أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


لاخلاف أن سائر الصحابة عدول بتعديل الله لهم قبل كلام البشر ولا يماري في ذلك إلا مريض القلب أو سقيم النظر
ولا يعارض هذه الحقيقة الثابتة كتابا وسنة أن من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين المحدثين والأصوليين هاتان المسألتان : حد الصحبة وضبط الصحابة
ولعل مرجع الخلاف في هاتين المسألتين ونظائرهما هو التردد بين أكثر من فن ولكل علم أصوله وقواعده
وفي بحثنا هذا مراد المحدثين حفظ السنة ومراد الأصوليين ضبط الاصطلاحات والمعاني وليس هذا ولا ذاك ببعيد عن غاية كل منهما
فأردت ذكر مجمل ما وقفت عليه - دون توسع في ذكر استدلالات بعيدة يمكن مناقشتها والجواب عنها وإلا فالبحث واسع لا تستوعبه هذه السطور - منتظرا آراء الاخوة الفضلاء ومناقشاتهم وردودهم ليكتمل فيهما النظر

المسألة الأولي : حد الصحبة
اختلف الفقهاء فيها علي قولين :
الأول : تطلق الصحبة على كل من لقي النبي صصص وآمن به ومات علي الاسلام ولو تخللت ردة في الاصح وهذا تعريف بن حجر وعليه جمهور المحدثين.

الثاني :من رأى النبي صصص واختص به اختصاص المصحوب وهذا تعريف الاصوليين ووافقهم من المحدثين سعيد بن المسيب وعاصم الاحول وأبوزرعة الرازي وأبو داود
وهؤلاء اختلفوا فيما يحصل به هذا الاختصاص فجعله بعضهم طول الملازمة وبعضهم السماع منه صصصوبعضهم الاقامة وبعضهم النصرة والجهاد

أدلة القول الأول :
- من الكتاب
قوله تعالي "كنتم خير أمة أخرجت للناس"
وقوله تعالي "وكذلك جعلناكم أمة وسطا"
وقوله " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم"
وقوله " يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين "
وجه الدلالة
ثناء الله تعالي علي من اتبع النبي صصص والخطاب عام فلا يجوز تخصيصه ببعض أفراده
ويمكن مناقشة الايتان الاولي والثانية بأن الفضل الوارد في الايتين يشمل من رأي النبي صصص وآمن به صاحابيا كان أو غير صحابي

وتناقش الاية الثالثة بأنها خاصة بمن بايع النبيصصص تحت الشجرة
والرابعة أنها تبشر بالنصر والتأيد ولا توجب عدالة _ وإن ثبتت بغيرها من الأدلة _ للصحابة الكرام .

- ومن السنة
عموم الاحاديث الواردة في فضل الصحابة وأصرح ما يعتد به في الباب
حديث " طوبى لمن رآني و طوبى لمن رأى من رآني و لمن رأى من رأى من رآني و آمن بي " .

ويناقش بأن الحديث فيه الفضل وحده فلا يدل علي الصحبة وبأن هذا الفضل ورد أفضل منه لمن لم يختص بالرؤية وهو قوله " طوبى لمن رآني و آمن بي و طوبى ـ سبع مرات ـ لمن لم يرني و آمن بي " .

ومن المعقول
أن منع اطلاق اسم الصحبة علي كل من رآه صصص يلزم منه البحث عن عدالة بعضهم ويلزم من هذا ضياع بعض السنة لتعذر إثبات عدالة الجميع

ويناقش بأن نفي ما لم يثبت من السنة أولي من إثباته وهو حفظ للسنة كذلك

ومن المعقول أيضا
أن هذا القول يوجب إخراج جملة ممن اشتهروا بالسماع ولم تثبت لهم الملازمة
ويناقش بأن هذا الاستدلال التزم الملازمة للصحبة وليس بلازم عند أكثر المعارضين بل هي ضابط عند البعض وغيرهم يعد كثرة السماع نفسه من ضوابط حد الصحبة مثله مثل الملازمة والقتال
وبعضهم جعل حده العرف دون تحديد ضابط فيخل من اشتهر بالسماع فيه ضمنا

أدلة القول الثاني
- من الكتاب
قوله تعالي " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون "
وقوله " السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه"

وقوله "كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم"
وجه الدلالة
أن الله خص بالفضل ممن رأي النبي صصص من هاجر وجاهد معه ونصره فهؤلاء هم أصحابه

ومن السنة
حديث " أنا فرطكم على الحوض أنتظركم ليرفع لي رجال منكم حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول : رب أصحابي ! رب أصحابي ! فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " . ****
وجه الدلالة
أنه لفظ الصحبة يتردد بين معنييه العرفي واللغوي وإلا
فإن حملتم كل لفظ للصحبة علي المعني اللغوي (الأعم والأشمل) تنقصتم من عدالة جميعهم بهذا الحديث وإن حُمل علي المعني العرفي في الجميع لزم منه ملازمة جميع المؤمنين بعده وصحبتهم له وهو محال
فقد يرد وفق المعني اللغوي كما في هذا الحديث وقد يرد وفق المعني العرفي كما في غيره ولا يدرك المراد إلا بالقرائن فإن غابت قدم العرفي علي اللغوي كما هو معروف عند جمهور الأصوليين
وعليه فلا يلزم مما أوردتم من نصوص أن يكون المراد بالصحبة مجرد الرؤية.

ومن الأثر
بالأثر الذي رواه شعبة عن موسي السيلاني قال أتيت أنس بن مالك فقلت هل بقي من أصحاب رسول الله صصص غيرك ؟ قال بقي ناس من الأعراب قد رأوه وأما من صحبه فلا "

ومن المعقول
أن في منع اطلاق الصحبة علي غير الاصطلاح العرفي صون للسنة عما ليس منها فينبغي البحث في عدالة وضبط من لم تثبت له صحبة وإن رأي النبي صصص.

ملحوظة : الكلام في حد الصحبة لا يعني القدح في عدالتهم كما ذهب الروافض الخبثاء فكلهم عدول ثقات والخلاف كله في تعريفهم وحدهم