خطاب عاجل إلى الرئيس أوباما

شعر / سـامي القريني




يا أوباما ..
لُغتي تبحثُ عن أشلاءِ معانِيْها
في مُعتقَلِ الأوراقِ،
وكلُّ أصابعِ حِبري
تنمو
تـَحتَ شراييِن سكوتي ألْغَاما !


أقضمُ كالمجنونِ هواجسيَ الخرساءَ
ألوكُ الداءَ ..
وأَعلِكُ صَخْرَ الغضبِ الـمُرِّ،
وتَذْرونِي الأوجاعُ حُطاما !


أغدو شبحاً / أشبهُ شيئاً لا يُشبهني !
تدريجياً ..
أطفو فوقَ لُـجَيـْنِ رؤايَ
وأعبرُ فوقَ جنَازةِ شكِّي
قوساً قُزَحيّاً، وغَمَاما


لكنّي، وأنا المسكونُ بألفِ دمٍ ..
تتبخَّرُ روحي ملءَ وهادِ الكرةِ الأرضيةِ،
إذْ تورقُ بيْ الأسماءُ
ويختلُّ توازنُ آفاقي
أَفقأُ أحداقي بِـمساميرِ النسيانِ
يَسيلُ عَمايَ بياضاً فوقَ رُفاتِ النّورِ
يَـمُورُ البحرُ،
أُؤسِّسُ مملكتيْ ..
أستسقيْ مَطَرَ الله،
وَأَنأَى خَلْفَ جبالِ التّيهِ
فَلِي سُبُلي، وصهيلُ جيادي،
لي مُتَعَزَّلِيَ الفرديُّ
أنا سِجْنِي وأنا السجّانُ
ومِشنَقَتِي ما عادتْ ثأْراً،
فأنا أحيا .. حين أموتُ
وحين يكونُ مصيري - في الدنيا - إعداما !


لستُ نبيّاً
لستُ إِمَاما !
لستُ حلالاً
لستُ حَرَاما !
إني إنسانٌ عربيٌّ يكتبُ شِعراً
يَطبعُه في دارِ البحرِ
ويَنشرُهُ في دَوْرِيَّاتِ الغَيْمِ
وفِي شَبَكَاتِ الرِّيحِ،
ويُرسِلُه للناسِ يـَمَاما


يا أوباما
إنّ الشّعرَ يعاني من سرطانِ القَمْعِ الَأزَلِيِّ
فَمَنْ سوفَ يُداوي
أو يستأصلُ من كبدِ الوَطَنِ الأوراما ؟


يا أوباما
إِنَّ ترابَ الأرضِ مُصابٌ بزُكَامِ الإرهابِ
ونحنُ نُفَتِّشُ عن بُقعةِ أمنٍ
ينمو فيها
وَرْدٌ وَخُزَامَى !

مَنْ أَطلَقَني في هذي الفَلَوَاتِ ؟

وعتَّق صوتي في حنجرةِ البَرْقِ
لكي أتدفَّقَ شلالاتِ غناءٍ ..
ويرتِّلَنِي العُشْبُ ؟
كأني الآنَ أرى ما لستُ أراهُ !
وأسمعُ ما لا أسمعُهُ !
ينشقُّ البرزخُ ..
يَكشفُ ليْ الغَيْبُ الغامضُ عورتَهُ
والأشجارُ تشاركُني العزفَ على أوتارِ غرابَتِها .
الأرضُ .. أراجيحُ رؤىً تأخذني جِهَةَ المجهولِ :
رأيتُ جماجمَ غارقةً بالوحلِ
رأيتَ رؤوساً تتدلّى من سقفِ الوَهْمِ على كَتِفَيَّ
حملتُ الرأسَ الأولَ قلتُ :
- أرأسُكَ هذا يا يُوحَنَّا ؟
صوتي أغمض أجفانَ إجابته عنّي،
والتأويلُ تجذّرَ .. !
فارتعشتْ شَفَتَاي / تَشَقَّقَتَا
وابتلعَت عيناي بريقَهُمَا !
فازددتُ شحوباً ونحولاً
وعلمتُ بأني
سأفيضُ مَرَارَاتٍ
وَتضيقُ رئاتُ الصَّبْرِ بصدري
وسأخلع نَفْسي عن نَفْسي،
إذْ تحتشدُ الظلماتُ بعينيَّ وَكَأْسِي
وسأقطعُ رأسي !
أَمْنَعُني .. !
كي لا يقرأَني النخلُ
ولا يعرفَني الماءُ
سأرتشفُ العَطَشَ المتراكمَ في جسديْ .
لأضيءَ مَصَابِيحَ اللُّغزِ،
وأهمي فوقَ السَّطْرِ كَلاما !


يا أوباما
يُحزنُنَا .. أنَّا نَحْيَا
في عصرٍ أَنَكَرَهُ أبواهُ
فهلْ لكَ أنْ تَرعى الأيتاما ؟


ما زلتُ هنا ..
كاللصِّ أُسائلُ عنْ زاويةٍ تُؤوي قلقي،
عن جبلٍ يَعصمُني مِنْ شَرَهِ الطوفانِ
ويرزقُني برداً وسلاما !


مَنْ علَّمني الرقصَ على حَدِّ السّكّينِ ؟
وَمَنْ علَّمني كيف أُدندنُ نبضَ القلبِ،
وَأُنبتُ من بُحَّةِ حزني - لـجميعِ الفقراءِ - الأنغاما ؟


وحديْ ..
أَستمطرُ حكمتيَ المحفورةَ
في قاموسِ الليلِ النائي .
أنحائي تَـمْتَدُّ إليَّ،
وأبياتي تَنتصبُ الآنَ
أمامَ عيونِ الشَّمسِ خِيَاما


مَنْ تَوَّجَني مَلِكاً في هذي الأبديَّةِ ؟
كيْ أرميَ نَرْدَ نُبُوءاتي
فوقَ ترابِ المعركةِ الأُولى،
وأشنُّ الحربَ على كلِّ مِيْلِيْشْيَاتِ الجهلِ
وأقتحمُ الصحراءَ :
وأحشدُ جيشَ فتوحاتي
وأراقبُ من أُسطولِ سُبَاتي /
أتهجّى البارودَ ..
ولا أُبقي شِبْراً إلاّ وأخضِّبُهُ بدمي،
أصرخُ بالرؤساءِ جميعاً تحتَ سماءِ الربِّ :
أفيكُمْ رَجُلٌ يحملُ سيفَ عَليٍّ ؟
أمْ أنّ تجارتَكُمْ ألهتْكُمْ
وسياستَكُمْ أخصتْكُمْ
فغدوتـُمْ للأسيادِ عبيداً ..
وأمامَ السُّلْطَةِ أقزاما !


يا أوباما
عَلِّمْ هذا العالمَ كيف يكونُ جديراً بالحريَّةِ
أَلْبِسْ هذا الشَّعْبَ العاريَ - من قيمتِهِ وحضارتِهِ -
عَقْلاً .. أَخلاقاً .. ومصيراً
علَّ زماناً يأتي .. يُصبحُ فيه لِئَامُ الكونِ كِراما !


يا أوباما
هل تَتَصوَّرُ أنَّ الدِّيْنَ غَدَا المرضَ المستعْصِيَ
عندَ فئاتِ الشَّعْبِ
فلا أحدٌ صَدَّقَ بالرُّسْلِ
ولا أحدٌ قَرَأَ الإسلاما !

مَنْ أَخْرَجَنِي مِنْ مخطوطاتِ السنواتِ قصيدةَ شعرٍ .. ؟

رتَّب ليْ ذاكرتيْ الأولى، وسقاني لَبـَنَ الإدراكِ
ونَثَّ رحيقَ الوَحي على يابسِ أغصاني
واستنطقني .. ؟
لستُ القاتلَ ..
حتى أقترفَ التحريفَ وأشهدَ ضدَّ المقتولِ بأسبابِ القَتْلِ !
ولستُ المقتولَ لأحملَ موتي بيَن الطرقاتِ،
وأبحثَ عنْ بَصَمَاتِ غُرابٍ أَخْفَى آثارَ جريمتِهِ في كُتُبِ التاريخِ،
مُفخَّخَةٌ كُلُّ الأوطانِ !
مُحرَّفَةٌ كُلُّ الأديانِ !
مُزوَّرةٌ كُلُّ الأحزانِ !
ولستُ القاضيَ !
أنقاضيْ أَخْفَتْ شُبُهاتي ..
ومجرَّاتُ يقيني انـْجَدَلَتْ،
يا قَابِيْلُ .. لماذا نَعَرَتْ فِيكَ غريزةُ قَتْلِ أخيكَ ؟
تَدورُ دوائرُ صمتي حولي !
يَهْتَزُّ الحائطُ بالنَّافذَةِ البَكْمَاءِ،
وتنتثرُ الألوانُ مِنَ اللَّوْحَاتِ
على السِّيْرَامِيْكِ ظلاما !


يا أوباما
طفحَ الكَيْلُ
وسالَ السَّيْلُ
وجُنَّ اللَّيْلُ
وشُدَّتْ لِـمَنَاياها الـخَيْلُ
ونحنُ هُنا نَتَصفَّحُ كُلَّ صَبَاحٍ
صُحُفاً فارغةً، لا تُعنَى إِلاّ بتصاريحَ مُلفّقَةٍ
وبأخبارِ سياسييَن احترفوا الإجراما !


لستُ الأَعْزَلَ في هذا الجيشِ الـمُتخاذلِ
إنَّ الـحَرْبَ تُزمْجِرُ في أَغْوارِ ضميري
وسلاحي مُـمْتلئٌ برصاصِ مَشيئَتِهِ
والموتُ أمامي يَنشبُ مِخْلَبَهُ في أنسجةِ القلبِ
ويَأخذُ مِنْ دَمِهِ أَخْتَاما !


يا أوباما
ضَجَّ الهَوْلُ وحُرِّفَ حتى القَوْلُ لدينا
فلمنْ نشكو ؟
حين أقاربُنا تلدغُنا جَهْراً
وعقاربُنا تشزُرُنا استفهاما !

كيفَ اختنقتْ كلُّ الكلماتِ بنيرانِ القهرِ، وَخَاضَتْ ؟!

كيفَ امتلأتْ بئرُ المعنى بجفافِ التفسيرِ، وفاضتْ ؟!
كيف ينزُّ من الأوردةِ الخوفُ ..
كما لو أنَّ الروحَ - بغربتها المكبوتةِ - حَاضَتْ ؟!
كيفَ تـَحوَّلت الأقلامُ بكفَّيَّ هشيماً وعِظاما ؟


كيفَ سنكتبُ
حينَ يُصابُ الحرفُ بنوبةِ حزنٍ كبرى ؟
مِنْ أيِّ الأبوابِ سندخلُ ؟
كلُّ جهاتِ العالم ترفضُنا
والوطنُ العربيُّ المسكيُن يُرَى
كالمتسوِّلِ في شاشاتِ التّلفازِ
وفي «القِمَمِ» الجوفاءِ !
فلا يُنبتُ غيرَ الخيْبَاتِ
وغيرَ الإرهابِ الدمويِّ
فَهَلْ ثَمَّةَ أعلامٌ بَقِيَتْ كي نرفعَها
فوقَ الأسوارِ ونفتخرُ ؟
أمْ أَنّا نَكَّسْنَا
- حين اغتُصبتْ نصفُ الأرضِ، وديستْ كلُّ معالـمِها -
الأعلاما ؟!

وبكى من هَوْلِ فجيعتِنا الكونُ

وزُلزلتِ الأَرَضُونَ
وشيّع جثمانَ عروبتِنا - بعد سقوطِ حضارتِنَا في الأرضِ - التَّتَرُ !

وغدونا من بعدِ وفاةِ كرامَتِنا

في مُنْفَسَحِ الدنيا أصناما ؟


يا أوباما
أمسِ رأيتُ الليلَ الحالكَ يفتحُ بابَ العينِ ويدخلُ
يَسحبُني مِنْ أَرَقِ الشِّعْرِ
ويطلبُ منّي أنْ أَتبَعَهُ
قال : تعالَ معي
كي تبصرَ أنتَ بنفسكَ ما أَبْصَرَهُ غيرُكَ.
عُجْنَا بالجثثِ المرميةِ في بغدادَ وفي بيروتَ
وحينَ انحدرَ الليلُ إلى أبوابِ فلسطيَن تَوقَّفتُ وقلتُ لَهُ :
لا تُكْمِلْ !
جُرْحُ القدسِ يُحرِّضني
أنْ ألعنَ - قبل مروريَ بين شوارعِها، أو تحتَ منائرِها - الحكّاما !


يا أوباما
لِنَقُلْ، أنَّ لنا عاصمةً
في هذا الزمنِ الموبوءِ بشتّى أمراضِ بَدَاوَتِهِ وَحَماقَتِهِ.
لِنَقُلْ أنَّ لنا بَلَداً
يأخذُنا من سَهْوِ دَفَاترِنا،
ويُدَثِّرُنا بحكاياهُ، ويجمعُنا في محرابِ سكينَتِهِ الـمَلَأى بالآياتِ،
ويسقيْنَا خَمْرَ الصلواتِ لِنَسْكَرَ في ملكوتِ الله،
نُسبِّحُ :
يَا قُدُّوسُ أَجِرْنَا، كَمْ أَخطأْنا، كمْ أَسْرَفْنا،
كَمْ صَدَّقْنَا أَنَّ لَدَيْنَا في العُمْرِ البَاقِي أحلاما !


آهٍ ما أثقلَهَا الرّوحُ، خُطَايَ تـُحاذرُ أن تتقدَّمَ
مَنْ سَيُعَلِّقُ في عُنُقِ التاريخِ تَـمِيْمَةَ تجربتي إنْ لَمْ أتفجَّرْ ؟
فَلَأنْهَضْ ، وَلأَسْكُبْ مِحبرَتِي فَوْقَ أُوَارِ الصَّفَحاتِ،
فَيَا نَفْسِي انتفِضِي زَهْواً، وامتلئي يا رُوحِي إقداما .


يا آخَرِيَ الهاجعَ فِيَّ ..
أوانُكَ هذا - كي تَتَسامَى .


لنْ أخلعَ أوسمتيْْ الآنَ .. !
وحيداً،
سوف أواجهُ هذا الدهرَ المسعورَ بشعري
وأؤثثُ بيتَ قصيديْ مَجْداً،
أَنفخُ فِي نَاقُوْرِ المعنى
وتكونُ قوافيْنا السُّكْنى
حينئذٍ تنكسِفُ الشمسُ
ويحدودبُ ظَهْرُ الأيامِ
لأُسندَ بالشِّعْرِ الأياما !


يا أوباما
لنْ أبدأَ من حيثُ ابتَدَأُوا
لن أُنهِيَهَا حَتَّى أَجعلَ عَالِيَها سَافِلَهَا
وَأُرِيْ، كيفَ الحرْفُ الثائرُ لا يَهْدَأُ حَتَّى لَوْ جاءَ خِتَاما !


يا أوباما
هل تَرضى أنْ نُبصرَ يوميّاً
آلافَ الأطفالِ يموتونَ ويُغتصبونَ علانيةً،
والرُّؤَسَاءُ يريدونَ مِنَ الشَّعْبِ الغاضبِ
فِي كُلِّ بِقَاعِ العَالَمِ
أَنْ يَتَعَامَى ؟!


ذَلكَ صَعْبٌ يا أوباما !

لولا النفطُ لكانوا حَشْدَ كلابٍ في عَرَضِ الصحراءِ

وماتوا جِيَفاً، وافترشوا الأوساخَ مُقاما !


إِذْ لا يملكُ أَكبرُهُم أو أَصغرُهُم في الـمُلْكِ زِماما !


هل أنتَ معي يا أوباما ؟
هل تفهمُني يا أوباما ؟


حَرّك بِعَصَاكَ الَأغنَاما ..
حَكِّمْ عَقلَكَ يا أوباما ..


إِنَّ بِلاداً يَسكُنُهَا شَبَقُ البترول
سَتبقَى تَشحذُ فِلْسَ كَرامَتِها أَعواما !



أكتوبر 2009