أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


قال شيخ الإسلام ابن تيمية في [الإيمان الأوسط][مجموع الفتاوى: 7/555وما بعدها]:
وَ " السَّلَفُ " اشْتَدَّ نَكِيرُهُمْ عَلَى الْمُرْجِئَةِ لَمَّا أَخْرَجُوا الْعَمَلَ مِنْ الْإِيمَانِ وَقَالُوا إنَّ الْإِيمَانَ يَتَمَاثَلُ النَّاسُ فِيهِ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَهُمْ بِتَسَاوِي إيمَانِ النَّاسِ مِنْ أَفْحَشِ الْخَطَأِ بَلْ لَا يَتَسَاوَى النَّاسُ فِي التَّصْدِيقِ وَلَا فِي الْحُبِّ وَلَا فِي الْخَشْيَةِ وَلَا فِي الْعِلْمِ؛ بَلْ يَتَفَاضَلُونَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ.
وَ " أَيْضًا " فَإِخْرَاجُهُمْ الْعَمَلَ يُشْعِرُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا أَعْمَالَ الْقُلُوبِ أَيْضًا وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا، فَإِنَّ مَنْ صَدَّقَ الرَّسُولَ وَأَبْغَضَهُ وَعَادَاهُ بِقَلْبِهِ وَبَدَنِهِ فَهُوَ كَافِرٌ قَطْعًا بِالضَّرُورَةِ .
وَإِنْ أَدْخَلُوا أَعْمَالَ الْقُلُوبِ فِي الْإِيمَانِ أَخْطَئُوا أَيْضًا؛ لِامْتِنَاعِ قِيَامِ الْإِيمَانِ بِالْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةِ بَدَنٍ. .
وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا ذِكْرُ كُلِّ مُعَيَّنٍ؛ بَلْ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ بِقَلْبِهِ هَلْ يَتَصَوَّرُ إذَا رَأَى الرَّسُولَ وَأَعْدَاءَهُ يُقَاتِلُونَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِمْ وَيَحُضَّ عَلَى نَصْرِ الرَّسُولِ بِمَا لَا يَضُرُّهُ هَلْ يُمْكِنُ مِثْلُ هَذَا فِي الْعَادَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ حَرَكَةٌ مَا إلَى نَصْرِ الرَّسُولِ؟ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ.
فَلِهَذَا كَانَ الْجِهَادُ الْمُتَعَيَّنُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ مِنْ الْإِيمَانِ وَكَانَ عَدَمُهُ دَلِيلًا عَلَى انْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ {مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةِ نِفَاقٍ} وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ بَعْضُ شُعَبِ النِّفَاقِ مَعَ مَا مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ .
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} .
وَ " أَيْضًا " فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ وَفِي رِوَايَةٍ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ} . فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْقَلْبَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ بُغْضُ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ كَانَ عَادِمًا لِلْإِيمَانِ وَالْبُغْضُ وَالْحُبُّ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ.
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ إبْلِيسَ وَنَحْوَهُ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ هَذِهِ الْأُمُورَ وَلَا يُبْغِضُونَهَا بَلْ يَدْعُونَ إلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
وَ " أَيْضًا " فَهَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ بِقَوْلِ جَهْمٍ والصالحي قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ سَبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ وَالتَّكَلُّمَ بِالتَّثْلِيثِ وَكُلَّ كَلِمَةٍ مِنْ كَلَامِ الْكُفْرِ لَيْسَ هُوَ كُفْرًا فِي الْبَاطِنِ وَلَكِنَّهُ دَلِيلٌ فِي الظَّاهِرِ عَلَى الْكُفْرِ وَيَجُوزُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّابُّ الشَّاتِمُ فِي الْبَاطِنِ عَارِفًا بِاَللَّهِ مُوَحِّدًا لَهُ مُؤْمِنًا بِهِ فَإِذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ بِنَصِّ أَوْ إجْمَاعٍ أَنَّ هَذَا كَافِرٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا قَالُوا: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِلتَّكْذِيبِ الْبَاطِنِ وَأَنَّ الْإِيمَانَ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ ذَلِكَ..اهـ