أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الصحة والفراغ ولا عيش إلا عيش الآخرة


6412- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ».
قَالَ عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.
الشرح:
قال ابن بطال: "معنى الحديث أن المرء لا يكون فارغاً حتى يكون مكفياً صحيح البدن فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه فمن فرط في ذلك فهو المغبون".
وأشار بقوله: «كثير من الناس» إلى أن الذي يوفق لذلك قليل.
وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون لان الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم ولو لم يكن إلا الهرم.
وقوله في الحديث: «مغبون فيهما كثير من الناس»: كقوله تعالى: ]وقليل من عبادي الشكور[ فالكثير في الحديث في مقابلة القليل في الآية.
قال ابن كثير رحمه الله: "ومعنى هذا: أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين، لا يقومون بواجبهما، ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه، فهو مغبون". (تفسير ابن كثير8/478).
وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: " أول نعمة الله على العبد هي: الإيمان، فإنها نعمة مطلقة.
وأما الحياة والصحة فإنهما نعمة دنيوية ولا تكون نعمة حقيقة إلا إذا صاحبت الإيمان وحينئذ يغبن فيها كثير من الناس أي يذهب ربحهم أو ينقص فمن استرسل مع نفسه الإمارة بالسوء الخالدة إلى الراحة فترك المحافظة على الحدود والمواظبة على الطاعة فقد غبن، وكذلك إذا كان فارغاً فإن المشغول قد يكون له معذرة بخلاف الفارغ فإنه يرتفع عنه المعذرة وتقوم عليه الحجة".

النصوص المؤيدة لذلك:
]أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ[(سورة التكاثر)
وعن أبي عسيب رضي الله عنه قال خرج رسول الله e ليلاً فمر بي فدعاني فخرجت إليه ثم مر بأبي بكر رحمه الله فدعاه فخرج إليه ثم مرَّ بعمر رحمه الله فدعاه فخرج إليه فانطلق حتى دخل حائطاً لبعض الأنصار فقال لصاحب الحائط أطعمنا فجاء بعِذق فوضعه فأكل رسول الله e وأصحابه ثم دعا بماء بارد فشرب فقال:
«لتسألن عن هذا يوم القيامة» قال فأخذ عمر رحمه الله العذق فضرب به الأرضَ حتى تناثرَ البسرُ قبل رسول الله e ثم قال: يا رسول الله! "إنا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة" قال:
«نعم إلا من ثلاث: خِرقةٍ كَفَّ بها عورتَهُ، أو كِسْرةٍ سدَّ بها جوعَتَهُ أو جُحرٍ يدخل فيه من الحرِّ والقُرِّ». [(حسن)رواه أحمد ورواته ثقات وهو في "صحيح الترغيب" (3221)]
عن أبي هريرة عن النبي e قال: «يقول الله، عز وجل - يوم القيامة-: يا بن آدم، حملتك على الخيل والإبل، وزوجتك النساء، وجعلتك تَرْبَع (أي: تأخذ رُبع الغنيمة) وتَرْأَس، فأين شكر ذلك؟!» [(صحيح الإسناد) رواه أحمد (2/492)].
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: "أَكْثَرُ النَّاسِ حِسَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّحِيحُ الْفَارِغُ". (اقتضاء العلم العمل/رقم175).
6413 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إِلا عَيْشُ الآخِرَهْ فَأَصْلِحْ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ».
6414 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَنْدَقِ وَهُوَ يَحْفِرُ وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ وَيَمُرُّ بِنَا فَقَالَ:
«اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إِلا عَيْشُ الآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ»، تَابَعَهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.

الشرح:
وورد في "مناقب الأنصار" عن أنس وزيادة من زاد فيه: أن ذلك كان يوم الخندق فطابق حديث سهل بن سعد المذكور في الذي بعده وزيادة من زاد فيه: «أنهم كانوا يقولون: نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً فأجابهم بذلك.
وتقدم في غزوة الخندق عنه بأتم من ذلك كله، وفيه من طريق حميد عن أنس: أن ذلك كان في غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال ذلك.

النصوص المؤيدة لذلك:
قوله تعالى: ]وإن الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون[(العنكبوت/)، وقوله تعالى: ]بل تؤثرون الحياةَ الدنيا والآخرة خير وأبقى[(الأعلى/)، قوله تعالى: ]إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ[، قال مجاهد: أي: جعلناهم يعملون للآخرة ليس لهم هَمّ غيرها. وكذا قال السدي: ذكرهم للآخرة وعملهم لها، وقال مالك بن دينار: نزع الله من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصهم بحب الآخرة وذكرها.


فوائده:
1- فيه تواضع النبي e، بصحبته لأصحابه وحفره بنفسه في الخندق، مع شدة جوعه.
2- فيه قوته e وإعانته لأصحابه، وقيامه بالمهام الصعبة، وتحمله معهم الشدائد والجوع في سبيل الله.
3- فيه ما ينبغي أن يكون عليه العالم مع طلبه من القدوة الحسنة.
4- زهد النبي e في الدنيا وما كان يلقاه من شظف العيش، وضيقه، ولو شاء لأجريت له الأنهار.
5- فيه الحث على الزهد في الدنيا، والتقليل من شأنها قولاً وفعلاً.
6- بيان أن العيش الحقيقي هو عيش الآخرة، وأنه لا ينبغي أن يتعلق أحد إلا بها وبأسبابها.
7- ملازمة الصالحين والعلماء.
8- فيه أن من فوائد ملازمة العلماء وأهل الصلاح أنه ينال العبد منهم دعوة صالحة قد تكون سبباً في سعادته في الدنيا والآخرة.
9- أنه ينبغي للعالم أن يدعو لأصحابه وطلابه إقتداء به e.
10- فيه أن العمل على مرضاة الله والزهد في الدنيا من أسباب المغفرة والرحمة والصلاح حال العبد.