أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم






إن الذي علم أن هذا القرآن إنما أنزل لهذه النفس: يصفها، ويرشدها ويثيبها ويعاقبها، لهو أولى من يصفها - بعد كتاب الله وسنة رسوله - وهو كذلك أدرى – بعد الله ورسوله – بعللها وأدوائها وعلاجها، وتأمل هذه الجمل التي يصفها فيها أحد خبراء النفس هذه النفس:

"فالنفس جبل عظيم، شاق في طريق السير إلى الله عز وجل، وكل سائر لا طريق له إلا على ذلك الجبل، فلا بد أن ينتهي إليه، ولكن منهم من هو شاق عليه، ومنهم من هو سهل عليه، وإنه ليسير لمن يسره الله عليه، وفي ذلك الجبل أودية وشعاب وعقبات ووهود، وشوك وعوسج وعليق وشرق، ولصوص يقطعون الطريق على السائرين، لا سيما أهل الليل المدلجين.

فإذا لم يكن معهم عُدَد الإيمان ومصابيح اليقين تتقد بزيت الإخبات، وإلا تعلقت بهم تلك الموانع، وتشبثت بهم تلك القواطع، وحالت بينهم وبين السير، فإن أكثر السائرين فيه رجعوا على أعقابهم لما عجزوا عن قطعه واقتحام عقباته.

والشيطان على قُلَّة ذلك الجبل، يحذر الناس من صعوده، وارتفاعه ويخوفهم منه، فيتفق مشقة الصعود وقعود ذلك المخوف على قتله، وضعف عزيمة السائر ونيته، فيتولد من ذلك الانقطاع والرجوع والمعصوم من عصمه الله.

وكلما رقِيَ السائرُ في ذلك، اشتد صياح القاطع وتحذيره وتخويفه، فإذا قطعه وبلغ قلته، انقلبت تلك المخاوف كلهن أماناً، وحينئذ يسهل السير وتزول عنه عوارض الطريق ومشقة عقباتها، ويرى طريقاً واسعاً آمناً يفضي به إلى المنازل والمناهل، وعليه الأعلام، وفيه الإقامات قد أعدت لركب الرحمن.

فبين العبد وبين السعادة والفلاح، قوة وعزيمة وصبر ساعة، وشجاعة نفس وثبات قلب، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" [مدارج السالكين بين إياك نعبد وإياك نستعين (2/7) لابن القيم].

ويصفها في مكان آخر بالجهل والظلم، وأنها منبع كل شر ومأوى كل سوء، وأن العبد لا خلاص له من شرها إلا باللجوء إلى خالقها. قال: "ويفيده نظره إليها – أي يفيد الإنسان نظره إلى النفس الأمارة بالسوء – أموراً:

منها أن يعرف أنها جاهلة، ظالمة، وأن الجهل والظلم يصدر عنهما كل قول وعمل قبيح، ومَن وصفُه الجهلُ والظلم، لا مطمع في استقامته واعتداله البتة.

فيوجب له ذلك بذل الجهد في العلم النافع الذي يخرجها عن وصف الجهل، والعمل الصالح الذي يخرجها عن وصف الظلم، ومع هذا فجهلها أكثر من علمها، وظلمها أعظم من عدلها، فحقيق بمن هذا شأنه أن يرغب إلى خالقها وفاطرها أن يقيها شرها، وأن يؤتيها تقواها ويزكيها فهو خير من زكاها، فإنه ربها ومولاها، وألا يكله إليها طرفة عين، فإنه إن وكل إليها هلك، فما هلك من هلك إلا حيث وُكِلَ إلى نفسه...

فمن عرف حقيقة نفسه وما طبعت عليه، علم أنها منبع كل شر ومأوى كل سوء، وأن كل خير فيها، ففضل من الله من به عليها، لم يكن منها. كما قال تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمتهُ ما زَكَا منكم من أحد{ [النور: 21].

{وقال تعالى: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون{ [الحجرات: 7] فهذا الحب وهذه الكراهة لم يكونا في النفس ولا بها، ولكن هو الله الذي مَنَّ بهما..." [مدارج السالكين 1/220)].

ويصف ابن تيمية خطر هواها على صاحبه، وأنه لا يثبت على حال واحدة، بل إن ما يزعم أنه حق يدعو إليه، ينقلب عنده باطلاً يعارضه ويحاربه، وما يزعم أنه باطل يدعو إلى تركه ويظهر قبحه، ينقلب عنده حقاً يدعو إليه ويحارب من يكرهه.

قال رحمه الله: "والناس هنا ثلاثة أقسام: قوم لا يقومون إلا في أهواء أنفسهم، فلا يرضون إلا بما يُعْطَونه، ولا يغصبون إلا لما يُحرَمونه، فإذا أعطي أحدهم ما يشتهيه من الشهوات الحلال والحرام، زال غضبه وحصل رضاه، وصار الأمر الذي كان عنده منكراً – ينهى عنه ويعاقِب عليه ويَذُم صاحبَه ويغضب عليه – مرضيا،ً وصار فاعلاً له وشريكاً فيه، ومعاوناً عليه ومعادياً لمن نهى عنه وينكر عليه، وهذا غالب في بني آدم يرى الإنسان ويسمع ما لا يحصيه.

وسببه أن الإنسان ظلوم جهول، فلذلك لا يَعدِل، بل ربما كان ظالماً في الحالين، يرى قوماً ينكرون على المتولي ظلمه لرعيته واعتداءه عليهم، فيرضي أولئك المنكرين ببعض الشيء، فينقلبون أعواناً له، وأحسن أحوالهم أن يسكتوا عن الإنكار عليه، وكذلك تراهم ينكرون على من يشرب الخمر ويزني ويسمع الملاهي، حتى يدخلوا أحدهم معهم في ذلك، أو يرضوه ببعض ذلك، فتراه قد صار عوناً لهم، وهؤلاء قد يعودون بإنكارهم إلى أقبح من الحال التي كانوا عليها، وقد يعودون إلى ما هو دون ذلك أو نظيره" [مجموع الفتاوى (28/147)].

ويصف النفس بأنها أعظم خطراً من غيرها، لأنها ملازمة لصاحبها متصلة به لا تفارقه، فهي تأمره من داخله، وتحول بينه وبين الخير من داخله كذلك، فلا فكاك له منها. قال:"ولهذا يبقى الإنسان عند شهوته وهواه، أسيراً لذلك مقهوراً تحت سلطان الهوى أعظم من قهر كل قاهر – أي من المخلوقين – فإن هذا القاهر الهوائي القاهر للعبد، هو صفة قائمة بنفسه لا يمكنه مفارقته البتة.. بخلاف كل قاهر ينفصل عن الإنسان، فإنه يمكنه مفارقته مع بقاء نفسه على حالها، وهذا إنما يفارقه بتغير صفة نفسه" [الفتاوى (10/587)].

ويصف الإنسان في موضع آخر بأنه عبد هوى نفسه، يوالي من أجلها ويعادي من أجلها كذلك.

قال: "فالنفس مشحونة بحب العلو والرياسة، فتجد أحدهم يوالي من يوافقه على هواه، ويعادي من يخالفه في هواه، وإنما معبوده ما يهواه ويريده، قال تعالى: {أرأيتَ من اتخذ إلهه هواه؟! أفأنت تكون عليه وكيلاً}" [الفتاوى (14/324) والآية من سورة الفرقان:43].