أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


(1) لقاء مجلة بصائر مع فضيلة الدكتور مساعد بن سليمان الطيار
التاريخ: 29/08/1432 الموافق 30/07/2011
عدد الزيارات: 1402


حاوره: عبدالرحمن الصبيح.
من هو الشيخ الدكتور مساعد الطيار؟ وما هي علاقته بعلم التفسير باختصار؟
مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار، درست في الرياض من الابتدائي إلى الجامعة، وواصلت الدراسات العليا في قسم القرآن وعلومه من كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود.
وقد بدأت عنايتي بعلم التفسير من أيام الثانوية، وكنت أجمع ما أقف عليه من كتب التفسير قدر استطاعتي المالية. وكنت أُعنى بالنِكت والمسائل المشكلة -حسب ثقافتي آنذاك- واللطائف الغريبة، وقد استمعت إلى بعض دروس التفسير المسجلة للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، وكذا للشيخ محمد متولي الشعراوي، ثم تنامت العناية بالتفسير شيئا فشيئا، وأسأل الله المزيد من فضله.


حدِّثنا عن كتبك باختصار؟ وما الجديد منها؟ وهل تبشر القراء بكتب تحت الإنشاء أو تحت الطبع؟
أول تأليف لي كان بدأته في نهاية عام 1412، وهو كتاب (فصول في أصول التفسير)، وقد طُبع عام 1413، وقد لقي قبولا من المعتنين بالتفسير، وصار يُدرَّس في عدد من الكليات وفي بعض الدورات العلمية، وقد كتبته أثناء كتابتي لرسالة الماجستير (وقوف القرآن وأثرها في التفسير)، ولم يكن لي خبرة كافية بتحبير الكلام، ولا بتوضيح ما يحتاج إلى توضيح، فجاء الكتاب على نمط وقع فيه قصور في التعبير، وتكرار في بعض المواطن، وعدم تحرير لبعض المسائل، ولو قُدّر لي أن أعيده لاختلف عن شكله الموجود عليه اليوم، وقد طُلب مني ذلك كثيراً، لكني أحجمت عن ذلك واخترت أن يبقى الكتاب كما هو، ولعلي أخرج طبعة أخرى يكون فيها تعليقات وتنبيهات على بعض المسائل التي تحرّرت عندي ورجعت عما هو في هذا الكتاب، وإن يسر الله لي التأليف في (أصول التفسير) فسأكتب فيه كتابين؛ متنٌ في أصول التفسير، وكتاب آخر أشرح فيه مسائل هذا العلم.
ثم ألفت بعد ذلك كتاب (تفسير جزء عم)، وكنت قد زورت أن يكون اسمه (التفسير المحرر)، لكني عدلت عن هذه التسمية لأني خشيت ألا أكمل التفسير على هذا المنوال.
وجعلت هذا الكتاب على قسمين؛ متن في أعلى الصفحة، وفي أسفلها الحاشية، وقد حرصت على تحرير التفسير وبيان كيفية التعامل مع تفسير السلف في عباراتهم واختلافاتهم، وكيفية الترجيح بين أقوالهم؛ اعتماداً على قواعد الترجيح التي استفدت معظمها من تفسير ابن جرير الطبري (ت 310)؛ لذا صار في الكتاب أمثلة تطبيقية على كثير من المسائل التي ذكرتها في كتابي (فصول في أصول التفسير).
ثم طبعت رسالتي في الدكتوراه (التفسير اللغوي للقرآن الكريم)، وكانت مرحلة الدكتوراه -بحمد الله- مرحلة تأسيسية استفدت منها بقراءة كتب ما كنت أتوقع أن أقرأها -يوما ما- كاملة؛ كجمهرة اللغة لابن دريد، وتهذيب اللغة للأزهري، وغيرهما كثير.
ثم ألفت كتابي (أنواع التصنيف المتعلقة بتفسير القرآن الكريم)، وقصدت فيه أنواع العلوم التي لها علاقة بعلم التفسير دون غيره من علوم القرآن، وذكرت فيه بعض كتب كل نوع منها، وبعض ملاحظاتي عليها، ومع تنبيهات وفوائد متنوعة في هذا الموضوع.
ثم ألفت بعده كتاب (مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر والمفسر)، وقد حرصت فيه على بيان هذه المصطلحات، وقد أفاد منه بعض الدارسين في الدراسات العليا، كالشيخ فهد الوهبي الذي درس موضوع الاستنباط من القرآن الكريم وفتّق مسائله، ولو أعدت كتابته مرة أخرى لاستدركت ما وقع من قصور في تحديد بعض المصطلحات؛ كالملاحظة التي ذكرها الشيخ فهد الوهبي في تعريف الاستنباط الذي ذكرت، وكذا تلك الحدة التي وجدها في نقد الشيخين -رحمهما الله- محمد عبد العظيم الزرقاني، ومحمد حسين الذهبي، وكان سبب ذلك ما وقع منهما في نقد التفسير المأثور إلى حدٍّ -في نظري- جعل قيمته أقل وأضعف من تفسيرات المتأخرين، وإني لأسأل الله أن يغفر لي ولهم، وأن يرزقنا سلامة القلب ومحبة الصالحين.
وظهر بعده كتاب (مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير)، وكان أخي الشيخ سامي جاد الله المشرف العلمي بدار المحدث قد أشرف عليه منذ جمعه إلى طبعه، وقد أفادني هذا الجمع، واستفاد منه الباحثون، ولله الحمد.
ثم كتبت كتاب (المحرر في علوم القرآن)، وقد كتبته لمعهد الإمام الشاطبي بجدة، وكان على حسب المفردات المقترحة لهذه المادة، وقد حرصت على إثارة عقل القارئ لبعض المسائل، والتنبيه على ما يحتاج إلى بحث وتحرير، وإن كان هذا الأسلوب قد واجه انتقادا من بعض الباحثين وأعضاء هيئة التدريس، غير أني لا أزال مقتنعا بهذه الفكرة، وأراها تستثير قارئ الكتاب للبحث والتنقيب.
ومما يتميز به هذا الكتاب تقريب (التعريف بالمصحف) -الذي يكون في آخره- للقارئ، والتنبيه على جهود علماء المسلمين في هذا المجال، وقد كان من آخرها ما قام به مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة النبوية.
ثم خرج كتاب (شرح مقدمة في أصول التفسير) لابن تيمية (ت 728)، وهو أول شرح متكامل لهذه المقدمة النفيسة، وقد حرصت فيها على بيان المسائل المتعلقة بالتفسير وأصوله، وحرصت على التمثيل للأفكار التي ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.
وفي الطريق ثلاثة كتب:
- (وقوف القرآن وأثرها في التفسير)، وستصدر قريبا -إن شاء الله- من مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
- ومقالتي في الإعجاز العلمي، وستصدر تحت عنوان (الإعجاز العلمي إلى أين؟).
- وكتاب في شرح مقدمة التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الكلبي (ت 741).
وأسأل الله من فضله المزيد.


