العقوبات والآثار المترتبة على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


أولاً: استحقاق لعنة الله:

الدليل : قال تعالى(( لعن الذين كفروا من بني إسراءيل على لسان داود وعيسى ابن مريم بما عصوا وكانوا يعتدون)) سورة المائدة :18



ثانياً: كثرة الخبث:

الدليل: فعن زينب بنت جحش رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ يوماً من نومه فزعاً وهو يقول: ((لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا))
وحلق بين أصبعيه السبابة والإبهام. فقالت له زينب رضي الله عنها يارسول الله ! أنهلك وفينا الصالحون؟

قال: (( نعم؛ إذا كثر الخبث )). متفق عليه



ثالثاً: إن كثرة الخبث تؤذن بالعذاب الإلهي العام والهلاك الشامل:

دل على ذلك حديث زينب المذكور آنفاً، الذي نقل عن جماعة من الصحابة ، مما يدل على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر.



رابعاً: الأختلاف والتناحر:

إن من أنكى العقوبات التي تنزل بالمجتمع المهمل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : أن يتحول المجتمع إلى فرق وشيع تتنازعها الإهواء، فيقع الأختلاف والتناحر قال الله تعالى: ((قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض)). سورة الأنعام:65



خامساً: تسليط الأعداء

فإن الله جل وعلا قد يبتلي المجتمع التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأن يسلط عليهم عدواً خارجياً، فيؤذيهم ، ويستبيح بيضتهم، وقد يأخذ بعض مافي أيديهم ، وقد يتحكم في رقابهم وأموالهم .

وقد مني المسلمون في تاريخهم بنماذج من ذلك ، لعل منها ما وقع للمسلمين في الأندلس،(الجوهرة الضائعة- أسبانيا حالياً) حيث تحولت عزتهم وقوتهم ومنعتهم- لما شاعت بينهم المنكرات بلا نكير- إلى ذل وهوان سامتهم إياه النصارى، حتى صار ملوكهم وسادتهم ينادى عليهم في أسواق الرقيق، وهم يبكون وينوحون؛ كما قال الشاعر:

فلو رأيت بكاهم عند بيعهم

لهالك الوجد واستهوتك أحزان (و)




سادساً: عدم إجابة الدعاء:

المسلمون التاركون لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ عندما ينزل بهم العقاب ؛ يتجهون إلى الله عز وجل؛ يدعونه ، ولكنه لا قد يستجيب لهم ؛ كما جاء في حديث حذيفة الذي سبق ذكره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( والذي نفسي بيده؛ لتأمرون بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر، أو ليبعثن الله عليكم عقاباً منه ، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم))

وماذا يبقى للناس إذن؟ ماذا يبقى لهم إذا اوصدت من دونهم رحمة الله؟ ولمن يلجؤون في هذا الكون العريض كله وقد أوصد الباب الأكبر الذي توصد بعده جميع الأبواب؟



سابعاً: هلاك الأمــــة:

ولذلك روى جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي؛ يقدرون على أن يغيروا عليه ، فلا يغيروا ؛ إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا)) وراه أبو داود وابن ماجة وصححه الالباني.

وعن أبي بكر رضي الله عنه؛ قال : يا أيها الناس! إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها: (( يأيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)) النساء:105، وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن الناس؛ إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه؛ أوشك أن يعمهم الله بعقاب)).

وسبب هذه العقوبة العامة الشاملة: أن المجتمع كله لحمة واحدة مترابطة، وبهذا يكون لكل فرد من أفراد صفة فردية من جهة وصفة اجتماعية باعتباره جزءًا من هذا المجتمع من جهه أخرى:

فإذا قارف الفرد المنكر مستخفياً مستتراً غير معلن- بصفته الفردية-؛ فهو لايضر إلا نفسه؛ لأن البيئة العامة بقيت نظيفة لم تتلوث بهذا المنكر، ولأن الغلبة والسيطرة والنفوذ للخير والمعروف، إذ المستتر بالمنكر إنما استتر في الغالب لأن المجتمع يعارضه ويخالفه ويرفض ما هو عليه ، فألجأه ذلك إلى التخفي ؛ شأنه في ذلك شأن من يخطط لهدم المجتمع وتدميره وزعزعتة أمنه؛ فهو كمن يصنع المتفجرات أو القنابل الحارقة لهدم منجزات المجتمع...لايمكن أن يصنع ذلك على قارعة الطريق!

