أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن (الوسطية) لفظٌ عذبٌ جميل، وكلمةٌ حسنةٌ رنانةٌ، يودّ الانتساب إليها كل عاقل، ويرغب في مخاطبة ودّها كل كيّس فطن.
ولا شك أنّ الانتساب إلى الوسطية شرفٌ وأي شرفٍ، لكنّ القضية ليست مجرد دعوى، ولا هي محض انتساب. بل هي حقائق وركائز، وثوابت وقواعد، وأسس ومبادئ، من اعتقدها بجنانه، ونطق بها لسانه، وعملت بها جوارحه وأركانه، فهو الذي ينال شرفها، ويخطب ودّها.
وقد انقسم الناس في مفهوم الوسطية إلى أقسام، وصاروا في الانتساب إليها طوائف،
وكلٌ يدّعي وصلاً لليلى *** وليلى لا تقرّ لهم بذاكا
وسأعرض هنا صوراً من الخطأ في مفهوم الوسطية
فطائفةٌ من الغلاة جعلت الوسطية شعاراً مجرداً عن الحقائق، فهم يذكرونها قولاً، ولم يدركوا حقيقتها، بل ولم يدرِكوا حتى رائحتها الزكية، فضلاً عن أن يكون لها أثرٌ في حياتهم العملية. وفي المقابل رموا كل مخالفٍ لهم بالتمييع والتساهل، بل والانسلاخ من الدين نسأل الله العافية.
وفي الطرف المقابل طائفةٌ من المميّعين لأحكام الدين، المنفلتين من ضوابطه، هتفوا بشعار الوسطية في كل واد، وأجلبوا عليه بخيلهم ورجلهم، زاعمين أنهم سائرون عليه، محققون له، وفي المقابل اتّهموا كل متمسّك بالدين بالتشدد والغلو والتطرف. فهم كلما أرادوا تمييع قضية دينية مسلّمة نادوا بالوسطية، وكلما رغبوا في الدعوة إلى التفلّت والانسلاخ من الأصول الشرعية هتفوا بالوسطية، فأصبحت (الوسطية) شمّاعةً لهم يعلّقون عليها كل شيء، وغدت (الوسطية) فزّاعة يفزعون إليها في كل مواجهة مع أهل التديّن. وصار سلاحهم الوحيد في كل قضية (الوسطية .. الوسطية) (لا للغلو .. لا للتطرّف).
وهؤلاء هم أكثر من تلاعب بمفهوم (الوسطية) وحمّلوها ما لا تحتمل، بينما طائفة الغلاة إنما يذكرون هذا المصطلح على استحياء، وكأنهم في قرارة أنفسهم يقرّون بأنهم ليسوا منها وليست منهم.

كلا طرفي قصد الأمور ذميم.

نسأل الله الهداية والثبات عليها