ما نصيحتك لمن يريد دراسة علوم القرآن؟ وكيف يبدأ؟
مشكلة علوم القرآن أنها لم تأخذ صورتها التي نراها عليها اليوم إلا متأخراً، وأرى أن بداية الاجتهاد في الجمع الكلي لأنواع علوم القرآن كانت على يد الزركشي (ت 794)، وكانت الفكرة التي انطلق منها أنه لم يجد لأنواع علوم القرآن مؤلفاً كما هو الحال في أنواع علوم الحديث، فابتدأ بتصنيف كتابه هذا من خلال هذه الفكرة.
ولهذا، لا يوجد -إلى اليوم- متن يمكن أن يُعتمد في علوم القرآن، فضلا عما يعتور هذا الفن (علوم القرآن) من مشكلات في الأنواع المندرجة تحته يطول المقام بذكرها، لكن على سبيل الإشارة أذكر ما وقع من انتقاد لكتب علوم القرآن من أنها ذكرت مباحث من علم (أصول الفقه) وجعلتها من علوم القرآن، وهذا الانتقاد له وجه وحظ من النظر، لكن لمن أدخلها في (علوم القرآن) حظ من النظر أيضا، وقد أبنت عن شيء من ذلك خلال بعض دروسي، خصوصا درس عشاء السبت الذي ألقيه في جامع الراجحي بمدينة الرياض، حيث ابتدأت التعليق على كتاب (الإتقان في علوم القرآن) للسيوطي (ت 911)، وذكرت مثل هذه الانتقادات وبينت ما أراه صوابا في هذه المسألة.
وبعد، فإني أنصح من يريد الاطلاع على أنواع علوم القرآن بأن يقرأ كتاب الشيخ الدكتور حازم حيدر (علوم القرآن بين البرهان والإتقان)، فإنه سيستفيد من هذا الكتاب معرفة أنواع علوم القرآن عند هذين العَلَمَين؛ ما اتفقوا في ذكره، وما زاد أحدهما على الآخر، مع ما في ملاحظات الدكتور حازم وتنبيهاته العلمية من فوائد جمة.
وبهذا الاطلاع يكون عنده رصد لمادة كتب علوم القرآن، وتكون عنده أصول هذا العلم، وإن لم يوجد متن يجمعها، فإذا قرأ هذا الكتاب يمكنه أن يترقى في القراءة في كتب علوم القرآن المتقدمة والمعاصرة.
ومن أهم ما أنصح به طالب العلم -عموماً- الحرص على التطبيقات، فإذا قرأ -مثلاً- نوعا من أنواع علوم القرآن (كأمثال القرآن)، فإنه يجتهد في تطبيق مسائله على الآيات، فيأخذها من خلال سورة، أو من خلال جزء، فإذا عمل في كل نوع يمكن التطبيق عليه مثلَ ذلك صار عنده رسوخ في المادة النظرية وفي المادة التطبيقية.


هل في علوم القرآن تخصصات؟ أم أنه تخصص واحد؟ هذا إذا استثنينا علم القراءات. وما هي هذه التخصصات؟
هناك علم التفسير، وهو ميدان واسع، وإن كنت أرى أنه لا يلزم أن نقول: إنها تخصصات، وإنما هي أنواع؛ قد تجتمع تحت نوع عام، وقد ينفرد بعضها فلا يمكن إدراجه ضمن نوع عام من هذه الأنواع. وعندي أن فقه هذا السؤال يفيد دارس علوم القرآن ومدرّسَه، وأنت أشرت في سؤالك إلى هذا، فأقول:
إنه يمكن أن تُدرس الأنواع المتعلقة بأحوال نزول القرآن تحت مسمى عام، وهو (نزول القرآن)، ويدخل تحت ذلك عدد من الأنواع التي فصّلها العلماء ككيفية نزوله، ونزوله بلغات العرب، ونزوله بالأحرف السبعة، وأسباب نزوله، ومكية ومدنية، وغير ذلك مما له علاقة بالنزول.
كما يمكن أن تدرس الأنواع المتعلقة بأدائه تحت مسمى (علم الأداء)، ويدخل في ذلك ما يتعلق بقراءاته واختلاف أدائها، وكذا تجويده.
ويمكن أن تُدرج أنواع العلوم المتعلقة بالتفسير تحت مسمى (علوم التفسير)، وهكذا يمكن أن تجتمع هذه الأنواع المتكاثرة تحت مسميات عامة ذات دلالة على ارتباطها بنوع من أنواع علوم القرآن، وأفضل من طبَّق هذه الفكرة البلقيني (ت 824) في كتابه (مواقع العلوم من مواقع النجوم).
ويمكن أن تدرج مجموعة من أنواع علوم القرآن تحت ما يسميه بعض الأصوليين بعوارض الألفاظ، ويدخل فيها أنواع؛ كالناسخ والمنسوخ، والمتشابه، وكذا ما يسمونه بدلالات الألفاظ كالعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين، ولو عُمل بأنواع علوم القرآن مثل هذا لأفادت الطالب، ولأعانته على سبر هذه الأنواع، وعلى ضبط دراستها.

هل يشترط لطالب علم التفسير حفظ القرآن كاملا؟
لا يشترط، لكن لا شك في أن حافظ القرآن يكون أكثر إبداعاً في التفسير من غير الحافظ، كما أن المتقن للحفظ الذي يستطيع أن يستظهر محفوظه بسرعة سيكون إبداعه في الدرس والتأليف أكثر، واستمع إلى مثل الشيخ الإمام محمد الأمين الشنقيطي (ت 1393) لتنظر حقيقة ما ذكرت لك.
أما إذا كان مقام الطالب مقام البحث، فإنه سيمكنه الاستعانة بالبرامج وغيرها ويستفيد منها في تحضيره وكتابته.

هل لا بد من قراءة جميع كتب الأمهات في التفسير لمن يريد أن يتخصص في هذا الفن؟
من خلال تجربتي في هذا العلم، وتنوع ممارساتي فيه، استقر الأمر عندي على أن طالب هذا العلم يلزمه أن يقرأ أصول التفسير، ثم يجتهد في تطبيق ما درسه في هذا العلم، فإذا استطاع أن يصل إلى معرفة طريق تحرير التفسير، والخلوص من الاختلافات الواردة في التفسير إلى الرأي الصواب؛ سواء أكان بجمع الأقوال أم كان بترجيح أحدها، فإنه يمكنه بعد ذلك أن يقرأ في الأمهات.
ولا يلزم من أراد أن يفسر القرآن القراءة في جميع الأمهات، لكني أرى أن يلتزم كتاباً أو كتابين يكونان مصدراً رئيساً يصدر عنهما وينهل منهما، ويضيف لهما مما يجد هنا وهناك.
أما إن كان متخصصاً -كما في سؤالكم- فإنه يحسن به أن يكثر من القراءة والبحث والتنقيب في عدد من الأمهات ليكون فهمه للآية أوسع، وبيانه أوضح، وهذا ظاهر بالممارسة.
وبمناسبة سؤالك، فإني أذكر أهم كتب التفسير التي يحسن بطالب العلم غير المتخصص أن يقتنيها، وتكون في مكتبته:
1- جامع البيان في تأويل آي القرآن، لإمام المفسرين محمد بن جرير الطبري (ت 310).
2- المحرر الوجيز، لعبد الحق بن عطية الأندلسي (ت 542).
3- الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (ت 671).
4- البحر المحيظ، لأبي حيان الأندلسي (ت 745)، فإن لم يكن فكتاب تلميذه السمين الحلبي (ت 756) المسمى (الدر المصون في علوم الكتاب المكنون)، وهو كتاب منظم، ومن أنفس الكتب التي اعتنت بإعراب القرآن، وإن لم يوجد فكتاب الألوسي (ت 1270) المسمى (روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني)، ويتميز باستفادته من أبي حيان، ومن بعض حواشي كشاف الزمخشري (ت 538)، وحواشي تفسير البيضاوي (ت 685)، إلا أن فيه شائبة، وهي التفسير الصوفي الباطني الذي يختم به مقاطع تفسيره، أسأل الله أن يغفر لنا وله.
5- تفسير القرآن العظيم، لابن كثير الدمشقي (ت 774).
6- نظم الدرر في تناسب الآي والسور، للبقاعي (ت 885).
7- حاشية شيخ زاده (ت 951) على البيضاوي (ت 685)، وهي من أنفس الحواشي على هذا التفسير، وإن لم يجدها فيمكنه الاعتماد على تفسير أبي السعود (ت 982) (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم)، وهو كتاب نفيس جداً، فإن لم يكن فحاشية الشهاب الخفاجي (ت 1069) المسماة (عناية القاضي وكفاية الراضي على تفسير البيضاوي).
8- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، لابن سعدي (ت 1376).
9- التحرير والتنوير، للطاهر بن عاشور (ت 1393).

أيُّ الاسمين تفضل: (علوم القرآن) أم (علم التفسير)؟ ولماذا؟
أشرت في جواب سابق عن الفرق بين العِلمين، فعلم التفسير جزء من علوم القرآن، إذ ليس كل أنواع علوم القرآن مما يحتاج إليه المفسر لبيان كلام الله، كعلم عد الآي، فهو من علوم القرآن وليس من علوم التفسير؛ لأنه لا يتوقف معرفة معنى الآية على معرفته أو جهله، فخرج بذلك عن أن يكون من علوم التفسير، وإذا كان الحال كذلك، فلا وجه للمفاضلة.

