أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

في مقدمته لكتاب الشيخ مصطفى باحو " عقائد الأشاعرة " تحدث الشيخ محمد بوخبزة الحسَني – وفقه الله – عن بعض ذكرياته عندما كان أشعريًا ؛ قبل أن يهديه الله إلى السنة ، فقال :
( وما زلت أذكر وأنا طالب بالمعهد الديني بالجامع الكبير بتطوان نحضر الدروس متحلّقين على فقهاء مدرسين نابهين، وفي درس التوحيد بالمرشد المعين لابن عاشر وأم البراهين للسنوسي نقف حيارى جميعاً في تفهُم صفات المعاني والمعنوية والفرق بينهما ، والكسب الذي هو قدرة، ولكن لا نقدر بها، وأن الأثر يقع عندها لا بها، ومن اعتقد التأثير بالقدرة المودعة فيها أو بالعلة فهو كافر !!
ولما وصلنا إلى مسألة كلام الله تعالى ومحاولة فهمه اصطدمنا فجأة بعُقدة العُقد وأم المشاكل وأغلوطة الفكر، وهي الكلام النفسي الذي لا أول له ولا آخر، ولا حرف ولا صوت ، وقد شَغَل المسلمين الأبرياء به عبدُ الله بنُ كُلاب البصري، وتلقّفه عنه أبو الحسن الأشعري قبل توبته، وتبنّاه الأشاعرة وأدخلوه في صميم الدين، وقرّروا في كتبهم بمنتهى البله والسذاجة أن القرآن العظيم المحفوظ في الصدور، والمكتوب في المصاحف، والمتلو بالألسنة، والمسموع بالآذان ليس هو كلام الله، إنما هو دليل عليه، وعبارة عنه.
وفغرت الأفواه، ودهشت الألباب، واضطربت الأفئدة، واستولت الحيرة، وسألنا الأستاذ عن طبيعة هذا الذي ندين الله به ونتعبد بتلاوته، فأحال على علماء الكلام، وأنهم صرّحوا أن المشهور عندهم والصحيح في المذهب أن هذا القرآن من كلام جبريل عليه السلام، ومنهم من لم يرتض هذا الزعم لأنه لا أثارة عليه من علم، وأشار إلى أن العبارة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم - كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا - وليت شعري ما الفرق بين هذا الزعم الفاضح وبين مصيبة القول بخلق القرآن الذي حكم كثير من أئمة السلف بكفر معتقده ، هذه المسألة التي أثارها سدنة الاعتزال وأغروا بها المأمون وأخويه، المعتصم والواثق العباسيين، وامتحنوا بها علماء المسلمين، وسُفكت فيها دماء، وانتُهكت حرمات، وعظم بها البلاء. ورغم أن المحنة رفعت أيام المتوكل إلا أن إبليس اللعين سعى في إحيائها، ودسها بلون جديد باسم الكلام النفسي وتنزيه الله عن الحرف والصوت، فانطلت على عقولهم وآمنوا بها، وتحمسوا لها، وما زالت مقررة تدرس وتُلقى إلى الناس، وعبثا حاولنا الفهم، وأعلن الأستاذ أن هذا ما قرّره العلماء فلنكتف به.
وأراد الشيخ التهامي أن يُقرب المعنى فشبّه هذا بإشارة التلغراف المعهود أو ما يسمى بالشفرة !
ولما وصلنا إلى استواء الله تعالى على عرشه استواء يليق بجلاله وجدنا القوم متهوّكين مجمعين على تأويل الاستواء بالاستيلاء ، وأنه تعالى ليس فوق العرش كما أخبر عن نفسه في عشرات الآيات، ثم زادوا الطين بلة والطنبور نغمة فقرروا أنه سبحانه ليس داخل العالم ولا خارجه ولا هو عينه، ولا، ولا... مما حدا بالسلطان الفاتح محمود بن سُبُكْتكين إلى أن سألهم بمجلسه عن الفرق بين هذا الرب الموصوف بهذا الأسلوب وبين العدم، فلم يستطيعوا الإجابة.
وقال أحد ملوك المماليك، وقد سمع الأشاعرة يصفون ربهم بهذه الأوصاف :
هؤلاء قوم أضاعوا ربهم !
وبعد، فإن الأمر جدّ كله، لأنه عقيدة، وهي الأصل الأصيل والأساس الصحيح، من وُفّق إليها وعلم عِلمَها المستقى من الوحيّ الكريم ممن آيات الكتاب المبين وأحاديث سيد الأولين والآخرين، ونعم بتوحيد الله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، سعد سعادة أبدية في دنياه وأخراه، وحاز من خير الدارين مبتغاه، وقرّت عينه ببرد اليقين، واستنار قلبه بنور الإيمان، ومن أعرض عن هذا الحق، وانتهج نهج العقلانيين ضُرب في بيداء الشكوك، وغرق في بحار التدليس والتلبيس، وطوّح به الكلام إلى مهامه، لا يستطيع فيها حيلة ولا يهتدي سبيلا، وإن لم تدركه عناية الله تعالى ولطفه بالتوبة والإنابة بصدق هلك وضاع، ولسان حاله يُنشد:
كالعيس في البيداء يقتلها الضما
والماء فوق ظهورها محمولُ ) . انتهى كلام الشيخ بوخبزة .

ولعل فيه عبرة لمعتنقي المذهب الأشعري البدعي أن يتوبوا منه ، قبل أن يخطفهم الموت وهم متلبسون بالبدعة ، مجانبون للسنة .. والله الهادي .

رابط كتاب " عقائد الأشاعرة "
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=89&book=11270