أخذتها قدماها إلي حيث كانت النهاية.. رغم صغر سنها، لم تكن مروة الطفلة السعيدة.. الضاحكة.. تتوقع ان تشاهد عيناها هذا الوضع الغريب في احدي حجرات المنزل!
شاهدت مروة لقاء الحب الساخن بين عمتها وخطيبها.. ومنذ هذه اللحظة كانت بداية النهاية في حياة الطفلة الصغيرة!
أخبار الحوادث كانت هناك، في بني سويف حيث دارت وقائع الجريمة البشعة.
الطفولة احساس جميل.. خليط من البراءة والنقاء وخفة الروح.. تلك كانت صورة الصغيرة مروة ابنة السنوات السبع.. صاحبة الوجه الطفولي ذي الملامح الجميلة.. وهي ترقص وتغني وتهلل بأعلي صوتها وخصلات شعرها الذهبي الناعم المسترسل خلف ظهرها يطير في الهواء.. يلتف حولها عدد من الصغار ويسألونها ببراءة:
أيه يامروة فرحانة كدة ليه؟!
أبويا خلاص حيرجع لنا النهاردة بعدما غاب عنا 4 شهور.
شاركها الصغار فرحتها.. فهم كالملائكة في تصرفاتهم.. يشاركون بعضهم لحظات السعادة.. تتوقف مروة فجأة عن الرقص تخرج من جيبها جنيها.. تتوجه به إلي محل البقالة القريب من منزل والدها لتشتري به حلوي.. توزعها علي الصغار فرحة بالمناسبة السعيدة.. فهذا الجنية حصيلة مصروفها الخاص خلال فترة كبيرة.. ادخرته خصيصا لهذه المناسبة.. اخذ الصغار يتناولون الحلوي والابتسامات البريئة علي وجوههم تعكس لوحة رائعة من البراءة.
فجأة.. تحضر عزة 20 سنة عمة مروة التي تعيش مع الاسرة في نفس المنزل.. ترمقها بنظرات غريبة ثم تناديها:
مروة.. تعالي معايا حنروح مشوار صغير!
بس أنا يا عمتي مستنية ابويا حييجي دلوقت من المركز.
ما المشوار ده خاص بالمناسبة دي برضه.
يعني إيه؟!
يعني حنشتري أنا وأنت حاجات علشان نحتفل مع الأسرة كلها بخروج أبوك.. بس ما تعرفيش حد بالمشوار ده!
حاضر ياعمتي.
خطوات الافعي!
بحذر شديد.. اخترقت عزة شوارع القرية الضيقة ممسكة مروة بيدها حتي دخلت منطقة زراعية الساعة تقترب من الثانية ظهرا.. الشمس ساخنة.. حركة المارة تبدو متقدمة.. يحضر أحمد 24 سنة 'جزار' وهو خطيب عزة ويعتبر خال الطفلة مروة في نفس الوقت.. وجهه ملون بألوان الطيف.. يتلفت حوله في ذعر.. تقاطعه عزة بحدة:
ايه الحكاية مالك خايف كدة ليه؟!
أنا مش فاهم بس أنت ليه مصرة علي الفكرة الوحشة دي.
خلاص. انتهينا.. اسبقني علي المكان وأنا جاية وراك.. بسرعة!
المسافة حوالي 2 كيلو متر.. أخيرا توقف أحمد وعزة ومعهما الصغيرة 'مروة'.. التي ظللت توزع نظرات الدهشة عليهما كأنها تسألهما:
إحنا جايين هنا ليه؟!
ما هي الا لحظات.. لتكشف الأفعي عمتها عن ضميرها الأسود ونيتها الخبيثة.. اختفت مروة منذ هذه اللحظة عن الانظار والحياة.. إلي الأبد!
قتيلة!
بعد نصف ساعة.. تردد النداء الحزين في شوارع القرية:
دب الرعب في قلوب أهالي القرية البسطاء .. ظنوا أنها اشاعة.. أو خبر مغلوط.. فالقرية معروف عنها هدوؤها.. هرعوا إلي حيث مكان الخبر لتصدمهم المفاجأة المثيرة.. شاهدوا المشهد الذي لن يغيب عن ذاكرتهم مدي الحياة.. مروة التي كانت تلعب وتلهو وتضحك كأنها قمر صغير منذ دقائق بينهم.. ها هي نفسها ترقد علي الارض جثة هامدة وسط بركة من الدماء!
أبلغ أهالي قرية 'بيلفيا' العميد أحمد شعراوي مأمور مركز شرطة بني سويف بالحادث.. يتوالي وصول رجال المباحث إلي مسرح الحادث تباعا بعد اخطارهم.. العميد حاتم عثمان مدير مباحث بني سويف يقف بجوار بقعة دماء كبيرة بجوار العشة.. ثم يأخذ نظراته خيط من الدماء علي مسافة مترين استقرت بعدها جثة مروة.. آثار ذبح عنقي كبير من مقدمة رقبتها بنسبة 50 % عن رأسها!
ضباط المباحث يمسحون مسرح الحادث بحثا عن أي أداة أو محتويات تقود إلي الجناة.. وكشف غموض الجريمة!
من القاتل؟!
من هو صاحبة المصلحة في قتل مروة؟!
سؤال آثار دهشة وذهول العقيد سيد جاد الحق رئيس المباحث الجنائية ببني سويف وهو يواصل عمله.. فالصغيرة ماذا فعلت للجاني لتستحق هذا العقاب البشع؟!
لا وقت للتفسيرات فالجريمة هزت أعماق أهالي القرية وحولتها إلي أطلال قرية هزمها الحزن وعشش في دروبها!
فريق من الضباط يقوده المقدمان سيد عقولة ومصطفي الدرديري مفتشا المباحث يتولي مناقشة اصدقاء ومعارف والد الطفلة القتيلة.. فالاب كان محبوسا حبسا احتياطيا منذ أكثر من ثلاثة أشهر لاتهامه في قضية احراز كمية من البانجو رغم أنه انسان بسيط.. كان يعمل بعربة كارو صغيرة لينفق علي زوجته وبناته الاربع أكبرهم مروة.. ومن المفارقات الغريبة التي لفتت انتباه فريق البحث.. هي تزامن وقوع الجريمة مع وقت الافراج عن والد الطفلة علي في نفس اليوم!
لكن.. مناقشات أصدقاء ومعارف الاب لم تسفر عن تورط أحدهم.. وفي نفس الوقت ينتهي فحص المقدمين طارق بحر وعماد شاكر وكيلي المباحث لعدد كبير من المسجلين خطر والمشتبه فيهم والمعروف عنهم ارتكاب مثل هذه الحوادث علي مستوي مراكز المحافظة الي عدم ثبوت التهمة علي أحدهم!
ومن ناحية أخري.. تؤكد التحريات أن الفتاة تنتمي إلي أسرة بسيطة لاتربطها عداوات بأحد.. ووالدها يعيش مع اخوته الثلاثة ووالديه في منزل وأحد بالقرية.
يعرض نتائج الفحص علي اللواء يسري نور مساعد وزير الداخلية مدير أمن بني سويف.. يطلب من مدير المباحث التركيز علي نقطة هامة ستكون بمثابة خيط هام لكشف الحقيقية.. وهو رصد آخر مشاهدات للمجني عليها حتي اختفائها عن الأنظار!
شاهد.. آخر لحظة!
تسفر جهود المقدم أحمد صادق رئيس مباحث مركز بني سويف ومعاونة الرائد محمود حاتم عن مفاجأة مثيرة.. حيث توصلا إلي شاهد رؤية من نفس القرية.. اكد انه شاهد مروة قبل الساعة الثانية ظهرا تسير في طريق الزراعات المؤدي إلي مسرح الجريمة بصحبة عمتها وعزة.. وخلفهما أحمد خطيبها.. عندما سأل مروة:
انت رايحة فين؟!
