أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




العلم بصفاته وأسمائه تعالى التي وردت في كتابه وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلم، والتعبد له بها، من أعظم ما يؤثر في سلوك العبد، فإن أسماءه وصفاته إنما ذكرت ليتعرف الله بها إلى عباده، كما قال تعالى: {قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[الإسراء 110].

فالتزكية بأسماء الله وصفاته والتعبد بها، هي أعظم ما يؤثر في العبد التأثير الرباني، لأن كل اسم من أسماء الله يحمل من المعاني ما لو فقهها المؤمن وغرست في نفسه، لازداد تقرباً إلى الله بطاعته وترك معصيته، ومن ذلك السعي في إيصال الخير والإحسان إلى الناس والبعد عن الإساءة إليهم.

قال ابن القيم رحمه الله: "ولا يتصور نشر هذا المقام حق تصوره، فضلاً عن أن يوفاه حقه، فأعرف خلقه به وأحبهم له صلّى الله عليه وسلم ، يقول: (لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك) [صحيح مسلم (1/352)..].

ولو شهد بقلبه صفة واحدة من أوصاف كماله، لاستدعت منه المحبة التامة عليها، وهل مع المحبين محبة إلا من آثار صفات كماله، فإنهم لم يروه في هذه الدار، وإنما وصل إليهم العلم بآثار صفاته وآثار صنعه، فاستدلوا بما علموه على ما غاب عنهم" [طريق الهجرتين وباب السعادتين ص:561 ـ 562..].

قلت: وما ذلك إلا لتأثير تلك الأسماء في محصيها المتعبد بها لربه، لأنها زكّته بمعانيها على طاعة الله وشكره، والبعد عن معاصي ربه، ومن ذلك أن يحسن إلى خلق الله ويحب لهم من الخير ما يحب لنفسه، ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه.، ومن هنا يظلل الأمن من يطلبه حقا.

ولهذا روى من حفظها دخل الجنة.أبو هريرة رضياللهعنه عن الرسول صلّى الله عليه وسلم، أنه قال: (إن لله تسعة وتسعين اسما. مائة إلا واحد. من أحصاها دخل الجنة). وفي رواية: (من حفظها دخل الجنة.) [متفق عليه]

وليس المقصود مجرد إحصائها وحفظها موجبا لدخول الجنة، كما قد يتبادر لبعض الأذهان، لأن تكرار الألفاظ بدون فهم لمعناها وإرادة التقرب بها إلى الله لا يكفي، وإنما المراد حفظها والتعبد بها، بفهم معانيها والتأثر بها تأثرا يملأ قلب المؤمن المتعبد بها إيمانا ويقينا، ورغبة في توفيق الله الذي تسمى بها وهدايته، وفي الدنيا، ونيل رضوانه وجنته وثوابه والنظر إلى وجهه الكريم هناك، والفوز بالرفيق الأعلى من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

ولهذا قال تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} كما سبق، فالذي لا يعبد الله بها، وإن حفظها لا يستحق ذلك الفضل العظيم الموعود به: (دخل الجنة)

ثم إن قوله صلّى الله عليه وسلم: (من حفظها دخل الجنة) يمكن أن يفسر بقوله لابن عباس حديث آخر: (احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك) [أخرجه الإمام الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح"] وحفظ الله معناه حفظ دينه بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وأما الله ذاته فلا حاجة له إلى من يحفظه، بل هو الحافظ لعباده.

وقد ذكر الرسول صلّى الله عليه وسلم شيئا من معنى حفظ الله في بقية ألفاظ الحديث: (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك إن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف)

قال الحافظ ابن رجب في شرحه للأربعين النووية: "قوله صلّى الله عليه وسلم احفظ الله يعني احفظ حدوده وحقوقه وأوامره ونواهيه وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال وعند نواهيه بالاجتناب وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر به وأذن فيه إلى ما نهى عنه فمن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله الذين مدحهم الله في كتابه" انتهى. وقد أفاض في شرح الحديث لإثبات هذا المعنى.

والذي يتأمل أسماء الله تعالى في كتابه سياقا وسباقا، يظهر له معنى التعبد بها، ترغيبا وترهيبا وفعلا وتركا... وقد تضمن كتاب "الإيمان هو الأساس" إشارات إلى ذلك، في مبحث الإيمان بأساء الله وصفاته.

و ينبغي أن يعلم أن العلم بأسماء الله وصفاته والتعبد بها ونيل ثواب الله بها، لا يناله من ألحد فيها بتعطيل أو تشبيه أو تأويل، اتباعاً للهوى وتحكيماً للعقل، كما هو شأن من حاد عن طريقة السلف الصالح من الإيمان بها من غير تعطيل ولا تأويل ولا تمثيل، على ضوء قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى 11]. وقوله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}[طه 110]. ولسنا نقصد بهذا من فعل ذلك تأولا عن اجتهاد وحسن قصد.، فهذا أمره بينه وبين ربه، لأنه هو الذي يعلم بقصده.