صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 1 2 3 الأخيرةالأخيرة
النتائج 16 إلى 30 من 36

الموضوع: من أروع ماقرأت تلميذ الشيخ

  1. #16

    مشرفة سابق


    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    ريــاض العــز
    المشاركات
    6,168
    --------------------------------------------------------------------------------

    الحلقة الثانية عشر..

    كان ذلك الشيخ الذي دخل للمسجد وخرج هو العم عبد الله بن عمر العمري..

    وهو احد أقران الشيخ ابن عثيمين في الدراسة على شيخه ابن سعدي رحمه الله..

    بعد برهة وجيزة دخل ذلك الشيخ مرة أخرى ..

    وتسنن ثم نشر مصحفه وانكب عليه..

    بقيت وحيدا أرقب باب المسجد وارقب حقيبتي وكرتوني..

    خرجت قليلا من باب المسجد ، و قفت على الدرج الخارجي العريض ..

    حيث يقابل الخارج من المسجد دكانان أحدهما مكتوب عليه مركز إحياء التراث ..

    وعلى اليسار لوحة مكتوب عليها مؤسسة الاستقامة.. وكانت مغلقة!!

    دخلت لإحياء التراث ، وهي عبارة عن مكتب خدمات تصوير ..

    مليء بمذكرات دروس الشيخ ابن عثيمين ، وغيره من العلماء..

    استأذنت البائع بالتصفح فأذن لي..

    وسألته : هل هذه من تأليف الشيخ ..؟؟

    قال : كلا ، هذه مذكرات مفرغة من دروس الشيخ ...

    خرجت من عنده ثم توجهت للوضوء والاستعداد للصلاة..

    بعد دقائق ... دخل شاب نحيل بهي الطلعة..

    وتقدم لدولاب طويل أبيض خلف المحراب ملصق بالجدار..

    ففتحه ثم أضاء الميكرفون فأذن.. بصوت عذب وندي أعجز عن وصفه..

    لم اسمع في حياتي أذانا جميلا مثل أذان ذلك الشاب ..

    لا أدري هل ذلك بسبب حبي للجامع وأهله أم أن ذلك حق يوافقني عليه آخرون..؟؟

    لكن هذا رأيي الشخصي عن ذلك الصوت ولا شك أن الأذواق تختلف في الحكم ..!!

    فلا تلوموني إخوتي !!!

    اسم ذلك الشاب عبد الرحمن الريس بارك الله فيه..فهو جاري في الصف لسنوات !!

    بعدها تتابع الناس في الدخول للمسجد ولكن بوتيرة بطيئة!!

    خلاف ما رأيته في المساجد الأخرى.. !!

    وغالب من جاء للمسجد هم من الشباب المستقيم الملتزم ...

    تأخر الإمام فسألت من بجواري : هل الشيخ موجود ؟؟

    قال : نعم ولكنه يتأخر..

    وبعد مرور حوالي خمس وأربعين دقيقة من الأذان دخل الشيخ...

    هو كما عهدته لم يتغير من شكله شيء ..

    غير أنني هذه المرة أنا من قدم إليه..

    تقدم من الباب ثم خلع نعله وحملها بيده ثم سلم على الجماعة ..

    وقف المؤذن وفي يده ميكرفون ذو حبل طويل مما يعلق على الصدر..!!

    أقام الصلاة .. وكان الشيخ يستن بالسواك بيده اليسرى!!

    التفت للمؤذن ثم تناول منه الميكرفون فعلقه الشيخ على صدره بلمسة إحترافية..!!

    ثم التفت للناس وأمر الجميع بالاستواء والتراص..

    نظرات الشيخ ثاقبة وحاجباه كثيفان مليئان بالشعر الأبيض..

    يثيران في النفس الرهبة والمهابة.. كأن نظرته تخترق جسدك اختراقا..!!

    قدم وأخر في الصفوف كأنه قائد جيش !!

    حينما اطمأن من تراص الصفوف واستكمال الأول فالأول كبر الشيخ..

    أطال الشيخ في الركعة الأولى إطالة لم أعهدها...!!

    وفي ركوعه وسجوده وسائر الأركان يطيل الشيخ تطويلا بينا..

    فمع كبر سنه إلا أن نشاطه وتماسكه يساعدانه على تحمل تلك الصلاة !!

    ثم إن أغلب من يصلي معه من الشباب النشيط..

    سوى العم عبد الله العمري سالف الذكر..

    ورجلا آخر له شأن وأي شان...

    رجل مسن رقيق الجسم لا تكاد أن ترى في جسمه مزعة لحم..

    منحني الظهر ثيابه رثة وهيئته كهيئة مخبول أو معتوه !!

    ولكنه يحمل في صدره علما كالجبال ..

    إنه الشيخ الزاهد عبد الله الفالح..

    حينما رأيته ظننته شحاتا ..

    ولكن سمعت عنه وجالسته بعد ذلك فوجدت الرجل واسع الإطلاع راسخ العلم ..

    غير انه زاهد في الدنيا ومتعها حتى إنه لم يتزوج قط..!!

    ولعل أن تأتي مناسبة للحديث عن هذا الحبر بشكل أوسع ..

    ختم الشيخ صلاته بالسلام ..

    ثم استغفر بصوت جهوري .. وضج المسجد خلفه بالتسبيح والتهليل..

    ثم استدار الشيخ بفتوة ونشاط كما يستدير الفارس على صهوة فرسه..!!

    واستمر في تسبيحه وتهليله..

    تخطيت الصفوف وجلست بجوار الشيخ فألقيت بين يديه توصية صاحبي..

    فأشار لي الشيخ بيده اليسرى وهزها بعنف أن انتظر ..

    فخجلت وشعرت بحرارة تملئ وجهي حياء من ذلك الموقف..

    حينما استكمل الشيخ تسبيحه قال ماذا تريد..؟؟

    فقدمت له الورقة..

    فقال : ماذا فيها؟؟

    قلت: توصية من فلان..

    قال أعرفه وماذا تريد ؟؟

    قلت أريد أن ألتحق بحلقتك للدراسة لديك...

    قرأ الورقة بسرعة ثم أعادها وقال..: هذا لا يكفي لا بد من توصيتين .. ابحث عن

    شخص آخر أعرفه ليوصي بك..!!!

    ثم فز من مجلسه وتناول نعله وقام..!!!

    بقيت برهة أنظر حولي واحترت..؟؟؟

    هل انتهى كل شيء ؟؟

    لم اطل التفكير بل عزمت أن ألحق بالشيخ لأكلمه مرة أخرى..!!

    خرجت فلحقته فرأيت حشدا من الناس تسير مع الشيخ..

    منهم السائل والمستفتي ومنهم صاحب الحاجة ..

    كنت أراقب المشهد وأنا بحذو الشيخ ..

    يسير الشيخ من المسجد حتى بيته في كل الصلوات..

    صيفا وشتاء .. دونما كلل ..

    ولقد رأيت فتية نشطاء أقوياء يعجزون عن لحاق الشيخ حينما يسرع الخطى!!

    بعد تجاوز نصف المسافة .. ورجوع أكثر الناس..

    نظر إلي وقال : ايش عندك؟

    قلت له : ياشيخ لقد جئتك من مكان بعيد ولا يعرفني أحد سوى فلان الذي أوصى بي..

    فماذا أفعل ؟ لا سكن عندي ولا أعرف أحدا هنا في عنيزة؟؟؟

    قال : هل أنت شمري من حائل؟؟

    أسقط في يدي فالورقة فيها فلان الشمري؟؟

    فلو قلت غير ما هو مكتوب فهذا نهاية المطاف ؟؟

    وإن كذبت فلا حول ولا قوة إلا بالله !!

    تماسكت وقلت: نعم أنا شمري؟؟

    قال هل يعرفك عبد الله العبيلان رئيس مكتب الدعوة في حائل؟

    قلت : لا والله..

    قال هل يعرفك فلان رئيس المحكمة؟؟

    قلت : لا والله ياشيخ!!

    قال : ماذا افعل لك تصرف!!

    قلت : هل ممكن أن أنزل في السكن مع الطلاب حتى أجد من يزكيني؟؟

    أدار الشيخ وجهه نحوي..

    أخذني الشيخ طولا وعرضا بنظره وتأملني ثم قال : لا بأس أذهب لمحمد البجادي !!

    وقله أرسلني لك محمد للسكن مؤقتا !!

    قبلت رأسه ورجعت لمتاعي..

    حملته ثم التففت من خلف السكن المقابل للمسجد..

    وشاهدت جموعا من الطلبة تصعد وتنزل من باب السكن..

    فرأيت لوحة مكتوب عليها : مكتبة عنيزة الوطنية ..

    أسسها الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي..

    وها أنذا أدخل السكن الذي لن أخرج منه سوى بعد سنوات..

    يتنع إنشاء الله

  2. #17

    مشرفة سابق


    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    ريــاض العــز
    المشاركات
    6,168
    --------------------------------------------------------------------------------

    الحلقة الثالثة عشر


    دخلت لسكن الطلاب وهي عمارة ذات أربع طوابق..

    تبرع بها الملك خالد رحمه الله وأوقفها لطلبة العلم في الجامع الكبير..

    صعدت للطابق الثاني فوجدت الطلبة مجتمعين على الغداء..

    وعن يمين الصالة علقت لوحة مكتوب عليها ( المكتبة)

    سألت عن محمد بن بجاد.. فقال محدثي : أنا هو..!!

    وكان واقفا بجوار براد الماء على مدخل صالة الطعام..

    قلت له لقد بعثني الشيخ محمد إليك لكي توفر لي سكنا مؤقتا ..

    قال : لماذا مؤقت؟؟

    قلت : لم استكمل التوصيات ..

    قال : ما اسمك؟؟

    هل سأقول لهم اسما غير الذي أنادى به من شهر؟؟؟

    أنا فلان الشمري؟؟

    قال: ولكن لهجتك؟؟

    قلت له: أنا عايش طوال حياتي في الطائف؟؟؟

    انتهيت من تحقيق الأخ محمد الظريف ثم قال تفضل استرح في المطبخ!!!

    دخلت لصالة الطعام .. وهي صالة مفروشة بزل قديم ..

    كانت أشكال الطلبة مختلفة ومتباينة !!

    فتسمع اللهجة الحجازية وكذلك لهجة نجد طبعا..وترى الأفغاني والأفريقي..

    جاؤا من أصقاع الأرض ليثنوا ركبهم عند ذلك الحبر ..

    يجلس الطلبة حلقا على سفر الطعام..

    كانت رائحة الأكل تثير الشهية فانتظرت الأخ محمد ليدعوني أو غيره من الطلاب ..!

    فلقد كنت خجلا فأنا غريب بينهم ولا اعرف أحدا منهم..

    غربة ما بعدها غربة والله المستعان!!

    تكرم احد الطلبة بعد أن لمحني أتلمض دجاجة مشوية لا احد حولها..

    قال : تفضل كل معنا يا أخي ؟؟

    كدت أن أتمنع!!

    ولكن الجوع أبصر ..!!

    فانقضضت على طريدتي.. ولم يزاحمني عليها احد.. فظن شرا ولا تسأل عن الخبر!!

    حينما شبعت وغسلت يدي ..

    وخلت الصالة بعد أن ذهب جلهم لغرفهم وبعضهم يقيم خارج السكن!!

    بجوار المطبخ ثلاجة ذات بابين فيها مالذ من شراب وعصير وحلويات!! توجد

    ولكن بجوارها يجلس رجل أفغاني كأضخم رجل تراه!!

    وله لحية كثة وسمعت الطلبة يسمونه علاء الدين...

    قلت له : ياعلاء الدين ؟؟ هل ممكن اشتري من هذه الثلاجة؟؟

    ظننته سيقول هذا بالمجان تفضل خذ ما تريد!!

    قال : ايش تشرب ؟

    فطلبت البارد .. فقال : بس واحد ريال!!

    دفعته طبعا ومن ذا يجرؤ يزعل مثل هذا المخلوق الضخم!!

    لكن هذه الضخامة والسعة في الجسم تخفي في داخلها قلبا كبيرا ..

    إن علاء الدين هذا رجل لا كالرجال !!

    ولا اعرف أحدا في سكن الطلاب قد اشتكى منه طوال إقامتي في السكن..

    ويكفي ثقة شيخنا محمد به ..

    دعونا من علاء الدين الآن .. ولنكمل قصتنا..!!

    توسدت حقيبتي فنمت ...

    استيقظت على أذان عبد الرحمن وما أجمله من نداء..

    لم يكن في الحقيبة شيء يخاف عليه فتركتها غير عابئ بما يصير لها!!

    صلى بنا شيخنا صلاة العصر ثم قرأ عليه قارئ من كتاب رياض الصالحين ( أظن)

    فعلق عليه الشيخ تعليقا مبسطا ميسرا..

    والملاحظ كثرة المصلين في صلاة العصر عن صلاة الظهر ..

