السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبدأ بهذا الموضوع بعد انقطاع لفترة من الزمن لظروف خارجة عن إرادتي اتمنى الفائدة للجميع
رفقاً بهم
إن عند الناس من الهموم ما يكفيهم ، وهم بحاجة إلى من يواسيهم لا من يعنفهم ، وعلينا الآ ننسى أن البشر مخلوقات عاطفية ، تجذبهم الكلمة الطيبة ، وينفرهم التوبيخ والتقريع ، وعند كل واحد منهم ، من الاعتداد بنفسه ومواهبه وإمكاناته ما يجعله يرى في الكلمة القاسية عدواناً على كرامته ومجاله الخاص .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في سياق ما يحتاجه الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر : فلا بد من هذه الثلاثة : العلم والرفق والصبر ، العلم قبل الأمر والنهي ، والرفق معه ، والصبر بعده .... وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ، ورووه مرفوعاً ( لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، إلا من كان فقيهاً فيما يأمر به ، فقيهاً فيما ينهى عنه ، رفيقاً فيما يأمر به ، رفيقاً فيما ينهى عنه ، حليماً فيما يأمر به حليماً فيما ينهى عنه ).
والداعية إلى جانب إيثاره الكلمة الرقيقة والأسلوب العذب ، يؤثر أيضاً التشبيهات الجميلة ، ويبتعد عن الأمثال والتشبيهات القبيحة ، وقد سمعت من يشبه لاقطات التلفاز على أسطح المنازل ، بالرايات التي كانت تنصبها المومسات على بيوتهم في الجاهلية !!
قلت : كيف لو رأى الأطباق اليوم – وهذا كلام الصمت خير منه بكثير !
إنما قولنا : هذا خلاف الواقع ، يؤدي عين المعنى الذي يؤديه قولنا : هذا كذب ، لكنه أرفق وألطف .
وإن قولنا : ما رأيكم لو عملنا كذا ، ألطف من قولنا : أعملوا كذا ، وكفوا عن كذا ....
إن صيغة الأمر والنهي ، لم تعد مقبولة في كل موضع ، فالحضارة الحديثة وسّعت دائرة الخصوصيات والحرية الشخصية ، إلى أبعد حد ممكن وإن من واجبنا أن نشعر المخاطب أننا لانتعدى على أي منهما .
فالرفق الرفق ( من يُحرم الرفق يُحرم الخير كله ) صحيح مسلم .
ويقول الله تعالى : ) ... ولو كـُنتَ فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك (
( قال سيد قطب رحمه الله ، حول ظلال هذه الآية )
( فالناس في حاجة إلى كنف رحيم ، وإلى رعاية فائقة ، وإلى بشاشة سمحة ، وإلى ود يسعهم ، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم ، في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ، ولا يحتاج منهم إلى عطاء ، ويحمل هموهم ، ولا يعنيهم بهمه ، ويجدون منه دائماً : الإهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضا ..
وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا كانت حياته مع الناس ، ماغضب لنفسه قط ، ولاضاق صدره بضعفهم البشري ، ولا احتجز لنفسه شيئاً من أعراض هذه الحياة ، بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية ، ووسعهم حلمه وبره وعطفه ، ووده الكريم ، وما من واحد منهم عاشره أو رآه ، إلا امتلأ قلبه بحبه ، نتيجة لما أفاض عليه r من نفسه الكبيرة الرحيبة .
هذه صفات نبينا محمد r الذي أمرنا الله عز وجل بالتأسي به ، واقتفاء أثره وهي نموذج لكل داعية يريد دعوة الناس إلى الخير ، ويحببهم فيه ، ولكن مع ذلك بعضنا يفرّط في هذه الصفات ، ويصدر منه من المواقف والتصرفات ، ما ينم عن الغلظة والفظاظة وعدم الحلم ، وسعة الصدر متمثلاً في تقطيب الوجه وانقباض النفس والتعنيف على الأخطاء ، وفقدان الرفق والأناة ومعلوم ما ينتج عن ذلك من نفرة الناس ، وكرههم لمن هذه أخلاقه ، فوق ما في ذلك من الإثم وحرمان الأجر .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( لا تحقرن من المعروف شيئاً ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ))
وثمة شئ آخر يتعلق بهذا الموضوع ، ألا ما درج عليه بعض المربين ، والموجهين من الدعاة من القسوة على من معهم وتربيتهم على التقليد الأعمى ، وعدم السماح لهم بإبداء آرائهم ، ومعارضتهم ، وقفل باب التشاور معهم .
وهذه الطريقة الخاطئة من التربية ، تفرز لنا دعاة مقلدين متعصبين ، منفذين لما يقال لهم بدون بصيرة ، وهذه في الحقيقة تربية عبيد لاتربية قادة ، وهذا يخالف قوله تعالى : ) قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين (
منقول