أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


يقول الشيخ بن حنيفة العابدين الجزائري في شرحه على رسالة ابن أبي زيد القيرواني ،المسمى "العجالة في شرح الرسالة ":(وإني لأعجب أن تكون هذه الرسالة موجهة في أصل وضعها لتعليم الصبيان ،وهي الآن مما يستثقله بعض الكبار ،مما يدل على المستوى العلمي الذي كان عليه الصغار في الأمة قرونا ،يوم كان العلم لا يطلب من أجل المعاش وحده ،فتجده عند الفلاح والتاجر والبزاز والخباز ،وهو أمر أخذ به الكفار في هذا الزمان ،وغفل عنه المسلمون الذين صدر عنهم ،فأصبح العلم يطلب للمعاش .
قال ابن حزم -رحمه الله -عن الأحاديث والآثار التي أوردها في المحلى بمناسبة كلامه على صلاة السفر :"ولم نورد إلا رواية مشهورة ظاهرة عند العلماء بالنقل ،وفي الكتب المتداولة عند صبيان المحدثين ،فكيف أهل العلم "؟،وقد نقل في أثناء كلامه على هذه المسألة عن مصنف ابن أبي شيبة ،وعبد الرزاق ،والبزار ،فضلا عن صحيح مسلم وغيره.
وقال الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله - معلقا على قول ابن حزم السابق :"هذه الكتب التي كانت متداولة عند صبيان المحدثين في عصر ابن حزم -القرن الخامس -ومن أهمها مصنف ابن أبي شيبة ،ومصنف عبد الرزاق ،واختلاف العلماء لابن المنذر ،صارت في عصرنا هذا ،بل وقبله بقرون من النوادر الغالية التي لا يسمع اسمها إلا الخواص من كبار المطلعين على كتب السنة ،وعامة المشتغلين بالحديث لا يعرفونها ،،،":المحلى5-10 .
وقد ذكر ابن العربي قصة جديرة بالتدبر ،يؤخذ منها أن الفاميين (الخبازين ) في بغداد ،إبان العصر العباسي كانوا يتناقشون في مسائل علمية عالية ،لا يكاد يدركها في عصرنا بعض المنتسبين للعلم ،ولأهمية القصة أثبتها على ما فيها من طول ،قال :" كان أبو الفضل المراغي يقرأبمدينة السلام ،فكانت الكتب التي تأتي إليه من بلده ،فيضعها في صندوق ،ولا يقرأمنها واحدا مخافة أن يطلع فيها على ما يزعجه ،أو يقطع به عن طلبه ،فلما كان بعد خمسة أعوام ،وقضى غرضا من الطلب ،وعزم على الرحيل شد رحله ،وأبرز كتبه ،وأخرج تلك الرسائل ،وقرأ منها ما لو أن واحدة منها قرأها في وقت وصولها ما تمكن بعدها من تحصيل حرف من العلم ،فحمد الله تعالى ،ورحل على دابته قماشه ،وخرج إلى باب الحلبة طريق خراسان ،وتقدمه الكري بالدابة ،وأقام هو على فامي يبتاع منه سفرته ،فبينما هو يحاول ذلك معه إذ سمعه يقول لفامي آخر :"أي فل ،أما سمعت العالم يقول -يعني الواعظ-:إن ابن عباس يجوز الاستثناء ولو بعد سنة ؟لقد اشتغل بالي بذلك منذ سمعته يقوله ،وظللت في متفكرا ،ولو كان ذلك صحيحا ،لما قال الله لأيوب :(وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ةلا تحنث) ص44 ،وما الذي كان يمنعه أن يقول حينئذ :إن شاء الله ،فلما سمعته يقول ذلك قلت :"بلد يكون فيها الفاميون فيه من العلم بهذه المرتبة أخرج عنه إلى المراغة ؟ لا أفعله أبدا ،واقتفى أثر الكري ،وحلله من الكراء ،وصرف رحله ،وأقام بها حتى مات رحمه الله "،هذا حال الخبازين في عصور الاسلام الزاهرة ،فقارنها بحالهم اليوم تجد الكثير منهم لا يكادون يعرفون مهنتهم ،بل لك أن تعمم الحكم على كثير غيرهم ،فكيف ينتظر ممن هذا حاله أن يتفقه في الدين؟،،،،)،انتهى كلامه حفظه الله ج1، 25 ،24