أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أنواع المشاق:
المشاق التي يتعرض لها المكلف تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول:

مشقة في الحدود العادية، وهي المشقة التي لا تنفك عنها العبادة غالبا، ويستلزمها أداء الواجبات والقيام بالمساعي التي تقتضيها الحياة الصالحة، كما لا يمكن انفكاك التلكيفات المشروعة عنها، لأن كل واجب لا يخلو عن مشقة كمشقة العلم واكتساب المعيشة، ومشقة البرد في الوضوء والغسل، ومشقة الصوم في شدة الحر وطول النهار، ومشقة السفر التي لا انفكاك للحج والجهاد عنها، ومشقة ألم الحدود ورجم الزناة، وقتل الجناة وقتال البغاة، في حال الصحة والقدرة، فهذه المشقة لا أثر لها في إسقاط العبادات في كل الأوقات، لأن لكل تكليف منها نوع مشقة تستلزمها طبيعته وتختلف بحسبه درجته، وهذا لا ينافي التكليف ولا يوجب التخفيف، لأن التخفيف فيه حينئذ إهمال وتفريط، فأحوال الإنسان كلها كلفة في هذه الدار، ولقد جعل الله له القدرة عليها بحيث تكون تلك التصرفات تحت قهره لا أن يكون هو تحت قهر التصرفات، فكذلك التكاليف.
ولقد رأينا بالدليل أن الشارع الحكيم لم يقصد إلى التكليف بالشاق والإعنات فيه.
القسم الثاني: وهو ثلاث مراتب:
الأولى: مشقة عظيمة فادحة تتجاوز الحدود العادية والطاقة البشرية السوية، كما إذا كان العمل يؤدي الدوام عليه إلى الانقطاع عنه أو عن بعضه، أو يؤدي إلى خلل في صاحبه في نفسه أو ماله، كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأعضاء، فالمشقة هنا خارجة عن المعتاد وموجبة للتخفيف والترخيص قطعا؛ لأن حفظ النفوس والأطراف لإقامة مصالح الدين أولى من تعريضها للفوات في عبادة أو عبادات.
ومن أمثلتها: الخوف من الاغتسال للجنابة من شدة البرد بأن لا يجد مكانا يؤويه ولا ثوبا يتدفأ به ولا ماء مسخنا ولا حماما، فجاز له التيمم.
وكذا إذا لم يجد للحج إلا طريقا من البحر وكان الغالب عدم السلامة فلا يجب عليه الحج.
المرتبة الثانية: مشقة خفيفة كأدنى وجع في إصبع أو أدنى صداع في الرأس أو سوء مزاج خفيف، فهذا وأمثاله لا أثر له ولا التفات إليه، لأن تحصيل مصالح العبادات أولى من دفع مثل هذه المفسدة التي لا أثر لها.
المرتبة الثالثة: متوسطة بين هاتين، فما دنا من المرتبة العليا أوجب التخفيف، أو من المرتب المرتب الدنيا لم يوجبه كحمى خفيفة أو وجع ضرس يسير وذلك كمريض في رمضان يخاف من الصوم زيادة مرض أو بطء البرء أو تأخيره، فيجوز له الفطر إذا غلب على ظنه ذلك، وهكذا في المرض المبيح للتيمم، واعتبروا في الحج الزاد والراحلة المناسبين للشخص، حتى قالوا، يعتبر في حق كل إنسان ما يصح معه بدنه.الوجيز في إيضاح قواعد الفقة الكلية ص (224).