(القرآن حمّال أوجه).. تعليقك؟
هذه العبارة صحيحة بلا ريب، لكنها قد تستخدم في غرض باطل، فتكون كما يقال (كلمة حق أريد بها باطل)، وقد وردت هذه العبارة عن بعض السلف، كما في الأثر الوارد عن الصحابي أبي الدرداء، قال: (وإنك لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها)، ومراده -والله أعلم- الوجوه المتغايرة الصحيحة التي تحتملها الآية. وإذا كانت الوجوه كذلك، فإنها صحيحة، وعلى هذا جرى تفسير السلف تنظيراً وتطبيقاً، ولولا ضيق المقام لذكرت بعض الأمثلة في هذا الموضوع، لكن يمكن الرجوع إلى أول كتاب (السنة) للإمام محمد بن نصر المروزي، فقد ذكر نصاً فيه عدد من أقوال السلف في هذا المقام.
أما الوجوه الضعيفة جداً، أو الوجوه الباطلة التي يذكرها غلاة الرافضة والباطنية، وكذا ما نراه اليوم من تفسيرات شاذة مخالفة لدين الإسلام أو لاتفاق الأئمة والعلماء المعتبرين؛ فإنه لا يصح الاستدلال بهذه المقالة كما ذكرت لك أنها قد يستخدمها أصحاب التأويل الباطل.
ومعرفة الوجوه الصحيحة من الضعيف، والوجوه المنكرة الشاذة إنما يكون بدراسة أصول التفسير وضبطها، والله الموفق.

ذم العلماءُ التفسيرَ بالرأي، ومع ذلك نرى أن أحد أقسام التفسير التي يذكرها العلماء: التفسير بالرأي، والتفسير بالأثر. كيف يكون ذلك؟
لم يقع خلاف بين العلماء في ذم الرأي، لكن مرادهم به (الرأي المذموم)، وهو الذي يكون عن جهل أو هوى، وهذا النوع من الرأي حرام باتفاق العلماء، ومما يدل على تحريمه قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33].
أما إذا قال العالم برأيه إما بعلم يقيني وإما بعلم من باب غلبة ظن فإنه جائز، وهو الرأي المحمود.
وبهذا، فإذا رأيت عالما يذم الرأي، فإنه يريد الرأي المذموم، وإذا رأيته يجيز الرأي فاعلم أنه الرأي المحمود.


يتهم البعضُ المتخصصين في علم التفسير بأنهم بعيدون عن حياة الناس العامة، ولم يقربوا القرآن للناس ولحياتهم العامة! كما أنهم بعيدون عن الحياة الفكرية وخصوصاً الدراسات الفكرية المتعلقة بالقرآن الكريم؟
نعم، هذا الاتهام له حظ من واقع المتخصصين، أود أن أقول: إن المراد بالمتخصصين (أعضاء هيئة التدريس) والدارسون في مراحل الدراسات العليا.
وهؤلاء تقع على عواتقهم أمانة كبيرة في السبيلين اللذين ذكرتهما، وفيهما -كما قلت في سؤالك- ضعف ملحوظ جداً.
وإذا نظرت إلى بعض المتخصصين في مجالس الأقسام تراه يطالب الدارسين بالجديد وهو من أبعد الناس عن ذلك، بل إذا جاءت دراسات جادة وجديدة تناقش شيئا من الخلل الموجود في الدراسات والأطروحات المعارضة = رأيته أول المنتقدين.
بل إني سمعت عن بعضهم يقول في خطة أكاديمية قُدمت: لا نريد أن نفتح الباب لأعدائنا في هذا الموضوع!، وقد تعجبت كثيراً من ذلك، إذ الباب مكسور، والأعداء قد ولغوا فيه، وقدموا فيه الدراسات المشككة. وأرى أن هذا القائل قال بذلك لنقص علمه بما يُطرح في ساحة الدراسات القرآنية، وبما يطرحه المخالفون في هذا المجال، بل أكاد أجزم أنه لم يقرأ كتاباً من كتب هؤلاء المخالفين ليرى هل بقي في الباب شي يمكن تقويمه ليوصده من جديد!
إن هذا واقعنا، وأرجو أن لا ننزعج من نقده وتقويمه وتسديده، والسير به إلى الطريق الأمثل، والسبيل الأقوم. ودليل ذلك أنك لو عملت كشافاً لرسائلنا وبحوثنا العلمية، لظهر لك مدى عنايتنا بهذين البابين اللذين ذكرتهما.
وأما ما يتعلق بتقريب كتاب الله للعامة، فإن هذا فيه تقصير كبير، مع أن عضو هيئة التدريس يقوم بتدريس مواد الكلية، فلماذا لا يقوم بتدريس كتاب الله للعامة؟!
وأحب أن أنبه على أمر متعلق بلفظ (المتخصصين)، فأقول: إننا نربط تعليم القرآن وتفسيره بالمتخصصين فقط، لكن لما كان أولئك قد سلكوا هذا السبيل، فإن العتب عليهم أخص، وإلا فكل من كان له عناية بالقرآن من المسلمين، فإنه مطالب بما يطالب به المتخصص.


ذكر زميلكم الدكتور عبد الرحمن الشهري في لقائنا معه في (بصائر): أن سبب بُعد أهل التفسير عن الحياة الفكرية المتعلقة بالقرآن وعدم تصديهم للشبهات المثارة؛ هو ازدراؤهم وعدم معرفتهم للعلوم والمناهج الجديدة كالبنيوية والألسنية وغيها. فما رأيكم؟
الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وإذا كان المتخصصون لا يعرفون هذه الدراسات فأنّى لهم أن يصدوا شبهات هؤلاء القوم؟! لذا فإنني أتمنى أن ينبري بعض المتخصصين لمعرفة أصول هؤلاء القوم وأقوالهم، ثم يمكنهم التصدي لهذه الدراسات التي تخلط الحق بالباطل فتلبسه به، بل تحرف كلام الله عن مواضعه.


هل أنت راض عن مستوى المتخصصين في الدراسات القرآنية؟ وهل باستطاعة المتخصصين والأقسام القرآنية تقديم المفيد الجديد في هذا الجانب؟
حسب ما قدمت من إجابات فإن الجواب البديهي : لست راضيا!
ولا يزال ميدان الدراسات القرآنية ثرياً، ويمكن تقديم الجديد والمفيد، فكتاب الله تعالى حر لا يدرك مداه، فأنى للدراسات أن تأتي على كل ما يتعلق به؟!
ولكن من أراد أن يثوِّر القرآن فعليه بالقراءة والتأمل وبابتكار الموضوعات، وبالاجتهاد في البعد عن الموضوعات الرتيبة التي كثُر طرقها.
وأحب أن أعلق على كلمة (الجديد)، فإنها كلمة فيها ضبابية، وقد يستخدمها بعض أعضاء هيئة التدريس في رد بعض الموضوعات، وإن كان واقع البحث المقدم فيه جديد؛ ذلك أن معيار الجديد يختلف من شخص لآخر. والمهم في البحث الإبداع وجودة التحرير، وهما بمثابة الجديد لا محالة.
لو قال باحث: سأبحث المعرّب في القرآن، لقال بعضهم: هذا بحث لا جديد فيه، وواقع البحث العلمي المعاصر يدل أنه فيه جديد.
وقد ظهرت نظريات معاصرة مبنية على أقوال أسلافنا، وفيها من الإبداع الغريب ما فيها، فلو درسها الباحث من خلال هذه النظريات الجديدة لظهر جديد هذا الموضوع، لكن الحكم المُسبق على الموضوعات -الذي سببه قلة الاطلاع في بعض الأحيان- سبب في رد مثل هذا الموضوع.
ولو استُبدل الجديد بالتحرير والإبداع الذي يظهره الباحث في بحثه لكان أولى من اشتراط الجديد الذي لا يثبت لكثير من البحوث التي تُقبل لاعتبارات مختلفة، لكن إذا أضيف إلى ما ذكرته أن يكون الموضوع فيه جِدة، فهذا فضل فوق الفضل، والله يرزق من يشاء بغير حساب.


http://www.attyyar.net/container.php?fun=artview&id=160