النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الحجاب.. قصه اتمنى الجميع يراها ...

  1. #1
    ~ [ أم خــالـــد ] ~

    تاريخ التسجيل
    Jan 2003
    الدولة
    في بيتنا
    المشاركات
    4,383

    الحجاب.. قصه اتمنى الجميع يراها ...

    السلام عليكم



    هذه قصه من قصص الاديب مصطفى المنفلوطي احببت طرحها لناخذ العبره منها ...


    بسم الله ...


    ذهب فلان إلى أوروبا وما ننكر من أمره شيئا ، فلبث فيها بضع سنين ثم عاد وما بقي مما كنا نعرفه منه شيء .
    ذهب بوجه كوجه العذراء ليلة عرسها ، وعاد بوجه كوجه الصخرة الملساء تحت الليلة الماطرة ، وذهب بقلب نقي طاهر يأنس بالعفو ويستريح إلى العُذرِ ، وعاد بقلب ملفف مدخول لا يفارقه السخط على الأرض وساكنها ، والنقمة على السماء وخالقها ، وذهب بنفس غضة خاشعة ترى كل نفس فوقها ، وعاد بنفس ذهابة نزاعة لا ترى شيئا فوقها ، ولا تلقي نظرة واحدة على ما تحتها ، وذهب برأس مملوءة حكما ورأيا ، وعاد برأس كرأس التمثال المثقب لا يملؤها إلا الهواء المتردد ، وذهب وما على وجه الأرض احب إليه من دينه ووطنه ، وعاد وما على وجهها اصغر في عينيه منهما .
    وكنت أرى أن هذه الصورة الغريبة التي يتراءى فيها هؤلاء الضعفاء من الفتيان العائدين من تلك الديار إلى أوطانهم إنما هي أصباغ مفرغة على أجسامهم إفراغا لاتلبث أن تطلع عليها شمس المشرق حتى تتصل وتتطاير ذراتها في أجواء السماء ، وان مكان المدنية الغربية من نفوسهم مكان الوجه من المرآة ، إذا انحرف عنها زال خياله منها .
    فلم أشأ أن أفارق ذلك الصديق ولبسته على علاته وفاء بعهده السابق ، ورجاء لغده المنتظر ، محتملا في سبيل ذلك من حمقه ووسواسه وفساد تصوراته وغرابة اطواره ، ما لا طاقة لمثلي باحتمال مثله ، حتى جاءني ذات ليلة بداهية الدواهي ومصيبة المصائب ، فكانت آخر عهدي به .
    دخلت عليه فرأيته واجما مكتئبا فحييته فأومأ إلي بالتحية إيماء ، فسألته ما باله ..
    فقال :
    مازلت منذ الليلة من هذه المرأة في عناء لا اعرف السبيل إلى الخلاص منه ، ولا ادري مصير أمري فيه .
    قلت :
    وأي امرأة تريد؟؟
    قال :
    تلك التي يسميها الناس زوجتي ، وأسميها الصخرة العاتية في طريق مطالبي وآمالي .
    قلت :
    انك كثير الآمال يا سيدي فعن أي آمالك تتحدث؟؟
    قال :
    ليس لي في الحياة إلا أمل واحد ، هو أن اغمض عيني ثم افتحهما ، فلا أرى برقعا على وجه امرأة في هذا البلد .
    قلت :
    ذلك ما لاتملكه ، ولا رأي لك فيه .
    قال :
    إن كثيرا من الناس يرون في الحجاب رأيي ، ويتمنون في أمره ما أتمنى ، ولا يحول بينهم وبين نزعه عن وجوه نسائهم وإبرازهن إلى الرجال يجالسنهم كما يجلس بعضهن إلى بعض ، إلا العجز والضعف والهيبة التي لا تزال بنفس الشرقي كلما حاول الإقدام على أمر جديد .
    فرأيت أن أكون أول هادم لهذا البناء العادي القديم الذي وقف سدا دون سعادة الأمة وارتقائها دهرا طويلا ، وان يتم على يدي ما لم يتم على يد أحد غيري من دعاة الحرية وأشياعها .