    حينما كان الشيخ يتحدث تذكرت رجلا يعمل في هيئة الأمر بالمعروف في حائل

    وهو من أقرباء سعود وذكر لي أنه من تلاميذ الشيخ محمد القدامى..

    اسمه عباس المعاشي( أو الشمري الشك مني).. بعد انتهاء الدرس تحلق حول الشيخ حشد من الناس منهم السائل ومنهم

    المستفتي وصاحب الحاجة ولقد رايت ما يعانيه الشيخ من صلف الناس وجفاءهم فرحمه الله وعفا عنه

    لحقت الشيخ وسألته...

    هل تقبل توصية عباس الشمري....؟؟

    قال : أنعم به وأكرم ...

    كنت احتفظ برقم عباس ..

    فتوجهت لكابينة الهاتف واتصلت عليه..

    رد علي عباس بصوت غير الذي عهدته؟؟

    كلمته في الموضوع..!!

    قال : أنا مريض ولكن سوف اتصل على الشيخ وابلغه بما تريد إن شاء الله..

    رجعت للسكن وبحثت عن محمد بن بجاد..

    فطلبت منه غرفة بسرير مريح لكي أضع متاعي فيها!!

    ضحك وقال : تعال اريك غرفتك!!

    صعدنا للدور الثالث .. ففتح لي الباب ..

    فرأيت غرفتي المريحة!!

    غرفة صغيرة ملقى فيها طراحة مهترئة ولحاف بالي ووسادة مهترة!!

    قد فرشت ببساط أقرب حاله أن أسميه أنه هالك!!!

    ركز بجدرانها رفوف فارغة لوضع الكتب .. فكانت أشبه بعجوز فاغرة ولا أسنان لها..

    قال تفضل هذه غرفتك..!!

    وقال : أنا لست مشرف السكن!!

    إن أردت شيء فكلم الأخ محمد زين العابدين !!

    قلت له: وأين أجد محمد زين العابدين هذا؟؟

    قال هو مسافر وسيأتي اليوم من شرورة ..و هو ينزل في غرفة في الدور الثاني ..

    مع شخص اسمه نافع الشمري!!

    حينما سمعت كلمة (شمري) جمد الدم في عروقي !!

    فهاأنذا أجاور شمريا حقيقيا !!

    ثم انصرف .. وتركني في الغرفة..

    وأظنه قال في نفسه : يالهذا الأحمق هل يظن نفسه سينزل في غرفة خمس نجوم!!

    جلست على طراحتي البالية ..

    أنظر لجدران الغرفة المتسخة !!

    سبحان الله .. كيف يرضى الشيخ محمد بهذا الحال؟؟

    ولم أكن اعلم إلا بعد حين أن غرفتي تلك هي غرفة الضيافة!!

    ولكن بعد فترة والشهادة لله فقد تحسنت الأوضاع بشكل ملفت..

    وجدد السكن تجديدا يليق بمقام شيخنا رحمه الله رحمة واسعة..

    وقفت على نافذة الغرفة حيث تشرف نافذتي على الشارع العام..

    أراقب الرائح والجاي كما يقولون!!

    لمحت نسوة كثرا متلفعات بالسواد .. وجالسات على الرصيف ..

    وبعد لحظات جاء الباص فحملهن ومكتوب عليه ( مستشفى الملك سعود)

    إذا ،هن ممرضات!! ومتسترات بهذا الستر؟؟ .. بل وسمعت ان كثيرا منهن غير مسلمات!!

    فالسفور كما سبق نادر أو معدوم ...

    تركت الممرضات اللاتي يذكرنني بالمرض والهم فنزلت للمسجد..

    سألت عن الدرس في تلك الليلة ..

    فقالوا لي :الدرس الليلة في كتاب زاد المستنقع ..

    سألت أحد الطلاب عن مكتبة قريبة..

    فأشار لمكتبة مجاورة لجنوب المسجد مكتوب عليها مكتبة الإمام الذهبي..

    دخلت للمكتبة وطلبت من البائع أن يعطيني متن الزاد..

    فاشتريته ثم توجهت للمسجد..

    رأيت مجموعة من الكتب موضوعة للحجز أمام الشيخ ..

    ولم تكن تلك العادة غريبة علي فقد كنت افعلها في دروس مشائخنا في الطائف..

    تقدمت وبكل جرأة وصفاقة !!

    فالتفت حولي هل يراني من احد !!

    فأزحت كتابين عن بعضهما وفرقت بينهما في المجالس ووضعت كتابي بينهما..!!

    ولقد اخترت الصف الأول بل وأمام الشيخ مباشرة!!

    لقد كانت تلك الجرأة والصفاقة سببا هيئه الله تعالى لي لكي يفتح قلب شيخنا الكبير

    لشخص مغمور ضائع مثلي...

    يتبع إن شاء الله

  3. #18

    مشرفة سابق


    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    ريــاض العــز
    المشاركات
    6,168
    الحلقة الرابعة عشر

    في دروس شيخنا في عنيزة من النادر أن يسال الشيخ الطالب خلال الدرس..

    فغالبهم قد جاء له من أماكن بعيده بقصد العلم والتحصيل ..

    وفيهم من الطاقة والحيوية ما يجعلهم حريصين ومتنبهين لكل فائدة ومسألة.

    ولكن الوضع ذلك اليوم مختلف ..!!

    سألني الشيخ في ذلك الدرس ثلاث مرات كأنه يختبرني أو سيقول لي : طس !!

    وبحمد الله بلعت الطعم ولم أقع في المصيدة!!

    فقد أجبته بما فتحه الله علي مما حصلته عند مشائخنا في الطائف..

    فكان ذلك فأل خير لي بحمد الله تعالى..

    انتهى الدرس الأول بعد الأذان ..

    ثم تقدم شاب من الصف الخلفي وجلس بيني وبين جاري الغاضب مني!!

    وعلق الميكرفون على صدره .. ثم أخذ يقرأ من نونية ابن القيم..

    بصوت جمع بين العذوبة والرقة ، وجمال الأبيات التي نظمها ابن القيم رحمه الله..

    لقد كانت تلك المنظومة مع أنها تحوي ردودا علمية رصينة إلا أنها...

    حوت حكما ومواعظ وطرائف لا يتقن نظم قلائدها سوى مثل ابن القيم وكفى به !!

    لاحظت رجلا أفغانيا ذو عمامة عريضة ويلبس المرآة يجلس عن يمين الشيخ..

    و لاحظت الشيخ يستأنس كثيرا بالحديث معه أو مناقشته ..

    وكانت أسئلته وركاكة لسانه الأعجمي تثير ضحك الطلاب ..

    كنا نستأنس ونفرح حينما يسأل هداية الله لأن شيخنا يسر بذلك ..

    ومع عجمته وصعوبة النطق بالعربية لديه حيث انه لا يتكلم سوى بالفصحى

    المكسرة..!!

    إلا أن الرجل قد أتقن علوم الآلة من نحو وأصول وأصول تفسير ، بشكل شبه كامل..

    أذكر في درس الفرائض من متن البرهانية المسألة العنقودية والتي لم يستطع حلها سوى

    هداية الله !!

    وهي مسألة شائكة ومعقده لا يقدر عليها سوى الراسخين في الحساب والفرائض..


    كان هداية الله هذا يسجل دروس الشيخ في مسجل صغير..

    ثم يرجع لغرفته فيغلق الباب على نفسه ..

    فلا ينام حتى ينسخ ذلك الشريط على دفتر خاص ثم يترجمه من فوره للغته الأفغانية!!

    و هذا ما يفعله كل ليلة طوال ست سنوات جاورته وخبرت حاله..!!

    انتهى الدرس وتوجهنا للمصلى وكنت وضعت كتابا بجوار المؤذن لكي أصلي مكانه..

    صليت خلف شيخنا .. وبعد السلام ..تحلق مجموعة من الناس حول الشيخ ..

    كما هي العادة في كل صلاة سوى صلاة الفجر والمغرب..

    ثم قام الشيخ وخرج من المسجد لحقته مع الناس وذلك بقصد الفضول فقط ..

    كنت أسير بمحاذاة الشيخ واستمع لأسئلة الطلبة والمستفتين..

    ولقد فاجأني الشيخ حينما التفت إلي وقال:

    يبدوا أنك تريد العلم والتحصيل !!

    كانت غير متوقعة والله ..

    ثم قال الشيخ .. هل نزلت في السكن؟

    قلت : نعم..

    كان الطلبة يراقبون هذا الموقف وقلوب بعضهم تخفق من الغيرة من هذا الحوار

    الخاص!! والنموذجي!!

    قال : إذا عجل بالتزكية حتى نسمح لك بالبقاء ..!!

    قلت له : لقد اتصلت على عباس وهو مريض وقال سيتصل عليك!!

    قال : خيرا إن شاء الله .. ثم عدت أدراجي للسكن..

    استبشرت بهذا النجاح الذي لم ارتب له شيئا بل توفيق الخالق سبحانه وتعالى..

    دخلت لغرفتي فوجدت زائرا ينتظرني!!

    وجدت شخصا جالسا في غرفتي..

    سلمت عليه .. فرد وقال : هل أنت تسكن في هذه الغرفة؟؟

    قلت : اليوم نزلت فيها..

    قال : إذا سنكون سوية هنا .. أنا أخوك بندر الحربي ..

    تعارفنا .. قليلا ثم نزلنا للعشاء.. وهذه المرة لم أنتظر أحدا يدعوني!!

    حقيقة أن تنام في غرفة صغيرة وضيقة مع شخص لا تعرفه شيء مزعج..لمن لم يعتد عليه

    خصوصا انه لم يستأذنني احد في اختيار زميل السكن..

    ولكن لا خيار لي فإما مع بندر أو الشارع!!

    ولكن بندرا هذا رجل ظريف وحلو المعشر ..

    وبعد حديث طويل معه اكتشفت طيبته ..

    ومع انه رجل انعزالي ولا يحب مخالطة الناس ونظراته غير محببة ، لعمقها

    وحدتها!!!

    إلا أنني حينما عاشرته وخالطته تبين انه رجل طيب وفاضل..

    استأمنته على بعض أموري وكنت أستشيره فيصدق المشورة!!

    كنت أخرج للتنزه مع بندر على سيارته الوانيت في الطعوس المحيطة بعنيزة

    وما أكثرها!!


    في اليوم التالي .. حضرت درس الصباح ..

    والذي يستمر من الساعة الثامنة وحتى العاشرة والنصف..

    ويدرس فيه الشيخ خمسة كتب ..

    والحضور في تلك الدروس ليس بالكثرة التي كانت بالأمس..

    حيث أن هذه الدروس فقط في موسم الصيف والعطل الدراسية..

    كانت الدروس صعبة علي لمستواها العالي عني..

    ومع ذلك فلم انقطع عنها طوال الفترة المتبقية من الصيف والتي لم تطل كثيرا..

    بخصوص المكان فقد تمسكت بالمكان الذي جلست فيه بالأمس ..

    وذلك لسنوات عديدة بفضل الله تعالى..

    وذلك على رغم عدم رضى جاري سامحه الله!!

    والذي ستكون لي معه مواقف ستصطدم كثيرا من قراء هذه الحلقات..

    ولست اقصد من روايتها الشماتة به أو النيل منه..

    فأنا لن اسميه ولا احد من القراء يعرفه أو يعرفني ..

    ولا يخلوا ذكر القصة من فائدة وحكم وطرفة !!

    ومع أن تلك المواقف حصلت قبل سنوات عديدة إلا أنها لن تمر دون اعتبار وتمحيص..

    والموعد عند رب العالمين سبحانه وتعالى هو حسبنا ونعم الوكيل..

    يتبع إن شاء الله

  4. #19

    مشرفة سابق


    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    ريــاض العــز
    المشاركات
    6,168
    --------------------------------------------------------------------------------

    الحلقة الخامسة عشر

    في اليوم التالي حصل تقريبا ما حصل بالأمس غير أن المفاجأ ة كانت وعلى غير المتوقع

    حينما مشيت مع الشيخ في عودته لبيته بعد الدرس الصباحي ..

    ناداني الشيخ وبانزعاج ظاهر وقال لي: لما لم يتصل صاحبك؟؟

    قلت له: والله لا أدري ولكن في اتصالي السابق عليه قال هو مريض..

    فلعله اتصل على تلفونكم فلم يجبه أحد!!

    قال الشيخ: هات رقم تلفونه وسوف أتصل عليه أنا!!

    لم أكن ساعتها أحمل رقم عباس فقلت له: سأحضره لك بعد صلاة الظهر..

    وبعد الصلاة ناولت الشيخ ورقة عليها رقم الشيخ عباس ..

    كنت قلقا للغاية .. فالشيخ محمد لمن خالطه رجل حازم ..

    ولا أسهل عليه من أن يقول لي ارجع من حيث أتيت!!

    وكون الشيخ يطلب رقم عباس ليتصل عليه من طرفه إن ذلك الفعل هو نبيل وتواضع

    من شيخنا جزاه الله خيرا.. ورحمه وأسكنه جنات النعيم..

    بعد صلاة العصر وانتهاء درس العامة ..أشار لي الشيخ وكنت أمامه بجوار المؤذن

    أن الحق بي!!

    لحقته ومشيت بجواره ولكنه لم يكلمني في شيء..!!

    انتظر الشيخ حتى انتهى الناس وقضى حوائجهم وبقيت أنا وهو بمفردنا نسير حتى

    اقتربنا من البيت وكنت منتظرا دون أن استبق منه شيء!!


    ولكن يعلم الله سبحانه وتعالى أنني قد خفت وظننت الظنون فربما أن أخي سعود أخبر

    عباس بمشكلتي ..

    وبدوره أطلع عباس الشيخ على الحاصل !!

    قال الشيخ: خلاص!!

    شدهت وظننت أنه خلاص سيخرجني ولكنه استأنف كلامه...

    أنا كلمت عباس وهو أثنى عليك خيرا!!

    وسكت!!

    قلت في نفسي :ما معنى هذا الكلام؟؟؟

    ثم أكمل شيخنا وهو يضم يديه ويشير بها للإمام ويزم شفتيه وقال :

    سنقبلك في السكن!! بشرط أن تجتهد في الطلب..

    لو كان بيدي في تلك اللحظة أن اصرخ من الفرح لفعلت!!

    أي خبر سعيد هذا !! الحمد لله رب العالمين..

    ثم قال الشيخ : وأنت يافلان الشمري!!!

    اغتنم هذه الفرصة ، خاصة أنك ما زلت في مقتبل عمرك .. وفقك الله..

    انصرفت بعد أن قبلت رأسه ودعوت له..

    ما أجمل أن ترى بصيص الأمل بعد اليأس .. ما أجمل الشعور بالاستقرار

    وخاصة في كنف ورعاية رجل بوزن الشيخ محمد عليه الرحمة والرضوان..

    لم أطمع ولم أحلم بل والله الذي لا إله سواه ولم يخطر في بالي أن أحصل على أي

    امتيازات مادية أو معنوية من قبل الشيخ محمد ..

    بل كان يكفيني أن أحصل على ما حصل عليه

    الآلاف سواي من طلبة العلم الذين يحيطون بشيخنا من كل صوب كل يبحث عن

    رضاه بعد رضى الخالق سبحانه وتعالى فهو للجميع بمقام الأب الحاني ..

    ومن ذا لا يبحث عن رضى والده..أو والدته..

    وكذلك يكفيني ويشرفني أن أتتلمذ على يديه وأحصل على علم قل منه أو كثر..

    انخرطت بعون الله سبحانه في طلب العلم والتحصيل فكان هو شغلي وهمي ..

    اقتنيت عددا من الكتب ورتبتها على الرفوف في غرفتي الصغيرة..

    تعرفت على عدد من الطلاب ولكن لم يكن اهتمامي منصبا على ذلك..

    من الطلبة الذين عرفتهم وخالطتهم الأخ نافع الشمري ..

    وكذلك الخ خالد الشمري .. ومنهم الأخ محمد زين العابدين!!

    هذا الأخير هو مشرف السكن ..

    وقد وصل من شرورة لكي يرتب سكنا له ولزوجته التي دخل بها قبل أسابيع!!

    وبذلك سينتقل من السكن الحالي والذي هو سكن للعزاب فقط ليستأجر بيتا له

    ولعائلته..

    الأخ محمد رجل عاقل وفيه حلم وأناة ولذلك كان اختياره للإشراف على السكن هو

    اختيار موفق..

    كان الأخ محمد هو ملاذ الطلاب عند المحن بعد الله فهو الوسيط بينهم وبين الشيخ ..

    ولقد كانت مهابة الشيخ محمد رغم تواضعه تمنع كثيرا منهم عن مخاطبته مباشرة..

    ولكن يكفي أن يوصل الأخ محمد شكاويهم وطلباتهم ليبت فيه الشيخ ..

    طلبت عن طريق الأخ محمد أن يوفروا لي كتبا ومراجع فوضعت قائمة كبيرة بالكتب..

    سلمتها لمحمد .. فظهرت على وجهه ابتسامة صفراء ماكرة !!

    وهز رأسه وقال: هل تظن الشيخ يوافق لك على هذه الكتب؟؟

    قلت له قدمها له وسنرى..

    وفعلا قدم محمد القائمة للشيخ بعد ظهر إحدى الأيام فوضعها الشيخ في جيبه..

    بعد يوم أو في ذلك اليوم بعد العصر ناداني محمد وقال : انظر في ورقتك!!

    فوقعت عيني على شخاميط بالقلم الأحمر وضعت على كل الكتب تقريبا وأضيف عليها

    للتأكيد علامة

    X

    ووافق على كتابين أو ثلاثة وأرفق معها قيمة الكتب نقدا معلقة بالفاتورة!!

    أخذتها وحمدت الله تعالى واشتريت الكتابين فأضفتها لمكتبتي الصغيرة..

    وعلى كل فقد وفر في السكن مكتبة علمية لا بأس بها وتحوي مراجع كثيرة

    للباحثين ومحبي القراءة .. ومع ذلك فالمكتبة شبه خالية ..

    والسبب في ذلك

    أن أغلب الطلاب قد يسر الله لهم مكاتب على حسب تخصصاتهم ومشاربهم في غرفهم..

    فترى الطالب المهتم بعلم الحديث والتخريج أكثر كتبه ومراجعه من ذلك..

    وينطبق الحال كذلك على طالب الفقه والتفسير وغيرها ..

    أما أنا فقد كانت مكتبتي صغيرة ولكنها نمت وترعرعت حتى خرجت من سكن الطلاب..

    وإنه ليعجز عن حملها الرجال الأشداء أولي القوة لكثرتها وتنوعها والحمد لله..!!

    يتبع إن شاء الله

  5. #20

    مشرفة سابق


    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    ريــاض العــز
    المشاركات
    6,168
    --------------------------------------------------------------------------------

    الحلقة السادسة عشر

    من خلال جلوسي الدائم أمام الشيخ وبجوار قدماء الطلبة

    لا بد أن يؤدي ذلك برغبة أو بغير رغبة إلى نشوء علاقة ما!!

    لن أتوسع في هذا الأمر وهو غير مهم أبدا لكم غير أن هناك حالة لا بد من ذكرها..

    في حلقة مضت ذكرت ذلك الشاب الذي خرج من غرفة مجاورة لموقع الدرس..

    كان ذلك الشاب من كبار طلبة الشيخ وأفقههم بل ومن أقرب الناس لشيخنا..

    لا ينافسه على ذلك أحد ، ولم يكن يخفى علي ولا على سواي ذلك ..

    بل أن للقرابة العائلية بينه وبين الشيخ زادت الأمر رسوخا وبيانا..

    تعرفت على الرجل وكانت علاقتنا لا بأس بها ..

    كنت أتصافح معه قبل الدروس ويزداد التعارف بيننا يوما فيوما!!

    ذكرت في الحلقة الماضية أن الشيخ أعجب ببحثي الذي كتبته..

    ورأى أن ذلك علامة نبوغ مني على صغر سني ولكنه حتى ذلك الحين لم يبد الشيخ

    نحوي شيئا..

    وذات مرة تغيبت في سفرة لمدينة حائل لزيارة الأخ سعود وغبت ثلاثة أيام..

    لم يفتقدني أحد كما كنت أظن ولم أكن أعلم قوانين السكن حينها وضرورة أخذ الأذن

    من المشرف...

    ولقد اشتقت لرؤية سعود بعد أن انقطعت عنه حوالي الشهر وزيادة فرغبت بلقائه..

    زرته في حائل ومنها نزلت للرياض بالطائرة ثم للشرقية ثم عدت منها للقصيم..

    كانت رحلة استجمام وترويح بعد عناء وانشغال بالطلب ..

    حينما عدت لعنيزة كانت الأمور على مايرام فيما أظن !!

    أذكر أنني بعد صلاة عشاء ذلك اليوم وقد وصلت للجامع قبل الصلاة بقليل..

    رافقت الحشد الذي يسير مع الشيخ لبيته ..

    ولم يكن ذلك الحشد كبيرا ..

    بعد انتهاء الناس تقدمت للشيخ فقبلت رأسه ..

    قال لي: أين كنت ؟؟ لا حظت أنك تغيبت عن الدروس عدة أيام!!

    لقد كانت لفتة أبوية وحانية افتقدها والله في تلك الأيام..

    ما أجمل أن يشعرك أحد بالاهتمام بك والاطمئنان عليك خاصة لو كنت في ضائقة وكربه..

    أما أن تأتي تلك اللفتة من شيخنا فوا لله إن ذلك لشرف لي وأي شرف ..

    قلت له: لقد سافرت لحائل لزيارة أقربائي ..!!

    قال لي: ووالديك ؟

    شدهت وارتفع حاجباي وعجزت عن الإجابة ولكن تداركت الأمر سريعا وقلت:

    طبعا والداي نعم!!

    دار بيننا الحوار التالي:

    أين يعمل والدك ؟

    قلت له :والدي رجل أعمال!!

    ثم استأنفت كلامي .. بدون حساب للعواقب ..

    ولكن والدي بيني وبينه خلاف !!

    قال : كيف؟

    قلت : لا يحب والدي أن اطلب العلم بل يريدني أن اهتم بدراستي النظامية فقط..!!

    وأخذت في فبركة كلام على الوالد مما لا يصلح الحديث عنه هنا والله يعفو عني فيما

    قلت!!

    قال لي : وأين يقيم والدك ؟

    قلت له : في الطائف !!

    قال : الم تقل انك ذهبت لرؤية والديك في حائل؟؟

    سكت ولم اجبه فعرف الشيخ أن في الأمر شيئا ولكنه لم يبال حينها!!

    ختم حواره بهذه الجملة : لا أسمح لك مرة أخرى بالسفر حتى تأخذ أذنا مني فأنا في

    مقام والدك !!

    ما أجمل وقع تلك الكلمات على نفسي هي والله في نفسي ذلك اليوم ..

    كماء بارد شربته بعد عطش شديد في صحراء قاحلة وساخنة..

    لقد بثت تلك الكلمات في نفسي روحا جديدة وهمة لا يقاومها أي كساد أو تلف ..

    رحمة الله عليه واسكنه فسيح جناته وجعل ذلك في ميزان حسناته..

    رجعت لغرفتي فحكيت لبندر ما حصل بيني وبين الشيخ من حوار..

    لم يصدق بندر أن يكون هذا التصرف من الشيخ بهذا الشكل !!

    فمن أنت حتى تحصل على هذه الميزة وهذا الاهتمام؟؟

    .. ولكن والله هذا ما حصل..

    أخذت قلمي وفتحت دفتري وأردت أن اعبر عن سعادتي بخاطرة أو شعر أو أي شيء!!

    كتبت رسالة للشيخ .. قلت له فيها ..

    أشكرك من أعماق قلبي فوا لله لقد كانت عبارتك تلك كالماء الذي يروي نبتة أوشكت على

    الذبول والفناء..

    كانت عباراتها ركيكة ومعانيها عميقة سطرتها بعبارات امتزجت بالشقاء والعذاب

    والخوف والضياع واليأس ..وسلمتها للشيخ بعد صلاة الفجر ..

    لقد وقعت تلك الكلمات في نفس شيخنا موقعا عظيما فدعاني بعد درس المساء للسير

    معه..

    قال لي : لقد تأثرت بكلامك وأرجو منك أن تثق في وتجعلني في مقام أبيك ..

    وأريد منك أن تستمر في الطلب والتحصيل وأرجو من الله تعالى أن ينفع بك الإسلام

    والمسلمين...

    أكدت له مرة أخرى عن مشاكلي مع والدي وأنه لا يريدني أن اطلب العلم ..

    كنت أريد أن افتح موضوعي كله مع الشيخ وليتني فعلت!!

    ولكنني جبنت واستحييت أن احكي للشيخ كل شيء.. خوفا من عواقب كلامي!!

    لقد كانت فرصة سانحة ولكن الله تعالى كان يريد لي شيئا آخر ..!!

    ذات ليلة دعا مشرف السكن الأخ محمد زين العابدين الطلاب للاجتماع مع الشيخ

    بعد صلاة العشاء في سطوح السكن ...

    أجتمع طلاب السكن وجاء الشيخ وجلس على مقعد قديم لا يكاد يستوي عليه لتهالكه!!

    استمع الشيخ لمشاكل الطلاب وما يعانونه من صعوبات مادية نحو غلاء الكتب..

    وأشرطة التسجيل ، وتحدثوا مع الشيخ حول ترميم السكن ورفع قيمة المكافآت وتوسيع

    المكتبة وزيادة المراجع ونحو ذلك غير انه حصل في تلك الجلسة موقف أحرجني

    للغاية!!

    كتبت سؤالا للشيخ باسمي وبلقبي المزيف !!