أما إذا استعلن الفساق بمكراتهم ، وصارت الجرائم فاشية معروفة مشهورة؛ فإن البيئة العامة حينئذ قد تلوثت ، وصار هذا الحال يصغط على الصالحين ويحاصرهم، حتى يغدو الصلاح ولزوم الاستقامة أمراً صعباً؛ لأن المستقيم في هذة الحالة يسبح ضد التيار – كما يقولون-، ويصبح الفرد العادي الساذج أميل إلى الشر والأنحراف؛لطغيان البيئة وقوة تأثيرها في أفرادها، ويصبح الفرد المنحرف أكثر رغبة فيما هو فيه، وأكثر إقبالاً عليه وتهالكاً فيه.

وقد جسد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى عندما شبه المجتمع بالسفينة المنقسمة إلى طابقين: علوي ، وسفلي ، وشبه الواقعين في المنكرات بالقوم الذين في أسفل السفينة – إشارة إلى نزول رتبتهم وانحطاطهم-، وشبه المنكر الذي يقارفونه بالخرق الذين يحاولون في السفينة- ثم بين المهمة الخطيرة الملقاة على عواتق المهتدين الذين هم في أعلى السفينة- إشارة إلى علو مكانتهم وارتفاعها؛- بأن عليهم أن يأخذوا على أيدي الذين يحاولون خرق السفينة- وهم أهل المنكر-، ثم حدد صلى الله عليه وسلم السنة الإلهية التي لا تتأخر ولا تتغير ولا تتبدل؛ بأنهم : إن أخذوا على أيديهم ومنعوهم وأمروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر إذا استطاعوا؛ نجا الآخذون والمأخوذ على أيديهم- المجتمع-، وإن تركوهم وما أرادوا؛ غرقت السفينة بمن فيها.

فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما؛ قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة، فصار بعضهم في أعلاها، فكان الذين في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها، فتأذوا به ،فأخذ فأساً، فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه، فقالوا: ما لك ؟ قال : تأذيتم بي، ولابد لي من الماء! فإن أخذوا على يديه؛ أنجوه ونجوا أنفسهم وإن تركوه؛ أهلكوه وأهلكوا أنفسهم)). وفي رواية أخرى: (( مثل القائم على حدود الله والمداهن في حدود الله مثل ثلاثة نفر جلسوا في سفينة: أحدهم في صدرها، والآخر في أسفلها والآخر في وسطها فجعل يحفرها بفأس معه، فقال الذي يليه: لا تحفر فتغرقنا، وقال الآخر: دعه فإنما غرق نفسه)) رواه البخاري وذكر أبي الشيخ بصحة هذا الحديث، ويلفظ في الرواية الأخرى لإبي الشيخ للحديث أنه فسم المجتمع إلى ثلاث فئات:



الفئة الأولى:هي التي في أعلى السفينة، وهؤلاء هم: الصالحون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، الآخذون على أيدي السفهاء.



الفئة الثانية:التي في وسط السفينة، وهم الصالحون الساكتون المدهنون، الذين يقولون: دعوهم وشأنهم؛ يخرقون في نصيبهم وهم الهالكون المتواطئون مع صاحب المنكر من حيث يشعرون أو لايشعرون.



الفئة الثالثة:التي في أسفل السفينة، وهم أصحاب المنكر، الذين يحاولون خرق السفينة وإغراقها بمعاول الهدم والتخريب، سواء كانت هذه المعاول لهدم أخلاقيات المجتمع وجره إلى الرذيلة والفحش والانحلال من قيم الفضيلة، أو كانت معاول هدم العقائد وبث بذور الشك والشبهة والإلحاد.



هذا والله أعلم وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم.