: أنواع الإشباع العاطفي بين الزوجين
لله درّها من عاطفة ترفع والى الفضائل تدفع ورضا الله تجلب تلك التي خصّها الأزواج لبعضهم البعض. وللإشباع منافذ عدّة أهمها:
- اشباع العاطفة القلبية
- اشباع الحواس: النظر والسمع والذوق واللمس والشمّ
- اشباع الغريزة الجنسية
إنّ كلا الزوجين بحاجة لهذا الإشباع ليأمنا في بيتهما ويستقرا نفسيا ولا يكونا جائعين عاطفياً فتتكدّر الحياة ويتنغّص العيش. ولئن كانت المرأة بتركيبتها العاطفية أحوج من الرجل لسماع كلمات الحب ولإحساسها أن هناك من يهتم بها ويشغله أمرها فإن الرجل أيضاً بحاجة الى اشباع عاطفي ليستمر في العطاء والانتاج.
أرِح القلب بصدق المودة.. يقول الشيخ الأستاذ محمد حسين فى كتابه "العشرة الطيبة للمرأة": "أرأيت أيهاالزوج العاقل لو أن إنسانًا أعطاه الله نعمة المال الكثير فكنزه ولم يستثمره ولمينفق منه على نفسه ولا على من يجب عليه النفقة عليهم .. ما تقول فيه؟ إن المال جعله الله ليتداول بين الناس لا ليكنزوه، وكذلك كنوز العواطف التي تملكها فيقلبك لزوجتك ولا يصل منها إليها ما يكفيها، ولهذا لا يقنعها ملكك لها وكنزها فيقلبك، بل ستشكك في وجودها عندك. أنفق أيها الفتى على أهلك ولا تحرمهم رفدكفيزداد منها بعدك، قل لها بملء الفم، واغترف مما في القلب، ولا تجعلها تشعر أبدًاأنك بخيل القلب حتى لو كنت سخي اليد."
فالقلب بحاجة الى تلك العواطف التي تزهر فيه فتورِثه الراحة النفسية وإذا ما أشبع جانب الاحتياج العاطفي فسيكون طريقاً لتذليل كل المصاعب واحتمال كل الأعباء والمسؤوليات عن طيب نفس.
وللكلمة سِحر.. فكن الساحر الذي يمزج عواطفه بكيمياء الكلمة فترتعش لسماعها شغاف القلوب. قد يتحمّل الزوج أو الزوجة مشقات وأعباء جسيمة ثم ينهار التعب أما لسعة دفء من كلمة تخرج من عمق القلوب بصدق "أحبك"! وليس من الضروري أن تكون هناك مناسبة لتبوح بهذه المشاعر الحميمة لشريكك بل اجعلها ترنيمة خاصة تبثها بصدق كلما سنحت لك الفرصة ولا تقل أن الشريك متأكد من محبتك له فالإنسان بحاجة الى أن يسمع ويتلذذ بالبوح بالرغم من تأكده من المشاعر.
يقول فايز سليم في كتابه اللمسة السحرية في السعادة الزوجية: «كلمة أحبّك لها مفعول عجيب وتأثير ساحر في نفس سامعها، فهذه الكلمة تفتح آفاق الحياة، وتبعث الأمل في النفوس، وترسم لوحة السعادة بقلم الحب. وإنّها لتدفع إلى تحقيق المستحيل، لكن الكثير منا يعتبرون هذه الكلمة وما على شاكلتها من الوجدانيات أمراً صبيانياً ساذجاً.. بل يعتبرونها من المراهقات المتأخرة التي لا تليق بأفعال الرجال"
ولقد سأل الكاتب الاجتماعي محمد رشيد العويد مجموعة من النساء عن موقفهنّ ومشاعرهنّ تجاه كلمات رقيقة طيبة فيما لو صدرت من أزواجهنّ فكانت هذه بعض إجاباتهن:

* سأكون سعيدة، وسأردّ على كلامه بكلام أحسن منه.
* أشعر بالرضا لأني أرضيت ربي.. ونلت رضى زوجي.
* ترتفع معنوياتي كثيراً، وقد يزداد حبي له أكثر فأكثر.
* يختفي إحساسي بالتعب.
وقد ثبت علمياً أن عبارات الحب تؤثِّر على خلايا الكائنات الحية في الجسم وتساعد على تنظيم الدورة الدموية وتقاوم الخلايا الخبيثة. ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفع في هذا الاتجاه ويشيع ويشجّع على اشاعة الحب ونشر ثقافة الإفصاح وعدم التكتم بالمشاعر وخير دليل حادثة الصحابي حينما أخبره أنه يحب فلانًا، فسأله: أأخبرته؟ قال: لا، قال: إذن فأخبره". وإن كان هذا منهج الحبيب عليه الصلاة والسلام مع الصحابة فكيف بين الأزواج وهم أولى لعمارة الكون؟!
وفي المجتمع الذي يسوده الحب يتّسِم هذا المجتمع بالترابط وينعم بالصحة النفسية ولكن المشكلة في التربية التي يتلقّاها الرجال خاصة في المجتمعات الشرقية حيث انه الرجل القوي الذي لا يجب أن يُظهشر ضعفه ويعبِّر عن مشاعره التي هي ديدن النساء وهذا خطأ فادح في التربية لأن عواقبه خطيرة على استقرار الأسرة إن امتنع الرجل عن البوح بمكنون نفسه تجاه زوجته وشعر بالمهانة إن فعل!
وعينٌ تتمتّع.. يتذمّر الكثير من الأزواج أن الزوجة لا تتزيّن إلا حين خروجها للحفلات أو استقبالها لصويحباتها بينما تزهد في إظهار محاسنها لزوجها بعد فترة من الزواج. ولا شك أن اشباع عين الزوج بمفاتن زوجته كفيل أن يغض بصره عن الحرام لكفايته بالحلال. وتزيّن كلا الزوجين للآخر عربون مودة وخير برهان على الاهتمام بالشريك.
وقد ذكر الميناوي في "فيض القدير"
أن أحد حكماء الرجال قال: "تزيّن المراة لزوجها من أقوى أسباب المحبّة والألفة بينهما وعدم الكراهية والنفرة، لأن العين ومثلها الأنف – رائد القلب -، فإذا استحسنت منظراً أوصلته إلى القلب فحصلت المحبة، وإذا نظرت منظراً بشعاً أو ما لا يعجبها من زي أو لباس تلقيه إلى القلب فتحصل الكراهية والنفرة".
وليس التزيّن للنساء فقط فإن الرجال عليهم أيضاً أن يتزيّنوا لنسائهم وقد كان ابن عباس رضي الله عنه يقول: "إني أحب ان أتجمل لزوجتي كما أحب أن تتجمّل لي".
وفي نفس الإطار نذكّر بما قاله الحبيب عليه الصلاة والسلام أن تبادل النظرات بين الزوجين من أسباب تنزّل الرحمات فعن أبي سعيد الخدري
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنّ الرجل إذا نظر إلىامرأته ونظرت إليه نظر الله تعالى إليهما نظرة رحمة، فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما منخلال أصابعهما!" فلغة العيون واللمس من أعظم وسائل الإشباع العاطفي بين الزوجين.
وللأنف سبيل.. كيف لا وقد قال الشاعر: والعين تعشق ما تهوى وتبصره.. كذلك تعشق فيك الأنف والأذن
والرائحة تنتشر بسرعة ويتأثر بها القلب وتغري الرجال وتجذبهم ولذلك حرّم الشرع خروج المرأة متعطّرة لما لذلك من فتنة محتّمة.
فليحرص كلّ من الزوجين أن لا يجد من صاحبه الا كل ريحٍ جميل ولعل الأزهار تساهم في تحلية الأنف فتخيّم على المكان نسمات طيبٍ مسكِرة! ويكفي أنّ ألوان الزهور تعالج بعض الأمراض النفسيةكالقلق، والتوتر، وتعيد للجسد نشاطه، وتبعث في الحياة الزوجية مفرداتالسعادة كما يؤكّد الأستاذ عيسى المسكري.
