النتائج 1 إلى 12 من 12

الموضوع: ذات ... حُـلـم

  1. #1

    أبو حامد

    الصورة الرمزية إبراهيم الحارثي
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    الهيئة الملكية بينبع
    المشاركات
    2,690

    ذات ... حُـلـم



    بوابات الطائف القديم ... موية الزير ... بنت الجيران ... المنتو .. الهريسة .. الحلقوم ... البليلة .. أغاني صباح فخري ... عزف محمد السنبوسك ... أشعار الجدات القديمة ... تراتيل الشيوخ الصادرة من مآذن المسجد الملاصق لبيتنا ... سور المدرسة ... عم عبدو... هورية المشمش ... صمت المقابر ... زقاق هديه ... ألوان السماء ... المفرقعات الممنوعة ... طلال مداح .. حارة أسفل ... أكياس الماء .. برحة ابن العباس ... الصخب ... الذبول ... القهر... النمو ... كلها عادت من جديد..


    كقطرات الندى التي تلتصق بوجه القمر .. بلون الضباب الذي يلون مدينتي الصغيرة... بحجم الفضاء المتسع الذي لا يضيق إلا بالساكنين في البيوت المجاورة ... تمردت كل اللحظات ... مرت الأيام كالحُلم الجميل ... وعادت التفاصيل القديمة تركض بجوار عقلي كريح مسرعه... أتذكر كل تفاصيل هذه الحكايات الصغيرة .. وأرحل معها صوب المحسوس ... تتقاطع في وجهي ملايين الحكايات .. ينشأ بينها رابط عجيب ... يجمعها تحت تعاويذ الطفوله .. وطقوس البراءة ... حلم نسجته لي الأيام وأهدته لي على طبق مزخرف بالتراتيل التربويه ... والعقد التي لم تجد حلولا إلى الآن ...


    كانت مساحات اللقاء الشاسعه ... تمتد من الفراغ .. وحتى حدود الحُلم الذي يسكن مخيلتي ... كانت أحلامي بريئة .. هشة ... لزجه ... لا تعترف إلا بالأمنيات ... ألعابنا التي تحتوي شقاوة طفولتنا ... كانت معبرة ... تزيح عنا كل السخط الذي لا نتحمله ...
    بدأت رحلتي إلى المدينة الملتهبة... وإلى الزخم السكاني المريب ... منذ تكون أطرافي ...كان وجهي قروي يلهبه الظمأ ويجتاحه الخوف .. وتلثمه الدهشة التي سيطرت على كل تفاصيله ... بجفاف جلد كان يكسو تراكيب جسدي ... كانت أحلامي تغرس تفاصيلها في هذا الجلد الممتلئ بالقحط ... والجروح ...والدمامل ... فرحت جدا عندما احتضنتني مدينتي التي كنت أسمع عنها في المذياع الذي تسابقت عليه العناكب لبناء منازلها بينه وبين الجدار المصفر ...المعفر الرائحة ... ذو نكهة أشبه بحليب الماعز المخنوق بالريحان ... كنت أتذوقه كثيرا لا لشيء ... ولكن متعة الطفولة تكمن وراء تجريب كل شيء ... حتى لعق الجدران الصامتة ... لعل طعمها يخفف علي.. وطأة الصمت العنيف ...الذي يسكن كل قرية أوت ساكنيها...


    رأيت ذات حُلم ... أن الأيام المرة ..لا يمكن التخلص منها ... إلا بالاندماج مع مجتمع مدني ... يوفر لك أقصى ما تتمناه من أحلام ... كان امتداد ظلي قصيرا ... قزما ... ملتحفا بستار الانبهار بمجتمع مدني...مزدهر


    كانت المدينة... عرس جميل ...تزهو بها روائح الورد..والأطفال ... والأغاني القديمه ... ( آه يا حلو يا مسليني ... يالي بنار الهجر كاويني... من كثر خوفي عليك ما بنام.... ) كثيرا رددت هذه الأغنية ...وغنّيّتُها مع كل أترابي الذين يتسابقون خلف سيارات المبيدات الحشرية ..التي كانت أشبه بمدافع حربية نظرا لتحذير والدي من العبث ... أو الجري معها .. أو خلفها ... أو فوقها ...


    كنت سريع الانصهار في هذا المجتمع ... شديد التصلب في أخذ القرارات ... سريع الانتشار عندما نلعب بأي شيء ... حتى بأكياس الماء التي نتراشقها بعد كل يوم دراسي رتيب ... عرفت كل من يسكنون بجوارنا في فترة وجيزة ...وتأقلمت معهم بنكهتي الجبلية الفظة ...


    تذوقت لأول مرة في حياتي كل ما تمنيت أن آكله بمجرد أنني سمعت عنه ... كان عم عبدو أفضل من يعد البليلة الممزوجة بالخل .. وقطع تشبه الطماطم .. لكنها اتضحت لي في آخر الأمر .. أنها صبغة لجزر قام العم ببشره وتلوينه بهذه المادة الحمراء ...


    كانت بنت الجيران تزود بيتنا بشكل دوري أنواع المأكولات الرائعة... لأن والدها يجلب الكثير منها فيقوم بتوزيعه على الجيران ... بغية منه في توطيد أواصر المحبة ... بيننا ... باعتبار أننا عائلة واحدة ... وأسرة واحدة ...


    ( ومن الشباك ... لأرمي لك حالي ... ومن الشباك ... لأرمي لك حالي .... ) كانت هذه الأغنية تسبح في فلك أذناي المهشمتين التي لم تعتاد إلا على سماع صرير الحشرات العازفة .. وتطارد أصوات المولدات الكهربائية العنيفة ... كانت أذني موسيقيه ... ( أتوقع ) ... لأنني كنت أخلط الأصوات وأؤلف من هذه الأصوات مقطوعه ... لا يجيد عزفها إلا أنا ... فقط


    كان التلفاز بحد ذاته ... قمة الدهشة التي تملكتني ... ولكم أن تَصِفو علاقتي مع هذه العلبة التي تعرض صورا متحركة ... لعل أبرز شيء كان يقوله لي أحدهم .. أن رجلا قام بسجن كل هذه الشخصيات داخل هذا الصندوق وأنه يجب علينا إطعامهم كل يوم حتى الإشباع .. وطريقة الإطعام تتم بشكل يومي ... بعد صلاة العشاء مباشرة ... لم أصدقه .. لأنني كنت حينها أدرك أن التلفاز هو مادة إعلامية مثله مثل المذياع ... لكنه يختلف بأنه يعرض الصوت والصورة ... في آن واحد


    كنت أجوب الطرقات بحثا عن كل جديد ...انطلقت كثيرا في أزقة المدينة القديمة ... زقاق هديه هو من حفظ طرق قدمي فوق ظهره ... وهو من حملني زمنا ... دون سخط ... أصوات المآذن تشرح صدر كل من يستمع لها ... وألوان المساء تغريك بأن تبكي .. عند النظر بها لمجرد الاستمتاع ... كان الحديث كثيرا مع نفسي وكانت المدينة تلهب فكري ... وكانت المقارنات ... تجعلني دائما .. أحب مدينتي الصغيرة ... وكنت أحكي لكل سكان قريتي ... أن المدينة .. أجمل ... في كل حالاتها

    شكرا للمصورة لينه بنوب على هذه الصورة

  2. #2

    مشرفة سابقة

    الصورة الرمزية عاشقة الفردوس الأعلى
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    5,606

    رد: ذات ... حُـلـم

    إبراهيم الحارثي

    تجيد سرقتنا من أنفسنا لتدخلنا مع حروفك جواً لا نظير له

    قلم تعودنا جماله وأحببناه

    سلمت ودمت

    تحيتي

  3. #3
    مراقبة سابقة الصورة الرمزية سـامـيـه
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    ~ الـود و الأشـواق ~
    المشاركات
    6,775

    رد: ذات ... حُـلـم

    رائعه تسمو بحس مرهف
    دمت ودام نبض قلمك

  4. #4
    ~ [ نجم صاعد ] ~ الصورة الرمزية عشان قلبك
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    52

    رد: ذات ... حُـلـم

    ياااه ياابراهيم
    قلم روائي كبير وأبصم بالعشر على ذلك ..


    أخذتني إلى هناك ورسمت لنا بحرفنة لوحة متكامله
    أرى معالمها وألوانها ,صدقها وفي أي حقبةٍ كانت ..
    رأيت كل الجوانب فيها ’ الذي تحبه والذي مقته وكرهته
    رأيت الأبيض والأسود , المبكي والمفرح ..



    دعني أخبرك شيئاً ..

    سيشتعل الحنين بداخلك لتلك الأماكن , وستحاكيها كثيراً , ولن يخلد بذاكرتك إلا هذه الأيام
    وهذه الذكريات حتى لو كانت بائسه ..
    وكلما ابتعدت أكثر ستشدك نحوها أكثر ,, لأن جذورك هناك

    بالرغم من بساطتها وفقرها جفافها وهدوئها
    ستتمنى لو بأن تدفع الكثير لتعيش أو ع الأقل لتتعايش معها مجدداً
    المدينه تعني الإنفصال عن العالم
    تعني العزله المخيفه
    تعني الوحده والتكيف على أجواء ممله , نعترف ممله !! لكننا لانريد إلا هي
    وأهالي القرى يعيشون في ضنك وضيق لكنهم مرتاحين وسعيدين جداً
    لأنهم لايبحثون مثلنا عن ماوراء الأضواء , وماخلف البنايات , ونهاية الطرق
    وماحوته تلك الدور والقصور , لايغريهم أتفه وأحقر أمر
    ويكفيهم أبسط شيء ..

    لايلهثون .. ويلهثون ويلهثون كما نحن ..



    أعذرني على الإطاله
    لكن مانثرته هنا أخذني إلى أبعد منها وأبعد ..

    أرجوك أكملها
    ففهيها جوانب كثيره تستحق التوقف
    فيها مساحات وفيها حياة
    فيها شخصيات ومواقف بالتأكيد لم تذكرها
    والأهم أن فيها روح ناضجه تصارع مابين الأمس واليوم
    مابين الهنا والعنا , الترف والعودة إلى الوراء ..


    أختك
    عشآن قلبك ..





  5. #5
    مشرف مؤسس

    تاريخ التسجيل
    Apr 2006
    الدولة
    الرياض
    المشاركات
    1,418

    رد: ذات ... حُـلـم

    للماضي عبق خاص يجعل منه رمز كل الشعوب

    زمن الرفاهية لم ولن يمحو من ذاكرتنا الكثير من ماضينا ...بيت الطين .. وجدار وحصير



    المبدع ابراهيم .. أمتعتنا بحق وذلك السرد الرائع والأسلوب الواثق بحضور صاحبه

    لك التقدير كله .

  6. #6

    أبو حامد

    الصورة الرمزية إبراهيم الحارثي
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    الهيئة الملكية بينبع
    المشاركات
    2,690

    رد: ذات ... حُـلـم

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عاشقة الفردوس الأعلى مشاهدة المشاركة
    إبراهيم الحارثي


    تجيد سرقتنا من أنفسنا لتدخلنا مع حروفك جواً لا نظير له

    قلم تعودنا جماله وأحببناه

    سلمت ودمت

    تحيتي
    شكرا لك سيدتي

    دمت ممتلئة بالروعه

    تحياتي

  7. #7

    أبو حامد

    الصورة الرمزية إبراهيم الحارثي
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    الهيئة الملكية بينبع
    المشاركات
    2,690

    رد: ذات ... حُـلـم

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساميه مشاهدة المشاركة
    رائعه تسمو بحس مرهف
    دمت ودام نبض قلمك

    [align=center]
    شكرا لجمال روحك سيدتي
    دمت أيتها السامية
    [/align]

  8. #8
    ~ [ مستشارة إدارية ] ~
    الصورة الرمزية شموع باهتة
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    الدولة
    فلسطين
    المشاركات
    4,943

    رد: ذات ... حُـلـم

    ليت هدوء الماضي بكل بساطته

    يعود وينتشلنا من ضجيج الرفاهية المتعبة

    أيها الألق ابراهيم:

    أسلوب يسلب اللب إلى جهات أكثر من أربع.

    سلمت وسلم نبض قلمك الرائع.

    لك أطيب المنى.


    مع الماضي مضى كل جميل

  9. #9

    أبو حامد

    الصورة الرمزية إبراهيم الحارثي
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    الهيئة الملكية بينبع
    المشاركات
    2,690

    رد: ذات ... حُـلـم

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عشان قلبك مشاهدة المشاركة
    ياااه ياابراهيم

    قلم روائي كبير وأبصم بالعشر على ذلك ..


    أخذتني إلى هناك ورسمت لنا بحرفنة لوحة متكامله
    أرى معالمها وألوانها ,صدقها وفي أي حقبةٍ كانت ..
    رأيت كل الجوانب فيها ’ الذي تحبه والذي مقته وكرهته
    رأيت الأبيض والأسود , المبكي والمفرح ..



    دعني أخبرك شيئاً ..

    سيشتعل الحنين بداخلك لتلك الأماكن , وستحاكيها كثيراً , ولن يخلد بذاكرتك إلا هذه الأيام
    وهذه الذكريات حتى لو كانت بائسه ..
    وكلما ابتعدت أكثر ستشدك نحوها أكثر ,, لأن جذورك هناك
    بالرغم من بساطتها وفقرها جفافها وهدوئها
    ستتمنى لو بأن تدفع الكثير لتعيش أو ع الأقل لتتعايش معها مجدداً
    المدينه تعني الإنفصال عن العالم
    تعني العزله المخيفه
    تعني الوحده والتكيف على أجواء ممله , نعترف ممله !! لكننا لانريد إلا هي
    وأهالي القرى يعيشون في ضنك وضيق لكنهم مرتاحين وسعيدين جداً
    لأنهم لايبحثون مثلنا عن ماوراء الأضواء , وماخلف البنايات , ونهاية الطرق
    وماحوته تلك الدور والقصور , لايغريهم أتفه وأحقر أمر
    ويكفيهم أبسط شيء ..

    لايلهثون .. ويلهثون ويلهثون كما نحن ..



    أعذرني على الإطاله
    لكن مانثرته هنا أخذني إلى أبعد منها وأبعد ..

    أرجوك أكملها
    ففهيها جوانب كثيره تستحق التوقف
    فيها مساحات وفيها حياة
    فيها شخصيات ومواقف بالتأكيد لم تذكرها
    والأهم أن فيها روح ناضجه تصارع مابين الأمس واليوم
    مابين الهنا والعنا , الترف والعودة إلى الوراء ..



    أختك
    عشآن قلبك ..


    [align=center]
    كل الشكر لك أيتها الرائعه على هذه القراءة
    قراءة ناصعة الألق... لها مني كل التحايا
    لعل هذه الأقصوصه حاولت أن تتمرد علي ... وحاولت أن تنهي نفسها بنفسها
    فأجبرتي على الكتابه
    و وهبتي كل ما أملك من ذكريات
    فجعلتني أتهاوى ... اعتدلت كثيرا في الوصف .. وأخذتني بصمات الطفولة ..نحو البعيد
    حاولت أن أخرج عن صمتي بشتى الطرق ...
    حاولت أن أهرب منها .. ولكنني إلتجأت إليها
    كانت هذه الأحرف بازار ... لكل جميل ..(عدى و فات )
    ولم يبقي لي إلا قليلا من الذكريات التي أحاول أن أنسجم معها لأدونها
    عشان قلبك ... أشكرك لمجرد القراءة... وأشكرك ثانيا لردك المكتز بالجمال
    دمت لحركة الأبجدية ... ودمت بارعة الوصف
    [/align]

  10. #10
    ~ [ نجم صاعد ] ~ الصورة الرمزية همبرجرواو
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    الدولة
    الرياض
    المشاركات
    37

    رد: ذات ... حُـلـم

    مجهوود رائع وقيمـ وتشكر عليه
    والماضي جميل بهدؤاهـ
    {{همبرجروااو}}<<مـــــــررة من هنآآ

  11. #11
    ~ [ عضو جديد ] ~ الصورة الرمزية اماسى والقلب ناسى
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    2

    رد: ذات ... حُـلـم

    للماضي عبق خاص يجعل منه رمز كل الشعوب

    زمن الرفاهية لم ولن يمحو من ذاكرتنا الكثير من ماضينا ...بيت الطين .. وجدار وحصير

  12. #12

    أبو حامد

    الصورة الرمزية إبراهيم الحارثي
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    الهيئة الملكية بينبع
    المشاركات
    2,690

    رد: ذات ... حُـلـم

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت الربيع مشاهدة المشاركة
    للماضي عبق خاص يجعل منه رمز كل الشعوب

    زمن الرفاهية لم ولن يمحو من ذاكرتنا الكثير من ماضينا ...بيت الطين .. وجدار وحصير



    المبدع ابراهيم .. أمتعتنا بحق وذلك السرد الرائع والأسلوب الواثق بحضور صاحبه

    لك التقدير كله .
    [align=center]
    شكرا لروحك يابنت الربيع
    دمت ببهاء حرفك
    :)
    [/align]

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •