أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




قال الشيخ إبراهيم اللاحم في مقارنة المرويات 478/2 فما بعدها:

وأجدني هنا مضطرا للحديث بشيء من التفصيل عن «صحيحي البخاري ومسلم »، فكثير من الناس لا يدرك أنهما من أهم كتب نقد المرويات, وهذا ظاهر جدا فيما أعرضا عن إخراجه من أحاديث هي أصول في أبوابها, إذ لا مناص من القول إنهما تركاها لعلة فيها, وكثير منها وقع في أسانيدها اختلاف, ولهذا ينص العلماء في كلامهم على بعض الأحاديث, أو على بعض الأسانيد لها, على أنهما تركاها للاختلاف على فلان مثل أبي عوانة في «مستخرجه على صحيح مسلم»,والحاكم في «المستدرك»، وابن حجر في « فتح الباري »، وهذا شأن تقدم التنبيه عليه في مواضع, منها في « الاتصال والانقطاع »

وأشير هنا إلى أن من دقائق النقد لما تركاه, أن يخرج الواحد منهما حديثا بإسناده, ثم يدع من متن هذا الحديث جملة طويلة أو قصيرة, لعلة فيها, حسب اجتهاده, ويحضرني من هذا الضرب مواضع في الكتابين, وبعضها نبه عليه الشراح, ويخطر في بالي أنها عند البخاري أكثر منها عند مسلم.
والذي يهمنا هنا ما يتعلق بنقد ما أورداه في كتابيهما, تصريحا, أو إشارة, أو تصرفا, فهذا موجود في الكتابين بكثرة, وما يوردانه من علل على أصل حديث عندهما, فالظاهر أن غرضهما أن تلك العلة غير مؤثرة, إما لرجحان الوجه التام, أو لترجيح حفظ الوجهين, فكأن مرادهما الإشارة إلى اطلاعهما على الاختلاف وأنه غير مؤثر أصلا, أو هو مؤثر على معنى نزول الحديث عن المرتبة العليا من الصحة, وليس مؤثرا على أصل الصحة, وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من هذافي الكلام على الوجه الراجح في المبحث الثاني من الفصل الرابع.

ومن ذلك أيضا حديث عمر بن أبي سلمة في قصة أكله مع النبي صلى الله عليه وسلم, فقد أخرجه البخاري من طريق الوليد بن كثير, ومحمد بن عمرو بن حلحلة, عن وهب بن كيسان, عن عمر بن أبي سلمة بالقصة, ثم ساق رواية مالك, عن وهب بن كيسان بالقصة مرسلة.

والكتابان موضوعان للحديث الصحيح, وما فيه علة توجب ضعفه قد تركاه ابتداء, ولهذا قال الترمذي في كلامه على الاختلاف على أبي إسحاق السبيعي, في تسمية من فوقه, في حديث عبدالله بن مسعود في الاستنجاء بالأحجار: «فسألت محمدا عن هذا الحديث, فقلت: أي الروايات عندك أصح في هذا الباب? فلم يقض فيه بشيء, وكأنه رأى حديث زهير أصح, ووضع حديث زهير في كتاب "الجامع" ».

ولا يخرج عن هذا الظاهر إلا بدلالة قوية ترجح أن الواحد منهما أخرج الحديث الذي فيه اختلاف, مع ترجيحه للوجه الناقص الذي لم يستوف شروط الصحة, كأن يرجح كونه مرسلا, فيكون قد تسامح في النزول عن الشرط لسبب.

وأما ما يوردانه من علل وبيان اختلاف يتعلق ببعض الإسناد أو المتن, فهذا كثير عندهما, وقد ذكر مسلم في مقدمة كتابه أنه سيذكر علل بعض الأحاديث, فقال بعد شرح منهجه في انتقاء أحاديثه: « قد شرحنا من مذهب الحديث وأهله بعض ما يتوجه به من أراد سبيل القوم, ووفق لها, وسنزيد −إن شاء الله تعالى− شرحا وإيضاحا في مواضع من الكتاب, عند ذكر الأخبار المعللة, إذا أتينا عليها في الأماكن التي يليق بها الشرح والإيضاح, إن شاء الله تعالى».

وقد وفى مسلم بما وعد به, فأكثر من تعليل زيادات ألفاظ في المتون, أو تغيير في متن الحديث, وكذلك في الإسناد, من زيادة راو, أو تغيير في اسمه, ونحو ذلك, وكذا صنع البخاري, فساق كثيرا من أوجه الاختلاف بغرض تعليلها, وهذا ظاهر لمن تأمل الكتابين.

ولا يظن ظان أن هذا فيه تجن على صاحبي الصحيح, بوجود أحاديث معللة في الكتابين, بل هو دفاع عنهما, فإن بعض ما انتقد عليهما لا عتب عليهما في إخراجه, إذ غرضهما تعليله فيما يظهر, وقد ذكر أبو الفضل بن عمار الشهيد عدة أحاديث في كتابه « علل الأحاديث في كتاب الصحيح لمسلم بن الحجاج » فيها علل في متونها, ويظهر جدا من سوق مسلم لأسانيدها ومتونها أن غرضه كان بيان ما فيها من علل، وكذلك الحال بالنسبة للدارقطني مع مسلم.

ويبقى النظر في طريقة معرفة كون الشيخين أرادا بيان العلة وأنها مؤثرة أو غير مؤثرة, إذ هما في النادر ينصان على ذلك, لكن النص عليه موجود في الكتابين ..... ثم ذكر أمثلة، ثم قال:

وقضية نقد الشيخين لبعض ما يخرجانه له صلة أيضا بالرواة الذين يخرجان لهم, فليسوا كلهم سواء, كما تقدم بيان ذلك بالتفصيل في « الجرح والتعديل »، وفاتني هناك أن أنبه إلى أن بعض من يخرج له البخاري أو مسلم إنما أخرجا له بغرض نقد روايته, فلا يصح الإطلاق بأنه أخرج له, كما في أزهر بن جميل المتقدم آنفا, بالنسبة للبخاري, فلم يخرج له البخاري إلا في هذا الموضع الذي نقده فيه.


# تراجع الأمثلة والحواشي من الكتاب والكتاب مرفوع على النت PDF
http://www.waqfeya.com/book.php?bid=8757