وللّمسة نصيب.. قد يعتقد بعض الأزواج أن اللمس يكون فقط في غرفة النوم وحين الجماع وهذا أمر خاطئ تماماً.. فإن اللمسة الحانية ليس لها موعد ولا مقدّمات وإنما تكون في كل وقت ومكان.. وليس بالضرورة أن تكون فقط ضمن العملية الجنسية بين الزوجين.
فقد تكون الجلسة لمشاهدة التلفاز أو قراءة كتاب أو على الشرفة للراحة فيجب استغلال هذه الدقائق في إظهار الحب للشريك بأن يمسك الواحد بيد الآخر أو يضع يده على كتفه وبحضور الأبناء ليتعلموا أن يعبِّروا عن مشاعرهم خاصة مع شركائهم في المستقبل.
فاللمسة تُسلي الروح وتُنسي المتاعب والمشقات اليومية وتُذهِب التعب الذي تعانيه الزوجة في الرعاية وتدبير أمور المنزل والأبناء؛ وكذلك الزوج الذي يكابد خارج المنزل ليؤمِّن رغبات وحاجات العائلة. وهي لا تكلّف شيئاً ومفعولها كبير!
أإشباع في التذوق؟! هناك مثلٌ شعبي تردِّده النساء دائماً فيقلن: الطريق الى قلب الرجل معدته.. ولربما كان هذا الأمر صحيحاً الى درجة ما ولو لم يكن يعلو في عملية الإشباع المرتبة العالية كالأنواع الأُخرى.. ولكن يبقى أن الرجل يحب أن تهتم زوجته بأكله وتُتقِن فنون المطبخ والطبخ فهذا يعود عليه بالراحة والسعادة. وعلى الزوجة أن تراعي هذا الجانب وتتعلّم أصناف جديدة وتحرص على طبخ الأصناف التي يحبها زوجها والحلويات وتعاجله بفنجان قهوة مثلاً إذا كان معتاداً أن يشربه في ساعة معينة من دون طلب منه وهذا ترجمة للإهتمام منها فتطيب نفسه لذلك.
طهارة امتزاج.. إنّ عملية الإشباع الجنسي جدّ مهم في الحياة الزوجية وكم اهتزت دعائم بعض البيوت نتيجة عدم التوافق الجنسي بين الزوجين. فالتحصّن وإشباع الغريزة الجنسية في النفس تكاد تكون من أهم العوامل التي يسعى الزوج للزواج من أجلها بالإضافة الى ايجاد السكن النفسي مع النصف الآخر.
وقد ترجم هذه المعاني الأستاذ محمد قطب رحمه الله تعالى فاتى ببيان ولا أروع حيث قال:
"يقول إنسان لنفسه: إنني أحس في أعماقي بحنين إلى الجنس الآخر، ورغبة قوية في اللقاء بأحد أفراده، والامتزاج معه، والإفضاء إليه، والإتحاد الكامل معه حتى كأننا شخص واحد لا شخصان منفصلان" ويتابع فيقول: "أنا لست جسداً خالصاً، ولا تمر عليّ لحظة واحدة في حياتي أكون جسداً بلا عقل، وإحساسي بالجنس هو قطعة مني، هو جزء من كياني كله، فلأكن إذن على الفطرة السليمة لبني البشر. فليكن إحساسي بالجنس شاملاً لكياني كله، شاملاً لكل ما أنا مشتمل عليه من مشاعر. فليكن رغبة جسم، وخفقة قلب، ورفّة روح. فليكن "عاطفة". فليكن – إلى جانب الرغبة – مودةً ورحمة وتعاطفاً وتفاهماً وامتزاجاً روحياً ولقاء يرتفع بالكيان إلى عليين"
وإن شعر أحد الزوجين أنه مرفوض – جنسياً – من الآخر فسيسقط في دائرة التعب النفسي والوحدة وقد تنقطع قنوات الاتصال بمن حوله وخاصة الشريك لأنه غير مشبع جنسياً وتتأزم حالاته وينعدم بعدها الحوار وكافة أشكال التفاهم والتودد بين الطرفين. وما هذا إلا لأن العلاقة الجنسية هي تعبير عن المودة والرغبة في الشريك فإن انتفت وتعطّلت فكأنها رسالة ضمنية أن الشريك يرفض شخص الطرف الآخر وليس العملية بحد ذاتها ومن هنا ينشأ الخصام والتباعد وتكبر الفجوة بين الزوجين. ويؤكد الدكتور ستيفان فرينزو أستاذ النفس في جامعة ماركيت الأميركية أن أصعب أنواع الوحدة وأقساها على القلب هي تلك التي يحس بها المرء وهو وسط أهله وأقاربه؛ ويقول: إن انعدام جو التفاهم وتبادل الآراء والعواطف يترك المرء في مرارة الوحدة ولو أحاط به مئات من الناس بمعسول الكلام. إنها أقسى أشكال الوحدة.
