أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


فلقد أكد الشارع أمر صلاة الجماعة ولم يرخص في تركها في أشد الحالات والظروف كحالة الخوف، والحرب فقال تعالى: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102].

وكحالة الأعمى الذي لا يجد من يقوده إلى المسجد كما روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولَّى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة ؟ قال نعم: قال: فأجب.


ولقد همَّ النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت أناس لا يشهدون الصلاة جماعة..
فأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده: لقد هممتُ أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرِّق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده: لو يعلم أحدهم أن يجد عرقا سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء. وفي رواية: ثم أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة. أخرجه الترمذي.

فالواجب عليك أن تذهب إلى المسجد مادمت تسمع النداء؛ لأن صلاة الجماعة واجبة على الراجح من أقوال أهل العلم، لما سبق من أدلة تدل على الوجوب مع فيها من الفضل العظيم، فالصلاة في الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبعٍ وعشرين درجة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري. وأخرج مسلم من حديث أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه صلاة، قال: فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء ؟ قال: ما يسرَّني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جمع الله لك ذلك كله.

اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم صلاة الجماعة على أقوال عدة :

أصحها : أن صلاة الجماعة في المسجد واجبة ، وعليه تدل الأدلة الشرعية .

وهو قول عطاء بن أبي رباح والحسن البصري والأوزاعي وأبي ثور ، والإمام أحمد في ظاهر مذهبه ، ونص عليه الشافعي في " مختصر المزني " فقال : " وأما الجماعة فلا أرخص في تركها إلا من عذر " ، واختاره الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله .

وأما الأدلة على الوجوب فكما يلي :

1. قال الله تعالى : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك } النساء / 102 .

قال ابن المنذر :

ففي أمر الله بإقامة الجماعة في حال الخوف : دليل على أن ذلك في حال الأمن أوجب .

" الأوسط " ( 4 / 135 ) .


وقال ابن القيم :

ووجه الاستدلال بالآية من وجوه :

أحدها : أمره سبحانه لهم بالصلاة في الجماعة ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية بقوله : { ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك } ، وفي هذا دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان إذ لم يسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى ، ولو كانت الجماعة سنَّة لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف ، ولو كانت فرض كفاية : لسقطت بفعل الطائفة الأولى ، ففي الآية دليل على وجوبها على الأعيان ، فهذه ثلاثة أوجه : أمره بها أولاً ، ثم أمره بها ثانياً ، وأنه لم يرخص لهم في تركها حال الخوف .

" الصلاة وحكم تاركها " ( ص 137 ، 138 ) .

2. قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين } البقرة / 43 ، ووجه الاستدلال بالآية أنه سبحانه أمرهم بالركوع وهو الصلاة ، وعبر عنها بالركوع لأنه من أركانها ، والصلاة يعبر عنها بأركانها وواجباتها كما سماها الله سجوداً وقرآناً وتسبيحاً ، فلا بد لقوله { مع الراكعين } من فائدة أخرى وليست إلا فعلها مع جماعة المصلين والمعية تفيد ذلك ، إذا ثبت هذا فالأمر المقيد بصفة أو حال لا يكون المأمور مُمتثلا إلا بالإتيان به على تلك الصفة والحال ؛ فإن قيل فهذا ينتقض بقوله تعالى :{ يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الركعين } آل عمران / 43 ، والمرأة لا يجب عليها حضور الجماعة ، قيل : الآية لم تدل على تناول الأمر بذلك لكل امرأة بل مريم بخصوصها أمرت بذلك بخلاف قوله : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين } ، ومريم كانت لها خاصية لم تكن لغيرها من النساء ؛ فإن أمها نذرتها أن تكون محررة لله ولعبادته ولزوم المسجد وكانت لا تفارقه ، فأمرت أن تركع مع أهله ولمَّا اصطفاها الله وطهَّرها على نساء العالمين أمرها من طاعته بأمر اختصها به على سائر النساء قال تعالى : { وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين } آل عمران / 42 و 43 .

فإن قيل : كونهم مأمورين أن يركعوا مع الراكعين لا يدل على وجوب الركوع معهم حال ركوعهم بل يدل على الإتيان بمثل ما فعلوا كقوله تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } التوبة / 119 فالمعية تقتضي المشاركة في الفعل ولا تستلزم المقارنة فيه ، قيل : حقيقة المعية مصاحبة ما بعدها لما قبلها ، وهذه المصاحبة تفيد أمراً زائداً على المشاركة ولا سيما في الصلاة ، فإنه إذا قيل : صلِّ مع الجماعة أو صليتُ مع الجماعة ، لا يفهم منه إلا اجتماعهم على الصلاة .

" الصلاة وحكم تاركها " ( 139 – 141 ) .

3. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال : " والذي نفسي بيده لقد هممتُ أن آمر بحطبٍ فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم ، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقاً سميناً ، أو مِرْمَاتين حسنتين لشهد العشاء " .

رواه البخاري ( 618 ) ، ومسلم ( 651 ) .



المصدر :اسلام ويب الفتوى: 28664
المصدر 2: موقع الاسلام سؤال وجواب فتوى رقم :8918