    فعرضت الأمر على زوجتي ، فأكبرته واعظمته ، وخيل إليها أنني جئتها بإحدى النكبات العظام والرزايا الجسام ، وزعمت أنها إن برزت إلى الرجال فأنها لا تستطيع أن تبرز إلى النساء بعد ذلك ، حياء منهن وخجلا . ولا خجل هناك ولا حياء ، ولكنه الموت والجمود والذل الذي ضربه الله على هؤلاء النساء في هذا البلد أن يعشن في قبور مظلمة من خدورهن وخمرهن ، حتى يأتيهن الموت ، فينتقلن من مقبرة الدنيا إلى مقبرة الآخرة .
    فلابد لي أن ابلغ أمنيتي وان أعالج هذا الرأس القاسي المتحجر علاجا ينتهي بإحدى الحسنيين إما بكسره أو شفائه .
    فورد علي من حديثه ما ملأ نفسي هما وحزنا ، ونظرت إليه نظرة الراحم الراثي .
    وقلت :
    اعالم أنت أيها الصديق ما تقول ؟؟
    قال :
    نعم ، أقول الحقيقة التي اعتقدها وأدين نفسي بها واقعة من نفسك ونفوس الناس جميعا ، حيث وقعت .
    قلت :
    هل تأذن لي أن أقول لك انك عشت فترة طويلة في ديار قوم لا حجاب بين رجالهم ونسائهم ؟ فهل تذكر أن نفسك حدثتك يوما من الأيام وأنت فيهم بالطمع في شيء مما لا تملك يمينك عن أعراض نسائهم ، فنلت ما تطمع فيه من حيث لا يشعر مالكه ؟
    قال :
    ربما وقع لي شيء من ذلك ، فماذا تريد ؟
    قلت :
    أريد أن أقول لك أنى أخاف على عرضك أن يلم به من الناس ما ألم بأعراض الناس منك.
    قال :
    إن المرأة الشريفة تستطيع أن تعيش بين الرجال من شرفها ، وعفتها في حصن حصين لا تمتد إليه المطامع .
    فتداخلني ما لم املك معه وقلت له :
    تلك هي الخدعة التي يخدعكم بها الشيطان ، أيها الضعفاء والفجوة التي يعثر بها زوايا رؤوسكم ، فينحدر منها إلى عقولكم ومدارككم فيفسدها عليكم ، فالشرف كلمة لا وجود لها في قواميس اللغة ومعاجمها ، فان أردنا أن نفتش عنها في قلوب الناس وأفئدتهم ، قلما نجدها .
    والنفس الإنسانية كالغدير الراكد لا يزال صافيا رائقا ، حتى يسقط فيه حجر فإذا هو مستنقع كدر . والعفة لون من ألوان النفس ، لا جوهر من جواهرها ، وقلما تثبت الألوان على أشعة الشمس المتساقطة .
    قال :
    أتنكر وجود العفة بين الناس؟؟
    قلت :
    لا أنكرها ، لأني اعلم أنها موجودة بين البله الضعفاء والمتكلفين . ولكني أنكر وجودها عند الرجل القادر المختلب والمرأة الحاذقة المترفقة ، إذا سقط بينهما الحجاب وخلا وجه كل منهما لصاحبه .
    في أي جو من أجواء هذا البلد تريدون أن تبرز نساؤكم لرجالكم؟ أفي جو المتعلمين ؟ وفيهم من سئل مرة : لم لم يتزوج؟ فأجاب : نساء البلد جميعا نسائي .
    أم في جو الطلبة؟ وفيهم من يتوارى عن أعين خلانه وأترابه خجلا إن خلت محفظته يوما من صور عشيقاته وخليلاته ، أو أقفرت من رسائل الحب والغرام .
    أم في جو الرعاع الغوغاء؟ وكثير منهم يدخل البيت خادما ذليلا ويخرج منه صهرا كريما .
    وبعد: فما هذا الولع بقصة المرأة والتمطق بحديثها ، والقيام والقعود بأمرها وأمر حجابها وسفورها ، وحريتها وأسرها ، كأنما قد قمتم بكل واجب للامة عليكم في أنفسكم فلم يبقى إلا أن تفيضوا من تلك النعم على غيركم .
    هذبوا رجالكم قبل أن تهذبوا نسائكم . فان عجزتم عن الرجال فانتم عن النساء اعجز .
    أبواب الفخر أمامكم كثيرة ، فاطرقوا أيها شئتم ، ودعوا هذا الباب موصودا فإنكم إن فتحتموه ، فقد فتحتم على أنفسكم ويلا عظيما وشقاء طويلا .
    أروني رجلا واحدا منكم يستطيع أن يزعم في نفسه انه يمتلك هواه ، بين يدي امرأة يرضاها ، فأصدق أن امرأة تستطيع أن تملك هواها بين يدي رجل ترضاه .
    إنكم تكلفون المرأة ما تعلمون أنكم تعجزون عنه ، وتطلبون عندها ما لا تعرفونه عند أنفسكم . فانتم تخاطرون بها في معركة الحياة مخاطرة لا تعلمون أتربحونها من بعدها أم تخسرونها ؟ وما أحسبكم إلا خاسرين .
    ما شكت المرأة إليكم ظلما ، ولا تقدمت إليكم في أن تحلوا قيدها ، وتطلقوها من أسرها ، فما دخولكم بينها وبين نفسها ؟ وما تمضغكم ليلكم ونهاركم بقصصها وأحاديثها ؟
    إنها لا تشكو إلا فضولكم وإسفافكم ، ومضايقتكم لها ، ووقوفكم في وجهها حيثما سارت ، وأينما حلت ، حتى ضاق بها وجه الفضاء ، فلم تجد لها سبيلا إلا أن تسجن نفسها بنفسها في بيتها فوق ما سجنها أهلها ، فأوصدتم من دونها بابها وأسبلت أستارها ، تبرما بكم وفرارا من فضولكم ، فوا عجبا لكم تسجنونها بأيديكم ثم تقفون على باب سجنها تبكونها وتندبون شقائها!!!
    إنكم لا ترثون لها بل ترثون لأنفسكم ، ولا تبكون عليها بل على أيام قضيتموها في ديار يسيل جوها تبرجا وسفورا ، ويتدفق خلاعة واستهتارا ، وتودون بجدع الأنف ، لو ظفرتم هنا بذلك العيش الذي خلفتموه هناك .
    لقد كنا وكانت العفة في سقاء من الحجاب مربوط ، فما زلتم به تثقبون في جوانبه كل يوم ثقبا ، والعفة تتسلل منه قطرة قطرة ، حتى يبس وتكرش . ثم لم يكفكم ذلك منه ، حتى جئتم اليوم تريدون أن تحلوا وكاءه حتى لا تبقى فيه قطرة واحدة .
    عاشت المرأة العربية حقبة من دهرها هادئة مطمئنة في بيتها ، راضية عن نفسها وعن عيشها ، ترى السعادة كل السعادة في واجب تؤديه لنفسها أو وقفة تقفها بين يدي ربها ، أو عطفة تعطفها على ولدها ، أو جلسة تجلسها إلى جارتها تبثها ذات نفسها وتستبثها سريرة قلبها . وترى الشرف كل الشرف في خضوعها لأبيها وائتمارها بأمر زوجها عند رضاهما .
    وكانت تفهم معنى الحب ، وتجهل معنى الغرام ، فتحب زوجها لأنه زوجها ، كما تحب ولدها لأنه ولدها ، فان رأى غيرها من النساء أن الحب أساس الزواج ، رأت هي أن الزواج أساس الحب ، فقلتم لها أن هؤلاء الذين يستبدون بأمرك من اهلك ليسوا بأوفر منك عقلا ولا افضل رأيا ، ولا اقدر على النظر لك من نظرك لنفسك ، فلاحق لهم في هذا السلطان الذي يزعمونه لأنفسهم عليك . فازدرت أباها ، وتمردت على زوجها واصبح البيت الذي كان بالأمس عرسا من الأعراس الضاحكة مناحة قائمة لا تهدا نارها ولا يخبو أوارها .
    وقلتم لها لا بد لك أن تختاري زوجك بنفسك ، حتى لا يخدعك اهلك عن سعادة مستقبلك ، فاختارت لنفسها أسوا مما اختار أهلها ، فلم يزد عمر سعادتها على يوم وليلة ن ثم الشقاء الطويل بعد ذلك والعذاب الأليم .
