أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


هل الاجتماع لتعزية أهل الميت ممنوع شرعًا؟


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد روى البخاري و مسلم عن عائشة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنها كانت ، إذا مات الميت من أهلها ، فاجتمع لذلك النساء ، ثم تفرقن -إلا أهلها وخاصتها- أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت . ثم صنع ثريد . فصبت التلبينة عليها . ثم قالت : كلن منها . فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " التلبينة مجمة لفؤاد المريض . تذهب بعض الحزن " .


قوله: " فاجتمع لذلك النساء" ظاهر في أن حصول الاجتماع لغرض العزاء لا محذور فيه؛ لمشاركة عائشة- رضي الله عنها- وعدم إنكارها.


وبعض أهل العلم يمنع من استقبال المعزين في المنزل؛ لأن هذا يفضي إلى حصول الاجتماع، وهذا أمر لا يجوز
عندهم؛ مستدلين بأثر جرير بن عبد الله البجلي-رضي الله عنه- : " كنا نَعُدُّ الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة" رواه أحمد في المسند، وصححه أحمد شاكر. وحديث عائشة-رضي الله عنها- هذا يرد عليهم، وأما أثر جرير فمحمول على أن الصورة المركبة من الاجتماع و صنع الطعام يُحكم لها بأنها من النياحة، و أما مجرد الحضور لأجل العزاء و ما يتبعه من اجتماع الحضور فهذا لا يقال إنه نياحة طالما لم ينضم إليه صنع الطعام.


روى ابن أبي شيبة ٢٩١/٣ عن طلحة قال: قدم جرير على عمر، فقال: هل يناح قبلكم على الميت؟ قال: لا. قال: فهل تجتمع النساء عندكم على الميت، ويطعم الطعام؟ قال: نعم. فقال: تلك النياحة.


فقوله" تلك النياحة" تدل على أن مجموع الأمرين من اجتماع النساء وصنيعة الطعام يعتبر في الحكم كالنياحة، ولذلك فإنه لا معارضة بين حديث عائشة و أثر جرير؛ لأن حديث عائشة فيه اجتماع للنساء بدون طعام، و أثر جرير فيه الاجتماع مع الطعام.


و لذلك كانت تنتظر- رضي الله عنها- حتى يتفرق النساء، ولا يبقى إلا أهل الميت وخاصته؛ فعندها تصنع لهم التلبينة، وتذكر ما سمعته من النبي- عليه الصلاة والسلام- فيها.


وإنما تفعل هذا امتثالاً للسنة في صنع الطعام لأهل الميت كما في حديث" اصنعوا لآل جعفر طعامًا فإنه قد أتاهم ما يشغلهم" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه ، وعلى هذا فإن القول بأن الاجتماع للتعزية لم يرد عن السلف، و أنه بدعة قول مردود يخالف ما دل عليه حديث عائشة- رضي الله عنها- وغيره، وقد نص أهل العلم على أن الممنوع فيما يتعلق بصنع الطعام هو أن يَصنع أهل الميت الطعام للناس؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- علل امتناع القيام بهذا لأنفسهم- فضلاً عن غيرهم- بقوله: " فإنه قد أتاهم ما يُشغلهم". قال الخرقي: و " لا بأس أن يُصلَح لأهل الميت طعام يُبعَث به إليهم، و لا يُصلحون هم طعامًا للناس" شرح الزركشي ٣٥٧/٢.


وكنت قد جمعت في هذه المسألة بحثًا مطوّلاً قبل عقد من الزمان لعل الله أن يسهل ظهوره حتى يعم النفع به، وإنما اقتصرت في هذه المقالة على ذكر الخلاصة، و الله الموفق للصواب.