِل الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله»؛ رواه الترمذي وقال حسن صحيح .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
أيام عشر ذي الحجة أيامٌ مُباركة، الأعمال فيها فاضلة، قال - عليه الصلاة والسلام -: «ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام - يعني: أيام العشر -». قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»؛ رواه البخاري.
فأكثِروا فيها من التكبير والتحميد، وقراءة القرآن، وصِلة الأرحام، وبر الوالدين، والصدقة، وتفريج الكُربات، وقضاء الحاجات، وسائر أنواع الطاعات.
وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - يُحيون في العشر سنة التكبير بين الناس، كان ابن عمر وأبو هريرة - رضي الله عنهما - يخرجان إلى السوق في أيام العشر، فيُكبِّران ويُكبِّر الناس بتكبيرهما؛ رواه البخاري.
فاغتنموا مواسم العبادة قبل فواتها، فالحياة مغنم، والأيام معدودة، والأعمار قصيرة.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنًا مطمئنّا، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اغفر للحُجَّاج والمُعتمرين، اللهم احفظ حُجَّاج بيتك الحرام، اللهم اجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وعملهم مُتقبَّلاً يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل، ونعوذ بك اللهم من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل، اللهم إنا نعوذ بك أن نُشرك بك شيئًا ونحن نعلم، ونستغفرك لما لا نعلم.
اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة، اللهم حرِّم بشرتنا ولحومنا على النار.
اللهم وفِّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رضا، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.