أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



 خلاصة الخلاف في رفع اليدين في تكبيرات صلاة الجنازة:


حكى ابن المنذر ( ) إجماع العلماء على استحباب رفع اليدين في تكبيرة الإحرام في صلاة الجنازة، ثم اختلفوا في رفعهما في سائر التكبيرات إلى قولين:

القول الأول: استحباب رفع اليدين في تكبيرات الجنائز، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة وقول للمالكية، ورواية عن أبي حنيفة أخذ بها علماء بلخ، واختاره ابن المنذر اتباعا لابن عمر.

القول الثاني: الرفع في تكبيرة الإحرام فقط، وهذا مذهب أهل الكوفة (ومن بعدهم الحنفية) والمشهور عن المالكية، وهو اختيار ابن حزم والألباني.

 مآخذ القولين:

 مأخذ الرفع: ما صح من أثر ابن عمر رضي الله عنه في الرفع، وبه أخذ جماعات كبيرة من التابعين، كعطاء وسالم، وسويد بن غفلة وعمر بن عبد العزيز، ونافع بن جبير، وقيس ابن أبي حازم، والزهري، ، ومكحول والنخعي والأوزاعي ووهب بن منبه والحسن البصري ومحمد بن سيرين، وموسي بن نعيم مولي زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد بن أبي بكر وربيعة بن أبي عبد الرحمن.
وذكر الحافظ في التلخيص: أنه صح أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما عند سعيد بن منصور.

 مأخذ عدم الرفع: أنه لم يصح مرفوعا، فيكون عملا زائدا في الصلاة لم يأت به الخبر، واستشهد بعضهم لذلك بحديثين عن ابن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رفع في أول تكبيرة، وهما حديثان متكلم فيهما، وإن كانا اعتضدا عند الألباني.

 الراجح:
قول الجمهور فيه قوة لأمور:
أولا: أنه ورد فيه أثر صحابي، وما ورد فيه أثر أقوى، لاسيما إذا انضم إليه "ثانيا".
ثانيا: أن هذا الباب بابه العمل، والصلاة نقلت بالرؤية البصر كما نقلت بالحديث والأثر، فصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم متصلة الصفوف من طبقة إلى طبقة قولا وعملا، ويؤكد ذلك ثالثا.
ثالثا: أن الرفع هو المنقول عن جماعة كبيرة من التابعين ومن بعدهم، وقد تقدم ذكر بعضهم، ومن هنا كانت عبارة الشافعي في الأم لها معناها حين قال بصدد ترجيحه للرفع: (وعلي ذلك أدركنا أهل العلم ببلدنا)، وهو رجل مكي درس في المدينة، وتلقى عن الشيوخ.

 فائدة: تعجب ابن حزم من أبي حنيفة قوله برفع الأيدي في كل تكبيرة في صلاة الجنازة، مع كونه لم يأت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم، بينما منع رفع الأيدي في كل خفض ورفع في سائر الصلوات، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ( ).
وقد نقل تعجب ابن حزم هذا من أبي حنيفة: المحشي على نصب الراية، واعترض عليه بقوله: هذه النسبة منه أعجب.
قال الألباني: لا عجب، فإن قول أبي حنيفة هذا ثابت عنه، منقول في كثير من كتب أتباعه، مثل حاشية ابن عابدين وغيره، وعليه عمل أئمة بلخ من الحنفيين، وإن كان عمل الأحناف اليوم على خلافه، وعليه جرت كتب المتون، وهذا هو الذي غر المشار إليه على الاعتراض على ابن حزم والرد عليه، وهو به أولى( )
قلت: تعجب المحشي في محله، فالإمام أبو حنيفة نص في كتاب محمد بن الحسن: الرد على أهل المدينة، على الرفع في أول تكبيرة فقط، وهذا هو المشهور في المذهب، أما الرواية الأخرى فلا تكاد تذكر، وإنما أوردها ابن عابدين عن بعضهم.
وإن كان يعتذر لابن حزم بأنه ألزم بحسب ما وصله من رأي أبي حنيفة، فالمذاهب قبل استقرار الأقوال لم تكن متميزة كما هو الحال بعد استقرارها.