أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


( باص التحفيظ ) إلى أين ..؟

في 1424هـ ... تقريبًا
في أحد أحياء (جدة) العتيقة .. والتي تجمع ( كوكتيل مجتمعي ) ..
يُرفع أذان المغرب .. الله أكبر .. الله أكبر ..
فيشدك منظر صبي يافع ذي شماغ أحمر .. يخرج من بيته متجهًا إلى (الحلقة) .. ما أجمل حُلته .. اللهم ثبته ..
صوت ضحكات متعالية ..
تدير رأسك فترى ( شلة ) شباب يجلسون على مركاز (نادي) وكلٌ آخذ بطرف سيجارته .. أحدهم سقط على الأرض من القهقهة ..
يمر بهم مسن أحاطه الشيب .. ( يا شباب أذّن .. ما تسمعون .. )
أحدهم : إلا ياعمي روح روح جايينك ..
وما إن يتعداهم .. حتى تعود الضحكات .. فيقطب وجهه أسفا عليهم .. (لا حول ولا قوة إلا بالله ) ..
الأولاد على الدراجات .. يتسابقون .. أقول في نفسي : ألأ يعرف أهل هؤلاء حديث (( كفو صبيانكم ..)) سبحان الله !!
تقطع علي تعجبي قائلة : عمي .. أعطيني صدقة الله يدخلك الجنة .


في هذا الجو ..

عاش خمسة من الشباب .. من الله عليهم بالإستقامة ..
( عبد العزيز )
( محمد )
( نبيل )
( آدم )
( أحمد )

هم في أواخر عقدهم الثاني .. حماس .. نشاط .. ألفة .. تعاون ..
وفقهم الله لمن يأخذ بأيديهم إلى .. حلق الذكر .. ( الأستاذ علي ) ..
جلسوا بين يديه .. يحفظون القرآن .. يعرضونه عليه .. لهم باص يوجهونه في الثلاثاء إلى أحد المساجد التي بها قارئ .. إذا قرأ أحسستَ أنه يفسر كلام الله جل وعلا .. لا أذكرُ أني صليت عنده إلا سمعت منه على الأقل بداية بكاء .. فعلا خشوووووع ..
وإذا أتى يوم الأربعاء .. تجد الأستاذ علي : أرجو ألا يتأخر أحدكم يا شباب .. تعرفون الدرس زحمة لابد نحرك الباص بدري .. إنهم يسيرون إلى مأوى طلاب العلم يوم الأربعاء في جدة .. ( درس الشيخ محمد الشنقيطي ) لا أظن جداويًا يجهله .. ولا غرباوي ..
وفي الخميس الكل يرتدي اللبس الرياضي .. وإلى أقرب ( فضاء ) طبعا .. اللعبة الشعبية المفضلة .. (كرة القدم)
تمر الأيام .. والأيام .. ويختم عبد العزيز القرآن حفظا .. يتهلل وجه الأستاذ علي: الحمد لله الحمد لله .. أول ختمة في حلقتنا .. جدير بالذكر أن هذه الختمة ليست الأولى لعبد العزيز .. فهذه الختمة أشبه بترميم لما تقادم عهده من حفظه ..
وتحمى المنافسة بين محمد ونبيل أيهما .. يُبرِقُ أسارير وجه أستاذه أولا .. ويشعر محمد أن أستاذه يقدِّمُ ويحب نبيلًا أكثر منه .. ولذا هو لا يحفظ فقط بل يثبت نفسه لأستاذه ويتحداه ..
وبعد فترة كان لابد أن يحصحص الحق .. ويجني المجتهد ثمر غرسه .. محمد يختم القرآن حفظا ممتازًا ..
أحدثكم عنه .. كنت أذكر له الآية فيسكت هنية ثم يقول هي في الوجه 20 من البقرة فأعجب من حفظه .. وأُبرِّك .. ولمَ العجب .. فربما سمع منهم أستاذهم الجزءين والثلاثة والخمسة لايسمح بأكثر من خطأين ..
ثم توالت بعد ذلك الختمتات .. حتى ختموا .. كلُّهُم , ثم مضى الدهر .. وهاهم المراهقون يبلغون أوائل عقدهم الثالث .. وبدأت الحلقة تحس أن أطرافها يُبتر منها كل مُديدة .. بدأ يبحث كلٌ منهم عن مصلحته .. فهذا إلى الجامعة وذاك إلى الجمعيات الخيرية وآخر على باص له يكُدُّ عليه ......


نحن في 1433هـ

إليكم حال كل واحد من ( ركاب الباص )

* عبد العزيز .. صاحب الشخصية التي فرضت احترامها على الجميع .. مع أن ظروف أهله المادية ( صعبة جدا ) إلا أنك تشعر بسعادته من أول نظرة إليه .. وقار وابتسامه .. لا تكاد تسمع مشيه على الأرض .. تنقّل مدرسًا لحلقات التحفيظ في أكثر من مسجد .. قابلته في دورات حفظ السُّنَّة قبل فترة .. أهلا يا شيخ عبد العزيز .. كيف حالك .. ماذا تفعل في الدورة هنا ..
رد: أنا مشرف هنا والحمد لله ..
ما شاء الله .. وهل تحفظ من السنة شيء ؟
رد: الحمد لله .. أنا من خريجي دورات الشيخ يحي اليحيى _وفقه الله _
كم تحفظ ؟ الله يبارك لك ..
الحمد لله أحفظ .. _كأنه لايريد إخباري _ شعرت بأنه يحفظ لكن يخشى السمعة ..
قل لي فأنت بذلك تشحذ همتي للدخول معكم ..
رد: المتفق عليه ثم الصحيحين ..
والسنن ؟
الحمد لله أبو داوود والترمذي والنسائي .. ,أنا في ابن ماجه ..
ما شاء الله بارك الله مرارًا .. أقولها وجسمي كأن به نمل من الصدمة .. وماذا وجدت من ثمرة الحفظ ..
رد: الكثير الكثير .. لكن كأنك تعيش مع النبي صصص تعرف ماذا أكل وكيف وكم صلى وكيف كيف لبس نعله كيف أدب زوجه كيف دعا ربه كيف رجَّلَ شعره ..
أقول في نفسي ما أجمله من كلام .. أغبطك .

* نبيل .. لفت نظري وأنا أكلم الشيخ عبد العزيز .. رجلًا أظني أعرفه .. أقتربت .. أهو هو .. نعم إنه نبيل وحوله طلبه .. ماذا يفعل نبيل هنا ياشيخ عبد العزيز .. إنه يُدَرِّس هنا .. ما شاء الله في أي فرع ؟ في المتفق عليه .. ( ومعلوم أنه لا يدرس هذا الفرع إلا من أتقنه ) أردد ما شاء الله بارك الله .. ثم علمتُ بعد ذلك أنه منذُ ترك التحفيظ ألتحق بدورة السنة .. أقول فلا يبعد أن يكون قد حفظ مذكرات السنة في الكتب الستة ..

حقيقةً.. بهروني بهمهم الغالية ورغباتهم السامية .. أخرج من المسجد وأنا في غاية السرور ..

وما إن وصلت إلى سيارتي حتى تذكرت صديقهم محمد .. وأخذت أقارن بين حالهم وحاله .. البون شاااااااسع ..

* محمد .. لما ترك الحلقة أخذ يراجع القرآن مع نفسه .. كان مجتهدا في البداية .. وهو بحق من الناس الذين رُزقُوا ملكة الحفظ .. وأيضًا صاحب محافظة على الصلاة و عبادة وقلب نقي .. أخذ في المراجعة مدة .. ثم بدأ يتسلل إليه أمر غريب .. وهو أنه بدأ يشاهد ما يسمى بــ ( الأنمي ) أو قل ( مسلسلات كرتون ينتجها اليابانيون غالبًا تكون للشباب لا للأطفال ) بدأ يُشغف بها ويملأ بها أوقات فراغه .. بل إنه وبلا مبالغة قد يمضي يومه كامل في مشاهدتها يصلي ويرجع يشاهد وهكذا عدة أيام .. شيء لا يُصدق .. لكن صدق .. تعرَّف على صحبه (مستقيمون) لم يكونوا برتبته ولا بحفظه .. أشغلوه نوعًا ما .. وشيئا فشيئا فإذا بالرجل ينقطع عن القرآن أيامًا بل ربما أسابيع .. هذا الذي كان يستحضر موضع الآية من الوجه ؟ نعم .. هوَ .
مرة فترات حتى أُنسيَ كثيرًا من آيات الله .. ثم ثقلت عليه المراجعة .. فأُنسيَ أكثر .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
لكن أبشركم .. أُخبرت بأنه رجع للقرآن .. من جديد ويراجعه جيدا ( أدعوا له )

* أحمد .. الذي أعلمه عنه أنه أزال لحيته ( وهذا ليس كفر أو نكسة مطلقة كما يقول البعض ) لكنه يكفي عن كثير كلام عنه .. وفقه الله ..


* آدم .. لا أعرف عنه إلا أنه .. لم يمض على خطاه التي كان يحثها أيام الحلقة .. بل اتجه إلى مجال آخر .. وفقه الله ..

وبعدُ .. فإن كنتُ سقت هذه القصة التي عرفتها عن كثب ..


فإني أول ما أخاطب بها ..
المعلم الحنون على طلابه ..

والحافظ لكتاب الله بين جنبيه ..

والطالب الذي لا يحب أن يرى أصحابه ارتفعوا وقد سفل ..

( ألا فليهنأ من لزم اللإجتهاد .. ولايلومن المقصر إلا نفسه )