أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


هذه الترجمة متميزة عن كل ما عداها ، فهي ترجمة لعالم جليل بقلم عالم جليل ، ترجمة العالم الجليل صاحب الأنظام الشهيرة " محمد مولود بن أحمد فال " ، بقلم العلامة االشيخ محمد سالم بن عدود ، من تقديمه لمجموع مؤلفات محمدز مولود ، ولم أرد التعديل فيها ، مع ما فيها من إحالات على موضوع الكتابين ، :

الحمد لله والصلاة والسلام على محمد رسول الله وعلى آله ومن اهتدى بهداه أما بعد فإن الكتابة عن العلم محمد مولود بن أحمد فال اليعقوبي الموسوي تكاد تكون متعذرة يقبل المنصف فيها المعذرة؛ فهي كما يرى بعضهم: إما أن تعتمد الأسلوب الكتابي فلا تروق الفقيه أو الاسلوب الفقهي فلا تروق الكاتب، فلا الكاتب يقرأ الكتاب ولا الفقيه يقرأ الكتابة. هذا إلى جزمي بأن من هو مثلي لا يسأل عن مثل الْعَلَمِ المذكور، وإلى أننا لم نتعود الكتابة عن أعلامنا، فقليل منا من اهتم بالكتابة عن آبائه؛ وعلى ذلك فإن أكثر المعرفين بأكابر العلماء كانوا لا يبلغون شسوع نعالهم، ولو لا ما كتبوا عنهم لما عرفوا، ومن حق الشيوخ على المنتفعين بهم إذا عقدوا المجالس للإملاء أن يترجموا لهم ويدعوا لهم، قال العراقي في ألفيته في المصطلح، في هذا الموضوع: والشيخ ترجم الشيوخ ودعا. ومن حق علم كمحمد مولود إذا عرف به أن يزيد الكتاب الذي يكتب عنه على عدد مجلدات ما كتب المقري عن لسان الدين بن الخطيب فإذا كان مترجم المقري للدين لسانا فإن شيخنا كان له جنانا ولسانا وبنانا وأركانا، ولا يوفيه حقه إلا من عرف بأسرته الموسوية بعلمائها وحكامها وبلغائها وحكمائها ووجهائها وأسخيائها وصلحائها وعرف بالمحيط اليعقوبي وأرضه ومناخه العلمي الذي يقول فيه محمد بن الطلبه

فلنا في لواه أيام عيد بذ من قد بدا بهن الحضورا

ويقول فيه مولود بن أحمد الجواد:

أرض إذا نزلت فيها كواكبنا لم يُدْرَ منزِلُنَا أي السماء ين

هكذا تنثال على مريد التعريف بمحمد مولود الأفكار فتقف الألفاظ حسرى لواهث خلف المعاني، وإن كان لا بد مما ليس منه بد فهو محمد مولود بن أحمد فال بن محمذن فال بن الأمين بن المختار بن الفقيه موسى بن يعقوب بن أبي موسى بن يعلى بن عامر بن يعلى بن خامس مؤسسي الاتحاد الخمسي وهو أبو أحمد عامر بن محمد بن يعقوب الهاشمي الطالبي الجعفري المعقلى.

ويعلى المذكور أولا هو الذي عناه محمد بن الطلبه بقوله في عينيته:

من آل أبي موسى بن يعلى بن عامر إذا شهدوا زانوك في كل مجمع

والمذكور ثانيا هو الذي عناه بقوله في جيميته:

ظعائن ينميها إلى فَرَع العُلا لعامر يعلى كل أزهر أبلج.