    وقلتم لها أن الحب أساس الزواج ، فما زالت تقلب عينيها في وجوه الرجال مصعدة مصوبة حتى شغلها الحب عن الزواج ، فغنيت به عنه .
    وقلتم لها: أن سعادة المرأة في حياتها أن يكون زوجها عشيقها . وما كانت تعرف إلا أن الزوج غير العشيق ، فأصبحت تطلب في كل يوم زوجا جديدا يحيي من لوعة الحب ما أمات الزوج القديم ، فلا قديما استبقت ولا جديدا أفادت .
    وقلتم لها: لابد أن تتعلمي لتحسني تربية ولدك والقيام على شؤون بيتك . فتعلمت كل شيء إلا تربية ولدها والقيام على شؤون بيتها .
    وقلتم لها: نحن لا نتزوج من النساء إلا من نحبها ونرضاها ويلائم ذوقها ذوقنا ، وشعورها شعورنا . فرأت أن لا بد لها أن تعرف مواقع أهوائكم ومباهج أنظاركم لتتجمل لكم بما تحبون . فراجعت فهرس حياتكم صفحة صفحة ، فلم تر فيه غير أسماء الخليعات والمستهترات ، والضاحكات اللاعبات والإعجاب بهن والثناء على ذكائهن وفطنتهن .
    فتخلعت واستهترت لتبلغ رضاكم وتنزل عند محبتكم ، ثم مشت إليكم بهذا الثوب الرقيق الشفاف تعرض نفسها عليكم عرضا كما تعرض الأمة نفسها في سوق الرقيق ، فأعرضتم عنها ونبوتم بها ، وقلتم لها :
    أنا لا نتزوج النساء العاهرات ، كأنكم لا تبالون أن يكون نساء الأمة جميعا ساقطات ، إذا سملت لكم نساؤكم ، فرجعت أدراجها خائبة منكسرة ، وقد أباها الخليع وترفع عنها المحتشم . فلم تجد بين يديها غير باب السقوط فسقطت .
    وكذلك انتشرت الريبة في نفوس الأمة جميعا وتمشت الظنون بين رجالها ونسائها ، فتعاجز الفريقان واظلم الفضاء بينهما ، وأصبحت البيوت كالأديرة لا يرى فيه الرائي إلا رجلا مترهبين ونساء عانسات .
    ذلك بكاؤكم على المرأة أيها الراحمون ، وهذا رثاؤكم لها وعطفكم عليها !
    نحن نعلم كما تعلمون أن المرأة في حاجة إلى العلم ، فليهذبها أبوها أو أخوها ، فالتهذيب انفع لها من العلم ، والى اختيار الزوج العادل الرحيم ، فليحسن الآباء اختيار الأزواج لبناتهم ، وليجمل الأزواج عشرة نسائهم ، والى النور والهواء تبرز إليهما ، وتتمتع فيهما بنعمة الحياة ، فليأذن لها أولياؤها بذلك ، وليرافقها رفيق منهم في غدواتها وروحاتها ، كما يرافق الشاة راعيها خوفا عليها من الذئاب ، فان عجزنا عن أن نأخذ الآباء والاخوة والأزواج بذلك ، فلننفض أيدينا من الأمة جميعها نسائها ورجالها ، فليست المرأة بأقدر على إصلاح نفسها من الرجل على إصلاحها .
    اعجب ما اعجب له في شؤونكم إنكم تعلمتم كل شيء إلا شيئا واحدا ، هو أدنى إلى مدارككم أن تعلموه قبل كل شيء ، وهو أن لكل تربة نباتا ينبت فيها ، ولكل نبات زمنا ينمو فيه !
    رأيتم العلماء في أوروبا ، يشتغلون بكماليات العلوم بين أمم قد فرغت من ضرورياتها ، فاشتغلتم بها مثلهم في أمة لا يزال سوادها الأعظم في حاجة إلى معرفة حروف الهجاء .
    ورأيتم الفلاسفة فيها ، ينشرون فلسفة الكفر بين شعوب ملحدة لها من عقولها وآدابها ، ما يغنيها بعض الغناء عن إيمانها ، فاشتغلتم بنشرها بين أمة ضعيفة ساذجة لا يغنيها عن إيمانها شيء ، أن كان هناك ما يغني عنه .



    يتبع ...

  2. #2
    ~ [ أم خــالـــد ] ~

    تاريخ التسجيل
    Jan 2003
    الدولة
    في بيتنا
    المشاركات
    4,383
    ورأيتم الزوج الأوروبي الذي أطفأت البيئة غيرته ، وأزالت خشونة نفسه وحرشتها ، يستطيع أن يرى زوجته تخاصر من تشاء ، وتصاحب من تشاء ، وتخلو بمن تشاء ، فيقف أمام المشهد موقف الجامد المتبلد . فأردتم الرجل الشرقي الغيور الملتهي أن يقف موقفه ويستمسك استمساكه .
    ورأيتم المرأة الأوروبية الجريئة في كثير من مواقفها مع الرجال ، تحتفظ بنفسها وكرامتها ، فأردتم من المرأة العربية الضعيفة الساذجة أن تبرز للرجال بروزها ، وتحتفظ بنفسها احتفاظها !!
    وكل نبات يزرع في أرض غير أرضه ، أو في ساعة غير ساعته ، إما أن تأباه الأرض ، فتلفظه وإما أن ينشب فيها فيفسدها ..
    إنا نضرع إليكم باسم الحرمة الدينية والشرف الوطني أن تتركوا تلك البقية الباقية من نساء الأمة مطمئنات في بيوتهن ، ولا تزعجوهن بأحلامكم وآمالكم . فكل جرح من جروح الأمة له دواء إلا جرح الشرف . فإن أبيتم إلا أن تفعلوا , فانتظروا بأنفسكم قليلا ريثما تنتزع الأيام من صدوركم هذه الغيرة التي ورثتموها عن آبائكم وأجدادكم ، لتستطيعوا أن تعيشوا في حياتكم الجديدة سعداء آمنين ..
    فما زاد الفتى على أن ابتسم في وجهي ابتسامة الهزء والسخرية ، وقال:
    تلك حماقات ما جئنا إلا لمعالجتها ، فلنصبر عليها ، حتى يقضي الله بيننا وبينها ..
    فقلت له :
    لك أمرك في نفسك وفي اهلك ، فاصنع بهما ما تشاء ، وأذن لي أن أقول لك أني لا أستطيع أن اختلف إلى بيتك بعد اليوم ، إبقاء عليك وعلى نفسي ، لأني اعلم أن الساعة التي ينفرج لي فيها جانب ستر من أستار بيتك عن وجه امرأة من اهلك ، تقتلني حياء وخجلا . ثم انصرفت . وكان هذا فراق ما بيني وبينه .
    وما هي إلا أيام قلائل ، حتى سمعت الناس يتحدثون أن فلانا هتك الستر في منزله بين نسائه ورجاله ، وان بيته اصبح مغشيا لا تزال النعال خافقة ببابه .
    فذرفت عيني دمعة ، لا اعلم هل ه دمعة الغيرة على العرض المذال ، أو الحزن على الصديق المفقود ؟
    مرت على تلك الحادثة ثلاثة أعوام لا أزوره فيها ، ولا يزورني ، ولا ألقاه في طريقه إلا قليلا ، فأحييه تحية الغريب للغريب ، ثم انطلق في سبيلي.
    فأني لعائد إلى منزلي ليلة أمس ، وقد مضى الشطر الأول من الليل ، إذ رأيته خارجا من منزله يمشي مشية الذاهل الحائر ، وبجانبه جندي من جنود الشرطة ، كأنما هو يحرسه ، أو يقتاده ، فأهمني أمره ، ودنوت منه ، فسألته شانه .
    فقال:
    لا علم لي بشيء سوى أن هذا الجندي قد طرق الساعة بابي ، يدعوني إلى مخفر الشرطة . ولا اعلم لمثل هذه الدعوة في مثل هذه الساعة سببا ، وما أنا بالرجل المذنب . فهل أستطيع أن أرجوك يا صديقي بعد الذي كان بيننا أن تصحبني الليلة في وجهي هذا علني احتاج إلى بعض المعونة فيما قد يعرض لي هناك من الشؤون؟
    قلت :
    لا احب إلي من ذلك . ومشيت معه صامتا لا أحدثه ، ولا يقول لي شيئا ، ثم شعرت كأنه يزور في نفسه كلاما يريد أن يفضي به إلي ، فيمنعه الخجل والحياء .
    ففاتحته الحديث وقلت له :
    ألا تستطيع أن تتذكر لهذه الدعوة سببا؟؟
    فنظر إلي نظرة حائرة ، وقال :
    إن أخوف ما أخافه أن يكون قد حدث لزوجتي الليلة حادثا ، فقد رابني من أمرها أنها لم تعد إلى المنزل حتى الساعة ، وما كان ذلك شأنها من قبل .
    قلت : أما كان يصحبها أحد؟؟
    قال : لا .
    قلت : ألا تعلم المكان الذي ذهبت إليه ؟؟
    قال : لا .
    قلت : ومم تخاف عليها ؟؟
    قال : لا أخاف شيئا سوى أني اعلم أنها امرأة غيور حمقاء ، فلعل بعض الناس حاول العبث بها في طريقها فشرست عليه ، فوقعت بينهما واقعة انتهى أمرها إلى الشرطة .
    وكنا قد وصلنا إلى المخفر ، فاقتادنا الجندي إلى قاعة المأمور . فوقفنا بين يديه ، فأشار إلى جندي أمامه إشارة لم نفهمها ، ثم استدنى الفتى إليه ، وقال له : يسوؤني أن أقول لك يا سيدي ، أن رجال الشرطة قد عثروا الليلة في مكان من أمكنة الريبة برجل وامرأة في حال غير صالحة ، فاقتادوهما إلى المخفر . فزعمت المرأة أن لها بك صلة ، فدعوناك لتكشف لنا الحقيقة في أمرها . فان كانت صادقة أذنا لها بالانصراف معك إكراما لك ، وإبقاء على شرفك ، وإلا فهي امرأة عاهرة لا نجاة لها من عقاب الفاجرات . وهاهما وراءك فانظرهما .
    وكان الجندي قد جاء بهما من غرفة أخرى ، فالتفت وراءه ، فإذا المرأة زوجته ، وإذا الرجل أحد أصدقائه . فصرخ صرخة رجفت لها جوانب المخفر ، ثم سقط في مكانه مغشيا عليه . فأشرت إلى المأمور أن يرسل المرأة إلى منزل أبيها ، ففعل ، وأطلق سبيل صاحبها . ثم حملنا الفتى في مركبه إلى منزله ودعونا له الطبيب ، فقرر انه مصاب بحمى دماغية شديدة . ولبث ساهرا بجانبه بقية الليل يعالجه حتى دنا الصبح فانصرف على أن يعود متى دعوناه ، وعهد إلي بأمره . فلبثت بجانبه ارثي لحاله وانتظر قضاء الله فيه ، حتى رايته يتحرك في مضجعه .
    ثم فتح عينيه فرآني ، فلبث شاخصا إلي هنيهة كأنما يحاول أن يقول لي شيئا فلا يستطيعه ، فدنوت منه وقلت له :
    هل من حاجة يا سيدي ؟؟
    فأجاب بصوت ضعيف خافت : حاجتي أن لا يدخل علي من الناس أحد .
    قلت : لن يدخل عليك إلا من تريد .
    فطرق هنيهة ثم رفع رأسه ، فإذا عيناه مخضلتان بالدموع .
    فقلت : ما بكاؤك يا سيدي ؟؟
    قال : أتعلم أين زوجتي الآن ؟؟
    قلت : وماذا تريد منها ؟؟
    قال : لا شيء سوى أن أقول لها أني عفوت عنها .
    قلت : إنها في بيت أبيها .
    قال : وارحمتاه لها ولأبيها ، ولجميع قومها ! فقد كانوا قبل أن يتصلوا بي شرفاء أمجادا ، فألبستهم مذ عرفوني ثوبا من العار لا تبلوه الأيام .
    من لي بمن يبلغهم عني جميعا أنني مريض مشرف ، وأنني أخشى لقاء الله إن لقيته بدمائهم ، وأنني اضرع إليهم أن يصفحوا عني ويغتفروا زلتي قبل أن يسبق إلي اجلي ..
    لقد كنت أقسمت لأبيها يوم اهتديتها أن أصون عرضها صيانتي لحياتي وان امنعها مما امنع منه نفسي ، فحنثت في يميني . فهل يغفر لي ذنبي فيغفر الله بغفرانه ؟؟
    نعم إنها قتلتني !! ولكنني أنا الذي وضعت في يدها الخنجر الذي أغمدته في صدري ، فلا يسألها أحد عن ذنبي ..
    البيت بيتي والزوجة زوجتي والصديق صديقي ، وأنا الذي فتحت باب بيتي لصديقي إلى زوجتي ، فلم يذنب إلي أحد سواي ..
    آه ما اشد الظلام أمام عيني .. وما أضيق الدنيا في وجهي !! في هذه الغرفة ، على هذا المقعد وتحت هذا السقف ، كنت أراهما جالسين يتحدثان ، فتمتلئ نفسي غبطة وسرورا ، واحمد الله على أن رزقني بصديق وفي يؤنس زوجتي في وحدتها ، وزوجة سمحة كريمة تكرم صديقي في غيابي . فقولوا للناس جميعا : أن ذلك الرجل الذي يفخر بالأمس بذكائه وفطنته ويزعم انه أكيس الناس واحزمهم ، قد اصبح يعترف اليوم انه ابله إلى الغاية من البلاهة ، وغبي إلى الغاية التي لا غاية وراءها .
    لعل الناس كانوا يعلمون من أمري ما كنت اجهل ، ولعلهم كانوا إذا مررت بهم يتناظرون ويتغامزون ، ويبتسم بعضهم إلى بعض ، أو يحدقون إلي ويطيلون النظر في وجهي ، ليروا كيف تتمثل البلاهة في وجوه البله ، والغباوة في وجوه الأغبياء ..
    ولعل الذين كانوا يتوددون إلي ويتمسحون بي من أصدقائي إنما كانوا يفعلون ذلك من اجلها لامن اجلي ؟ ولعلهم كانوا يسمونني فيما بينهم قوادا ، ويسمون زوجتي مومسا وبيتي ماخورا ، وأنا عند نفسي اشرف الناس وأنبلهم ..
    فوراحمتاه لي إن بقيت على ظهر الأرض بعد اليوم ساعة واحدة ووالهفا على زاوية منفردة في قبر موحش يطويني ، ويطوي عاري معي .
    ثم اغمض عينيه وعاد إلى ذهوله واستغراقه .
    وهنا دخلت الحجرة مرضع ولده تحمله على يدها حتى وضعته بجانب فراشه ، ثم تركته وانصرفت ، فما زال الطفل يدب على أطرافه حتى علا صدر أبيه ، فأحس به ففتح عينيه فرآه فابتسم لمرآه وضمه إلى صدره ضمة الرفق والحنان ، وأدنى فمه من وجهه ليقبله ثم انتفض فجأة ، واستشر بشره ، ودفعه عنه بيده دفعة شديدة ، واخذ يصيح :
    أبعدوه عني لا اعرفه ، فليس لي أولاد ولا نساء . سلوا أمه عن أبيه من هو واذهبوا به إليه ؟ لا البس العار في حياتي واتركه أثرا خالدا ورائي بعد مماتي .
    وكانت المرضع قد سمعت صياح الطفل فعادت إليه وحملته وذهبت به ، فسمع صوته وهو يبتعد شيئا فشيئا فأنصت إليه واستعبر باكيا وصاح :
    أرجعوه إلي . فعادت به المرضع ، فتناوله من يدها وانشأ يقلب نظره في وجهه ويقول :
    في سبيل الله يا بني ، ما خلف لك أبوك من اليتم وما خلفت لك أمك من العار ، فاغفر لهما ذنبهما إليك . فلقد كانت أمك امرأة ضعيفة فعجزت عن احتمال صدمة القضاء فسقطت . وكان أبوك حسن النية في جريمته التي اجترمها فأساء من حيث أراد الإحسان .
    سواء اكنت ولدي يا بني أم ولد الجريمة ، فأني قد سعدت بك حقبة من الدهر ، فلا أنسى يدك عندي حيا أو ميتا ، ثم احتضنه إليه وقبله في جبينه لا اعلم هل هي قبلة الأب الرحيم أو المحسن الكريم ؟
    وكان قد بلغ منه الجهد فعاودته الحمى ، وغلت نارها في رأسه . وما زال يثقل شيئا فشيئا حتى خفت عليه التلف فأرسلت وراء الطبيب ، فجاء وألقى نظرة طويلة ثم استردها مملوءة يأسا وحزنا .
    ثم بدا ينزع نزعا شديدا ويئن أنينا مؤلما ، فلم تبق عين من العيون المحيطة به إلا ارفضت عن كل ما تستطيع أن تجود به من مدامعها .
    فأنا لجالسون حوله وقد بدا الموت يسبل أستاره السوداء على سريره ، وإذا امرأة مؤتزرة بإزار اسود قد دخلت الحجرة ، وتقدمت نحوه ببطء ، حتى ركعت بجانبه ثم اكبت على يده الموضوعة فوق صدره فقبلتها وأخذت تقول له :
    لا تخرج من الدنيا وأنت مرتاب في ولدك . فان أمه تعترف بين يديك وأنت ذاهب إلى ربك أنها وان كانت قد دنت من الجريمة ولكنها لم ترتكبها . فاعف عني يا والد ولدي ، وأسال الله عندما تقف بين يديه أن يلحقني بك ، فلا خير لي في الحياة من بعدك .
    فانفجرت باكية .. ففتح عينيه وألقى على وجهها نظرة باسمة ، كانت آخر عهده بالحياة وقضى ..

    الآن عدت من المقبرة بعد ما دفنت صديقي بيدي ، وأودعت حفرة القبر ذلك الشاب الناضر ، والروض الزاهر ، وجلست لكتابة هذه السطور وأنا لا أكاد املك مدامعي وزفراتي ، فلا يهون وجدي عليه ، إلا أن الأمة كانت على باب خطر عظيم من أخطارها ، فتقدم هو أمامها إلى ذلك الخطر وحده فاقتحمه ، فمات شهيدا ، فنجت بهلاكه ..

    تعليقي على الرواية …
    أحبتي هذه الرواية كتبها الكاتب في حوالي سنة 1906 م …
    وقد كتب أن الأمة قد نجت من هذا الشيء في ذلك الحين .. ولكن لنرى حال الأمة العربية الآن من حيث الحجاب وغيره .. لنرى أن الأمة قد سعت إلى الهلاك وذهبت إلى الخطر .. فلنعتبر اخوتي في هذه القصة ولنتذكر أن الشيطان حريص على إغوائنا ..
    ودمتم لنا سالمين مؤمنين ومتمسكين بدين الله …


    وعذرا على الإطالة … ولكن احببت وضعها كما هي ...



    السلام عليكم

  3. #3
    مشرف مؤسس
    تاريخ التسجيل
    Jan 2003
    المشاركات
    952
    [ALIGN=CENTER]اخوي / مخاوف قلب

    كل الشكر لك لاختيارك لهذه القصه ....... وكأنك تلامس الواقع الحالي من ناحية الحجاب ........ واقتصر النظرة على مجتمعنا ليس العربي ...... بل السعودي
    وما آل اليه حال فتاة اليوم الا من رحم ربك ، من خلال العبأة التي لا تنم عن حشمة أو وقار أو حتى ستر
    بل هي مدعاة للفتنه ... ونبش...... وتحريك لغريزه الشباب ...
    إلا من غض بصره.
    فالحجاب - ولست اقصد الحجاب - بل المزعوم بالحجاب
    اصبح التفنن فيه ضروري ، والابداع فيه طبيعي،
    والغرض المزعوم منه هو التحضر ( اقصد التخلف)[/ALIGN]

    فعسى الله أن يفتح على قلوب من يرتدينه
    [IMG]http://sensitivegirl.********************************************/yzyz.jpg[/IMG]





  4. #4

    ][§][مشرف مؤسس][§][


    تاريخ التسجيل
    Dec 2002
    الدولة
    دولة الشيخ فؤاد ابن بطاح
    المشاركات
    582
    تسلمين والله اختي مخاوف

    فعلا قصة ولا اروع والحجاب يجب ان تعاد النظرة فيه

    نواف
    [flash=http://www.geocities.com/althahebh/nawaf.swf]WIDTH=400 HEIGHT=255[/flash]

  5. #5
    ~ [ أم خــالـــد ] ~

    تاريخ التسجيل
    Jan 2003
    الدولة
    في بيتنا
    المشاركات
    4,383
    [ALIGN=CENTER]آآآآآآمين اخوي يزيد


    ومشكور على ردك


    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ


    اخوي نواف ياليت احد يرد او يسمع حتى نعيد حجابنا القديم


    تسلم اخوي على الرد




    تحيااااااااااتي
    [/ALIGN]

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. هل تظنون أن الحجاب خاص للمرأة فقط ! شاهدوا صور الحجاب للرجل؟!؟
    بواسطة سديم الفجر في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 24-04-2010, 12:07 PM
  2. هل تظنون ان الحجاب خاص للمرأة فقط ! شاهد صور الحجاب للرجل؟
    بواسطة قاصد خيــر في المنتدى منتدى الأخبار
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 28-08-2009, 02:03 AM
  3. هل تظنون ان الحجاب خاص للمرأة فقط ! ادخل وشاهد صور الحجاب للرجل؟
    بواسطة البرفسور الحنون في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 22
    آخر مشاركة: 09-12-2006, 07:58 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •