أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





واللواء أو الراية أو العَلَم يتخذه المجاهدون، وكان الأصل أن يمسكه رئيس الجيش، ثم صارت تحمل على رأسه، رمزاً لرفع كلمة الله التي ينضوي تحتها المؤمنون، ويشدون على أعداء الله، الذين يريدون إطفاء نور الله وتحطيم راية الإسلام ورفع راية الكفر.

وقد كان إعطاء الرسول الراية لأحد أصحابه، دليلاً على محبة الله ورسوله له، ومحبته لله ورسوله، ولذلك كان أصحاب الرسول صلّى الله عليه وسلم يتمنى كل واحد منهم أن ينال شرفها.

ففي صحيح البخاري عن أبي حازم قال: "أخبرني سهل بن سعد رضِي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلمقال يوم خيبر: (لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله) قال: "فبات الناس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلمكلهم يرجوا أن يعطاها)، فقال: (أين علي بن أبي طالب)؟.فقيل: هو – يا رسول الله – يشتكي عينيه. قال: (فأرسلوه إلي) فأُتِيَ به فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلمفي عينيه ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: (يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا)؟ فقال: (انْفُذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم) [البخاري رقم 4210، فتح الباري (7/476) ومسلم (4/1871)].

قال الحافظ: "وفي هذه الأحاديث استحباب اتخاذ الألوية في الحروب، وأن اللواء يكون مع الأمير أو من يقيمه لذلك عند الحرب"، وقد تقدم حديث أنس: (أخذ الراية زيد بن حارثة فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، الحديث)" [الفتح (6/129)].

وكما يتنافس المجاهدون في حمل راية الإسلام والانضواء تحتها، فإن عليهم أن يبتعدوا عن راية الجاهلية، أو الرايات العمياء التي لا يعرف هدفها، خشية من أن يقادوا إلى ما يسخط الله، وهم إنما يريدون وجهه ورضاه.

عن أبي هريرة رضِي الله عنه:"عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: (من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب للعصبية، أو يدعوا إلى عصبية أو ينصر عصبية، فقتل، فَقِتْلَةٌ جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه)" [صحيح مسلم (3/1476)].

قال النووي في معنى عمية: "هي بضم العين وكسرها، لغتان مشهورتان، والميم مكسورة ومشددة، والياء مشددة أيضاً، قالوا هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه، كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور، قال إسحاق بن راهويه، كتقاتل القوم للعصبية إهـ. [من شرح النووي على صحيح مسلم (12/238)].

والظاهر من قوله: (يغضب لعصبية، أو يدعو إلى عصبية، أو ينصر عصبية) إنه تفسير لهذه الراية العمية، والمراد أنه لا يقاتل لإعلاء راية الإسلام، وإنما لإتباع هوى أو نصر ذي هوى.

فلا يدخل في ذلك من قاتل تحت راية حاكم مسلم جائر ضد احتلال عدو كافر لأرض المسلمين والسيطرة عليهم، لأن الجهاد ماضٍ مع البر والفاجر، كما مضى، إلا أنه يشترط في هذا الفجور ألا يصل إلى الكفر البواح، فإن كان الحاكم كافراً كفراً بواحاً عند المسلمين فيه من الله برهان، فعندئذ يجب أن يبدءوا به فيقلعوه سلما أو حربا فيقاتلوه هو وأعوانه وينصبوا من يحكم فيهم بكتاب الله وسنة نبيه صلّى الله عليه وسلم، لأن الكافر الذي اتضح كفره، قد يخدع المسلمين ويتعاون مع أعدائهم ضدهم.

ومن الكفر البواح: تحليل ما حرّم الله أو تحريم ما أحلّ الله، مثل أن يبيح لنفسه وضع قوانين تخالف صريح أحكام الكتاب والسنّة، أو يعتقد عدم صلاح الحكم بالإسلام، وكذا من أجاز له ذلك من أعوانه ورعيته فإنه كافر بالله تعالى.

قال عدي بن حاتم رضِي الله عنه: "أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلموفي عنقي صليب من ذهب" فقال: (يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك) قال: "فطرحته وانتهيت إليه، وهو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه الآية": {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}، قال: "قلت يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم"، فقال: (أليس يحرمون ما أحلّ الله، فتحرمونه، ويحلّون ما حرّم الله فتحلونه)؟ قال: قلت بلى، قال: (فتلك عبادتهم)" [جامع البيان عن تأويل آي القرآن (10/114) الآية في التوبة:31].

ومن آداب الجهاد اللجوء إلى الله تعالى والاستغاثة به:

ومن آداب الجهاد في سبيل الله اللجوء إلى الله لدعائه والاستغاثة به وطلب نصره على الأعداء، وهذه سنة مضى عليها أولياء الله من الأنبياء والرُسل وأتباعهم، كما قال تعالى: {وكأي من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين} [آل عمران:146-147].

وقال عن جنود طالوت: {ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم بإذن الله} [البقرة: 250-251].

وهكذا كان النبي صلّى الله عليه وسلميكثر من دعاء الله والاستغاثة به، وبه اقتدى أصحابه كما قال تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [الأنفال: 9].

وعن طارق بن شهاب قال: "سمعت ابن مسعود يقول: شهدت من المقداد بن الأسود مشهداً، لأن أكون صاحبه أحب إليّ مما عدل به، أتى النبيصلّى الله عليه وسلم، وهو يدعو على المشركين، فقال: لا نقول كما قال قوم موسى: {فاذهب أنت وربك} ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسرّه يعني قوله" [البخاري رقم 3952، فتح الباري (7/287)].

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنرضِي الله عنهه قال: "لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلمإلى المشركين وعدّتهم، ونظر إلى أصحابه نيّفاً على ثلثمائة، فاستقبل القبلة، فجعل يدعو ويقول: اللهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض، فلم يزل كذلك حتى سقط رداؤه، وأخذه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فوضع رداءه عليه، ثم التزمه من وراءه، ثم قال: كفاك يا نبي الله بأبي وأمي مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك". فأنزل الله {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين} [جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري (9/189) وهو في صحيح مسلم (3/1383) مع اختلاف في بعض ألفاظه].

وقد دلّ حديث أنس الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي، على مداومة الرسول صلّى الله عليه وسلم على الدعاء إذا غزا، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى الله عليه وسلم إذا غزا قال: (اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول ولك أصول، وبك أقاتل) – هذه رواية أبي داود – وفي رواية الترمذي: (أنت عضدي وأنت نصيري وبك أقاتل) [جامع الأصول (5712) رقم الحديث 1049، قال المحشي: (وإسناده صحيح، وحسّنه الترمذي)]. وسيأتي مزيد بيان عن الدعاء وفوائده إن شاء الله في فصل عوامل النصر وعوامل الهزيمة.

ومن آداب الجهاد دعوة الكفار إلى الإسلام قبل القتال:

المقصود من الجهاد في سبيل الله تعالى: رفع راية الإسلام، وهداية الناس إلى الله، وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة الله، والأصل في ذلك أن يبلّغ الناس هذه الدعوة بالوسائل الممكنة ويشرح لهم محاسن الإسلام، وأنه فرض على كل الناس أن يدخلوا فيه، وأنه لا دين حق في الأرض سواه {ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران: 85] {إن الدين عند لله الإسلام} [آل عمران: 19].

حكم الدعوة قبل القتال.

واختلف العلماء في حكم الدعوة قبل القتال: فذهب الحنفيون إلى وجوبها على المجاهدين في حق من لم تبلغهم الدعوة، وإلى أنها أفضل في حق من بلغتهم الدعوة، وإلى جواز تركها في حق من بلغتهم، وخشي تحصنهم إذا أنذروا، معاجلة المسلمين بالحرب [انظر المبسوط (10/6،30) وشرح فتح القدير (5/444)].

وقريب من هذا ما ذهب إليه الشافعيون، إلا أن الحنفيين قالوا إذا قاتل المسلمون الكفار الذين لم تبلغهم الدعوة فقتلوهم لم يضمنوا، وقال الشافعيون يضمنون [انظر حواشي تحفة المحتاج على المنهاج (9/242)].

والظاهر من مذهب الحنبليون وجوب الدعوة أيضاً في حق من لم تبلغهم واستحبابها في حق من بلغتهم، وفرق بعضهم بين أهل الكتاب والمجوس فيقاتلون بدون دعوة لأن الدعوة بلغتهم، وبين الوثنيين فيجب دعوتهم [انظر المغني (9/210)].

ولا دليل على هذا التفريق، لأن المدار على بلوغ الدعوة وعدمه، والأمة التي بلغتها الدعوة الآن، قد يأتي زمان عليها لم تبلغها الدعوة فيه، ومما يدل على عدم صحة هذا التفريق قصة سلمان الفارسي مع قومه "وهم مجوس" كما في الترمذي، عن أبي البحتري "سعيد بن فيروز رحمه الله" أن جيشاً من جيوش المسلمين كان أميرهم سلمان الفارسي، حاصروا قصراً من قصور فارس، فقال المسلمون: "ألا ننهد إليهم"؟

قال: "دعوني أدعوهم،كما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلميدعو، فأتاهم" فقال: "إنما أنا رجل منكم فارسي، وترون أن العرب يطيعونني، فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا وعليكم مثل الذي علينا، وإن أبيتم إلا دينكم تركناكم عليه وأعطونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، ورطن إليهم بالفارسية: وأنتم غير محمودين، وإن أبيتم نابذناكم على سواء". قالوا: "ما نحن بالذي نعطي الجزية، ولكننا نقاتلكم"، قالوا: "يا أبا عبد الله: ألا ننهد إليهم"؟ قال: "لا فدعاهم ثلاثة أيام إلى مثل هذا"، ثم قال: ""انهدوا إليهم"، فنهدوا إليهم، ففتحوا ذلك القصر".

[الحديث في سنن الترمذي (4/119) وقال:"وفي الباب عن بريدة والنعمان بن مقرن وابن عمر وابن عباس، وحديث سلمان حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن السائب، وسمعت محمدا يقول: أبو البختري لم يدرك سلمان، لأنه لم يدرك عليا، وسلمان مات قبل علي، وقد ذهب بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلموغيرهم إلى هذا، ورأوا أن يدعوا قبل القتال وهو قول إسحاق بن إبراهيم، قال إن تقدم إليهم في الدعوة فحسن يكون ذلك أهيب، وقال بعض أهل العلم: لا دعوة اليوم، وقال أحمد لا أعرف اليوم أحدا يدعى، وقال الشافعي: لا يقاتل العدو حتى يدعوا، إلا أن يعجلوا عن ذلك، فإن لم يفعل فقد بلغتهم الدعوة"]

أما المالكيون فذهبوا إلى وجوب الدعوة قبل القتال مطلقاً، أي سواءً بلغتهم أم لم تبلغهم [انظر الشرح الصغير على اقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك (2/275)].

ومحصَّل الأقوال: أن الحنفيين والشافعيين والحنبليين، يرون التفصيل: وجوب الدعوة في حق من لم تلبغهم، وعدم وجوبها في حق من بلغتهم، وأن المالكين يرون وجوب الدعوة مطلقاً، إلا أن الذي نص عليه ابن عبد البر في الكافي يوافق ما نص عليه في المذاهب الثلاثة حيث قال: "وكل من بلغته دعوة الإسلام لم يحتج إلى أن يدعى، وكل من لم تبلغه، لم يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام، وكان مالك يستحب ألا يقاتل العدو حتى يُدْعَوا إلى الإسلام، بَلَغَتْهُم الدعوة أو لم تبلغهم، إلا أن يعجلوا عن ذلك فيقاتلوا" [الكافي (2/466) لابن عبد البر].

ويحكى قول ثالث وهو: عدم الوجوب مطلقاً [غزوة بني المصطلق لإبراهيم القريبي ص: 45].

وأرجح الأقوال - فيما يظهر – التفصيل، وهو: وجوب الدعوة إلى الإسلام في حق من لم تبلغهم قبل القتال، لأنهم حينئذ لا يدرون على ماذا يقاتلون؟ وقد يفسرون مقاتلهم أنها من أجل نهب أموالهم ونحو ذلك، وإقامة الحجة واجبة: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} [الإسراء: 15].

ويدل على هذا حديث بريدة: (إذا لقيت عدوك، فادعهم إلى ثلاث خصال … ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فكف عنهم واقبل منهم …) [صحيح مسلم رقم الحديث 1731، وهو في جامع الأصول (2/589) رقم 1073].

واستحباب الدعوة إلى الإسلام قبل القتال في حق من بلغتهم قبل ذلك، ولم يخشَ معاجلتهم المسلمين أو فواتهم عليهم، مبالغة في الإنذار الذي قد يهدي الله به القوم، ويدل على هذا أن يهود خيبر كانوا قد بلغتهم الدعوة، ومع ذلك فقد سأل علي رَضي الله عنه عندما أعطي الراية، وأمره النبي صلّى الله عليه وسلمبقتالهم فقال: "يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟" فأجابه الرسول صلّى الله عليه وسلمبقوله: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه … الحديث) [البخاري رقم 4210، انظر فتح الباري (7/476) ومسلم (4/1872)].

فإن كانوا قد بلغتهم الدعوة، ودلّت القرائن على أنهم يبيتون للمسلمين شراً أو يجمعون جموعهم لقتال المسلمين، فالذي يظهر أنه يجب في هذه الحالة على المسلمين أن يغيروا عليهم دون إنذار سابق، لأن المسلمين على حق والكفار على باطل، والفرصة إذا سنحت للمسلمين، يجب عليهم اغتنامها وعدم تفويتها والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله) [مسلم (4/2052)].

ولعل إغارة الرسول صلّى الله عليه وسلم، على بني المُصْطَلِق وهم غارُّون – أي غافلون – من هذا الباب، لأنهم كانوا ضمن الأحابيش الذين غزو الرسول صلّى الله عليه وسلمفي غزوة أحد، كما أنهم كانوا يجمعون لقتاله قبل أن يغزوهم [راجع المبسوط (10/30-31) وزاد المعاد (2/125) وغزوة بني المصطلق لإبراهيم القريبي مخطوطة ص:48]. وكذلك غزوة تبوك، إذ كان الروم يتحفزون لغزو المسلمين.

ويحصل بلوغ الدعوة بانتشارها، وعلم الناس عنها في الجملة، لأن سماعهم بها يلزمهم الاستفسار عنها وتعلمها، وقد كان كثير من المشركين، يبعثون من يأتيهم بخبرها أو يسافرون بأنفسهم لسماعها.

وقد توافرت في هذا العصر الوسائل التي يمكن تبليغ الدعوة بها، إلى كافة الناس بلغاتهم: مثل الإذاعة والتلفاز، والهاتف والأشرطة المسجلة، والكتب المترجمة، والصحف والمجلات والإنترنت … وغيرها.

ويكفي أن يبلغ زعماء الأمم تلك الدعوة، ويطلب منهم أن يبلغوا قومهم، بأن يدخلوا جميعاً في الإسلام، وهم الذين يتحملون بعد ذلك مسئولية قومهم، إن لم يبلغوهم، كما فعل الرسول صلّى الله عليه وسلمعندما كاتب الملوك والرؤساء.

من ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ما نصه: (بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين) {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}.[ الآية في سورة آل عمران (64) والحديث في البخاري رقم 2940 فتح الباري (6/109) ومسلم (3/1393) وقال النووي: في هذا الكتاب جمل من القواعد وأنواع من الفوائد، منها دعاء الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم، وهذا الدعاء واجب، والقتال قبله حرام، إن لم تكن بلغتهم دعوة الإسلام، وإن كانت بلغتهم فالدعاء مستحب، هذا مذهبنا وفيه خلاف للسلف سبق بيانه في أول كتاب الجهاد إهـ (12/107-109) شرح النووي على مسلم. والأريسيون: الفلاحون والزارعون والمقصود رعاياه]

ومن ذلك حديث أنس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم" رواه مسلم [(3/1397) وهو في مشكاة المصابيح برقم 3926 (2/381)].

وهكذا فعل أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم: فعن أبي وائل قال: كتب خالد بن الوليد إلى أهل فارس "بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد إلى رستم ومهران في ملأ فارس، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإنا ندعوكم إلى الإسلام، فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، فإن أبيتم فإن معي قوماً يحبون القتال قي سبيل الله، كما تحب فارس الخمر، والسلام على من اتبع الهدى" [مشكاة المصابيح (2/383)].

هذا عندما يوجد للمسلمين أمير يقوم بأمر الجهاد في سبيل الله، ويدعوهم إلى النفير، بترتيب وإدارة للدعوة والجهاد في سبيل الله، أما إذا لم يوجد الأمير الشرعي الذي يقودهم للدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، فلا يحق للأفراد أو المجموعات رفع راية الجهاد ضد الكفار، لما يحدثه ذلك من فوضى وما يترتب عليه من الأضرار والمفاسد التي تنال المسلمين كلهم.

واليوم يجب على كل قادر من المسلمين أن يغتنم فرصة وجود هذه الوسائل الإعلامية المتنوعة، ويجتهد في دعوة الناس مسلمين وغير مسلمين إلى العمل بالإسلام وأحكامه وآدابه، وأثر ذلك واضح في انتشار الدعوات في هذه الوسائل، والمسلمون أولى بأن ينشروا دعوتهم فيها.