أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


القول المأمون بتحقّـق ردة المأمون

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فهذا بحث في تحقيق القول في كفر المأمون والخلفاء الآخذين بمذهب الجهمية بعده وتصحيح تكفير الإمام أحمد وغيره لهم .
كتبته لما رأيت تمسك المرجئة في عصرنا بهذه الفرية ودفاعهم عن المرتدين بها :
وكان سبب القول المخالف في الباب :
كلام ابن تيمية أن الإمام أحمد لم يكفر المأمون . وأن الإمام أحمد كان يقول: لو أن لي دعوة . ونهي الإمام عن الخروج عليه.

وتحقيق القول في المسألة من عدة أوجه :
الأول : في حقيقة المأمون :
اعلم أن المأمون هو من دعا لمذهب الجهمية - الذي حوى عدة نواقض وكفريات كما هي مبينة في كتب السلف قاطبة - فهو الذي نشر التجهم والتعطيل بالسيف وصد الناس عن دين الله , فكيف يصح أن يُحكم بإسلام المأمون بينما يحكم بكفر ابن أبي دؤاد والمريسي مع اجتماعهم في البدعة والردة وتفرد المأمون عنهم بحمل الناس عليها زيادة على تفانيه في الدعوة للردة وتزيينها للناس مدة حكمه.
حتى قال ابن معين ما زلت أعيد الجمعة منذ أن أظهر المأمون قوله , وكان أبو عبيد القاسم بن سلام لا يرى جواز الصلاة خلف إمام يعينه المأمون , وكلامهم في السنة لعبدالله بن أحمد.
الثاني : أن الإمام أحمد وغيره من أئمة السلف أجمعوا على كفر الجهمية وصرحوا بتكفير أعيان الجهمية وعدم صحة إمامتهم ولا الصلاة خلفهم ولا أكل ذبائحهم ولا مناكحتهم والمأمون رأسهم.
1- قال أحمد : ( الجهمية كفار ) . أخرجه الخلال في السنة 2137 . وابنه عبد الله في السنة 535 .
2- وقال : ( من قال إن الله لا يرى في الآخرة , فقد كَفَر عليه لعنة الله ) الشريعة 577.
3- قال البربهاري في شرح السنة : ( الجهمي كافر ليس من أهل القبلة ) .
ونقل الإجماع على كفرهم جماعة منهم اللالكائي ونقل قول أكثر من خمسمائة عالم صرحوا بكفر الجهمية بل وتكفيرهم من لم يكفر الجهمية.
4- قال اللالكائي: (فهؤلاء خمس مائة وخمسون نفساً أو أكثر من التابعين وأتباع التابعين والأئمة المرضيين , على اختلاف الأعصار وفيهم نحو مائة إمام ممن أخذ الناس بقولهم وتدينوا بمذهبهم , ولو اشتغلت بنقل أقوال المحدثين لبلغت أسمائهم ألوفاً كثيرة, لكني اختصرت .. لا ينكر عليهم منكر ومن أنكر قولهم استتابوه أو أمروا بقتله). 493.
5- قال البخاري في من لا يكفر الجهمية : ( وإني لأستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم ) خلق أفعال العباد 35.
6- قال الدارمي في الرد على الجهمية: ( وأي فرق بين الجهمية وبينهم - أي المشركين المكذبين بالقرآن والقائلين أنه قول البشر المخلوق - حتى نجبن عن قتلهم وإكفارهم ) .
7- وقال أحمد لأحد مناظريه لما قال علم الله مخلوق : ( يا كافر كفرت ) الحلية 9/197.
8- وكفّر الشافعي حفص الفرد .
9- قال ابن بطة في بعض أعيان المعتزلة المريسي وابن أبي دؤاد والعلاف وغيرهم : ( فإن هؤلاء كانوا على الردة ) شرح السنة ص 117.
وكلامهم في الباب أكثر من أن يحصر .
ونقلنا في ردنا على الأشاعرة أقوال أهل العلم من السلف والخلف في تكفير الجهمية والأشاعرة بأعيانهم.
ومن قال يكفر الجهمية بالعموم دون أعيانهم فلا نخرج المعين من الملة مطلقا فقوله باطل :
- قال البربهاري في شرح السنة: ( ولا يخرج أحد من أهل القبلة حتى يرد آية من كتاب الله أو يرد شيئاً من آثار الرسول  أو يذبح لغير الله أو يصلي لغير الله وإذا فعل شيئاً من ذلك وجب عليك أن تخرجه من الإسلام).
الثالث : بل إن السلف رحمهم الله كفروا من لم يكفر الجهمية :
1- قال أبو حاتم وأبو زرعة في عقيدتهما عند اللالكائي 321 : ( من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله كفرا ينقل عن الملة ومن شك في كفره ممن يفهم فهو كافر).
2- قال ابن بطة : ( من قال كلام الله مخلوق فهو كافر حلال الدم ومن شك في كفره ووقف في تكفيره فهو كافر) الإبانة 129.
الرابع : أنه لم يثبت عن الإمام أحمد أنه لم يكفر المأمون أو حكم بإسلامه بل النصوص المنقولة عنه تثبت التكفير لا عدمه ومن زعم خلاف ذلك فليأت بنقل صريح عنه أنه لم يكفر المأمون أو استثنى تكفيره من الجهمية , كيف وهو رأس الجهمية.
الخامس : أن له روايات تثبت تكفيره وأنه عدو لله وليس بمأمون , ومنها :
1- قال أحمد: ( وأي بلاء كان أكبر من الذي أحدث عدو الله وعدو الإسلام من إماتة السنة ) يعني الذي أحدثه المأمون ومن بعده قبل المتوكل. الأحكام السلطانية ص:20 .
2- وكان أحمد إذا ذكر المأمون يقول : ( كان لا مأمون ) . الأحكام السلطانية أبو يعلى ص:20 .
3- ولما قال السلطان ولي المرأة التي لا ولي لها قيل له: تقول السلطان ونحن على ما ترى اليوم , فقال : أنا لا أقول على ما نرى إنما قلت السلطان. الأحكام السلطانية .
4- وقال حنبل في ولاية الواثق: ( اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد الله وقالوا هذا أمر قد تفاقم وفشا , نشاورك في أنا لسنا نرضى بإمرته ولا سلطانه فقال عليكم النكرة بقلوبكم ولا تنزعوا يدا من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين ) . الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص:20 .
5- وقال : ( من دعا إلى بدعة فلا تجيبوه وإن قدرتم على خلعه فافعلوا ) طبقات الحنابلة 2/305 .
6- كما ثبت تكفير الإمام أحمد للمأمون عند الخلال في السنة 5/95: ( قيل للإمام أحمد إنهم مروا بطرطوس بقبر رجل فقال أهل طرطوس : الكافر لا رحمه الله , فقال أبو عبد الله : نعم فلا رحمه الله هذا الذي أسس هذا وجاء بهذا ) والمقصود به المأمون فهو الذي قبر بطرطوس وهو الذي أسس مذهب الجهمية وجاء بالقول بخلق القرآن.
7- وقال عن المأمون : ( قاتله الله الخبيث عمد إلى كتاب الله فغيره . يعني كتب بدل السميع البصير اللطيف الخبير ) . طبقات الحنابلة 1/386.
السادس : أن الإمام أحمد بن نصر الخزاعي عزم على الخروج على المأمون وكفّره وحرض أهل بغداد واستعدوا للخروج , لكن المأمون قتله.
وقال فيه أحمد : ( رحمه الله ما أسخاه لقد جاد بنفسه له ) . تاريخ ابن كثير 10/303 .
السابع : يحتمل عدم تكلمه بتكفير المأمون لو قلنا به أنه كان في أول الأمر في عدم تكفير الجهمية بما فيهم المأمون ثم رجع إلى تكفيرهم وتكفيره, كما صرح بذلك .
قال احمد عن الجهمية : ( كنت لا أكفرهم حتى قرأت آيات من القران ). طبقات الحنابلة 2/553 .
الثامن : أما من خالف واحتج بكلام الإمام ابن تيمية وغيره فيقال له:
أولاً : إن هذا من فهم ابن تيمية رحمه الله وقوله كما لا يخفى لمتأمل ليس موافقا للحقيقة وليس هو بالصواب, وما ذهب عفا الله عنه إليه من كون السلف لم يكفروا الجهمية بأعيانهم غلط بيّن , وإن كان كلامه في بعض طوائف الجهمية وأعيانهم.
وهذه أقاويل السلف وكتبهم بين أيدينا فما الحامل لتركها مع صراحتها والأخذ بفهم ابن تيمية رحمه الله لها بعد أن فسرها بما يخالف ظواهرها, ثم نقول لمن يتعصب لا بن تيمية محبتنا لابن تيمية وكونه من أئمة أهل السنة لا تجوّز متابعته على خطئه والتعصب له حتى نصل به إلى درجة العصمة فهو ليس بمعصوم وكل يؤخذ من قوله ويرد عليه متى ما خالف الحق, وهذا مما يعلم من عقيدة أهل السنة أن لا عصمة ولا غلو في شخص خلافا لمن يدعي ذلك قولا ويخالفه عملا.
ثانياً : إن كل ما في الأمر من حجج للمخالفين ما نقل عن أحمد أنه نهى عن الخروج , وهذا لا يلزم منه عدم التكفير ولا يدل عليه ولا يفهم منه.
فالخروج له شرطان وجود الكفر البواح والقدرة , فمن أنكر الخروج كان للثاني لا الأول .
ثم كأن الإمام أحمد لم ير الخروج وإظهار تكفير المأمون لِما قد يترتب على ذلك من فتنة تلحق أهل السنة لا قدرة لهم بدفعها والله أعلم .
أما ما قيل في دعوته للسلطان وهو جهمي مرتد .
فليس فيه مستمسك لأن الدعاء للكافر بالهداية مما لا خلاف في جوازه كما في الحديث : ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) .
ثالثاً : إن هناك روايات منقولة عن أحمد فيها التصريح بكفر المأمون أوردناها قريبا.
انتهى المقصود والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد

كتبه : أبو علي خالد المرضي