ولد محمد مولود في هذه الصحراء صحراء، الملثمين وعاش بها ولها. وأم محمد مولود هي مريم بنت محمد مولود بن الناهي من قبيلة أولاد دمان التروزيين، وكان لمحمد مولود بن الناهي عناية كبيرة بعلوم اللغة والحديث والفقه[21]. وقد أخذ محمد مولود بن أحمد فال (آدّ) العلم عن أسرته ومنهم والده القاضي ابن القضاة أحمد فال، (وقد اشتهر بسعة العلم وتقريبه بالأنظام الفصيحة والعامية، وكان حجة في الفتيا والقضاء)، وابن عمه محمـد مختار بن حبيب الله بن محمذ آبّ الشهير بـ " ابّوهْ"، (وكان صاحب محضرة عظيمة تخرج فيها كثير من العلماء وكانت له عناية كبيرة بالأمور العامة لمجتمعه ووجاهة عظيمة عند أمراء البلاد)، ومحمد علي بن سيدي بن سعيد الشهير بـ "مع" (الحيبلي وهو صاحب المدرسة الشهيرة في النحو وغيره من العلوم)، وكان (آدّ) يخص محمذ فال بن متالِ بعبارة شيخنا (وكان محمذ فال مشهورا بالعلم والصلاح والورع). وقاد الشيخ آدّ محضرة جمع فيها بين العكوف على التأليف وبين التدريس بشكل فريد، تخرجت فيها كوكبة من مشاهير العلماء، منهم ابناه محمد، (كان عالما زاهدا حافظا للقرآن وعلومه) ومحمد الامين، (كان بحر علم وورع وزهد، خبير بالقرآن وعلومه)، وحبيب بن الزايد (اشتهر بالعلم والورع والزهد، كان كشيخه يتورع عن الفتوى) ومحمد الامين بن ابّوه، ومحمد الامين بن عبد الرحمن بن ابّوه، (وكانا من العلماء المحققين المشهود لهم بالتقى) ومحمد بن محمد البخاري، وأبو المعالي بن محمد بن عبد الله بن أبي المعالي (قد اشتهرا بالعلم والزهد والورع)، ومحمد الامجد بن محمد الامين بن أبي المعالي (كان عالما محققا ثاقب الذهن)؛ ومحمد الخضر بن حبيب الله اليعقوبي الباركي، (كان فقيها مدققا ولغويا محققا، ألف عدة تآليف منها شرحه نظم مختصر خليل للشيخ محمد المامي) وهو القائل في شيخه آدّ:إن لم يكن محمد مولود ولي شرع فالولي[22] مفقود.ومحمدٌُ بن محي الدين بن ابّوه، (قد اشتهر بالورع وبالعلم، وكان له الفضل في انتشار مؤلفات آد بخطه الجميل) ومحمد النابغة الشيخ محمد بن حبيب الرحمن (كان ثقة ورعا زاهدا) ، ومحمد أخوه (عرف بورعه وزهده وأدبه). وحدثني سيد أحمد بن أحمد يحيى «حفيد المؤلف» أنه أقرأه المختار السالم بن العباس قول الشيخ (آدّ). بيان ما يجب من نِفَاق الازواج؛ وأوقفه على ضبط كلمة نِفَاق؛ وقال له هكذا: "أقرأنيها المؤلف".

مَثلَ آدّ عِزّ قومه وشموخَهُم ونبوغهم في نهاية الزهد والعفاف والكرم. بلغ في العلم درجة الاجتهاد كما تدل عليه اختياراته واستظهاراته في كتابيه الرحمة والكفاف وشرحيهما. هذه الكتب الأربعة التي يضمها المجموع المستحق أن يسمى هامعَ النعمة الوكاف الجامعَ بين الرحمة والكفاف، كما يبرزه الملحق المخصص لذلك من الملاحق التي اعتنى بها المعتني بنشره، بلّغه الله تعالى نهاية المأمول من نيل السول، وسُخّر له العلم تسخيرا فكان كما قيل في أبي داوود: أُلـِـينَ لأبي داوود الحديثُ كما ألين لداوود الحديدُ؛ ومن المدهش العدد الهائل الذي اشتمل عليه هذا المجموع من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية كما يبينه الملحقان المخصصان لذلك، ففي هذا العدد الهائل من أصلي الأدلة ما تتحطم عليه صخرة القول بأن الفقهاء المالكيين في الجناح الغربي من العالم الاسلامي لم يكن لهم اهتمام بالأدلة. هذا إلى ما اشتمل عليه هذا المجموع المبارك من أسماء المصنفات والرجال كما تراه في الملحقين المخصصين لذلك. ومن أبرز ما يلفت الأنظار في عمل هذا العلَم في هذا المجموع أنه لم يُرِد القضاء على خصوصية مختصر خليل الذي هو المرجع الفقهي لأهل بلده، فهو يحيل عليه كما في قوله في خيار البيع من الكفاف: «وهو من البائع رَدّ»، وكما في قوله في فرائضه: وعَصْبُ كُل لثلاث أعْمِلاَ عمَّتِه وأخْته وبنت عم. فقد أجمل فيه اتكالا على ما هو معلوم من عبارة خليل كما يجمل خليل، اعتمادا على ذهن السامع، أو يترك الترتيب اعتمادا على أن السامع يرُدّ كلا إلى مناسبه، وينبه شراحه على ذلك. ومعلوم أن الابن المباشر إنما يعصب أخته، وأن ابن الابن إنما يعصب أخته وابنة عمه، وأن ابن ابن الابن يعصب الثلاث، فهو ناظر إلى قول خليل: وعَصَبَ كُلّ أخْتَه؛ وقوله: وعَصَبَ كُلاًّ أخ يساويها؛ وقوله: إلا لابن في درجتها مطلقا أو أسفل فمعصب؛ ونظير هذا في غير الفقه قول ابن آجروم: فكلها ترفع بالضمة، وتنصب بالفتحة، وتخفض بالكسرة، وتجزم بالسكون. بعد قوله: المعربات قسمان قسم يعرب بالحركات، وقسم يعرب بالحروف، فالذي يعرب بالحركات أربعة أنواع الاسم المفرد، وجمع التكسير، والجمع المؤنث السالم، والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء؛ ومعلوم أن الفعل لا يخفض، وأن الأسماء لا تجزم. والسامع يرد كل ذلك إلى ما يليق به. وكنت قلت في ذلك أبياتا (انظرها في أسفل الصفحة 835).ومع ذلك يخالفه (أي يخالف مختصر خليل) كثيرا فيما يظهر له أن كلامه فيه خلافُ المُعْتَمَد، من غير أن يصرح، ولا مرة واحدة، حسب علمي، بتخطئته؛ ولكم وددت أن تخصص دراسة لهذا الموضوع.

وتوفي محمد مولود سنة 1323هـ عن عمر ناهز 63 سنة.وقد بورك للشيخ في عمره ووُضِعَ القبولُ له ولمصنفاته الكثيرة المثيرة التي تناولت من علوم القرآن: المقرأ، والتجويد، وآداب التلاوة، والغريب، والمترادف، وغير ذلك؛ ومن الحديث: الشواهد النحوية التي لم أطلع على تصنيف يخصها؛ ومن الآداب: آداب الطهارة والصلاة وآداب المساجد، وآداب الصدقة المفروضة والنافلة، وآداب الطعام والشراب؛ ومن الفقه المتخصص بر الوالدين، والأقارب، ومحرمات اللسان، والسمع والبصر وتعريف المشهور وحكم العمل بخلافه أو بغير المذهب في رسالة أجاب بها سؤالا وجه إليه في الموضوع، وفقه الباطن؛ ومن الأخلاق العامة: أخلاق الزوايا، (واسم الزوايا كان يميز الفئة المتعلمة الملتزمة). ومؤلفاته في هذه الموضوعات أكثرها مما لم يسبق هو إلى إفراده بالتصنيف؛ وهي كما قال صاحب الإضاءة:

ما بين منثور ونظم يُهتصَرْ جناه من مطوَّل ومختصَرْ

ولم يحُـل تواضعه المعروف بينه وبين الاشادة بأكثرها نصحا للمسلمين، وأكثر ذلك في أواخرها ليدل على أنها كما وصفها، إذ لو كان في أوائلها لأمكن أن يكون وصفا لما يريد لها، وقد يجمع بين ذلك كما في أدبَةِ الأدب، ومطهرة القلوب. وقد وفق الله سبحانه ابن عمه أحمد سالك بن محمد الامين بن حامد بن محمد مختار ابّوهْ بن حبيب الله بن محمدٍ آبه عم محمذن فال المذكور في نسبه، إلى العناية بنشر هذه المؤلفات ونشل ما كان منها في عداد المفقود، وكانت هذه العناية بإخراج هذه الموسوعة الفقهية الجامعة بين الرحمة والكفاف بالغة القصد.

وعند الله في ذاك الجزاء. 29

جمادى الأولى 1429هـ الموافق 03 / 06 / 2008