في ذكرى الاحتلال الصليبي لبيت المقدس
الدروس والعبر

[IMG]http://im16.********************************************/2012-07-21/1342856176392.jpg[/IMG]

كانت للقدس مكانة عظيمة في عهد الصحابة فقد أوْلوها عناية فائقة، اهتموا بها، وبمساجدها، ورمموها، وكان من سماحتهم أن سمحوا للمسيحين أن يزوروها ويزوروا أماكن عبادتهم ويُرمموها، إلى أن دبّ في المسلمين الوهن وضعفت شوكتهم تحت ظل صراعات الفاطميين والسلاجقة، فجاءها الاحتلال الصليبي ولم يكونوا على أهبة الاستعداد للتصدي له؛ فقد نخرتهم خلافاتهم، وحزازاتهم، بل وتخاذل البعض عن نصرة حاكم طرابلس حين طلب العون ليجابه جيوش الإفرنجة!

[IMG]http://im15.********************************************/2012-07-27/1343343512861.png[/IMG]

عندها تعرضت القدس لأبشع الحملات الصليبية الحاقدة، دنس فيها الصليبيون ثراها الطيب، حملوا شعار الصليب لحشد المقاتلين، لبسوا مسوح التدين لتنفيذ مآربهم في السيطرة على بيت المقدس، ارتكبوا في ساحاتها الطاهرة مجازر مروعة سجلها التاريخ، أوغلوا في دماء المسلمين بفرسانهم حتى الركب، ليشهد تاريخهم الدموي على مدى وحشيتهم وهمجيتهم، لم يَرعوا لا حرمة الإنسان ولا حرمة المساجد فقد قسموا المسجد الأقصى إلى قسمين، جزء كنيسة، وجزء إسطبل لخيولهم، ورفعوا الصليب فوق مسجد قبة الصخرة، وذلك بعد احتلال بيت المقدس في 15/07/1099م.

لم يستسلم أهل فلسطين ولا العرب والمسلمين لهذا الاحتلال ولم تتوقف المقاومة ولا الجهاد.

[IMG]http://im21.********************************************/2012-07-27/1343390316641.png[/IMG]

واستمر عدوانهم من سنة 492هـ/ 1099م إلى سنة 583هـ/1187م، حين سخر الله لها صلاح الدين حررها في ملحمة لن ينساها التاريخ، ونظفها من براثن الاحتلال، وعادت لبهجتها وعادت الحمائم لأعشاشها تغني لحن الحرية، وفتحت القدس عينيها على فجر جديد، وعلت أصوات الحناجر مهللة ومكبرة بالنصر ارتفع صداها حتى بلغ عنان السماء في منظر بهيج.

[IMG]http://im13.********************************************/2012-07-27/1343391609571.png[/IMG]

والتاريخ يُعيد نفسه، ها هي اليوم ترزح تحت نير الاحتلال البغيض، والذي يَعِد نفسه بالبقاء دومًا!! ونسوا أن أرض الإسراء لن يُعمر بها ظالم، وكما رحل الاحتلال الصليبي سيرحل بعون الله الاحتلال الصهيوني ما إن تتوفر له أجواء الإنتصار بإذن الله.

معركة حطين معادلة صعبة أعادت النظر للأوروبيين لمشروعهم المشرقي، لقد بقيت القدس تحت نير الاحتلال قرابة المائة عام حتى سخّر الله لها كما أسلفنا شابًا ترعرع في أحضان الإسلام وشب فيه، ونشأ نشأة صالحة فدرس علوم القرآن وتولى قيادة جيش الفاتحين، وكان ذلك في يوم الجمعة، وقد سجل التاريخ أنه كان كريمًا سمحًا لم يتعامل مع الأسرى، كما فعل الصليبيون بل عاملهم بأخلاق الإسلام، وعمّ العفو وأخلاق عالية برزت، اعترف منصفوهم بالخلق السامي للقائد صلاح الدين، نظف المسلمون المسجد الأقصى وقبة الصخرةأ وكانت الجمعة الموالية في 4 شعبان جمعة عظيمة فقد جاءت بعد عقود من الأنين والأسر، استحضروا فيها قيمة القدس، وأمانة الأقصى، وقيمة أرض الإسراء والمعراج، وخطبوا فيها خطبة أعادت للقدس هيبتها ومكانتها.

ورغم تسليم الإفرنجة بالهزيمة؛ إلا أن السيطرة على المدينة المقدسة وبسط نفوذهم عليها بقيت أحلامًا تراودهم،
ومهما بلغت مكانة القدس العظيمة والتي وقف عليها الأيوبيون؛ إلا أن صراعات الأحفاد أضاعت ماحققه الأجداد، وعادت القدس لتخضع للاحتلال الصليبي من جديد لكن دون إراقة دماء، ففي سنة 1229م أُبرمت معاهدة بين الملك الكامل والإمبراطور فردريك الثاني عُرفت بمعاهدة الفردريكية الكاملة أو اتفاقية يافا ليتنازل عليها مقابل عدم مهاجمتهم لمصر !! وقُدمت القدس على طبق من ذهب؛ لتحقيق مصالحهم الشخصية على حساب قيمة ومكانة القدس.

إلا أنه في سنة 1233م قام الناصر داوود حاكم الأردن بجمع جيش كبير لا يُستهان به من الخوارزميين وحررها من جديد بعد عشر سنين من الأسر، أُعيدت القدس لحمانا، لتعود للأسر مرة أُخرى مدة عام آخر، حيث توالت عليها الشدائد والمحن لتعود بعدها لحمى الأمة من جديد.

[IMG]http://im30.********************************************/2012-07-27/1343392425481.png[/IMG]

ففي سنة 1234م وفي خيانة جديدة سلم الملك العادل القدس للإفرنجة مقابل دعمهم له ضد ملك مصر!!! دخلوها الصليبيين وعاثوا فيها فسادًا ودنسوها، ومن جديد حررتها جيوش الخوارمزيين وبقيت في عهدة المسلمين حتى سنة 1917 م.

والتاريخ يعيد نفسه حين ضَعُفت الخلافة العثمانية، وتكالبت عليها قوى الاستعمار عادت أطماع الصهاينة تراودهم لبسط سلطتهم على القدس، وفي ظل ضعف الأمة كان لهم ما سعوا له؛ لتقع في أسر أشد وأنكى؛ تحت نير الاحتلال البريطاني وما تبعه من انتداب واحتلال صهيوني صارخ وفاضح لها وإلى الآن تعاني منه الأمرين.

ما أشبه اليوم بالبارحة ولن ينسى التاريخ فضل السلطان عبد الحميد الذي فضّل أن يُقطع جسده إربًا إربًا على أن تُبثر فلسطين من جسد الأمة.

هو إذن درس نستفيد منه؛ لو اجتمعت عوامل كالتي اجتمعت في تلك الملحمة لتم النصر بعون الله: القيادة المؤمنة الصالحة، الجيش المخلص فلا بغْي فيه ولا ظلم، الأمة الموحدة بنبذ الخلافات ووضعها جانبًا، الصبر والدعاء الخالص، الإيمان القاطع بنصر الله، اليقين بأن الانتصار حليفنا إن شاء الله.