يقول الخبراء:
إن على الرجل إن أراد تجاوب زوجته أن يظهر لها حبه وحنانه قبل الاقتراب منها. وحبذا لو عمل على إصلاح الأمور بعد كل مشاجرة تفاديا لتراكم البرود والنفور فيما بعد".

ولقد جاء في وصف الحور في الجنان أنهم عرباً أترابا والعروب هي المتوددة الى زوجها وعربت المرأة إذا تحببت إلى زوجها، وقال ابن الأثير في 'النهاية' العَرابة هي التصريح بالكلام في الجماع والمقصود من لفظة العرب هو فاعلية المرأة في الاستجابة لزوجها بالتدلل والتلطف والمداعبة فكوني ملاكه الودود ليكون ملِككِ الشفوق.
وتودد المرأة الى زوجها والتفنن والإبداع في إغرائه وتحقيق الإشباع الجنسي له ليس من قلة الحياة بل هو على العكس تماماً قِمّة الأخلاق وجزء من العبادة التي تؤجَر عليها إن هي أخلصت النية لله جل وعلا.
وعلى الزوجين أن يتحضّرا للقاء الحميمي بالتزين والتطيّب والمداعبات فلا يقع الرجل على زوجته كما تقع البهيمة بل هو التودد وإن انتهى الزوج ووصله ما يريد من العملية الجنسية فعليه أن ينتظر زوجته لتبلغ ما بلغ هو فتجد الراحة وكذلك عليهما بعد قضاء الوطر أن يتداعبا ويحرصا على إشباع العواطف كما الجسد.
يقول الإمام ابن القيّم رحمه الله تعالى:
" وفي بضع أحدكم صدقة ومن تراجم النسائي على هذا الترغيب في المباضعة ثم ذكر هذا الحديث ففي هذا كمال اللذة وكمال الإحسان إلى الحبيبة وحصول الأجر وثواب الصدقة وفرح النفس وذهاب أفكارها الرديئة عنها وخفة الروح وذهاب كثافتها وغلظها وخفة الجسم واعتدال المزاج وجلب الصحة ودفع المواد الرديئة فإن صادف ذلك وجها حسنا وخلقا دمثا وعشقا وافرا ورغبة تامة واحتسابا للثواب فذلك اللذة التي لا يعادلها شيء ولا سيما إذا وافقت كمالها فإنها لا تكمل حتى يأخذ كل جزء من البدن بقسطه من اللذة فتلتذ العين بالنظر إلى المحبوب والأذن بسماع كلامه والأنف بشم رائحته والفم بتقبيله واليد بلمسه وتعتكف كل جارحة على ما تطلبه من لذتها وتقابله من المحبوب فإن فقد من ذلك شيء لم تزل النفس متطلعة إليه متقاضية له فلا تسكن كل السكون ولذلك تسمى المرأة سكنا لسكون النفس إلينا"
فسبحان من خلق الأزواج كلها.. وجعل الأُنس والسكن في هذه العلاقة الربانية المباركة فضلاً منه وتنعُما..