أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بقلم الشيخ محمد زهير الشاويش، صاحب المكتب الإسلامي، وفقه الله تعالى، كتبها عزاءً في الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله الغفور الرحيم، قال فيها:
أكثر من ستين سنة أمضاها بجد واجتهاد الشيخ محمد ناصر الدين الألباني مع السنة المطهّرة وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، باحثاً في المتون، ومخرجاً الفروع على الأصول، ومحدداً الرواة الصادقين، ومفرقاً بين الساهين والمدلسين، ومقارناً الروايات المتعددة، وجامعاً ما تفرق منها، حتى غدت تحقيقاته المرجع الأول في عصرنا لكل مطلع وباحث ودارس.
بدأ من مجلة المنار للشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله، عندما اطلع فيها على أن الأحاديث حتى تقبل ويعمل بها، وتصلح للوعظ والإرشاد، يجب أن تكون نسبتها صحيحة واصلة للنبي صلى الله عليه وسلم بالسند المتصل، بعيدة عن العلل والشذوذ.
ومنذ ذلك اليوم حتى ساعة وفاته لم يقف ساعة عن العمل الذي اختص به من تصحيح، وتصنيف كل حديث يمر به، وما أجَّله أو توقف عنه كان يعود إليه مرات ومرات، وكان من نتيجة ذلك هذا الكم الهائل من صحاح الأحاديث وضعافها، وتنقية السنة من كل دخيل أو مكذوب.
والحق يقال بأن الشيخ ناصر الدين كان أبرز علماء الدعاة إلى السلفية في كل معانيها ببلاد الشام، وبعد أن انتشرت كتبه بالطباعة، وتلاميذه في الأوساط العلمية، أصبح المرجع الأول لكثير من المسلمين، وكل طلاب العلم والمتعبدين.
وبجهده وإخوانه، وعدد من أهل العلم انتشرت السلفية في أواسط أكثر وأوسع حتى غدت سمة العصر، ودخلها وعمل معها العدد الكبير من دعاة الإسلام، وحتى لم نعد نسمع خطبة جمعة إلا ويحاول الخطيب إحالة الأحاديث إلى مصدر موثَّق، وهذا الأمر لم يكن معروفاً من قبل مطلقاً منذ عصور.
وأصبح للسلفيين وجود في المجتمع، وحضور في لقاءات العلماء، ومشاركة في التدريس الرسمي في المعاهد والكليات، وفي كل يوم توجد شهادات للماجستير، أو الدكتوراة في فروع الحديث النبوي، وأما الكتب المؤلفة في ذلك فلا سبيل لحصرها، وأغلبها اعتمد في تخريجها على الشيخ الألباني، وحتى في الإعداد للجهاد في فلسطين، والشيخ ناصر أعد نفسه لمقاومة الإستيطان الصهيوني، وكاد أن يصل إلى فلسطين لولا المنع الحكومي للمجاهدين.
واستمر مجدّاً مجتهداً في عمله الذي أمضاه في المكتبة الظاهرية بدمشق، والمكتب الإسلامي، ثم في داره بعمان على نفس الوتيرة، وبارك الله في عمله طوال حياته التي قاربت التسعين عاماً.
وقد ولد في بلدة بجوار أشقودرة عاصمة ألبانيا، ثم انتقل به وبأخوته والدهم العالم الفاضل أستاذنا الشيخ نوح نجاتي تغمده الله برحمته فراراً بدينه من سيطرة الحكومات الظالمة التي بدأت تنشر أفكار أتاتورك، وما لاحظه من تغلغل الشيوعية في الشعب، والتي حكمت بعد ذلك مدة طويلة، وأعادت الناس إلى الردة، حتى سلم الله البلاد منها.
وعمل الشيخ أول الأمر في النجارة، ثم في إصلاح الساعات، حتى أصبح من أمهر وأصدق من يتعامل فيها في الشام، ثم انقطع للدعوة إلى الله على بصيرة في التزكية والتصفية والعلم والتأليف في المكتب الإسلامي، وانتدب للتدريس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ورجع بعدها لدمشق ليحقق الكتب، وتابع ذلك في عمّان.
وفي سنة 1400 هجرية الموافق لسنة 1980 ميلادي غادر دمشق للظروف القاهرة، وأقام في عمان، ولقي بعض الصعوبات قابلها بالصبر والاتكال على الله، وتنقل في عدد من البلاد في الخليج، وزيارات علمية إلى أوربا.
وفي السنة الماضية نال جائزة الملك فيصل لعلوم الحديث، وقد بلغت مؤلفاته أكثر من مائة وخمسين كتاباً بين صغير وكبير، وأكثرها طبع في المكتب الإسلامي.
وإننا نحتسبه عندك يا الله، وأنت أرحم الراحمين، وعوض أمة محمد خيراً، إنك القادر على ذلك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المصدر: مجلة (التوحيد)، السنة 28، العدد 8 شعبان 1420هـ، الصفحة 46.