حسان والتاجر هامان
{تأليف هبه البسيقي}
كان يا ما كان , كان فيه زمان ولد يدعي حسان , كان يخرج كل يوم يرعى الأغنام , وبصحبته كلبه الوفي {دان دان} يخرجان مع شروق الشمس ويعودان مع غروبها . وكان من عادة حسان أن يعزف على الناي أشجى الألحان , بعد أن ينتهي من تناول الطعام الذي أعدته له والدته وهي تودعه في الصباح . وعندما يعود في المساء يحبس الأغنام , ويجلس مع والدته لتناول العشاء وبعد أن ينتهيا , يعزف لها ما تمرن عليه في النهار عندما كان يرعى الأغنام . ولأن حسان كان يحب عمله , ولا يتهاون في رعاية الأغنام , غدت أغنامه تكبر وتنتج . يجز حسان صوفها لتغزله أمه , ويبيعه هو في السوق . حتى أصبح معروفاً في السوق يتهافت عليه من في السوق ليشتري منه الصوف المغزول
استمر الحال هكذا , إلى أن جاء يوم من الأيام وهو عائد من السوق بعد أن باع الصوف واشترى ما يحتاجه من طعام ومعه كلبه {دان دان} في طريقه إلى البيت , قابله رجل مسن ذو لحية بيضاء طويلة يتكأ على عصا غريبة , ويلبس أيضاً ملابساً غريبة تدل على أنه ليس من أهل المدينة . هكذا إعتقد حسان . نادى الرجل العجوز حسان , وطلب منه بعضاً من الطعام , وشربة ماء . ولأن حسان ولد طيب القلب , أخرج له ما معه من طعام وشراب , وبعد ما انتهى الرجل من طعامه , قال لحسان : أنت ولد طيب وكريم . وشكره وتابع طريقه وهو يردد : وما جزاء الإحسان إلا الإحسان , سألقاك يوماً فأرد لك الجميل . رجع حسان إلى بيته , وحكى ما جرى لأمه وهما يتناولان طعام العشاء , فأثنت على صنيعه , وطلبت منه أن يذهب لينام ليبيع بعض الأغنام في الصباح . سمع حسان الكلام , وذهب لينام وعندما استيقظ وودع أمه , ساق أمامه الأغنام , وشق طريقه إلى السوق
وبينما هو في الطريق , قرر حسان الذهاب إلى سوق البلدة الكبير , لعله يكسب أموالاً أكثر . ولكن كان في ذلك السوق تاجر شرير يدعى هامان , يشتري بثمن بخس , ويبيع بأغلى الأثمان . يغش في الميزان , ويخدع الناس . ولأن حسان لم يكن يعرف شيئاً عن هامان , فباع له ما معه من أغنام . وبعد أن أتفقا على ثمنها , تحايل هامان على حسان بمعسول الكلام , وادعى بأنه لا يملك هذا المال الآن , وأنه سيعد له المال في الغد . فصدقه حسان وعاد إلى أمه بدون المال , ولا الأغنام , وحكى لأمه ما كان مع هامان . فقالت له : لقد خدعك يا حسان ولن يعطيك المال ولن يرد لك الأغنام . وصدق كلام أمه . فعندما عاد في الغد إلى هامان تنكر له وقال : لم آخذ منك أية أغنام ولم أعدك بأي مال . رجع حسان حزيناً , فاستراح قليلاً مستظلاً بشجرة , وكلبه {دان دان} يداعبه ولا يلتفت إليه حسان . فأخذ الكلب يشد جيب حسان , حتى أخرج بفمه الناي , ورماه بين يدي حسان . عندها نظر حسان إليه بحنان , وأمسك بيده الناي , وشرع يعزف الألحان . ولكن هذه المرة كان اللحن به كثير من الأشجان
لكنه توقف فجأة لأنه قرر العودة مرة أخرى , ليس إلى التاجر هامان , بل إلى القاضي سلمان , يشتكي له هامان وما قام به معه من غش وخداع . فاستدار راجعاً مع كلبه {دان دان} متوجهاً إلى بيت القاضي سلمان . وعندما دخل , وجد أمامه الرجل المسن ذي اللحية البيضاء . سأله مندهشاً : إنك أنت القاضي سلمان ؟ قال : نعم أنا هو وقد أحسنت إلى من قبل وجاء الوقت لأرد لك جميل صنعك . قابله القاضي سلمان بترحاب , وبعد أن سمع منه شكواه , أرسل في الحال من يأتي له بهامان , ولكن بعد أن يبلغه بأن يحضر معه كل ما عنده من أغنام , وبأن القاضي سلمان سيعطيه فيها ما يطلب من أموال . أسرع هامان يجمع الأغنام , وقد بان على وجهه حبه الشديد للمال . وبعد أن وصل هامان , وبات بين يدي القاضي سلمان , ووجد عنده حسان , بان على وجهه الخوف والاضطراب , وبات أكيداً أنه وقع في شر أعماله . فلم ينكر ما قاله حسان . عندها أمر القاضي بحبس هامان , ورد الأغنام إلى حسان . وأمر له بكيس من المال جزاء لما قام به حسان بمساعدته وهو لا يعرفه . وقال له : وما جزاء الإحسان إلا الإحسان . عاد حسان مع أغنامه وكلبه {دان دان} ليعيش مع أمه في حب ووئام , وعاد يعزف مرة أخري على الناي أجمل الألحان