    قال الشيخ: أنت مرة تقول انك كذا ومرة تقول إنك شمري وش الصحيح؟؟

    وقعت في حرج شديد ولم استطع التعليق ولكن شيخنا تجاوز ذلك وغير الموضوع!!

    كيف عرف الشيخ بلقبي الحقيقي؟؟

    من نظام السكن لا بد أن يكون لك ملف لدى المشرف ومن متطلبات فتح الملف ..

    إحضار صورة الهوية !!

    وضعت صورة الهوية في ملفي وسلمتها مع السيرة الذاتية للمشرف..

    نظر في وجهي المشرف وقال لي: مكتوب هنا أنت من القبيلة الفلانية؟؟

    وأنت شمري ؟؟

    كنت قد زورت في نفسي كلاما لأبرر هذا الحال فقلته فقبله في الظاهر غير انه نقله

    للشيخ بالتأكيد!!

    لقد كنت بليدا فلو أنني قلت الحقيقة وشرحتها لكان خيرا من الخزي الذي كنت فيه..

    ولنجوت من الفضيحة التي سأقدم عليها!!

    كان الشيخ في ذلك اللقاء يرسخ في أذهان طلبته انه فعلا والد للجميع ..

    فكل الطلبة بلا استثناء هم فقراء ومعوزون وفيهم السعودي وغير السعودي..

    ولكنهم في نظر شيخنا سواء جزاه الله عنا خير الجزاء..

    في ذلك اللقاء سأل أحد الطلبة الشيخ عن حضور دروس الشيخ سلمان العودة في بريدة!!

    قال الشيخ : سلمان هو احد العلماء لكنني أنصحكم بالتقيد بحضور دروس عالم واحد

    فإذا شعرتم أنكم اكتفيتم مما لديه فلا بأس بالانتقال لعالم آخر ..

    رجعت برفقة الشيخ لبيته وحينما اقتربنا من البيت بقيت معه أنا والأخ محمد

    زين العابدين ..

    أطال الأخ محمد الحديث مع الشيخ حتى تعب !!

    ثم ابتعد قليلا واقتربت أنا من الشيخ فجلس على درج ملحق بيته وبقيت واقفا!!

    فأردت أن أجلس مقابله على الأرض لأكمل أسئلتي .. فقال لي الشيخ..

    أجلس بجواري ؟؟

    جلست بجواره فأكملت أسئلتي ثم انصرفت ...

    يتبع إن شاء الله

  6. #21

    مشرفة سابق


    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    ريــاض العــز
    المشاركات
    6,168
    --------------------------------------------------------------------------------

    الحلقة السابعة عشر

    أنا أكتب هذه الروايات والقصص في الحضر والسفر..

    فمرة تجدني مع حاسوبي المحمول جالسا على طاولة طعام وأمامي كوب الشاي البارد!!

    والناس حولي ينظرون ولعل أحدهم يقول : إيه ...!!!

    هذا لا بد أنه يعد خطة لعملية إرهابية؟؟؟

    أو تجدني على مكتبي حولي معاملات ومستندات تحتاج لتدقيق ومراجعة فأترك كل

    ذلك.. وانكب على جهازي أسطر لكم المفيد والغث!!!

    أو تجدني في ساعة سحر والناس حولي يشخرون وأنا منهمك في إضافة عبارة أو مراجعة

    قاموس أو سرقة نص!!

    مالذي يكتبه مطوع في هذا الزمان ؟؟

    تساؤلات هل هي مشروعة؟؟

    هذه للأسف صورة سيئة كادت أن ترسخ في رؤوس الجهال من العوام على كل من سيماه

    الخير والاستقامة... قاتل الله الإعلام الفاسد والسياسة الملعونة!!!

    دعونا نرجع لروايتنا ..

    لقد كان لاحتكاكي بل ومحاولة الاستفادة القصوى من علم الشيخ سبب ذلك شيئا من

    المودة والقرب منه!!

    العالم إخوتي الكرام يحب المجد ومن يحسن الإصغاء والاستماع إليه ..


    لم أكن أسعى لذلك أو أريده فلذلك ضريبة ليست بالهينة .. !! لمن يفهم ما أعنيه!!

    ولكن العلاقة زادت وتطورت من مجرد طالب مجتهد إلى طالب مميز ومحبوب نوعا

    ما!!

    ويعلم الله سبحانه وتعالى أنني كنت ساذجا بحيث أنني لم اشعر بذلك ولم أميز ..

    أول موقف أذكر ه في مخيلتي الآن أنني في ذات ليلة وبعد درس المساء ..

    كنت برفقة الشيخ كالعادة حتى وصل البيت .. وكان الأخ محمد زين العابدين

    مشرف السكن يتعمد أن يلحق الشيخ بسيارته حتى المنزل ليعرض عليه ما لديه

    ما استجد من نواقص أو معاملات أو طلب مال للسكن أو نحو ذلك ..

    كان من عادة الشيخ أن يرجع الطلاب حينما يصل لبيته أو قريبا منه ..

    أما أنا فبقيت أتناقش معه في بعض المسائل العلمية حتى وصل لباب البيت..

    فتح الشيخ باب منزله وكان مظلما من الخارج ولا تسمع فيه حركة أو لجة ..

    قال الشيخ لمحمد وكان قريبا مني : تعش معي أنت وفلان( يقصدني أنا)..!!

    العائلة ليست موجودة وأنا لوحدي في البيت!!

    تبادلت أنا ومحمد النظرات استغرابا من هذا العرض المغري!!

    قبلت أنا ومحمد تلك الدعوة بكل سرور وبلا تردد!!

    قال لنا : انتظرا حتى افتح لكم باب الملحق..

    وهو عبارة عن غرفة مستقلة بطرف المنزل في شماله الغربي..

    فتح الشيخ باب الملحق فدلفنا للبيت ..

    نزع الشيخ عباءته وعلقها على يده ثم قال : سأتسنن وأحضر لكما العشاء !!

    ثم خرج من الباب الفاصل بين الملحق والبيت والذي يدخل مباشرة للفناء ..

    في ذلك الملحق كعادة البيوت في نجد ، حيث يمزج بين الطراز القديم و ثوب

    الحداثة..!!

    تحتوي الغرفة في صدرها على مشب للنار خلفه مخزن مكشوف للحطب ..

    وعلى يساره بنيت رفوف رصت عليها دلال القهوة العربية وأباريق الشاي..

    وتحته توجد مغسلة لغسل الفناجيل وإعداد القهوة والشاي للضيوف..

    الغرفة مفروشة بفرش جميل لونه ازرق ..

    سألت الأخ محمد .. لقد كنت أظن قبل حضوري لعنيزة أن الشيخ يقيم في بيت طيني؟؟

    قال : لقد انتقل الشيخ لهذا المنزل عام 1409 ولم يكن راغبا ترك بيته الطيني!!

    ولكن أبناءه أصروا عليه أن يبني بيتا حديثا ففعل..

    قلت : وأين يقع ذلك البيت .. ؟؟

    قال :سأريك إياه بعد أن ننتهي من العشاء ..

    بعد قليل .. فتح الباب الفاصل .. فبرزت صينية كبيرة قد أحاط الشيخ عليها بذراعيه

    وتوشك أن تقع .. فقمت فحملتها من يده .. وقلت له : هل ترغب أن أساعدك؟

    قال لي : تعال ...!!

    لحقته حافيا فدخل من باب كبير فانتظرته ظنا أنه سيقدم هو الطعام فأحمله للملحق ..

    فخرج علي الشيخ وقال : لا يوجد أحد تعال ادخل..

    دخلت البيت وكان نور الصالة خافتا .. حتى وصلنا المطبخ على يمين الداخل .. انشغلت

    بالنظر والفضول ..

    فأشار الشيخ لي أن تعال واحمل الطعام!!

    حملت الحافظات والصواني الصغيرة فوضعتها على سفرة الطعام..

    كانت تلك أول مرة آكل فيها من طعام بيت الشيخ ..

    كان الطعام خفيفا وسهل الهضم ولو شئت لذكرته!!

    بعدها ساعدت الشيخ في حمل المواعين والسفرة ..

    سألت الشيخ ونحن بمفردنا في المطبخ : أين تقع مكتبتكم؟

    أمسك بيدي وقادني للجهة الشرقية من المنزل ومررنا بسيب ضيق

    ويقع عن يمينه علاقات وضع عليها عباءات الشيخ وعن اليسار درج يقود للقبو.

    أخرج الشيخ من جيبه الذي على صدره شبكا علقت عليه مفاتيح كثيرة..

    ثم أدخل أحد المفاتيح في الباب المغلق الذي أمامنا ..

    فدلف للغرفة وأضاء المصباح ..

    أي حظ هذا وأي شرف لي أن أدخل بيت شيخنا بل وأدخل مكتبته ..

    لقد مر على قدومي لعنيزة منذ ذلك التاريخ وحتى تلك الليلة حوالي الشهرين وزيادة..

    سأصف مكتبة الشيخ من الداخل في الحلقة القادمة إن شاء الله ..

    يتبع إن شاء الله

  7. #22

    مشرفة سابق


    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    ريــاض العــز
    المشاركات
    6,168
    --------------------------------------------------------------------------------

    الحلقة الثامنة عشر

    مكتبة الشيخ عامرة وأغلبها نسخ قديمة الطبع...

    مساحتها حوالي ستة أمتار في أربعة ..

    والرفوف ملصقة بجميع جدران الغرفة ...

    يجلس الشيخ بجوار نافذة قريبة من الأرض ..

    ويستقبل النافذة في الواجهة الجنوبية من الغرفة وأمامه تلفونان ..

    أحدهما للفتاوى الشرعية والآخر تلفون البيت الخاص..

    وليست هناك مقاعد للجلوس أو طاولة للكتابة.. بل يجلس الشيخ على الأرض فوق

    سجادة صلاة .. ويكتب على لوح تعلق عليه الأوراق ..

    يراجع الشيخ في مكتبته الكتب أو يجيب على الفتاوى .. أو ينظم المعاملات أ ويقرأ

    الرسائل..

    بخصوص الرسائل في تلك الليلة التي دخلت فيها للمكتبة ..

    شاهدت بوسط الغرفة كومة ضخمة من الرسائل والأوراق المبعثرة ..!!

    قال الشيخ وهو يشير لها بأسى: هذه رسائل الأسبوعين الأخيرة ولم أستطع قراءتها ؟؟

    تأتي للشيخ رسائل من كل بلاد الدنيا ..

    أذكر مرة طلب الشيخ محمد مني ومن الشيخ فهد السليمان جامع فتاويه ..

    أن نجرد رسائل الناس ونرتبها ونبوبها ففتحنا الظروف ..

    فوجدنا رسائل من البلاد العربية ومن أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا ومن كل بلاد الدنيا ..

    ورسائل فيها شيكات تبرعات ورسائل فيها طلب مؤلفات واستفتاءات..

    ورسائل من مراكز إسلامية ..

    سمعت الشيخ يقول مرة : أكثر الرسائل التي تأتيني هي من الجزائر ..!!

    ولذلك لا عجب إذا رأيت كثيرا من الطلبة الجزائريين في حلقة الشيخ..

    رأيت رسائل من علماء مشهورين يستشيرون الشيخ في بعض المسائل والنوازل .

    ومنهم وبكثرة الشيخ العلامة بكر أبو زيد .. وممن رأيته كثيرا يحرص على الاستفادة

    من علم الشيخ سواء بالاستفتاء أو بسماع دروسه على أشرطة الكاسيت سماحة الشيخ

    عبد العزيز آل الشيخ مفتي المملكة الحالي..

    وليست مكتبة الشيخ هي ما رأيته تلك الليلة فقط ..

    بل إن لديه في القبو مكتبة أخرى تحتوي على المراجع التي تقل مراجعتها ..

    و يوجد بها عدد من المخطوطات ..

    ومنها مخطوطة تفسير الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي العالم المشهور ..

    المسمى بتفسير الكريم المنان ...

    وهذا التفسير قد كتبه الشيخ بخط لا يكاد يقرأ على دفتر الأستاذ

    والذي يسمى دفتر حسابات (مسك الدفاتر)!!

    يجلس الشيخ في اغلب أوقاته بالمكتبة وغالبا لا يقيل إلا فيها ..

    وله في زاويتاها الشمالية فراش صغير وبطانية قديمة يتوسدها ويقيل هناك حتى أذان

    العصر..

    في تلك الليلة عدت أنا والأخ محمد وفي الطريق مررنا بمنزل الشيخ القديم..

    وسأتكلم إن شاء الله عن هذا المنزل لاحقا حينما أحكي عن زيارة الأمير

    ممدوح بن عبد العزيز لعنيزة..

    أرجو أن لا يكون الملل قد دخلكم بتفاصيل قد لا يريدها البعض..

    ولكن أرجو أن يأتي زمان يأتي فيه من يحتاج لمثل هذه المعلومات..

    نرجع لجاري في درس الشيخ ..

    كان ذلك الطالب المجد يظهر لي الاحترام والتقدير ..

    كنت أرى ذلك (عن حسن نية ) نبلا منه وطيبة ..

    فكسبني ذلك الشخص وصرت أخرج معه أحيانا بعد الدرس لبيته أو

    للمكتبة ونحو ذلك ..

    أذكر مرة أن الشيخ قال لي : انتبه يافلان من الناس لا تحدثهم بأمورك الخاصة ..

    ترى الطلبة يحسدون بعض !! ونقل لي أثرا عن ابن عباس أنه قال : يتحاسد طلبة

    العلم في آخر الزمان كما تتحاسد التيوس في زروبها!!.. ونحو ذلك الكلام..


    والظاهر أن صاحبنا بسبب قربه من الشيخ ..

    شعر أنني سأضايقه في قربي وكثرة لقاءاتي مع الشيخ ..

    حينها لم أكن أعرف الحسد ولم أمارسه والله في حياتي ..

    كنت أتحدث مع ذلك الشاب في بعض أموري الخاصة وفي اليوم التالي يستفسر مني

    الشيخ..

    حول ما قيل عن كذا وكذا !!

    كأنه يلمح لما قلته لذلك الشاب..؟؟؟

    غير أنني حينما أقارن ما أشاهده منه من سماحة نفس معي وحسن معشر..

    أستبعد أن يكون هو من نقل هذا الكلام للشيخ ويا لغبائي!!

    كتبت مرة رسالة للشيخ قلت له فيها بما معناه..

    أنني أرغب في أن أستفيد من علمكم في حلكم في عنيزة وفي سفركم خارجها!!

    حيث يشرفني أن أكون خادما لكم كما كان أنس وابن مسعود يخدمان رسول الله

    صلى الله عليه وسلم ..

    حينما قرأ الرسالة الشيخ فرح بها وسر خاصة انه رأى مني الحرص على ذلك..

    حدثت ذلك الشاب بهذه الرسالة ..

    فما كان منه إلا أن حذرني من ذلك وقال : لا أنصحك وهذا سوف يغير عليك

    قلوب الطلبة الآخرين وسوف يقولون : هذا الولد له عند الشيخ ثلاثة شهور ..

    والآن يريد أن يكون رفيقه في سفره..؟؟ لا ، انتبه وأنا أخوك لا تفعل ...

    أخذ صاحبنا يهول لي الأمور حتى عزمت على ترك ذلك العمل المتهور!!!

    وجاء يوم سمعت الشيخ يذكر أنه سيسافر للرياض ..

    فوقع في نفسي أن أطلب منه أن أرافقه ولكن ما حذرني منه صاحبي جعلني أتردد !!

    يتبع إن شاء الله

  8. #23

    مشرفة سابق


    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    ريــاض العــز
    المشاركات
    6,168
    --------------------------------------------------------------------------------

    الحلقة التاسعة عشر

    كنت يوما أسير مع الشيخ بعد صلاة العصر ..

    فجاءه رجل ذو هيئة ومعه مرافق له ..

    عرف نفسه للشيخ بأنه الأمير فلان ....

    دعاه الشيخ للتفضل في بيته للقهوة والتعارف .. فرحب بذلك الرجل والظاهر أن هذا هو

    غايته من الزيارة ...

    قال لي الشيخ: تفضل معنا ...

    فدخلت مع الضيف من باب الملحق ..

    بعد دقائق أحضر الشيخ القهوة والتمر وإبريق الشاي معه...

    فحملتها من يديه فكنت خادم القوم في تلك الجلسة ..

    ويعلم الله قدر شعوري بالفخر والشرف أن أخدم شيخنا وضيوفه..

    بعد انتهاء الجلسة وانصراف الضيوف ..

    عرضت على الشيخ أن أرافقه لسفرته في الرياض ..

    فقال : وما غرضك من ذلك ؟؟

    فكررت له ما قلت له في الرسالة ....

    فقال : أهلا بك وسهلا ولكن سفري ذلك جزء منه زيارة عائلية وسوف أرى..

    ثم فاتحني الشيخ بموضوع آخر ...

    هو موضوع الدراسة النظامية .. قال لي:

    لما لا تكمل دراستك؟

    فقلت له لا مانع عندي ولكن كيف؟؟

    ملفي الدراسي ليس لدي !!

    كنت أتهرب من الموضوع حتى لا تكتشف هويتي الحقيقية!!

    قال الشيخ: دع الأمر لي وسوف أسجلك في المعهد العلمي...

    قبلت وأظهرت الفرح والاغتباط وأنا في داخلي أغلي كالمرجل من الخوف!!

    قلت له ياشيخنا ...

    هل أنا في حلم ؟؟ أم في علم ؟؟

    أن أكون الآن معك في بيتك مع الشيخ ابن عثيمين؟؟

    ابتسم ودعا لي وقال : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ...

    التقيت بصاحبي .. وجاري .. بعد ذلك فحدثته بما كان ...

    وكان السفر بعد يومين ...

    كان ذلك بمثابة حراب أغرسها في قلبه دون أن أشعر أو أقصد ذلك والله..

    دهشت وربي من حرصه على تثبيطي وتذكيري بالعواقب ..

    ولكن حتى تلك الساعة لم ينكشف لي ما يدبره ...

    شجعني بندر على الذهاب ...وقال لا تتردد ..

    ذات يوم بعد صلاة العصر ألتفت إلي شاب أعرفه جيدا وهو من أصحاب جاري ذاك!!

    وسألني أسئلة مباشرة فيها وقاحة وصلف ...

    قال : ايش اسمك؟؟

    قلت فلان ..

    قال : قلي اسمك كاملا .. ؟؟

    قلت : فلان بن فلان .. ذكرت اسم الأب فقط..!!

    قال: وما لقب العائلة؟؟

    عرفت خلالها أنه مرسل لتخويفي من شيء ما!!

    ولم أحب هذا الشخص مطلقا ، فهو رجل سيء الخلق حقود ..

    بعد يومين استعديت للسفر وحزمت حقيبتي ..

    وطلبت من جاري ذاك أن يوصلني هو إلى بيت الشيخ ...؟؟؟

    بل واقترضت منه مبلغا من المال لمصاريفي!!

    كنت كمن يطلب الماء من بياع الزيت!!

    ولقد جاء فعلا في اليوم التالي ،لا ليوصلني بل ليعطيني رسالة واضحة مفادها ..

    لقد حذرتك وأنذرتك ولكنك لا تسمع كلامي وسوف تندم..!!

    لقد كانت نظراته والتي أتخيلها الآن أمام عيني تقذف بالشرر المستطير !!

    ثم انطلق بسيارته مغضبا بعد أن رد باب سيارته في وجهي !!

    لم اقدر الموقف حق قدره ..ولم أكن أحسب الأمور بمثل حساباته ولم تكن لي معرفة

    بطبائع البشر الحيوانية نعوذ بالله من ذلك..

    أطلقت جرس باب منزل الشيخ فخرج أحد أبناء الشيخ ..

    وهو يحمل حقيبتين ووضعها في مؤخرة السيارة..

    وكانت تظهر على وجهه علامات الغضب وعدم الترحيب بي !!

    ولم يسلم علي أو يخبرني أين الشيخ أو ماذا سنفعل !!

    أي حال أنا فيه !!

    انتظرت في الخارج حوالي النصف ساعة حتى خرج الشيخ فقال :

    أين كنت ؟؟

    أنا أنتظرك؟؟؟

    لم أخبره بما حصل .. بل سكت وصافحت أبناءه الآخرين ..

    يقولون العيون شواهد تكشف ما في القلوب ..

    منذ أول مرة رأيت فيه أبناء الشيخ عرفت أنني لديهم غير مرضي عني بل أنا مغضوب

    علي..

    وإنني أقسم وأجزم أن ذلك كله من فعل صاحبي الذي ظننته صديقا لي!!

    فهو أحد أقربائهم والرجل منذ سنوات عديدة قريب منهم ومن الشيخ .. وقد كسب

    ثقتهم فلا شك أنه ذو مصداقية في خبره عني !!

    ولقد حاولت مرارا وتكرارا أن اثبت لهم أنني شخص مختلف عما صوره الرجل عني

    ولكن بدون فائدة .. فالناس للأسف حكمهم في الغالب يترسخ ويتجذر منذ الصدمة

    الأولى!!

    خاصة أن الوقائع التي حصلت قد زادت الأمر تعقيدا .. والحمد لله..

    ولكن الله سبحانه وتعالى عوضني كثيرا بشيخنا وليغضب كل الناس عني!!

    إذا كان حبك لي صادق فكل الذي فوق التراب تراب..

    توجهنا للمطار برفقة سائق الشيخ..

    وهي سيارة كابر يس موديل تسعة وسبعين!!

    لونها بني مخطط بلون البيج !!

    يقول السائق لي : أنا أسوق الشيخ منذ خمسة عشر عاما بهذه السيارة..

    ولقد باءت كل محاولاتي ومحاولات إدارة جامعة الإمام لتغيير السيارة ..

    حيث أن الشيخ يراها سيارة ممتازة ولا يهم شكلها أو موديلها المهم أن توصله

    يتبع إن شاء الله

  9. #24

    مشرفة سابق


    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    ريــاض العــز
    المشاركات
    6,168
    --------------------------------------------------------------------------------

    الحلقة العشرون

    على ذكر سيارة الشيخ ...

    التابعة لجامعة الإمام ... أذكر مرة أنني رافقت الشيخ من الجامعة وحتى بيته..

    وحين وصلنا للمنزل أمرني الشيخ بالنزول من السيارة ..!!

    فقلت له : خل فلان يوصلني للسكن لو سمحت بذلك ؟؟

    فقال : لا؟؟

    أنزل هنا وامش على قدميك!!

    خرجت من السيارة فلما رأى أثر كلامه علي قال لي:

    هذه السيارة يابني أعطيت لي لاستعمالها في عملي وشغلي...

    ولا يجوز لي شرعا أن أسمح لأحد آخر باستعمالها سوى بإذن من الجامعة!!!

    ولا حتى لأبنائي وأهلي !!

    أذكر من ورع الشيخ الشيء الكثير ولقد ذكر لي احد كبار طلبة سماحة الشيخ العلامة

    عبد العزيز بن باز رحمه الله أنه حينما ذكر له بعض مواقف الشيخ ابن عثيمين

    في الورع تعجب من ذلك وقال : من يقدر على هذا؟؟؟

    وهو من هو في ورعه وزهده رحمهما الله وعفا عنهما فهما والله نادران في زمانهما

    نحسبهم كذلك والله عز وجل حسيبنا وحسيبهم..

    وصلنا ذلك اليوم لمطار القصيم الإقليمي ..

    حملت الحقائب ودخلنا سويا لصالة المسافرين ..

    لمح الشباب العامل في المطار من موظفين وعسكر الشيخ فجاء بعضهم للسلام على الشيخ

    وهم مبتهجون بذلك !!

    أما أنا فقد كنت في شبه السكرة من الفرح ..

    يا الله أين كنت وأين أنا الآن ...؟؟

    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ..

    لم يكن هناك أي تأخير فقد وصلنا وقت نداء ركوب المسافرين للطائرة ..

    بعد تجاوزنا لمعاملات السفر جاء مدير المطار للسلام على الشيخ ..

    وأدخله في مكتب الضابط المناوب ..

    وقدموا لنا الشاي ..

    وحينما استكمل ركوب المسافرين توجهنا للطائرة أنا وشيخنا..

    كان مقعد الشيخ على الدرجة الأولى وذلك على حساب جامعة الإمام التي

    ستستضيف الشيخ لمحاضرة للمبتعثين من طلابها خارج المملكة ..

    وعادة الشيخ إن سافر على حسابه الشخصي أن يركب الدرجة السياحية ..

    لكن في عدة مواقف شاهدتها يرفض ربان الطائرة حينما يعلم بوجود الشيخ ..

    إلا أن ينقل في الدرجة الأولى .. إكراما للشيخ وحبا واحتراما له..

    في تلك الرحلة كنت أنا بطبيعة الحال في الدرجة السياحية أو ما يسمى الضيافة..

    ولكن بعد إقلاع الطائرة ، جاءني الشيخ بنفسه وقد استأذن لي أن أكون برفقته..
    فكنت بجواره في الدرجة الأولى...

    لكم أيها الإخوة والأخوات أن تدركوا تلك المشاعر التي كانت في نفسي تلك اللحظات..

    كنت أراقب الشيخ وأحاول أن استفيد من كل تصرفاته فهو قدوة لي في كل شيء..

    بعد شرب القهوة جاء مضيف الطائرة للشيخ وقال له:

    هل ممكن أن ترافقني لغرفة قيادة الطائرة ، الكابتن يدعوك لو تكرمت ؟؟

    قام الشيخ من مقعده وتوجه لمضيفه وبقيت لوحدي حتى قرب وصولنا للرياض ..

    علما أن الرحلة تستغرق حوالي الأربعين دقيقة فقط!!

    رجع الشيخ وجلس على كرسيه ..

    وبدأ في تلاوة حزبه من القرءان .. حيث يقرأ يوميا جزأين كاملين من صدره ...

