أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




96- فصل: الجمع بين العلم والمعاملة

467- تأملت العلم والميل إليه، والتشاغل به؛ فإذا هو يقوي القلب قوة تميل به إلى نوع قساوة، ولولا قوة القلب، وطول الأمل، لم يقع التشاغل به، فإني أكتب الحديث أرجو أن أرويه، وأبتدئ بالتصنيف أرجو أن أتمه.

فإذا تأملت باب المعاملات (1)، قل الأمل (2)، ورق القلب، وجاءت الدموع، وطابت المناجاة، وغشيت السكينة، وصرت كأني في مقام المراقبة.

إلا أن العلم أفضل، وأقوى حجة، وأعلى رتبة، وإن حدث منه ما شكوت منه.

والمعاملة؛ وإن كثرت الفوائد التي أشرت إليها منها، فإنها قريبة إلى أحوال الجبان الكسلان، الذي قد اقتنع بصلاح نفسه عن هداية غيره، وانفرد بعزلته عن اجتذاب الخلق إلى ربهم.

فالصواب العكوف على العلم، مع تلذيع النفس بأسباب المرفقات تلذيعًا لا يقدح في كمال التشاغل بالعلم.

فإني لأكره لنفسي من وجهة ضعف قلبي ورقته أن أكثر زيارة القبور، وأن أحضر المحتضرين؛ لأن ذلك يؤثر في فكري، ويخرجني من حيز المتشاغلين بالعلم إلى مقام الفكر في الموت، ولا أنتفع بنفسي مدة.

468- وفصل الخطاب في هذا أنه ينبغي أن يقاوم المرض بضده: فمن كان قلبه قاسيًا شديد القسوة، وليس عنده من المراقبة ما يكفه عن الخطأ، قوم ذلك بذكر الموت، ومحاضرة المحتضرين.

فأما من قلبه شديد الرقة، فيكفيه ما به؛ بل ينبغي له أن يتشاغل بما ينسيه ذلك، لينتفع بعيشه، وليفهم ما يفتي به، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمزح (3)، ويسابق عائشة رضي الله عنها (4)، ويتلطف بنفسه (5).

فمن سار سيرته عليه الصلاة والسلام، فهم من مضمونها ما قلته من ضرورة التلطف بالنفس.

__________
(1) المعاملات: أعمال القلوب أو علم السلوك.
(2) في نسخة: "الزمل" وهو الحِمْل.
(3) عن أبي هريرة رضي الله عنه قالوا: يا رسول الله إنك تداعبنا. قال: "إني لا أقول إلا حقًّا" رواه الترمذي "1990"، وأحمد "2/ 340و 360" قال الترمذي: حسن صحيح.
(4) رواه أبو داود "2578"، وابن ماجه "1979"، وأحمد "6/ 264" عن عائشة رضي الله عنها.
(5) أي: كان معتدلًا في أمره كله.

--

المصدر : كتاب/ صيد الخاطر لابن الجوزي
بعناية: حسن المساحي سويدان
الناشر: دار القلم - دمشق
الجزء: الأول
صفحة: 160
الطبعة: الأولى
1425هـ - 2004م
نسخة المكتبة الشاملة.