اشارت إليه بيدها اليمني مع عمتي !
بعدها بنصف ساعة وقع الحادث!
الحقيقة تقترب.. عدالة السماء تنزل عدلها لتثأر لدماء الطفلة البريئة.. يلقي النقيبان أحمد بدير ومحمد توفيق معاونا مباحث المركز القبض علي أحمد.. بمواجهته بالتحريات وشاهد الرؤية.. لم يستطيعا الانكار.. طلب مواجهته بعزة ليكشف الحقائق والأسرار!
يلقي النقيب محمد النادي القبض عليها.. أمام فريق البحث يتباري القاتلان في كشف أسرار الجريمة.. أكد أحمد أنه خطيب عزة منذ عدة أشهر بعد علاقة حب ساخنة بينهما ترجع إلي العامين السابقين.. ووصلت هذه العلاقة إلي لقاءات محرمة بينهما في أماكن مختلفة.. منها منزل والد عزة التي كانت تستدعيه لإقامة هذه العلاقة.. ثم اعلنا خطبتهما.. وكان محددا موعد عقد القران والزفاف بعد يوم مقتل مروة بثلاثة أيام فقط.. وأعدا منزل الزوجية ودعاوي المعازيم.. واكتملت الفرحة بخروج علي من الحبس يوم الجريمة لكن قبل الجريمة بخمسة أيام.. كان أحمد وعزة غارقان في لقاء حب محرم بمنزل والد عزة في غيبة الأسرة.. شاهدتهما الطفلة مروة.. هنا.. أسرع أحمد لمحايلتها واهداها جنيها ليشتري سكوتها. لكن عزة لم تهدأ نارها.. نار الانتقام من الصغيرة.. أمرت خطيبها بالتخلص منها.. لكنه رفض اكثر من مرة.. فعادت تهدده انهما سيتعرضان لخطر داهم اذا أبلغت مروة ابيها بعد خروجه من السجن بما حدث.. ممكن أن يقتلها هو وأخواه.. ثم عادت لتبلغ أحمد انها أعدت خطة الخلاص.. وحددت الموعد يوم خروج علي من السجن.. فهي آخر فرصة لاعدام مروة!
وأضاف القاتل.. أن يوم الحادث تولت عزة استدراج الصغيرة بحجة شراء مستلزمات احتفال الأسرة بأبيها.. وأحضرت له (قطر) كبير ليذبحها به.. واختارت أيضا مكان الاعدام.. وداخل العشة.. كشفت عزة عن قبحها امسكت بشعر مروة بيد.. وكتمت انفاسها بيدها الأخري.. ثم قام أحمد بذبحها.. ثم تركاها جثة هامدة وهربا.. وعندما سمعا بخبر مقتلها أخذا يبكيان عليها بحرقة!
تم تحرير محضر بالواقعة.. وأحيل القاتلان إلي نيابة مركز بني سويف.. وتولي معهما التحقيق محمد يوسف وكيل النيابة باشراف رمضان محمد مدير النيابة الذي أمر بحبسهما علي ذمة التحقيقات.. ووجه لهما تهمة القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد والاتفاق الجنائي.. وصرح بدفن جثة الصغيرة مروة بعد تشريحها بمعرفة الطبيب الشرعي.
صدمة العمر!
كانت الصدمة مازالت محفورة في ملامح والدي الطفلة المسكينة.. الدموع تنساب من عيونهما كالشلالات.. قالا لنا في صوت حزين:
حسبنا الله ونعم الوكيل.. يارب انزل انتقامك علي القتلة اللذين حرمانا من أغلي شيء في حياتنا وهي تعيش أحلي لحظات حياتها.. مروة!
[/align]
رد مع اقتباس
