أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




33 - قال تعالى : {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}الفرقان33
أي : ولا يأتيك - أيها الرسول - المشركون بحجة أو عرض شبهة إلا جئناك بالجواب الحق الواضح البين، وبأحسن بيان له وتفصيلا، الذي يبطل شبهتم ويدمغها، ينزل القرآن الكريمبتفنيد كذبهم، ودحض شبهتهم وإبطالها، فيحق الحق، ويبطل الباطل، لأنه سبحانه أعلم بنفسه، وأعلم بغيره ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: { وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ } أي: بما يلتمسون به عيب القرآن والرسول { إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } أي: إلا نزل جبريل مِنَ الله بجوابهم اهـ (1)
من فوائد الآية :
هي رسالة لجميع الأمة : لن تجدوا خيرا من كتاب الله في علاج اختلافكم

ولن يجمعكم سوى القرآن فاعتصموا به ولا تفرقوا
ومن دلائل الآية الكريمة : أن ...
1- كلام الله جل جلاله الفاصل في الخلاف
2- كلام الله جل جلاله الفارق بين الحق والباطل
3- كلام الله جل جلاله أوضح ألفاظا وأحسن تفسيــرا
4- كلام الله جل جلاله أفصح الكلام، وأبلغه، وأبينه
5- كلام الله جل جلاله أصدق الكلام لا يشوبه باطل
6- كلام الله جل جلاله أفضل ما يستدل به ويحتج بـــه
7- كلام الله جل جلاله افضل ما يرد به على المخــالفين
8- كلام الله جل جلاله حجته البالغة والدامغة والداحضة
9- كلام الله جل جلاله مقدم على العقل وعلى كل كتاب
قال ابن كثير رحمه الله : ولهذا سماه هاهنا الفرقان؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، والحلال والحرام اهـ (2)
نموذج من الشبهات :
قوله تعالى : [وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً}
أي قال الكفار : هلا أنزل عليه جملة واحدة كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود،فكان الرد من الله تعالى : {كَذَلِكَ} أي فعلنا {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}
قال القرطبي رحمه الله : وكان ذلك من علامات النبوة ، لأنهم لا يسألون عن شيء إلا أجيبوا عنه ، وهذا لا يكون إلا من نبي ، فكان ذلك تثبيتا لفؤاده وأفئدتهم اهـ (3)
وقال ابن كثير رحمه الله: وفي هذا اعتناء كبير؛ لشرف الرسول، صلوات الله وسلامه عليه ، حيث كان يأتيه الوحي من الله بالقرآن صباحا ومساء، ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، فكل مرة كان يأتيه الملك بالقرآن كإنزال كتاب مما قبله من الكتب المتقدمة، فهذا المقام أعلى وأجلُّ، وأعظم مكانة من سائر إخوانه من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فالقرآن أشرف كتاب أنزله الله، ومحمد، صلوات
الله وسلامه عليه، أعظم نبي أرسله الله وقد جمع الله تعالى للقرآن الصفتين معا، ففي الملأ الأعلى أنزل جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا ثم نزل بعد ذلك إلى الأرض منجما بحسب الوقائع والحوادث. اهـ (4)
قال أبو حفص عمر الدمشقي الحنبلي :
هذا جواب عن شبهتهم ، وبيانه من وجوه :
أحدها : أنه - عليه السلام - لم يكن من أهل الكتابة والقراءة ، فلو نزل ذلك عليه جملة واحدة كان لا يضبطه وجاز عليه فيه الخطأ والغلط .
وثانيها : أن من كان الكتاب عنده ، فربما اعتمد على الكتاب وتساهل في الحفظ ، فالله تعالى ما أعطاه الكتاب جملة واحدة بل كان ينزل عليه وظيفة ، ليكون حفظه له أكمل ، فيكون أبعد عن المساهمة وقلة التحصيل .
وثالثها : أنه تعالى لو أنزل الكتاب جملة واحدة لنزلت الشرائع بأسرها دفعة على الخلق ، فكان يثقل عليهم ذلك فلما نزل مفرقاً منجماً نزلت التكاليف قليلاً قليلاً ، فكان تحملها أسهل .
ورابعها : أنه إذا شاهد جبريل حالاً بعد حال يقوى قلبه بمشاهدته على أداء ما حمل ، وعلى الصبر على عوارض النبوة ، وعلى احتمال الأذى وعلى التكاليف الشاقة .
وخامسها : أنه لما تم شرط الإعجاز فيه مع كونه منجماً ثبت كونه معجزاً ؛ فإنه لو كان ذلك مقدوراً للبشر لوجب أن يأتوا بمثله منجماً مفرقاً ، ولما عجزوا عن معارضة نجومه المفرقة ، فعن معارضة الكل أولى
وسادسها : كان القرآن ينزل بحسب أسئلتهم ووقائعهم ، فكانوا يزدادون بصيرة ، وكان ينضم إلى الفصاحة الإخبار عن الغيوب .
وسابعها : أن السفارة بين الله وبين أنبيائه ، وتبليغ كلامه إلى الخلق منصب عظيم ، فيحتمل أن يقال : إنه تعالى لو أنزل القرآن على محمد دفعة واحدة لبطل المنصب على جبريل - عليه السلام - فلما أنزله مفرقاً منجماً بقي ذلك المنصب العالي عليه ، فلذلك جعلة الله تعالى منجماً .
فصل (5)
لطائف لغوية :
1- تنكير ( مَثَل ) في سياق النفي للتعميم، فهو يشمل أي مثل أو شبهة.
2- تعدية فعل ( يأتونك) إلى ضمير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لإفادة أن إتيانهم بالأمثال يقصدون به أن يفحموه .
3- صيغة المضارع في قوله : ( لا يأتونك ( تشمل ما عسى أن يأتوا به من هذا النوع كقولهم : ( أو تُسقِطَ السماءَ كما زعمتَ علينا كِسَفاً ( ( الإسراء : 92 ) .
4- ذكر (جِئْنَاك) دون : أتيناك ، كما عُبر عمّا يجيئون به بـ ( يأتونك) إما لمجرد التفنن، وإما لأن فعل الإتيان إذا استعمل مجازاً كثر فيما يسوء وما يُكره،كالوعيد والهجاء
مثال استعمال مادة ( أتى)
1- وقال الله تعالى : أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً ( ( يونس : 24 ) )
2- أتى أمر الله فلا تستعجلوه ( ( النحل : 1 ) )
3- فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ( ( الحشر : 2 )
بخلاف فعل المجيء فأكثر ما يستعمل في وصول الخير والوعد والنصر والشيء العظيم
مثال استعمال مادة ( جاء)
1- قال تعالى :( قد جاءكم بُرهان من ربكم ( ( النساء : 174 )
2- قال تعالى :وجاء ربك والملك صفّاً صفّاً ( ( الفجر : 22 ) )
3- قال تعالى :إذا جاء نصر الله ( ( النصر : 1 )
4- قال تعالى :وقل جاء الحق وزهق الباطل ( ( الإسراء : 81 ) ،
وقد يكون متعلق الفعل ذا وجهين باختلاف الاعتبار فيطلق كلا الفعلين نحو )
حتى إذا جاء أمرنا وفَار التنور ( ( هود : 40 ) ،
فإن الأمر هنا منظور فيه إلى كونه تأييداً نافعاً لنوح . (6)

المصادر:
(1) تفسير القرآن العظيم 6/ 109
(2) تفسير القرآن العظيم/ 6/93
(3) الجامع لأحكام القرآن 13/ 29
(4) تفسير القرآن العظيم/ 6/93
(5) اللباب في علوم الكتاب 14 /528
(6) التحرير والتنوير 19/22