التعصب الرياضي أسبابه وآثاره وعلاجه

أخي القارئ كم مرة شاهدت قبل أو أثناء أو بعد خروجك من مباراة بين فريقين سواء كانا مشهورين أو مغمورين مشاجرة أو مشاحنة أو تقاذف بالألفاظ النابية بين جماهير الفريقين ، هل تذكر ذلك البرنامج التلفزيوني الشهير على أحدى القنوات الفضائية الذي يتفنن في إختلاق المشاكل وذلك عن طريق دعوة الضيوف ذوى الميول الرياضية المختلفة ، والمعروفين بتعصبهم المفرط ، وتجد أحد الضيوف يتطاول على نادي والآخر يرد بحده ويصل الأمر إلى التهكم والسخرية وتبادل الشتائم المبطنة أو الواضحة. بماذا تستطيع أن تصف ما سبق؟

لا تذهب بعيداً في التحليل هذا ما يعرف بالتعصب الرياضي بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، فالتعصب يعرف بأنه الميل الواضح ذى الاتجاه الاحادى نحو شئ معين قد يكون نادي رياضي وقد يكون غيره وينعكس ذلك الميل على سلوكيات وتصرفات وأقوال الفرد نحو الآخرين إما بالمولاة المطلقة أو البغض والكره المقيت ، وهذا ما يؤدى به في كثير من الأحيان إلى التعدي على الآخرين ومصادرة حقوقهم وإطلاق الأحكام تبعاً لتلك الميول.

تعتبر بعض من وسائل الإعلام بشكل عام من أكثر أسباب التعصب الرياضي تأثيراً في الرأي العام وأختلاقاً للمشاكل بين الجماهير ، من خلال توظيفها جميع الوسائل والسبل الممكنة للكسب المادي على حساب الحقيقة إضافة إلى زرع الفتنة ونشر الشائعات دون أدنى درجة من الدقة والتثبت من تلك البيانات والتي قد يكون مصدرها شخصاً ممتلئا بالعصبية الجوفاء ، فأصبحت تلك الوسائل الرياضية لها غثاء كالسيل بدون فائدة حقيقية للمتابع أو القارئ أو المجتمع أو الوطن بشكل عام ، فانصرفت جهودها من التركيز على الجوانب الفنية الأساسية التي تساهم في تطوير الكرة السعودية والمنتخبات الوطنية عبر التشخيص الدقيق والتوصيات المناسبة إلى التركيز على كل ما هو خارج نطاق الملعب من انتقاد الحكام بهدف الضغط عليهم ودفعهم إلى اتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة أنديتهم التي يتعصبون إليها ، أو اتهام اللاعبين وانتقادهم بهدف التأثير على مستوياتهم وإضعاف شعبيتهم الجماهيرية من خلال اختلاق القصص غير الواقعية.
ومن ضمن الأسباب المؤدية للتعصب ما يمارسه بعض أعضاء الشرف بالأندية من دور خفي يتمثل بإيعاز بعض الكتاب لإثارة مواضيع وأحداث معينة تخدم أنديتهم ومصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة ، يضاف إلى ذلك ضعف مستوى الإدراك لدى بعض الجماهير الرياضية نتيجة أما لصغر السن أو انخفاض المستوى التعليمي أو قلة الوعي.

يمتد تأثير التعصب على المستوى الفردي و الاجتماعي و الاقتصادي والأمني ، فعلى المستوى الفردي يتضح ذلك في تصرفات وسلوكيات الجماهير من خلال الهتافات والشغب والمشاجرات والشحناء والبغضاء مما قلب المتعة إلى كآبه ، إما على المستوى الاجتماعي فكم من أسرة انتهت رحلتها بالانفصال وكم من روابط اجتماعية تقطعت أواصرها بسببه ، واقتصاديا استفادت بعض الشركات والمحلات والمؤسسات على حساب أخرى بسبب شائعات ميول إدارتها الرياضية ، إما امنياً فكم استنفرت الجهات الأمنية قواتها وصرفت وقت أفرادها للحفاظ على الأمن داخل الملعب أو متابعة ومراقبة الوضع خارجه ، وكم من الجهد بذلته تلك الجهات في مواجهه التصرفات الرعناء أو السلوكيات الخاطئة .
فأصبحت البيئة الرياضية بيئة طاردة للمواهب والكفاءات لما يشوبها من إساءات واتهامات متبادلة بين جميع الأطراف ، مما اجبر تلك المواهب والكفاءات على الابتعاد حفاظا على كرامتهم ، بل تعدى الأمر إلى ماهو اكبر من ذلك بأن أصبح الولاء للنادي أكبر من الولاء للمنتخب ، فأي فائدة ترتجى من وراء تلك الوسائل الإعلامية غير مساهمتها الفعالة في الإخفاقات المتوالية للمنتخبات والأندية في مشاركاتها الخارجية ، كل ذلك قليل من كثير من الآثار والعواقب الوخيمة المترتبة على التعصب الذي نهى عنه ديننا الإسلامي الحنيف والمطهر قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات ﴿6﴾


إن علاج تلك الظاهرة المتفشية في مجتمعنا الرياضي لا يأتي إلا من خلال العمل الجاد والهادف لبناء وسط رياضي سليم فكرياً وأخلاقيا وذلك عن طريق اختيار الأشخاص المؤهلين أكاديمياً سواء محللين أو صحفيين أو مسئولي الأندية ممن يمتلكون زمام الحكمة في التعامل مع المواقف والأحداث المختلفة ، وكذلك إعادة صياغة رسالة ورؤية وأهداف وسائل الإعلام الرياضية إذا كان لديها رسالة ايجابية أصلاً ، أيضا التركيز على بث الوعي لدي طلبة المدارس وتحفيزهم بطرق إبداعية غير تقليدية .