أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


نقد وجهة نظر الغائب في القصص التي تجعل رسول الله شخصية أدبية (الجزء الأول)
(1)
هل يصبح الأديب باحثا؟
نعم.
متى؟
عندما يرغب في كتابة قصة تاريخية.
كيف؟
يقضي زمنا في الإعداد لعمله الروائي بجمع المادة التي سيصنع منها عمله الأدبي من مظانها المعلومة لأهل العلم.
كيف؟
إذا كان عمله الأدبي سيتناول قائدا عسكريا جمع الكتب التي ألفتها هذه الشخصية إن وجدت، أو المذكرات التي تركتها إن وجدت، ثم يبدأ رحلة استطلاع واسعة يحاور فيها من اتصل بهذه الشخصية، ثم يحاور المتخصصين؛ لأنه سيستخدم مصطلحات فنية متخصصة، و...إلخ.
وتضاف إلى هذه المصادر الشخصية نفسها إذا كانت حية، فيحاورها.
ويظل هكذا حتى يشعر أن مادته قد اكتملت.
لماذا؟
حتى تضيق المساحات المتروكة في عمله، فتقل المواقف الأدبية التي يخترعها ليكمل بها تلك المساحات المتروكة في المادة.
(2)
وكلما سمت الشخصية وارتقت زاد خطر عمله وزاد جهده البحثي الإعدادي قبل بدء عمله الأدبي الذي يرتب فيه الأحداث ويرسم الشخصيات ويحكم البناء الفني ويحدد حبكته و... إلخ.
لماذا؟
هل يطالب الأديب أن يكتب تاريخا؟ أم هل يطالب بإنتاج الأدب؟
أرى أن الأدب لا يصادم التاريخ.
كيف؟
إن الأديب يلجأ إلى التاريخ لأسباب عديدة؛ منها أنه أحب تلك الشخصية، ومنها استخدام تلك الشخصية رمزا لشيء معاصر له فيسقطه عليه، ومنها ... إلخ.
وهو في كل ذلك ينتظم عمله من مادة علميه تحتوي معلومات وبنية أدبية تعيد تشكيل هذه المادة العلمية، وليس من حقه أن يدخل عنصرا زائدا في المعلومات وإن كان هناك أدباء ونقاد يرون أن الأديب حر في اختراع ما يراه خادما لرؤيته الأدبية.
(3)
السابق في القصص التاريخي الذي يتناول الشخصيات التاريخية غير المقدسة، فماذا لو حاول أديب أن يتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وماذا لو حاول أديب أن يتحدث عن أمهات المؤمنين؟ وماذا لو صنع عملا جمع فيه بين الرسول صلى الله عليه وسلم والسيدة خديجة رضي الله عنها؟
في عمل كهذا ماذا يجب على الأديب في إعداده؟ وماذا يجب عليه إذا بدأ في البناء الفني؟
إذا كان أديبا ملتزما بالإسلام مستحضرا حرمة النبي صلى الله عليه وسلم سيكون الأمر مختلفا عما إذا كان الأديب غير ذلك؟
كيف؟
إذا كان ملتزما فستطول مرحلة الإعداد على النحو الآتي:
1- يجمع الآيات القرآنية والأحاديث والآثار التي ستمثل مادة عمله من كل المظان من كتب الأحاديث والتفاسير والسيرة و... إلخ.
2- يختار الأحاديث الصحيحة والحسنة إذا كان قادرا، وإلا لزمته الاستشارة العلمية الدائمة حتى ينتهي عمله من متخصص في علم الحديث أو أكثر من متخصص.
3- يقرأ تفسير الآيات التي جمعها في أكثر من تفسير، ويقرأ شروح الأحاديث التي اختارها في أكثر من شرح.
لماذا؟
حتى يتشبع بالروح الإسلامية التي تجعله يتمثل ما يجب تمثله، حتى إذا اضطر إلى أن يصف أو يجري حوارا لم يبتعد عما يجب.
4- بعد أن يطمئن إلى صحة مادته التي سيبني منها عمله، وبعد أن يطمئن إلى أن ما يجول بذهنه الأدبي أصبح ملائما- يبدأ بناء العمل الأدبي.
5- يبدأ عمله الأدبي مراعيا عدم اختراع حوادث لم ترد، ومراعيا جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الشخصية الرئيسة وإن غابت عن بعض الأحداث، ومراعيا ألا يجري حوارا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد وإنما يجريه للضرورة الأدبية فقط، و... إلخ.
6- بعد أن يكتمل عمله الأدبي يراجعه مرة ومرة حتى يقيم بناءه الأدبي على ما يجب على المسلم تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجاه أم المؤمنين.
7- يبدأ رحلة استشارة شرعية وأدبية حتى يطمئن إلى أنه لم يتجاوز.
(4)
هذا ما يجب على من أراد أن يكتب قصة أدبية عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين، فهل فعل مؤلف قصة "السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها" ذلك؟
تعالوا معا نستعرض الإجابة من سمات العمل الأدبي الذي جمع بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأمنا خديجة، وقررته وزارة التربية والتعليم بجمهورية مصر العربية على تلاميذ الصف السادس الابتدائي- لنرى كيف صنع الرجل؟
(5)
أولا- الفكرة
كتب المؤلف الأستاذ أحمد محمد صقر على غلاف كتابه الأول "نموذج للمرأة المسلمة، السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها" وهذا هو الواقع الذي يعلمه الجميع، والذي يوهمنا أن الأستاذ أحمد صقر قصد الكتابة عن أمنا خديجة ليجلي سماتها للتأسي، فهل استمر عليه الأستاذ أحمد صقر؟
لا.
كيف؟
كتب في التقديم ص ص 3-4 ما ينسف السابق.
ماذا كتب؟
كتب موضحا فلسفة عمله مختزلا السيدة خديجة أم المؤمنين في كونها امرأة عربية تقدم مثالا للمرأة العربية التي تعيش واقعا يعلمه الجميع من اغتراب في العرف والعادة والتفكير والأمل والطموح عنها.
قال: "... فيسرنا أن نقدم نموذجا للمرأة العربية المسلمة".
نراه هنا تراجع عن كون السيدة خديجة نموذجا للمرأة المسملة، فقيدها بالعربية مما جعلها تترك حيزا كبيرا مما كان لها في الغلاف.
قال: "... ردا على من يظلمون الإسلام ويدعون أن المرأة العربية في ظل الإسلام لا تصلح إلا للبيت، وأن الإسلام يمنع المرأة من المشاركة في الحياة العامة والعمل".
نراه يزداد تراجعا ويخلصها نموذجا للمرأة العربية بعد أن حذف وصف "المسلمة".
أما قضية عمل المرأة فهي موضوع كامل ليس هذا مكان مناقشته، لكن يلزمنا أن نشير إلى أن إدارة أمنا خديجة أعمالها لم يكن كما تفعل سيدات المجتمع الآن.
قال: "المرأة العاملة التي اقتحمت سوق العمل".
وهنا ينقض ما سيحكيه هو من أحوال توضح أن العمل أقحم عليها نظرا إلى وفاة والدها وزوجها لا أنها هي التي اقتحمته؛ فهذه مغالطة.

قال: "الأم التي أحسنت تربية بناتها وأهلتهن ليكن مثلها في تحمل المسئوليات ويشرفن وطنهن".
زج بالوطن حيث لا مكان له؛ فإن السيدة خديجة لم يدر بخلدها وطن، إنما كان همها إسلام ودين ودعوة.
وهل يتعارض الإسلام مع الوطن والوطنية؟
هذه قضية ليس هذا مكانها، لكن الوطنية إذا انفردت صدمت الإسلام كما عايشنا ذلك بعد أن أثار الاستخراب المسمى استعمارا أمر الوطنيات والقوميات؛ مما جعل الوطن قبل الإسلام، ومما جعل المسلم يحارب المسلم تحت راية غير المسلم؛ لأن هذا من وطن وهذا من وطن.