    وصلنا لمطار الرياض ونزلنا في الصالة العامة واستقبلنا مندوب الجامعة ..

    توجهنا مباشرة لجامعة الإمام ولمكتب الدكتور عبد الله التركي مدير الجامعة حينها..

    سلم الشيخ على الدكتور التركي وسلمت عليه .. وبقيت معهما لدقائق ..

    ثم خرجت للخارج وانتظرت خروج الشيخ ..

    بعد ساعة تقريبا ناداني مندوب الجامعة وقال : الشيخ يدعوك للحاق به لموقع

    المحاضرة..

    نزلت مع المندوب حيث يظهر أن هناك مخرج خاص من مكتب الدكتور عبد الله ..

    سألني مندوب الجامعة .. هل أنت ابن الشيخ ؟

    قلت :لا ... أنا أحد تلاميذه ...

    قال لي : هنيئا لك يا أخي هذا الشرف ..

    دخلنا لصالة ضخمة جدا وفيها من الفخامة والنظارة ما يبهر العقول ...

    ولم يكن هناك حضور سوى الصفين الأول والثاني !!

    وبعض الناس هنا وهناك!!

    حيث أن المحاضرة خاصة فقط بالمبتعثين وأظن عددهم حوالي المائة وعشرون ..

    تحدث الشيخ حديثا طويلا حول ما يتعلق بسفرهم من أحكام فقهية ومن تنبيهات

    وتحذيرات من بعض الأخطار التي قد تواجههم في أمور دينهم ..

    وبث الشيخ في نفوسهم الحماسة في الاستفادة مما لدى الآخرين والعودة لبلادهم

    لكي تنتفع الأجيال بهم وحذرهم من الأفكار المسمومة والتي عاد بها بعض أبناءنا

    ونحو ذلك من توجيهات ومعان مفيدة..

    ثم فتح الباب للأسئلة والتي أخذت اغلب وقت المحاضرة وكانت أسئلة مفيدة للغاية..

    بعد انتهاء المحاضرة ... توجهنا لكلية الدعوة والإعلام وصحب الشيخ

    للكلية الدكتور سعيد بن زعير ولا أدري هل هو عميد الكلية أم هو أحد دكاترته..

    ودخلنا في قاعة أصغر من الأولى وأظنها تابعة للكلية ..

    وكانت غاصة جدا بالطلبة ، وقد امتلاء الدرج وأمام الأبواب وأطراف المسرح بالحضور..

    تحدث الشيخ في كلمة مختصرة ثم استقبل أسئلة الناس ..

    كانت في تلك الأيام أحداث أشغلت الناس والمجتمع وهي قضية ..

    مقتل الشيخ جميل الرحمن ودخول مجموعة من قادة المجاهدين الأفغان لولاية كنر..

    وكانت تلك الأيام قد اضطربت آراء الناس حول ما يحدث ..

    ولا أنسى أبدا عشرا ت الوفود التي قدمت على الشيخ في عنيزة من مدن المملكة..

    والتي تستفتيه حول هذا الموضوع خصيصا ..

    سئل الشيخ في تلك القاعة عن موقفنا نحن كمسلمين من تلك الفتنة..

    فأجاب بكلام مبني على الدليل من كتاب الله وسنة رسوله ..

    وقال : الذي أرى أن توقف التبرعات عن المجاهدين هناك جميعا حتى تنتهي الفتنة

    ولا نعينهم في أن يقتل بعضهم بعضا .. ونحو هذا الكلام..

    أثارت تلك الفتوى من الشيخ موجة من الحيرة والترقب في وجوه الدكاترة والمشائخ

    الموجودين في القاعة ..

    وبعد انتهاء المحاضرة .. طلب الدكتور سعيد بن زعير من الشيخ أن يزور مكتبهم

    دخل الشيخ وكنت معه واجتمع حوله عدد من الدكاترة ومدراء الأقسام ..

    ودار نقاش علمي مع الشيخ حول فتواه ...

    يتبع إن شاء الله

  10. #25

    مشرفة سابق


    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    ريــاض العــز
    المشاركات
    6,168
    --------------------------------------------------------------------------------

    الحلقة الواحدة والعشرون

    كان النقاش حول قضية كنر والجهاد فيه شيء من الحدة .. خاصة من طرف المشائخ ..

    أما الدكتور سعيد الزعير فلم يتكلم بكلمة واحدة ... طوال النقاش..

    حينما بلغ النقاش حدا تبعثرت فيه الأوراق وتشوشت فيه الأفكار قال الشيخ:

    سبحان الله ؟؟

    هذا هو رأيي الذي أدين الله به وأنتم قولوا رأيكم، وليتبع الناس ما يرونه حقا

    أما أنا فلن أرسل لشخص فلسا واحدا وأعرف أنه سيستعين به في إيذاء أخيه

    فما بالك بقتاله أو بقتله !!

    ولقد رأيت وجه الشيخ محمرا من الغضب والتوتر..

    حينها قال الشيخ سعيد بن زعير:

    ياشيخنا والله نحن نحبك ونقدرك ونرى أن رأيك لا تبتغي به غير وجه الله لكن الإخوان

    رغبوا في النقاش والحوار حتى تتضح لكم الصورة ، فهذا جهاد قد أنفقت عليه مبالغ

    طائلة وأرواح كثيرة ودعم من هذا البلد وأهله طوال سنوات طويلة فهمنا الأكبر أن لا

    تشوه صورته الناصعة ..

    ثم قام الدكتور سعيد وقبل رأس الشيخ واعتذر منه وانفض المجلس.

    بعد ذلك توجهنا لمكتب الدكتور عبد الله التركي ومنه خرجنا لصلاة الظهر

    في الجامع الكبير .....

    كنت برفقة الشيخ وكذلك كان معنا الدكتور عبد الله التركي ...

    حينما رأى الشيخ الجمع الهائل من طلبة الجامعة والذين غص بهم كل المسجد..

    فلا ترى فيه موطئ قدم من كثرتهم..

    قال الشيخ : ياأخ عبد الله كم يتسع هذا الجامع..؟؟

    قال: حوالي الثلاثين ألفا ...

    ثم قال الشيخ : الله المستعان كم سيخرج لنا عالما من هؤلاء !!!

    بعد الصلاة ألقى الشيخ كلمة قصيرة في المصلين يحثهم فيها على الحرص على العلم

    واستغلال الأوقات ونحو ذلك ...

    ثم خرجنا بالكاد من الجامع بسبب تكاثر المسلمين على الشيخ ..

    توجه الشيخ برفقة الدكتور عبد الله التركي في سيارته الفارهة ..

    ولم أكن أعرف وجهتنا فقد كان كل شيء مرتبا مسبقا !!

    قالوا لي: أركب في هذه السيارة وأشاروا لسيارة فيها شاب أدم .عليه مرايات ..

    وفي الطريق تعارفنا وعرفت مقصدنا ..

    كان ذلك الشاب هو ابن الدكتور سعيد بن زعير ونحن متجهون للغداء في منزلهم..

    وصلنا لمنزلهم فكان في استقبالنا جمع كبير من الناس ..

    لم اعرف منهم سوى من ذكرت بالإضافة لشيخ كبير ضعيف البنية ..

    سألت عنه : فقيل لي: هذا الشيخ عبد الله بن جبرين .. حفظه الله ورعاه ..

    حينما ترى ذانك الشيخان الجليلان سويا تزداد تلك الجلسة رونقا وبهائا..

    كان الشيخ عبد الله وشيخنا يتبادلان الحديث وإجابة الناس حول ما يسألان عنه

    بكل أدب وسمو يليق بهما ..

    لا حظت شيخنا مرارا يهمس في أذن الشيخ عبد الله بكلام فيضحك الشيخ منه!!

    بعد ذلك رافقنا شخصا لا اعرفه حينها ..

    جسمه وطوله وبنيته اقرب ما يكون من شيخنا ..؟؟؟

    سأل الشيخ : ما عرفتنا على الأخ ؟

    فقال : هذا فلان أحد تلاميذنا ، ولقد قال لي : إنه يرغب في صحبتي ليستفيد من علمي

    ويخدمني كما خدم ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم..

    شعرت بالخجل ، وتسمرت في مقعدي ولم أتكلم ..

    وصلنا لمنزل الرجل في حي النسيم بشرق الرياض..

    بجوار جامع الهدى القريب من مدرسة سلاح الحدود..

    ونحن ننزل أغراضنا سألت الشيخ : من هذا الرجل؟؟

    فقال : هذا أخي عبد الرحمن!!!

    الأستاذ عبد الرحمن رجل فاضل جدا وخلقه وطيبته وسماحة نفسه يشهد عليها جميع

    من عرفه ، وشيخنا يحبه ويثق فيه وينزل دوما في الرياض في بيته ...

    وذلك قبل أن يبني شيخنا بيته في الرياض والذي هو ملاصق لمنزل أخيه عبد الرحمن..

    حدثني الشيخ عن مرض أخيه عبد الرحمن ..وهو صغير ..

    حيث أنه بقي طريح الفراش مدة من الزمن حتى يئس الأطباء من علاجه ..

    فبقي أهله حوله يترقبون ساعة أجله وهم بلا حول له ولا قوة...

    غير أن جارا لهم أو أحد أصحابهم احضر لهم طبيبا شعبيا ..

    ففحصه وقلبه يمينا ويسارا وهو كالجثة الهامدة ..

    قرر ذلك المعالج الشعبي أن يكويه في بعض مواضع جسمه ..

    فكواه .. ثم انتظروا عدة أيام ..

    فبدأ عبد الرحمن يستعيد عافيته حتى عاد صحيحا كما كان وأفضل ..

    والأمور بيد الله سبحانه قبل كل شيء...

    غير انه للأسف وبعد عدد من السنوات التي كانت فيه علاقتي مع الأخ عبد الرحمن

    ممتازة لم يتركه صاحبنا حتى أغار صدره علي والله المستعان..

    كنت أتوقع أننا سنبقى في منزل الأخ عبد الرحمن طوال فترة بقاءنا في الرياض..

    ولقد أحببت الرجل من أول ما رأيته ... وأحببت البقاء في بيته ..

    ألقى الشيخ محاضرة تلك الليلة في إحدى جوامع الرياض ثم توجهنا لمنزل أبناء عمومة الشيخ

    حيث حضر جمع لا باس فيه من الأقارب متفاوتي الأعمار ..

    ومنهم أخو الشيخ الدكتور عبد الله العثيمين الأديب المشهور ..

    ومنهم ابن الشيخ البكر عبد الله العثيمين.. وغيرهم ..

    بعد العشاء رافقنا الأخ عبد الله ابن الشيخ لمنزله المستأجر ..

    حيث أنه يقيم في بشكل مؤقت قبل رجوعه لعنيزة..

    كان عبد الله مهذبا جدا وغير متحفظ ..

    والظاهر أن صاحبنا لم يلحق أن يفسد الأمور مع الجميع جملة واحدة ..!!

    في اليوم التالي .. توجهنا بعد العصر للمطار وذلك للعودة للقصيم ...

    حينما جئنا لتفتيش المعادن أخذ جهاز الإنذار يرن حينما مر الشيخ ؟؟

    فأمر العسكري الشيخ بالرجوع وإنزال ما لديه من معادن.. ولم يعرف الشيخ..

    ابتسم الشيخ ولم يرد إحراج الرجل فبدأ بخلع ساعته المعلقة في جيبه ..

    فدخل تحت الجهاز فرن مرة أخرى!!

    فعاد الشيخ وأخرج كومة المفاتيح من جيبه .. وهكذا تكرر ذلك ثلاث مرات..

    حينها تقدم شاب من عائلة الشيخ للعسكري وهمس في أذنه فارتفع حاجباه ..

    واحمر وجهه خجلا وقال : الله المستعان هذا الشيخ ابن عثيمين ؟؟

    والله ما عرفتك ياشيخ ؟؟ اللي ما يعرف الصقر يشويه ..!!

    ثم قبل رأس الشيخ واعتذر منه وأصر أن يصحبه حتى أجلسه عند باب السفر

    يتبع إن شاء الله

  11. #26

    مشرفة سابق


    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    ريــاض العــز
    المشاركات
    6,168
    --------------------------------------------------------------------------------

    الحلقة الثانية والعشرون

    عدنا لعنيزة والعود أحمد ولكن كانت تنتظرني حوادث لم تخطر على البال..

    لكن رحمة الله تعالى سبقت تلك المكائد والشرور فجعلت من دون ذلك فتحا قريبا!!

    وصلنا للمطار استقبلنا نسيب الشيخ الأخ خالد المصلح ..

    وأنعم بأبي عبد الله علما وخلقا وتفانيا في الدعوة إلى الله ..

    والشيخ خالد من قبيلة حرب ومن عائلة ثرية ووالداه مقيمان في جده ولقد أحبه شيخنا

    وقربه وزوجه اكبر بناته فنعم النسيب ونعم الصهر !!

    وهو متخصص في علوم غير شرعية في الأصل.

    حيث هو خريج جامعة البترول والمعادن وعمل في التدريس فترة بسيطة ثم فصل ..

    والتحق بجامعة الإمام ودرس وحصل على أعلى النسب وهو الآن دكتور في نفس

    الجامعة وأظن تخصصه مادة العقيدة ...

    قادنا الأخ خالد لعنيزة وفي الطريق توقف بجوار أحد المساجد المتقدمة بأطراف عنيزة..

    ودخل الشيخ للمسجد وصلى ركعتين سنة القدوم من السفر..

    لم أرى شخصا محافظا على أداء السنن مهما كانت الظروف والأوضاع لم أرى مثل شيخنا

    في ذلك، لا أقول في كثرة العبادة بل الاستمرارية في كل ظرف ..

    تعبدا لله تعالى..

    أذكر مرة موقفا لن أنساه ...

    جاء أحد الطلبة للشيخ وقال له: ياشيخ أليس من وقع على يده حائل من وصول الماء

    إلى البشرة من صمغ أو دهان ونحوه فإنه يجب عليه أن يعيد وضوءه وصلاته إن صلى

    حتى ولو جهل أو نسي أو كان قليلا ...؟؟

    قال : بلى...

    قال: ياشيخ إن على يدك أثر دهان !!

    وفعلا كان على يد الشيخ دهان فشق ذلك عليه ..

    وجلس يفكر منذ كم يوم وقع ذلك الدهان على يده؟؟

    فقال لي: لقد جاءنا الدهان في اليوم الفلاني وذلك قبل أربعة أيام !!

    استقبل القبلة وأعاد جميع الصلوات للأربعة أيام الماضية بل بسننها والوتر والضحى ..

    ولم يعجل في ذلك بل صلى بكل أناة كما هي عادته!!

    وكان في تلك السنة يبلغ حوالي تسعة وستين عاما رحمه الله..

    ختم صلاته ثم أوصلاني للسكن .. ونسيت حقيبتي في سيارة خالد..

    لم أخبر أحدا من الطلبة بسفري برفقته سوى من ذكرت ..

    ولكن الخبر انتشر كما تنتشر النار في الهشيم..

    وكنت أشاهد من غالبهم نظرات الغيرة الطبيعية والتي فطرت عليها قلوب الأوادم..

    ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه الإخلاص ..

    أن الحسد شيء فطر عليه الخلق فهو من طبائعهم ولكن المذموم منه ما ترتب عليه

    تعد أو إيذاء بلفظ أو بفعل ...

    ولكنني لم أحاول إشغال نفسي بردود الأفعال على ذلك وعشت بينهم بكل احترام

    وسلام.. ولكن مع بعضهم؟؟

    أو مع غالبهم؟؟

    سوى صاحبنا ومن يدور في فلكه..!!

    ظننت أن ذلك اليوم يوم عطلة وليس هناك درس للشيخ هكذا ظننت !!

    وما اكذب الظن!!

    شيخنا لا يفرط في درسه ولو جاء من سفر بعيد قبله بدقيقة !!

    أذكر مرة جئت مع الشيخ من الرياض برا ..

    برفقة تلميذه الأمير عبد الرحمن بن سعود الكبير ..

    وصلنا على أذان المغرب ..

    سألت الشيخ : هل الليلة درس ؟؟

    قال : نعم .؟ بالتأكيد إن شاء الله اذهب وأحضر كتبك وتوجه للجامع!!

    يقول لي أحد الطلبة الذين حضروا وفاة والدة الشيخ عليها رحمة الله ..

    يقول في ذلك اليوم .. توقعنا بل جزمنا أن الشيخ لن يحضر الدرس ؟؟

    ولذلك كان الحضور ليس بذاك ومع ذلك حضر شيخنا وألقى درسه ..

    حفاظا على أمانة التعليم ...

    وصدق صلى الله عليه وسلم حينما قال : وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما

    يصنع...

    نسيت أن أقول أن الشيخ أحضر معه موافقة رسمية من مدير الجامعة

    الدكتور عبد الله التركي بقبولي في المعهد العلمي في عنيزة تحت اسم فلان الشمري!!

    حيث كتبت معروضا للدكتور فشرح عليه بالموافقة ..مع أن الدراسة قد ابتدأت منذ

    حوالي الأسبوعين !!

    يتبع إن شاء الله

  12. #27

    مشرفة سابق


    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    ريــاض العــز
    المشاركات
    6,168
    --------------------------------------------------------------------------------

    الحلقة الثالثة والعشرون

    حضرت الدرس تلك الليلة وجلست في مكاني المعتاد ..

    صافحت جاري العزيز !!

    فبادلني السلام والكلام غير أن القلوب شواهد!!

    في اليوم التالي توجهت صباحا لبيت الشيخ لكي آخذ حقيبتي ..

    وكنت واعدت جاري المذكور بناء على طلبه هو !!

    أن يوصلني لمنزل الشيخ..

    حيث قال لي : أريدك في موضوع...!!

    في اليوم التالي ضحى وفي الطريق لمنزل الشيخ بدأ يسألني أسئلة كثيرة تدور عن أصلي

    وفصلي وأين كنت أعيش ..؟؟

    وأين يقيم والداي ...؟؟

    ونحو هذه الأسئلة الكثيرة التي ارتبت فيها!!

    وارتبت في توقيتها بالذات ؟؟

    أوقف سيارته أمام المنزل وتركها مدارة وبقي يسألني بوقاحة وبقصد الإيقاع بي في

    مصيدة..!!

    حتى ضجرت وارتفعت أصواتنا بالجدال والنقاش المرير ...

    جدال بين اثنين ..

    أحدهما رجل عاقل رشيد عمره فوق الثلاثين قد حصل من العلم والخير والاستقرار

    والحظ مالله به عليم..

    والآخر ضائع مشتت في مقتبل العمر قليل الخبرة والعلم لا أهل له ولا بيت ولا مال سوى الله سبحانه

    وتعالى ورحمته وفضله ..

    قلت له : يافلان ... ؟

    مالذي تريده من وراء ذلك ؟ عندها كشف أوراقه

    وقال : أنت كذبت في كل ما قلته !!

    ولقد عرفت حقيقتك كلها!!

    أنت رجل خطير ..

    أنت اسم قبيلتك الحقيقية كذا ووالدك هو كذا وكذا ..

    ثم أخذ يسرد حقائق ووقائع تدل على أنه قد تقصى عني حتى عرف عني كل شيء!!

    ثم ختم كلامه بقوله: أنا اتصلت بوالدك بالأمس وتحدثت معه وأخبرني بأنك فار من

    المنزل وأنك قد أوقعته بحرج شديد بفعلك وتركك لدراستك ... الخ الكلام ..

    ثم حينها : انقلبت تعابير وجهه فاسود وتساقط الشرر من عينيه .. وقال:

    أقسم بالله إن لم تغادر عنيزة وتترك الشيخ سأفعل بك وأفعل ...!!

    وهددني بكلام لا ينطق به عاقل فكيف بطالب علم !!

    لم يكن يهمني كلامه بقدر أن أهمني أن يعلم شيخنا بذلك ...

    فرق كبير أن أخبر الشيخ أنا بالحقيقة من قبل أو أن يخبره ذلك الرجل بما يريده..!!

    هناك فرق شاسع لمن يعلم طبائع الناس بينهما...

    ولا شك أن الحقيقة الناصعة هي سلبية مهما كان الناقل .. أنا أم هو

    غير أن الأمر يختلف كثيرا حينما يفسر ولو لم يكن له تبرير منطقي!!

    ثم طردني من سيارته وذهب ..

    بقيت أمام باب الشيخ منتظرا لأكثر من نصف ساعة وأنا متردد ماذا سأفعل؟؟

    إن رجعت للسكن وسكت فالعواقب غير معلومة..

    وإن تحدثت مع الشيخ الآن فلا ادري هل سيقبل مني أم لا ؟؟

    احترت حيرة لا يعلم مداها إلا الله تعالى...

    لقد مرت علي في الشهور الماضية التي قضيتها في عنيزة مرت علي أيام جميلة..

    ولحظات لا تنسى من الجد والاجتهاد .. هل يذهب كل ذلك سدى؟؟

    هل سيضيع كل ذلك بجرة قلم أو كيد حاسد؟؟

    أنا مخطئ لا شك فيما فعلته .. ولكن هل قصدت ارتكاب ذلك الخطأ؟؟

    لم أكن مجرما والله أو مرتكبا لعظيمة والحمد لله ..

    هي أخطاء ولو كانت في نظر البض جسيمة بنيت على السفه وعدم تقدير الأمور حق

    قدرها..

    بنيت على عدم الناصح والمرشد الصدوق قبل ذلك ..

    بنيت على الحرمان والضياع والخوف ...

    هل سأحرم من ذلك العلم الجليل بسبب ذلك الخطأ ؟؟

    هل سينتهي كل شيء الآن ...؟؟؟

    يتبع إن شاء الله

  13. #28

    مشرفة سابق


    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    ريــاض العــز
    المشاركات
    6,168
    --------------------------------------------------------------------------------

    الحلقة الرابعة والعشرون

    أخيرا قررت أن أطرق الباب على بيت الشيخ ..

    وليست غايتي هي حقيبتي أو أي شيء آخر !!

    كنت أريد التأكد فقط هل علم الشيخ بكلام صاحبنا ؟؟

    طرقت الباب .. فرد ت علي امرأة من سماعة الباب ...

    فسألت عن الشيخ ... فقالت من يريده ؟؟

    فقلت : فلان.....

    فلم تجبني وأغلقت الخط في وجهي ...!!

    وبعد دقيقة أو دقيقتين .. خرج الشيخ وبيده الحقيبة ..

    ركزت النظر في عينيه ووجهه..

    كنت أتوسم في تعابير وجهه ،فرأيت منه ابتسامته المعتادة !!

    غير أنها هذه المرة متكلفة ومصطنعة !!!

    بل ومعها احمرار شديد في بشرة الوجه !!!

    سلمني الحقيبة ببرود متوقع وقال : انتظر الابن عبد الله و سوف يوصلك الآن للسكن..

    ثم دخل وقد بدا لي أنه يستعجل الذهاب !!

    يبدو أن عبد الله قد وصل برا لعنيزة في الليلة الماضية ..

    ولا شك أن هناك أمرا جللا عجله أو شيئا آخر!!!

    خرج عبد الله ووضعت الحقبة خلف السيارة ثم جلسنا في المرتبة الأمامية..

    الأخ عبد الله رجل جريء وصادق ولا يعرف اللف والدوران ولذلك دخل في الموضوع

    مباشرة!!

    وقال: من أنت ؟

    ومن بعثك؟

    أنت رجل ثبت لنا أنك مخادع وكذاب ..

    وكذبت على الوالد في أمور كثيرة .....

    وانطلق يتكلم بكلام كثير لا أستجمعه ... بقيت صامتا طوال المسافة القصيرة للسكن ..

    والتي مرت علي كأنها دهر !!

    لم أناقشه ، ولم أحاول الرد على كلامه .. فواضح جدا أنه قد ملئ قلبه علي والله شاهد

    لم أصدق وصولنا للسكن .. بقيت متسمرا مكاني وخفت أن يختم بكلامه بلطمة على

    وجهي .. وليته فعل ولم يتكلم بكلامه الذي تفوه به...!!

    ثم قال لي : انزل وخذ حقيبتك ...

    نزلت ثم لحقني وقال : والله ما أضمنك تحط لي شيء في السيارة؟؟

    ثم حملت متاعي وصعدت لغرفة السكن والحمد لله أنني لم أجد فيها أحدا!!

    سقطت على فراشي وبقيت أبكي بكاء الثكلى ..

    كان موقفا هائلا وكلاما شديدا يصعب على من هو في سني تحمله ..

    لقد وصفت بأقذع الأوصاف، ورميت بتهم عظيمة لا استحقها والله ؟؟

    لكن هل ألومهم ؟؟

    أنا لا ألوم عبد الله ابن الشيخ ولا عبد الرحمن أخ الشيخ ولا عائلة الشيخ

    لا ألومهم ولا أحمل الضغينة عليهم والله الآن ..

    لقد مرت على تلك القصة سنون عديدة ..

    فهي الآن فقط ذكريات بقيت في الخيال ..

    هم بشر وقد نقل لهم عني ما يسئ ..

    وثبت لهم بعض ما نقل عني فكانت تهمة متلبسة بجميع تفاصيلها!!

    يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ربما يكن أحدكم ألحن بحجته فأحكم له فيقتطع

    قطعة من النار .. إنما أنا بشر !!!) إذا كان هذا من رسول الله فما بالك بمن سواه..

    اللوم كثير منه يقع على ذلك الناقل اللذي امتلاء قلبه حقدا وغلا علي لا لشيء سوى

    ظنه الغبي أنني جئت لأجل منافسته على المكانة التي حصل عليها من شيخنا..


    هل كل من كان أكثر علما هو خير الناس ؟؟

    ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب

    ما فائدة العلم الذي تعلمناه إذا كان سيوصلنا لهذه الحال...؟؟؟

    اللوم أيضا يقع علي أنا في عدم إخبار الشيخ بالوقائع فور قدومي لعنيزة ..

    ولا اشك ثانية واحدة أن شيخنا لن يتردد في حلها بصرف النظر عن علاقتي به..

    فهو رجل علم وإصلاح ورأيت من المواقف ما هو أصعب من مواقفي سعى شيخنا

    بحلها والإصلاح فيها ...

    كدت أجن من الحزن والهم والضيق لم أكن أعلم مالذي سأفعله ...

    أذن الظهر فلم أطق الاستعداد للصلاة ...

    انتظرت قدوم الشيخ للمسجد.. حيث يمكنني مشاهدته حينما يقدم ماشيا ..من نافذة

    غرفتي ... وحينما رأيته قادما زادت حسرتي وألمي عليه وعلى تلك الساعات التي

    قضيتها معه ولو أنها قليلة ولكنها باهظة الثمن!!

    قلت في نفسي: ما ذنب شيخنا من هذا كله ؟؟

    أنا الملوم وأنا من يستحق اللوم ؟؟

    أنا الذي أسأت إليه ويجب علي بصرف النظر عن كبر الخطأ وصغره يجب علي أن اعتذر

    منه.. وأشرح له ما حصل ..

    استجمعت قواي ونزلت للمسجد وصليت مع الجماعة ..

    وبعد الصلاة رافقت الشيخ لبيته ...

    لم يكن يلتفت إلي مع أنني كنت أسير بجواره فعلمت أن الشيخ غاضب مني ..

    والله المستعان وعليه التكلان .......

    يتبع إن شاء الله

  14. #29

    مشرفة سابق


    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    ريــاض العــز
    المشاركات
    6,168
    --------------------------------------------------------------------------------

    الحلقة الخامسة والعشرون

    حينما رأيت الشيخ معرضا عني سبب لي ذلك صدمة عنيفة..

    صحيح أنني نعمت بظل أبوته لفترة وجيزة من الزمن ..

    غير أنها لا يمكن أن تعوض!!

    خنقتني العبرة وكدت أبكي بمشهد الناس ..

    لاحظ الشيخ ذلك بالتفاتة سريعة منه نحوي ...

    فأشار للجميع بالرجوع وبقيت أنا وهو نمشي دون أن نتكلم بكلمة..

    واضح أن الأمر محرج للشيخ وأنه شعر في نفسه بخيبة الأمل ..

    فقد كان يطمح مني شيئا غير ما فعلت فيه ..

    لقد كان اهتمامه بي نابعا من سماحة نفس ورغبة في تنشئتي تنشئة صالحة

    وهو فضل منه بعد فضل الله ولو شئت لحدثتكم بكلمات وعبارات من شيخنا

    فيها من الرحمة والعذوبة واللطافة أملاء بها صفحات وصفحات ..

    غير أن القصد من هذه القصة هو تسليط الضوء على جزء من حياة شيخنا

    قصة هو بطلها وهو مخرجها وهو كاتب حروفها غير أني راصد وأحكي لكم ما صار .

    والله على ما أقول شهيد...

    وصل لبيته ، فقلت له ياشيخنا : اسمح لي بالحديث معك في داخل البيت ..

    فقال : لا بأس ...

    دخل للمنزل ورد الباب ثم فتح باب الملحق الخارجي ..

    وأنا انتظر الشيخ ليفتح باب الملحق مر صاحبنا الذي نفخ بوق هذه الفتنة بجوار المنزل..

    فلما لمحني وحيدا وأهم بالدخول للمنزل غاب بسيارته خلف البيوت المجاورة..

    أصبحت كالطريدة بالنسبة إليه وخيل إلي أنه كحيوان مفترس يريد النيل مني !!

    دخلت للبيت وتوجه الشيخ للقبلة لصلاة السنة الراتبة للظهر...

    جلست بجوار مكان جلوسه المعتاد في صدر المجلس ..

    صلى ثم سلم ثم دنا من مكانه فقال : هات ما عندك!!

    بدأت بحمد الله والصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام ..

    قلت يا شيخنا: لقد كنت شابا حبب الله لي العلم وطلبه..

    .. فمنذ التزامي واستقامتي

    وأنا منصرف له بكل ما أوتيت من طاقة وجهد ..

    ثم رويت للشيخ تفاصيل أموري مما سردت بعضه عليكم في الحلقات الماضية ..

    وحدثته عن مشكلتي مع الوالد .. وكذلك عن سفري للرياض..

    ثم تعرفي على سعود المعاشي ..

    وقصة الانتساب لقبيلة شمر ... حتى وصلت للقصيم ..

    كنت أتحدث معه والعبرة تخنقني ..

    وأحاول جاهدا أن لا أفقد أعصابي ..

    لم يكن الشيخ يقاطعني بل كان يستمع لي بكل إنصات ..

    مع أن ملامح وجهه لم يظهر منها علامات القبول لكل ما كنت أقوله ..

    وله الحق في ذلك فالتهمة قد ضخمت حتى وصلت لحد أطلعكم عليه لاحقا..

    حيث لم أعرف كل شيء آنذاك...

    شيخنا رجل أريب ولماح وشديد الذكاء ..

    فهو يميز الغث من السمين ويزن الأمور بموازين دقيقة ..

    هذه الموازين والمقاييس أو المعايير ليست مبنية على الهوى والظن والتشكك والبناء على

    ذلك.. بل هي مبنية على سبر الأغوار ودراسة المسألة من جميع وجوهها مع خشية الله

    تعالى وتأله ومراقبة وابتغاء مرضاته لا تأخذه في الحق لومة لائم .. وهكذا العلماء هم

    قال الله تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء)...

    بقيت أتكلم أكثر من ساعة كاملة ..

    فلما ختمت حديثي قال لي: ما فعلته خطأ وتصرف أهوج ..

    ولو أنك أطلعتني من أول الأمر على ما حصل .. لأمكننا التصرف .. ولكن

    قدر الله وما شاء فعل...

    أذهب الآن للسكن ، وسوف أرى ماذا يمكننا عمله..

    قبلت رأس الشيخ وخرجت وأنا خائر القوى لا أكاد أستطيع السير..

    يتبع ان شاء الله

  15. #30

    مشرفة سابق


    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    ريــاض العــز
    المشاركات
    6,168
    --------------------------------------------------------------------------------

    الحلقة السادسة والعشرون

    رجعت للسكن وانتقلت لغرفة الأخ محمد زين العابدين بأمر من الشيخ!!

    هل هو تحفظ علي ؟؟ لكي يراقبني؟؟ أم كان ذلك بسبب آخر أجهله ؟؟

    كان الأخ محمد هو غالبا الوسيط بيني وبين الشيخ وقد لمحت مرارا

    الأخ محمد يلتقي بصاحب الفتنة!!

    لا أقصد من ذلك أبدا أن أتهم الأخ محمد ، فراية محمد والله عندي بيضاء ولكنه رجل

    حصيف يسعى للإصلاح والتقارب بكل الوجوه الممكنة .

    لقد كانت ردة فعله طوال المشكلة أنه لم يظهر الانفعال والغضب بل كظم غيضه

    وانتظر ما تصير عليه الأمور بيني وبين الشيخ...

    تغيرت الوجوه علي وتنكرت النفوس وضاقت علي الأرض بما رحبت ..

    أصبح السكن بالنسبة لي ككابوس مخيف ونفق مظلم لا نهاية له

    لم يؤذني أحد بكلام أو فعل الحمد لله ،

    ولكن كانت مجرد النظرات والصمت الرهيب حولي

    يولدان الكآبة والحزن والأسى في نفسي ..

    لم يكن الطعام في السكن مع الطلبة لي مستساغا بل أصبح غصة في الحلق ..

    ولذلك لم أحرص على مخالطة الطلبة ولا أن أتحدث معهم ..

    كنت أطلب من علاء الدين أن يعطيني الطعام فأذهب به لغرفتي

    أو أن أنتظر خروج الطلبة فآتي فآكل من الطعام البارد وحدي..

    كنت أجلس في الغرفة اقرأ القرءان ..

    حينما يمر المرء بأوقات عصيبة فإنه يحتاج لمن يؤنسه ..

    لقد كان أنيسي في تلك الليالي القرءان وأنعم به من أنيس..

    لقد كنت أقرأ السور بتأن وتدبر وأشغل فكري بمعانيها العظيمة مما أفهمه وأدركه ..

    فيكون في ذلك من الأنس والتطمين والترويح ما جعلني أغتبط بما أنا فيه!!

    من السور العظيمة التي قرأتها مرارا وتكرارا سورة يوسف ..

    حيث كنت كلما وصلت لمقطع انكشاف شخصية يوسف لإخوته وقد صار سيد مصر

    تصيبني نوبة بكاء ثم يتبعه أمل واستبشار قريب بفرج الله تعالى..

    من السور التي تأثرت بها كثيرا في تلك الأيام سورة فاطر!!

    إن في هذه السورة من المعاني والعبر والتوجيهات والإشارات العظيمة

    مالو تأمله المرء لخرج بآلاف مؤلفة من العبر والفوائد..

    من السور التي تأثرت أيضا بها سورة القصص وقصة موسى عليه السلام وإلقاء

    أمه له في التابوت وخوفها عليه ثم عيشه وترعرعه في بيت عدوه

    وما وجده في حياته من العنت والمطاردة والخوف حتى بعثه الله سبحانه وتعالى

    لفرعون وقومه وبني إسرائيل ...

    القرءان يا إخوتي الكرام يا أخواتي هو خير صديق ومؤنس في الشدائد

    وصدق الله تعالى حينما قال ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب)


    في ذاكرتي عن تلك الأيام تشويش رهيب فكلما طرقت باب الذاكرة

    لكي تفتح لي نافذة أو كوة أو خرقا صغيرا نحوه ترفض ذلك رفضا قاطعا ..!!

    كأنها تقول لي : مالك ومال تلك الأيام ...!!

    ألم يكف ما تجرعته فيها من آلام هائلة!!

    دع تلك المآسي في جوفي ، ولا تفتح الباب فتفسد على نفسك ما بقي من عمرك!!

    فيكفيك ما أنت فيه الآن من متاعب أنت في غنى عن المزيد منها ..!!

    وخوفي أن يأتيك ما كنت تظنه عبرة وعظة للآخرين فيكون في مجرد ذكره

    تعجيل حتفك !!!

    فهل تريد الآن أن تنبش الأوجاع وتعيد الذكريات الحزينة!!

    قلت لها : دعينا يا ذاكرتي الحزينة دعينا نروي للناس ما حصل حتى يعتبروا من حالي ..

    وليعلموا كيف أن رحمة الله سبقت سخطه وعقابه ..

    حينما هبت جنود أبليس وأعوانه لنجدة أشرار الناس في النيل من علم الأمة

    دعيني أحكي لهم كيف طردني الناس ورموني بالأحجار حتى فررت منهم على قارب

    صغير غرقت به في منتصف البحر .. فبقيت أسبح وأسبح حتى وصلت للشاطئ المقابل!!

    ولم أكد أصل !!

    ثم زحفت على بطني على الرمال حتى ارتفعت على تلة في الشاطئ.. تشرف

    على غابة أمامي ...

    فتجولت بناظري حولي فرأيت من خلف الأشجار المظلمة ..

    عيونا لا تختلف نظراتها عن تلك النظرات التي فررت منها ..

    والتي تطورت حالها من مجرد العتاب أو الحقد ليتبعها الإيذاء والمطاردة!!

    حينها سقطت مغشيا علي ...

    دعيني أروي لهم كيف أن شيخنا لمحني من بعيد ملقيا على شاطئ الأحزان..

    فجاء ذلك الشيخ الجليل يسير من داخل تلك الغابة ووقف على رأسي ...

    فرآني لا يكاد يسترني ثوب من العري..

    قد تشققت أشداقي من العطش ..

    وقد ضمر بطني من الجوع

    وقد تتابعت أنفاسي الضعيفة من الجهد فكدت اتلف وأموت ...

    حينها انحنى الشيخ نحوي ..

    ووضع يده الباردة على وجهي ومسح بها دمعتي وقال:

    لا تحزن يابني إن الله جاعل لك فرجا قريبا !!

    يتبع إن شاء الله

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 1 2 3 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. والله بحياتي كلها ماقرأت أروع من هذا الكلااام
    بواسطة اريام22 في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 28-10-2010, 11:07 PM
  2. من أروع ماقرأت.. ضحايا الوهم.. عائض القرني.. ادخلوا للأهميه..
    بواسطة صمـ الحياه ـــود في المنتدى منتدى الأخبار
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 06-08-2010, 01:04 PM
  3. مقال رائــع للشيخ /عادل الجهني >>من أروع ماقرأت
    بواسطة نواف أبو عمار في المنتدى منتدى الأخبار
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 05-10-2009, 09:14 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •