أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


قَالَ الشَّرِيفُ الرَّضِيّ // (من الْبَسِيط) //


يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى في خَمائِلِهِ.... لِيَهنَكِ اليَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ
الماءُ عِندَكِ مَبذولٌ لِشارِبِهِ .... وَلَيسَ يُرويكِ إِلّا مَدمَعي الباكي
.....
هَبَّت لَنا مِن رِياحِ الغَورِ رائِحَةٌ.... بَعدَ الرُقادِ عَرَفناها بِرَيّاكِ
ثُمَّ اِنثَنَينا إِذا ما هَزَّنا طَرَبٌ.... عَلى الرِحالِ تَعَلَّلنا بِذِكراكِ
سهم أصاب وراميه بذي سلم.... مَن بالعِرَاقِ، لَقد أبعَدْتِ مَرْمَاكِ
..........
وَعدٌ لعَينَيكِ عِندِي ما وَفَيتِ بِهِ.... يا قُرْبَ مَا كَذَبَتْ عَينيَّ عَينَاكِ
حكَتْ لِحَاظُكِ ما في الرّيمِ من مُلَحٍ.... يوم اللقاء فكان الفضل للحاكي
كَأنّ طَرْفَكِ يَوْمَ الجِزْعِ يُخبرُنا .... بما طوى عنك من أسماء قتلاك
.....
أنتِ النّعيمُ لقَلبي وَالعَذابُ لَهُ.... فَمَا أمَرّكِ في قَلْبي وَأحْلاكِ
عندي رسائل شوق لست أذكرها .... لولا الرقيب لقد بلغتها فاك
.....
سقى منى وليالي الخيف ما شربت.... مِنَ الغَمَامِ وَحَيّاهَا وَحَيّاكِ
إذ يَلتَقي كُلُّ ذي دَينٍ وَماطِلَهُ .... منا ويجتمع المشكو والشاكي
.....
لمّا غَدا السّرْبُ يَعطُو بَينَ أرْحُلِنَا.... مَا كانَ فيهِ غَرِيمُ القَلبِ إلاّكِ
هامت بك العين لم تتبع سواك هوى.... مَنْ عَلّمَ العَينَ أنّ القَلبَ يَهوَاكِ
حتّى دَنَا السّرْبُ، ما أحيَيتِ من كمَدٍ.... قتلى هواك ولا فاديت أسراك
.....
يا حبذا نفحة مرت بفيك لنا... ونطفة غمست فيها ثناياك
.....

وَحَبّذا وَقفَة ٌ، وَالرّكْبُ مُغتَفِلٌ.. .... عَلى ثَرًى وَخَدَتْ فيهِ مَطَاياكِ
لوْ كانَتِ اللِّمَة ُ السّوْداءُ من عُدَدي.. ......... يوم الغميم لما أفلتِّ أشراكي

........

http://www.youtube.com/watch?v=P0zklJWHX7U





وللإستزادة نقلا عن آية الله قوقل:


معاني الكلمات :
الرَّيَّا : الرائحة الطيبة .

ذو سلمٍ : مكان بالحجاز .

اللحاض : العيون .

مُلَح : جمع مُلحة ، و هي الحسن و الجمال .



1. المفردات:
البان – الخمائل –ريّاك – انثنى – الرِّحال – تَعَلَّلَ – ذو سَلَم – لِيَهْنَكِ – حكت – اللِّحاظ- الريم – نطفة – ثنايا – مفتعل – وَخَدَت – البين – هامت – الرَّكب.

2. التراكيب:
مبذولٌ لِـ – هَبَّت من – هَبَّت لِـ – تعلَّل بِـ – وعدٌ لِـ- هامت بِـ – مرَّت بِـ – غُمِسَت في – وَخَدَت في.

3. ضبط بنية الكلمات:
لِيَهْنَكِ ( بكسر اللام وفتح الياء وتسكين الهاء وفتح النون وكسر الكاف) – يُرويك ( بضم الياء) – كَذَبَت( بدون تشديد على الذال) – مُلَحٍ ( بضم الميم وفتح اللام ) – وَخَدَت ( بفتح الواو والخاء والدال).

4. الأساليب اللغوية:
النداء: -
- يا ظبية البان.
- يا قرب ما كذَبت عينيَّ عيناكِ ( نداء يقصد به التعجب).
- يا حبذا نفحةٌ مرَّت بفيكِ لنا.
دعاء:
- لِيَهْنَكِ اليوم أن القلب مرعاكِ.
النفي: -
- ما وَفَيتِ به.
- عندي رسائل شوقٍ لستُ أذكرها.
- لم تَتْبَعْ سواكِ هوىً.
القصر:
- وليس يرويك إلا مَدْمعي الباكي.
الشرط:
- إذا ما هزَّنَا طربٌ على الرِّحال، تعلَّلْنا بذ****ِ.
- لولا الرقيبُ لقد بلَّغتُها فاكِ.
التوكيد: - لقد أَبْعَدْتِ مرماكِ.
التعجب: - فما أَمَرَّكِ في قلبي وأحلاكِ.
الاستفهام: مَنْ علَّم البَيْنَ أن القلبَ يهواكِ.

2. الأنماط اللغوية:
لينهك أنَّ -----: " لينهكِ اليومَ أن القلب مرعاكِ"

3. دلالات الألفاظ والعبارات:

أنه لا يجد إلا البكاء وسيلةً له.
سهم أصاب وراميه بذي سَلَمٍ مَن بالعراق: دليل على بُعد المسافة بينهما فهي بذي سلمٍ في الحجاز وهو في العراق..
يا قرب ما كذبت عينيَّ عيناكِ: دليل على تكرار عدم وفائها بوعدها لدرجة أنه أصبح عادة لها.
فكان الفضل للحاكي: دليل على أن جمال عينيها فاق جمال عيني الريم أو الغزالة.

2. الصور الجمالية:
يا ظبية البان ترعى في خمائله: شبَّه الشاعر محبوبته بالظبية بين أشجار البان عندما ترعى من هذه الأشجار فيكون منظرها في غاية الجمال.
أنَّ القلب مرعاكِ: شبَّه قلبه بالمرعى الذي ترعى منه الظبية، فكما أن الظبية ترعى من أشجار البان فإن محبوبة الشاعر تستقر في قلبه وتتغذى بحبه الفياض.
الماء عندكِ مبذولٌ لشاربه: شبَّه وصالها بالماء، فهو مبذول لكل من يطلبه. كما شبه من يريد وصالها بمن يريد أن يرتوي من الماء الذي لديها.

وليس يرويك إلا مدمعي الباكي: شبه دموعه بالماء، وجعل محبوبته لا يرويها إلا دموعه.
سهمٌ أصاب وراميه بذي سَلَم مَنْ بالعراق: شبَّه العلاقة بينه وبين محبوبته بسهم صائب، ولكنه يستطيع أن يصيب من بالعراق رغم أنه انطلق من الحجاز.
وعدٌ لعينيكِ عندي: شبه عينَي محبوبته بإنسان يَعِدُ ولا يفي بوعده.
حَكَت لِحاظُكِ ما في الريم من مُلَح: شبَّه محبوبته بالريم، وشبَّه عيونها بعيون الريم ( أو الغزالة) في الجمال.
فما أمرَّكِ في قلبي وأحلاكِ: طباق بين " أمرَّكِ" و"أحلاكِ".
من عَلَّم البَيْنَ أنَّ القلب يهواكِ: شبَّه البين(وهو الفراق) بإنسان يمكن أن يعلم ويمكننا إعلامه بشئ.
ثانيًا: المضمون
1. الفكرة العامة:
تصوير لوعة المحب الصادق في حبه والوفيّ لمحبوبته.

2. الفِكَر الجزئية:
قلب الشاعر مرعى ودموعه مشرب لمحبوبته ( البيتان 1 ، 2 ).
رائحةٌ طيِّبة وذكريات مبهجة. ( البيتان 3 ، 4).
سهمٌ موجِع ووعدٌ كاذب. ( البيتان 5 ، 6).
جمال محبوبته نعيم لقلبه وعذاب له. ( البيتان 7 ، 8).
رسائل لم تصل وهيام بالمحبوية.( البيتان 9 ، 10).
أمنيات لم تتحقق.( البيتان11 ، 12).

3. الحقائق:
يتصف الريم بالجمال.
عاش الشاعر في العراق.

4. الآراء:
رأي الطالب في قول الشاعر:
- الماء عندكِ مبذولٌ لشاربه.( وصالها مبذول لكل طالب).
- سهمٌ أصاب وراميه بذي سَلَم من العراق.( بُعد المسافة).
- فكان الفضل للحاكي.( المبالغة لدرجة تفضيل المشبَّه على المشبَّه به).
- من عَلَّم البين أن القلب يهواكِ.( تصوير البين بإنسان).
-
1. المواقف:
موقف المحبوبة ممَّن يطلب وصالها.
موقف المحبوبة من الشاعر.
موقف الشاعر عندما تهب رياح قادمة من بلاد محبوبته.
موقف المحبوبة من وعودها للشاعر.
موقف الشاعر من الرقيب.

2. المفاهيم:
الخميلة – الغور – النعيم – العذاب – الرقيب.









________________________________________
الشريف الرضيّ
ـ هو أبو الحسن محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسى. وينتهي نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما). وأمه فاطمة بنت الحسين بن الحسن الناصر وينتهي نسبها أيضاً إلى الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما).
ـ ولد الشريف الرضي في سنة تسع وخمسين وثلاثمائة للهجرة، واشتغل بالعلم، فتفوق في الفقه والفرائض وبزّ أهل زمانه في العلم والأدب، لقب بالشريف الرضي الموسوي، لأن سلسلة نسبه تضم موسى الكاظم، وكان والده نقيب الأشراف الطالبيين، ثم آلت هذه النقابة إلى الشريف الرضي نفسه في عام 382هـ ووالده ما زال حياً.
ـ اشتهر الشريف الرضي بالإبداع الشعري والتأليف الأدبي، فأما الشعر فقد تفتحت له قريحته بعد سن العاشرة بقليل، ثم ما لبث أن تفوق وذاعت شهرته الفنية فيه، وكان شديد التأثر بأبي الطيب المتنبي حتى يمكن أن يعد تلميذاً نابهاً في مدرسته، وقد أثنى عليه صاحب اليتيمة فقال عنه: ((لو قلت إنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق)). وقال بعض واصفيه: ((كان شاعراً مفلقاً فصيح النظم، ضخم الألفاظ قادراً على القريض متصرفاً في فنونه، إن قصد الرقة في النسيب أتى بالعجب العجاب وإن أراد الفخامة وجزالة الألفاظ في المدح وغيره أتى بما لا يشق له فيه غبار، وإن قصد المراثي جاء سابقاً، والشعراء منقطعة الأنفاس)). تعمق الشريف الرضي في علوم القرآن، وتبحّر في علم الكلام واللغة والنحو، واتخذ له داراً سماها ((دار العلوم))، وكان الطلبة يلازمونها ويعين لهم من ماله، وكان الشريف الرضي ذا هيبة وجلالة وورع وعفة. قال الثعالبي عنه: ((يعد اليوم أبدع أهل الزمان وأنجب سادة العراق، يتحلى مع محتده الشريف بأدب ظاهر)).
ـ وقد ترك ديوان شعر كبيراً طبع عدة طبعات ومن أشهر أعماله: شرح نهج البلاغة في كلام الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، وكتاب تلخيص البيان في مجازات القرآن، وكتاب حقائق التأويل في متشابه التنزيل، وكتاب المجازات النبوية، وأخبار قضاة بغداد، وشعر ابن الحجاج، ومن تأليفه أيضاً: سيرة والده ثم ديوان رسائله.
ـ توفي عام 406 هـ الموافق 1016م.


قراءة الرؤيا في النص:

يمثل المقطع الأول مركز الرؤيا الشعرية التي شكلت النص، إذ تبدو مركزية هذه الرؤيا مكثفة في البيت الأول الذي تكوّن من خمسة أشكال بلاغية هي:
1- الاستعارة: ظبية البان.
2- التشبيه: أن القلب مرعاك.
3- رد العجز على الصدر(21): ترعى- مرعاك.
4- النداء: يا ظبية البان ترعى...
5- الأمر: ليهنك اليوم. إن هذا البيت يعتمد أولاً النداء مدخلاً تضمن في إطاره الشكل الاستعاري (ظبية البان) بدلالة الدالات اللفظية (أن القلب مرعاك). وهو يتكون من بنية الطرفين: الأول- المرأة (المحبوبة) بوصفها مشبهاً،والثاني- ظبية البان بوصفها مشبهاً به.

إن القراءة المتأنية لهذه البنية تقودنا إلى الإجابة عن هذين التساؤلين: إن المشبه (المحبوبة) يشكل طرفاً مخفياً في البنية ومستتراً في صورة المشبه به (الظبية)- مع أن هذا الاختفاء يشكل غياباً لفظياً، وليس غياباً حضورياً. فالمرأة حاضرة حضوراً تقديرياً؛ بمعنى أن البنية الاستعارية، هنا، تقودنا إلى تصور أن المرأة منتقلة من عالمها الإنساني ومغيبة عنه تماماً بدلالة غياب الدالات التي ترتبط بها في بنية هذا الشكل الاستعاري، وأنها منتقلة إلى عالم جديد وهو عالم الظبية العالم الحيواني، وذلك بادعاء دخولها أي المرأة بهذا العالم- ويبدو للوهلة الأولى أن مثل هذا التشكيل البنائي لا يثير انتباه المتلقي؛ لأن التراث الشعري العربي والثقافة العربية يزخران بتكوينات تصويرية مشابهة لهذه البنية الاستعارية، ذلك أن العرب كثيراً ما وصفوا المرأة بصفات الظبية سواء أكان ذلك بالبنية الاستعارية أم بالبنية التشبيهية، غير أن هذا المنجز الثقافي في نص الشريف الرضي يحمل خصوصية تشكل الرؤيا الشعرية (اللذة والألم) داخل النص الشعري؛ إذ إن التحولات الموضوعية في بنية الاستعارة بتشبيه المرأة (العالم الإنساني)، هنا ، بالظبية (العالم الحيواني) لا يطلب الدلالة الجمالية المألوفة لمثل هذا التكوين الاستعاري، فلو قرأنا الدالات التي رافقت بنية الاستعارة، لأدركنا الدلالة التي رصدها هذا التكوين. هذه الدالات هي: (البان، وترعى، وخمائله). إن كل دال منها باقترانه بالدال الآخر ينتج دلالات فرعية تنتهي إلى دلالة رئيسة. فاقتران الظبية بـ(البان )يأخذ أهمية خاصة، ذلك أن البان الشجر المعروف قد انتسبت له هذه الظبية، وهو انتساب يتشكل بين عالمين عالم الحيوان وعالم النبات، وقد حدد الدال (ترعى) طبيعة هذه العلاقة، فالظبية تقيم علاقة الرعي بالبان من خلال الدال (خمائله). ولا شك في أن رعي الظبية لخمائل البان بوصفه فعل قطع للنبات يشكل علاقة تقوم على عدم التكافؤ بين طرفي عملية الرعي (الفاعلالظبية والمفعول بهالخمائل)، ذلك أن عملية الرعي في الأصل تمثل حركتين هما:حركة البناء، وحركة الهدم. فالظبية برعيها الخمائل تلتذ بأكل النبات وقضمه ، فتبني نفسها وجسدها، بينما الخمائل تنهدم بوقوع الفعل عليها، وتأفل، وتموت. ولعلنا إذا ما بحثنا عن الفعل الذي يرتبط بالعالم النباتي، ويتقابل بفعل الظبية (تلتذ)، فإننا نجد أن الفعل المناسب لذلك هو(يتألم). ولا شك في أن تكوّن هذه الثنائية في الاستعارة يشكل الخطوة الأولى في ملامح الرؤيا الشعرية. فبإعادة العالم الإنساني إلى الاستعارة (المرأة) وجعله فاعلاً في ترجمة الدال (ترعى) - نستطيع أن نعيد الدلالة إلى مكانها، ذلك أن المرأة تقوم بفعل الأكل الذي يماثل فعل (ترعى) عند الظبية، فإذا كانت الظبية ترعى (عالم النبات)؛ لتلتذ وتبني جسدها، فإن المرأة تقوم بفعل الأكل؛ لتجد اللذة؛ وتبني نفسها على حساب العالم الذي ترتبط به. فماذا تأكل هذه المرأة من ناحية؟ وما العالم الذي تأكله من ناحية أخرى؟. لعل هذا التساؤل مشروع إذا ما حاولنا أن نضع أيدينا على الدلالة الدقيقة؛ لأن هذه الدلالة لا تبدو لنا مفهومة عند هذا الحد من التحليل، ويكتنفها كثير من الغموض مع إحساسنا بجمال الاستعارة ضمن سياقها هذا
إن ثنائية الرؤيا الشعرية تتكامل في بنية التشبيه (أن القلب مرعاك) ، وهي بنية تتكون من طرفين حاضرين هما: (المشبه- القلب) و(المشبه به-مرعاك)- وقد غاب عنصران آخران من هذه البنية هما: الأداة ووجه الشبه- ولا شك في أننا ندرك أن الطرف الأول (القلب) وهو قلب الشاعر ينتمي إلى العالم الإنساني، وأن الطرف الثاني (مرعاك) ينتمي إلى العالم النباتي. ولعل مثل هذا التحويل يؤدي إلى الكشف عن طبيعة العلاقة بين الذات الشاعرة والمرأة التي تشكل الكائن الذي يعيش في قلب الشاعر، بحيث تحول قلبه من عالمه الإنساني إلى عالم جديد يناسب عالم (المرأةالظبية) وهو عالم النبات، لعلنا نلاحظ أن هذه البنية التشبيهية في تحولاتها تتشابه مع تحولات بنية الاستعارة، وإن كانت هذه التحولات في التشبيه تختلف موضوعياً عنها في الاستعارة، وتأتي أهمية هذه التحولات من العالم الإنساني إلى العالم النباتي من أنها تسهم إسهاماً فاعلاً في تكوين الرؤيا الشعرية، ويدرك هذا من خلال ربط بنية التشبيه ببنية الاستعارة المتقدمة وتحولاتها، ويمكننا أن نبين هذا الربط في الرسم التوضيحي الآتي: فالنص هنا يحاول بهذه التحولات أن يكشف عن حقيقة العلاقة بين (الذات الشاعرة) و(المرأة)، فالمرأة في بنية الاستعارة تحولت إلى ظبية تأكل (ترعى) عالم النبات (البان) وتلتذ به، والنبات يأفل ويتألم ويموت. والذات الشاعرة في بنية التشبيه المتمثلة بـ(القلب) تحولت إلى عالم النبات، والمرأةالظبية تعيش في العالم النباتي(مرعاك)، هذا العالم الذي تؤلمه في الوقت الذي تلتذ بهذا الألم. ولا شك في أن هذا الربط بين البنيتين الاستعارية والتشبيهية في مفتاح النص يكشف عن أن المرأة بعلاقتها بالذات الشاعرة تستشعر باللذة، وأن هذه الذات إزاء تلك اللذة تستشعر بالألم. وتشكل بنية البيت الثاني من المقطع نقطة جديدة تتفجر فيها الرؤيا الشعرية بكل تجلياتها، وذلك من خلال شكلين بلاغيين، هما:

1- الكناية: الماء عندك مبذول لشاربه.
2- المجاز: ليس يرويك إلا مدمعي الباكي. يبدو لي أن البنية هنا تعتمد في إنتاج الرؤيا الشعرية على الدال (الماء) الذي يفجر بارتباطه بالدالات الأخرى (عندك مبذول لشاربه) دلالةً كاشفة طرفي الرؤيا، ذلك أن المرأة لديها هذا الماء الذي يشكل أداة في غاية الأهمية لاستمرار الحياة في العوالم الثلاثة: العالم الإنساني، والعالم الحيواني، والعالم النباتي. وهذه (المرأة – الظبية) التي رأيناها في التكوين السابق تمتلك عالم النبات في حقل أكلها ولذتها، تمتلك في البنية الحالية أساس استمرار ذلك العالم (الماء) وأساس استمرار لذتها، وهي في الوقت نفسه تبذله لطالبه، فكأنما هي تمنح الحياة لمن تتعامل معه ممن حولها، ولكنها تبدو على غير هذه الصفة المانحة للحياة إذا ما تعاملت مع الذات الشاعرة، ذلك أن هذه المرأة لا ترتوي مما لديها من الماء، ولا تكتسب اللذة التي تريدها من هذا الماء. وقد كشفت البنية المجازية حقيقة موقفها من الذات الشاعرة، فهي لا ترتوي إلا بـ(مدمع الشاعر الباكي) أي أنها تمارس فعلها لإيلام الذات الشاعرة.

يأتي المقطع الثاني متضمناً جزءاً من موضوع الرحلة الوارد في الشعر العربي القديم الذي كان في كثير من مواضعه يفصّل جوانب الرحلة: من ذكر الأماكن التي تمر بها الرحال، وذكر الظعينة، ووقت الارتحال ، وموقف الشاعر من الرحلة وغير ذلك من التفصيلات التي يعرفها دارسو الشعر العربي القديم. وقد تضمن هذا الجزء من الرحلة زمن الاستيقاظ من أجل بدء الارتحال (بعد الرقاد)، وانتقت كذلك عوامل إثارة الأشواق لدى المحبين متمثلة بـ(رياك) و (تعللنا بذ****)، وعبرت دالات الرحلة هنا عبر تشكيلات مختلفة من الأشكال البلاغية، هي:

1- التجنيس الاشتقاقي: رياح- رائحة.
2- التشبيه: عرفناها برياك.
3- المجاز: هزنا طرب.
4- التشبيه: سهم أصاب وراميه بذي سلم من بالعراق.
5- الالتفات: بذ****- راميه- أبعدت مرماك.
6- رد العجز على الصدر: راميه- مرماك. يبدو لي أن هذه الأشكال بدالاتها قد أنتجت طرفي الرؤيا الشعرية (اللذة والألم) بالتقنية التي وردت في المقطع الأول، إذ إنها بدأت بإظهار القيم الجمالية في بدء الأبيات وانتهت بتفجير الرؤيا الشعرية، ذلك أننا نلاحظ أن تشكل دالي التجنيس الاشتقاقي (رياح- رائحة) قد تم داخل البنية اللغوية التي تتحدث عن زمن بدء الارتحال وارتباطه بهبوب الرياح من مناطق الغور التي تكثر أزهارها الباعثة بروائحها الزكية الفواحة؛ فدال (رياح) يشكل مركز الدال (رائحة)، إذ إن العلاقة بينهما علاقة تبادل بالفاعلية المؤثرة في الذات الشاعرة، فالرياح بما تحمله من رائحة جعلت الذات الشاعرة تدرك حقيقة مهمة هي حقيقة وجود المرأة، يتجسد هذا من خلال بنية التشبيه (عرفناها برياك) التي تتكون من (المشبه- الرياح) و(المشبه به- رياك) بدلالة الدال الفعلي (عرفناها) الذي يعني (وسمناها) وهو معنى يشي بمعنى التشابه بين الرياح وريا المرأة ، والبنية بهذا التكوين جعلت الرائحة المنبعثة من الطبيعة (عالم النبات وجغرافية المكان) فرعاً (مشبهاً) ورائحة المحبوبة (رياك) أصلاً (مشبهاً به)، وهي بهذه البنية تشكل بنية التشبيه المعكوس التي جاءت متوافقة مع الرؤيا الشعرية في إنتاجها للدلالة التي شكلت النص، وذلك أننا نلاحظ أنه من الطبعي أن نجد النبات ملحقاً بعالم المرأة بناء على ما لاحظناه في مركز الرؤيا الشعرية في المقطع الأول الذي بدت فيه (المرأةالظبية) قد سيطرت بفاعليتها على عالم البنات، واقتنصت اللذة منه. ولا شك في أننا نلاحظ أن بنية التشبيه هنا تجعل (ريا) المحبوبة متفوقة على رائحة الغور في الانتشار والقوة الذكية، ويبدو أن هذا التفوق قد امتد بأثره على الذات الشاعرة التي كانت على استعداد للارتحال لوجهة ما؛ مما جعلها تعود من هذه الوجهة كما في الدالين (ثم انثنينا)، وقد تحققت هذه العودة بسبب الشوق (الطرب) الذي أصابها على الرحال، وذلك ما تكشف عنه بنية المجاز (هزنا طرب) التي تحمل علاقة السببية؛ أي أن اضطراب الرحلة والعودة عن وجهتها كان بسبب الشوق والوجد اللذين أصابا الذات الشاعرة؛ مما جعلها تنشغل عن الرحلة بذكرى هذه المرأة (تعللنا بذ****). إن ما تقدم من دلالات بدت فيها الذات الشاعرة مضطربة في تعاملها مع (ريا) المحبوبة ولّدت تشبيهاً جديداً يكاد يكون بؤرة تفجر الرؤيا الشعرية بطرفيها (اللذة والألم)، وذلك من خلال طرفيها: الأول- المشبه المقدر بريا المحبوبة أو بذكراها التي شغلت الذات الشاعرة ، والثاني المشبه به (سهم أصاب وراميه بذي سلم من بالعراق). ولا شك في أننا لو أعدنا طرفي التشبيه إلى مصادرهما، لأدركنا الدلالة الرؤيوية، ذلك أن دلالة الريا التي تمتلكها (المرأة) تشير بوضوح إلى معنى اللذة التي تتمتع بها هذه المرأة،غير أن هذه اللذة بارتباطها بالمشبه به بوساطة بنية التشبيه تتحول إلى ألم يتكون من مصدر المشبه به (سهم)، وهو، لا شك، أداة قتل وإيلام؛ فهو من عالم الحرب أو الصيد، وكلا العالمين مؤثر في جلب الألم. وتزداد المسألة وضوحاً في هذا الاتجاه بإصابة هذا السهم الذات الشاعرة (أصاب من بالعراق)، وقد عمق هذا الإحساس بالألم شكلان بلاغيان، هما : الالتفات، ورد العجز على الصدر. وهما شكلان تكونا في دالين، هما: (راميه- مرماك) ، وذلك أن تكرار الدالين في متن البيت وقافيته يعمل على خلق الإحساس بالبعد بين الذات الشاعرة والمرأة من ناحية، وخلق الألم الذي يطارد هذه الذات من ناحية أخرى.

ويكشف المقطع الثالث علاقة المفارقة بين الذات الشاعرة والمرأة اعتماداً على طرفي الرؤيا الشعرية (اللذة والألم)، وقد مرّت هذه المفارقة عبر دالات متعددة تكونت في الأشكال البلاغية الآتية:

1- المجاز : وعد لعينيك.
2- الكناية: وعد لعينيك.
3- المجاز: كذبت عيني عيناك.
4- رد العجز على الصدر: عيني- عيناك.
5- التشبيه: حكت لحاظك ما في الريم من ملح.
6- رد العجز على الصدر: حكت- للحاكي.
7- الاستعارة: طرفك يخبرنا.
8- الاستعارة: قتلاك. إن المقطع هنا بدأ برصد موقف الذات الشاعرة من المرأة وموقف المرأة من الذات الشاعرة، وذلك من خلال شبكة من الأشكال البلاغية المتداخلة بدالاتها ودلالاتها التي تشكلت على وفق الرؤيا الشعرية بطرفيها، فقد كوّنت هذه الأشكال البلاغية الدالات التي تفجر لحظة تباعد بين المرأة والذات الشاعرة، هذه الدالات هي: (وعد لعينيك عندي) و (ما وفيت به) ويبدو هذا التباعد في أن الذات الشاعرة باختيارها عيني المحبوبة وبالتقاطها الجمال الأخاذ فيهما قادها إلى قراءة خاطئة لموقف المرأة، ذلك أنها-الذات- تخيلت تفاعل المرأة معها ففهمت أن هذه المرأة قد استسلمت لمطلب الوصل منها. إلا أن هذه الذات أفاقت من هذا التخيل على حقيقة إيلام المرأة بقطع وصلها لها (ما وفيت به) ، فالمرأة هي التي لم تف بالوعد الذي تلقته الذات الشاعرة تخيلاً من عينيها. لا شك في أن تعامل الرؤيا الشعرية مع بينة المجاز التي اختارت الدال الذي يشير إلى العلاقة الجزئية بين (العين) و (الجسد الكل) كان يصب في الدلالة التي تنتهي إليها بنية الكناية (الدلالة الجمالية للعينين) لخلق حالة التوتر للذات الشاعرة والتفاعل مع هذا الجمال، بحيث يكون هذا الجمال مصدر إيلام لهذه الذات، وقد أكدت البنية هذا الإحساس بالألم بتكوينات المجاز ورد العجز على الصدر في الدالات (كذبت عيني عيناك)، إن خبرة الذات الشاعرة بإخلاف المرأة وعود عينيها متقاربة زمنياً (يا قرب ما كذبت ...) لكثرة تكرار هذا الإخلاف بالوعد؛ لهذا يكون الإخلاف بالوعد حالة قاطعة؛ لأنه صدرَ من الجزء والكل (العينين- المرأة) معاً. ويأخذ النص في البيت السابع في إنتاج الدلالة التي تجلب لذة المشاهدة ومتعة التجربة، من خلال الشكل التشبيهي (حكت لحاظك ما في الريم من ملح)، وقد تكونت بنيته من طرفي التشبيه: المشبه- لحاظك، والمشبه به- ما في الريم من ملح، والأداة الدال الفعلي (حكت)، وقد أنتج هذا الشكل وجه الشبه الذي يشير إلى أن المحاسن الفائقة والجمال الأخاذ التي تتمتع بها عينا المحبوبة تجلب لذة المشاهدة لدى المتلقي وهو هنا الذات الشاعرة. لا شك في أننا نلاحظ أن بنية النص قد أعادتنا إلى بناء الاستعارة الوارد في البيت الأول (ظبية البان) من جديد، ولكن بشكل تشبيهي جديد وبدالات جديدة، مع المحافظة على تحولات العالم الإنساني (المرأة– لحاظها) إلى العالم الحيواني (ما في الريم) والمحافظة على إنتاج دلالة الرؤيا الشعرية بطرفيها (اللذة والألم) كما كانت المسألة في البنية الاستعارية (مفتاح النص). إن استخدام النص لدالي رد العجز على الصدر (حكت- للحاكي) محاولة لتعميق المعاني الجمالية لعيني المرأة واللذة المتحصلة منهما، فالدال الأول(حكت) يشكل أداة نقل جمال عيني الريم إلى عيني المرأة في حين أن الدال (للحاكي) يشكل تفوق جمال عيني المرأة على عيني الظبية، مما يجعل فعل جمال المرأة في هذا التشبيه أقوى مما كان عليه في بنية الاستعارة؛ ولعل ذلك متأت من مدى إحساس الذات الشاعرة بسطوة جمال المرأة الذاتي الذي يفوق الأصول (بوصف الظبية أصلاً في التشبيه)، مما جعلها ترى فاعلية الجمال في العودة إلى العالم الإنساني أقوى منه في العالم الحيواني؛ ولذلك جاء البيت الثامن بما فيه من دالات استعارية يجلى هذه القوة الفاعلة ويشكل بؤرة تفجير رؤيوية تتوافق مع عمق إحساس الذات الشاعرة بالمأساوية المؤلمة التي يتركها هذا الجمال. وقد تحققت هذه البؤرة في البنيتين الاستعاريتين (طرفك يخبرنا) و(قتلاك). إن الاستعارتين هنا تعملان معاً في إنتاج الدلالة وذلك من خلال فاعلية الدال (طرفك) الذي يشكل بؤرة الاستعارة، والدال (طوى) الذي يربط دال هذه الاستعارة بدال الاستعارة الثانية وهو(قتلاك)، فالطرف بفاعلية جماله وقدرة هذا الجمال على التأثير بالمتلقي (الذات الشاعرة ) خصوصاً والمتلقي عموماً، قادر على إحداث الإحساس بالألم الذي يصل إلى حد الإحساس بالحس المأساوي الذي يتركه على ذات المتلقي، بحيث يصبح هذا الإحساس مساوياً للقتل (قتلاك) ونلاحظ هنا أن النص قد جعل فعل (الطرف) في المتلقي خافياً عن إدراك المرأة، ولعل هذا ناتج من محاولة تعميق التجربة الجمالية المؤثرة بالمتلقين بحيث يكثر من يهيمون بجمال طرف المرأة دون علمها.

يأتي المقطع الرابع مجلياً الرؤيا الشعرية بطرفيها (اللذة والألم) بوصفه بؤرة بنية النص الشعري من ناحية، وبؤرة تأزم الذات الشاعرة بعلاقتها بالمرأة من ناحية أخرى
.1- التشبيه: أنت النعيم لقلبي والعذاب له.
2- المجاز: أنت النعيم لقلبي
3- الطباق: النعيم- العذاب.
4- التعجب: ما أمرك في قلبي وأحلاك.
5- المجاز: ما أمرك في قلبي.
6- الاستعارة: أمرك.
7- الاستعارة: أحلاك.
8- الطباق: أمرك- أحلاك.
9- المقابلة: أنت النعيم لقلبي والعذاب لــه فما أمرك في قلبي وأحـلاك
10- الكناية: عندي رسائل شوق لست أذكرها.
11- الكناية: لقد بلغتها فاك.

يبدو لي أن هذا المقطع قد انتج الدلالة الرؤيوية بطريقة تختلف بعض الشيء عنها في المقاطع السابقة، ذلك أنه يذهب بالرؤيا إلى منطقة الوضوح في التكوين، ويغير في طبيعة التلقي لدى الذات الشاعرة لطرفي الرؤيا الشعرية في المقاطع التالية لهذا المقطع. وهذا المقطع- مع هذا الوضوح الذي أشرت إليه- يحمل عمق وطأة الإحساس بثنائية الرؤيا الشعرية (اللذة والألم) مما يجعل الذات الشاعرة منغمسة بحالة التوتر والتفاعل مع طرفي هذه الرؤيا، فقد بدأ باستخدام بنية التشبيه (أنت النعيم لقلبي والعذاب له)- بوصف المشبه أنت، والمشبه به النعيم والعذاب- وهي بنية جعلت المرأة محوراً رئيساً يربط حالتين متضادتين برزتا من خلال تكوّن بنية الطباق (النعيم – العذاب)، وقد وحدتهما في دال المجاز (لقلبي) الذي يؤول إلى معنى الكلية (الذاتالشاعرة ). لا شك في أن مثل هذا الجمع بين المتضادين الذين شكل مدلولهما المصدر الشعوري وتوحيدهما على مستوى الإحساس لدى الذات الشاعرة يمثل نقطة توتر غاية في الأهمية على مستوى التفاعل الذاتي للشاعر، إذ إن الشاعر بتلقيه ما تقدم من المقاطع من أحاسيس وانفعالات بجمال هذه المرأة وفعلها المؤلم في ذاته جعل المشاعر المختلطة والواقعة بين طرفي (اللذة والألم) تتكون في ذاته وتتوحد، مما جعله يتعامل مع محور التشبيه (المرأة) في حال كونها عذاباً تماماً كما هي في حال كونها نعيماً إذ استوت لديه مشاعر النعيم والعذاب. وقد فرضت الرؤية الشعرية بذلك التوحد بين المتضادات التي مارست فعلها على الذات الشاعرة تكويناً بلاغياً جديداً، أخذ منحى مدلولياً جديداً، وهو التكوين الأسلوبي للتعجب والأبنية الاستعارية والمجازية في الدالات (ما...)( أمرك) و(قلبي) و(أحلاك). لا شك في أننا ندرك أن دالي الاستعارتين (أمرك) و(أحلاك) ينبعان من مصدر حسي واحد هو (حاسة الذوق). ولعل في هذا التحول من البنية التشبيهية إلى التكوينين الاستعاريين على هذه الشاكلة ما يكشف عن تحولات الذات الشاعرة في مبدأ الانفعال مع طرفي الرؤيا الشعرية من ناحية، ومع المرأة من ناحية أخرى، ذلك أن المرأة لدى الذات الشاعرة تصبح حالة تستوي فيها المشاعر المتضادة ، بحيث تزول الحدود بين أطراف التضاد، فيصبح الألم لذة واللذة ألماً،وذلك بتحول المرأة إلى مصدر نعيم يعيشه القلب (كيان الشاعر)، ويشعر بالاطمئنان إليه، إلى مصدر عذاب يؤلمه، ويشعره بالتوتر- كما كان في بنية التشبيه- وتحولها من مصدر مرارة يتذوقها القلب (كيان الشاعر)، ويشعره بفقدان طعم الحياة ولذتها، إلى مصدر حلاوة يتذوقها، ويشعره بطيب العيش ولذته. إن فعل الرؤيا الشعرية في هذا المستوى الدلالي فرض على البنية النصية تكوّن أسلوب التعجب الذي جمع بين أركانه الحلاوة والمرأة مرة والمرارة والمرأة مرة أخرى. ولا يقف فعل الرؤيا الشعرية عند ذلك الحد من تكوينات الأشكال البلاغية بل يمتد إلى تكوين آخر هو تكوين بنية المقابلة التي أسهمت في جعل طرفي الرؤيا الشعرية (اللذة والألم) يستويان لدى الذات الشاعرة عند تعاملها مع المرأة، وذلك من خلال النسق غير الترتيبي بين دالاتها، وقد تكونت من طرفين، هما: الطرف الأول- النعيم العذاب الطرف الثاني- أمرّك أحلاك وتقوم هذه المقابلة في الجمع بين دالاتها على علاقة التناظر، إذ إن دال (النعيم) يتناظر مع دال (أحلاك) للتناسب الذي يجمعهما، وهو طيب الإحساس في العيش، فالنعيم يولّد الشعور بحلاوة العيش، والحلاوة تولدّ الشعور بنعيم العيش. والدال (العذاب) يتناظر مع دال (أمرّك) للتناسب الذي يجمعهما، وهو شظف العيش، فالعذاب يولّد الإحساس بضيق العيش وشدته، والمرارة تولّد الإحساس بضنك العيش وقسوته. وقد بنت الرؤيا الشعرية علاقة التناظر بين دالات المقابلة على نسق غير ترتيبي؛ إذ أتت بالدال (النعيم) قبل الدال (العذاب) في الطرف الأول من المقابلة، في حين قدمت الدال (أمرك) على الدال (أحلاك) في الطرف الثاني منها، مما جعل بنيتها مبنية على نسق يقاطع بين الدالات إذا ما أقيمت العلاقة التناظرية بينها، ويمكننا أن نتابع هذه البنية في الرسم الآتي توضيحاً لعمل تقنية هذا الشكل: إن إقامة العلاقات بين الدالات المتناظرة، كما يبدو لنا من الرسم، يتشكل على النحو الآتي: إن النعيم يتناظر مع دال (أحلاك) وهو يمر عبر المحور الرئيس (المرأة) بصفتها المحور الجامع لهذين الدالين، فهي: النعيم وهي الحلاوة. ويناظر دال (العذاب) مع دال (أمرك) بوصف المرأة أيضاً محوراً يجمع بين هذين الدالين، فهي العذاب والمرارة في الوقت نفسه.

يرصد المقطع الخامس وطأة الإحساس بالاستسلام لدى الذات الشاعرة من خلال عدد من الأشكال البلاغية، وهي:

1- المجاز: سقى منى...وليالي الخيف.
2- الدعاء: سقى منى وليالي الخيف، وحياها وحياك.
3- الترديد: حياها وحياك.
4- ورد العجز على الصدر: حياها وحياك.
5- ورد العجز على الصدر: المشكو والشاكي
. 6- الطباق: ذي دين – وماطله.

يبدو لي أن دالات هذا المقطع تشكلت بما يتواءم والطرف الثاني من طرفي الرؤيا الشعرية أي (الألم)، ذلك أن هذا الألم بدا متسلطاً على الذات الشاعرة؛ وقد جعلها تستسلم للحظة الراهنة التي تعيشها في الوقت الذي امتدت فيه إلى الزمن الماضي، وذلك من خلال أسلوب الدعاء والمجازين في الدالات (سقى منى وليالي الخيف). إن الدعاء بالسقيا متسلط على دال (منى) المكاني الذي لا يعني لهذه الذات، في المقام الأول، سوى الذكريات الماضية التي كانت تستشعر بها اللذة التي قد تكون اللذة الواردة في المقطع السابق،علاوة على المعنى الديني الذي يحمله مكان (منى) والمعنى الثقافي الذي يتمثل بالتراث المتضمن أهمية الأماكن الدينية التي تشير إلى أنها أماكن اجتماع المحبين بمواسم الحج، تلك الذكريات التي كانت تفتقدها في لحظتها الراهنة التي تعاني فيها من الألم واليأس من اتصاف المحبوبة لها. ومتسلط هذا الدعاء أيضاً على الدال الزماني (ليالي) الذي لا يعني لهذه الذات سوى الذكريات الماضية شأنه شأن الدال السابق، غير أن الفرق بين الدالين أن الأول يشير في بنيته المجازية إلى العلاقة المكانية، في حين أن الثاني يشير في بنيته المجازية إلى العلاقة الزمنية. وكأن الرؤيا الشعرية أرادت أن تبين امتداد أثر الزمان والمكان على الذات الشاعرة التي تعاني من موقف المحبوبة السلبي منها. ولا شك في أن هذا الدعاء يتخذ صفة الديمومة الزمانية من خلال الدالات (ما شربت من الغمام). ويشكل أسلوب الدعاء الثاني في الدالين (حياها وحياك) مع ما يتضمنه هذان الدالان من شكلي رد العجز على الصدر، والترديد انتقال الرؤيا الشعرية بالذات الشاعرة إلى اللحظة المستقبلية بعد اللحظة الماضية، ذلك أن الدعاء بالتحية مرتبط بـ(إذ يلتقي كل ذي دين...) وهي حالة مستمرة في الزمن المستقبلي ما دامت البشرية