أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


(014)الجهاد في سبيل الله - هل تجوز الاستعانة بغير المسلمين في الحرب؟

وقد اختلف العلماء في التوفيق بين حديث عائشة المذكور، وأحاديث أخرى حصلت فيها الاستعانة بمشركين.

قال الإمام النووي رحمه الله: "وقد جاء الحديث الآخر أن النبي صَلى الله عليه وسلم، استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه، فأخذ طائفة من العلماء بالحديث الأول – أي حديث عائشة – على إطلاقه، وقال الشافعي وآخرون: إن كان الكافر حسن الرأي، ودعت الحاجة إلى الاستعانة به، استعين به، وإلا فيكره، وحمل الحديثين على هذين الحالين" [شرح النووي على صحيح مسلم 12/198 وما بعدها]

وإن كان في الاستعانة به مصلحة للمسلمين، كما استعان الرسول صَلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أريقط، إذ كان دليله في الهجرة إلى المدينة، وكما استعان بصفوان بن أمية في غزوة حنين: "فلما أجمع رسول الله السير الى هوازن ذكر له أن عند صفوان ابن أمية أدرعا له سلاحا، فأرسل إليه، وهو يومئذ مشرك فقال: (يا أبا أمية أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غدا) فقال صفوان: "أغضبا يا محمد" قال" (بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك) قال: "ليس بهذا بأس" فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح فزعموا أن رسول الله سأله أن يكفيهم حملها ففعل" [سيرة ابن هشام (1/491، 2/440) و البداية والنهاية (4/324) (2/167)تاريخ الطبري فتح الباري(6/ 129)]

وهناك وجوه أخرى في الجمع بين الحديثين.

والذي يظهر أن الأصل عدم مشروعية الاستعانة بكافر، إلا في حالات نادرة يعلم فيها من حال الكافر – أو تدل القرائن – على صدقه وعدم خيانته، أو يترجح للمسلم المستعين بالكافر قدرته على السيطرة عليه، إذا أراد أن يخون المسلمين، وتكون الحاجة إلى الاستعانة به شديدة، لعدم وجود من يستعان به من المسلمين في تلك الحالة.

ويجب التنبيه، على أن الرسول صَلى الله عليه وسلم، إنما استعان ببعض أفراد المشركين في حالات معينة، ترجح عنده صَلى الله عليه وسلم ، عدم ضرر يلحق به أو بالمسلمين.

أما استعانته صَلى الله عليه وسلم باليهود في غزوة الأحزاب، فكانت مبنية على عقدٍ جرى بينه وبينهم، في الوثيقة النبوية التي تم الاتفاق عليها بين الرسول صَلى الله عليه وسلم، وبين طوائف أهل المدينة، من المسلمين، واليهود ومن بقي على شركه، وكان صَلى الله عليه وسلم ، هو ولي الأمر في المدينة على جميع سكانها. فلا يصح الاستدلال بهذه الحوادث، على المشروعية المطلقة للاستعانة بغير المسلمين.

تحرير مسألة الاستعانة بغير المسلمين

إن الموضوع الذي ذكر العلماء فيه الاختلاف في الاستعانة بغير المسلمين، كان في استعانة المسلمين بالمشركين على المشركين، والنصوص التي فهم منها جواز الاستعانة أو عدمها، هي في هذا المعنى، وليست في استعانة المسلمين بالكفار على المسلمين.

ولهذا يجب على علماء العصر، عندما يذكرون الحكم الشرعي، جوازا أو عدم جواز، أن يحرروا محل النزاع، حتى لا يختلط على الناس الأمر.

النصوص دالة على النهي عن الاستعانة بالمشركين على المشركين، ومن قال بذلك من العلماء


من تلك النصوص حديث عائشة زوج النبي صَلى الله عليه وسلم ، أنها قالت: "خرج رسول الله صَلى الله عليه وسلم قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله صَلى الله عليه وسلم: جئت لأتبعك وأصيب معك.قال له رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (تؤمن بالله ورسوله)؟ قال: لا، قال: (فارجع فلن أستعين بمشرك)

قالت: ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة، أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صَلى الله عليه وسلم، كما قال أول مرة قال (فارجع فلن أستعين بمشرك) قال ثم رجع فأدركه بالبيداء، فقال له كما قال أول مرة: (تؤمن بالله ورسوله)؟ قال: نعم. فقال له رسول الله صَلى الله عليه وسلم (فانطلق) [صحيح مسلم، برقم (1817)]

ومنها حديث خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده رضيَ الله عنه، قال: "خرج رسول الله صَلى الله عليه وسلم، في بعض غزواته فأتيته أنا ورجل قبل أن نسلم، فقلنا: إنا نستحيي أن يشهد قومنا مشهدا، فقال (أأسلمتما)؟ قلنا: لا. قال: (فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين) فأسلمنا وشهدنا مع رسول الله صَلى الله عليه وسلم، فقتلت رجلا وضربني الرجل ...فتزوجت ابنته فكانت تقول: لا عدمتُ رجلا وشحك هذا الوشاح. فقلت لا عدمت رجلا عجل أباك إلى النار" [أخرجه الحاكم في المستدرك، برقم (2563) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وخبيب بن عبد الرحمن بن الأسود بن حارثة، جده صحابي معروف وله شاهد عن أبي حميد الساعدي"]

ومنها حديث أبي حميد الساعدي رضِي الله عنه، قال: "خرج رسول الله صَلى الله عليه وسلم، حتى إذا خلف ثنية الوداع، إذا كتيبة، قال: (من هؤلاء)؟ قالوا بنو قينقاع، وهو رهط عبد الله بن سلام، قال: (وأسلموا)؟ قالوا: لا بل هم على دينهم، قال: (قل لهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين) [نفس المصدر، برقم (2564)]
من قال بعدم جواز الاستعانة بالمشركين.

المالكيون:

"في الِاسْتِعَانَةِ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ قُلْتُ : هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمُشْرِكِينَ فِي حُرُوبِهِمْ ؟ قَالَ : سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ : بَلَغَنِي { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلى الله عليه وسلم قَالَ : لَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ } قَالَ : وَلَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا , قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : وَلَا أَرَى أَنْ يَسْتَعِينُوا بِهِمْ يُقَاتِلُونَ مَعَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا نَوَاتِيَّةً أَوْ خُدَّامًا , فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا . ابْنُ وَهْبٍ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِيَارٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلى الله عليه وسلم, أَنَّهَا قَالَتْ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله..." [ثم أورد حديث عائشة السابق. المدونة (3/40)]

"( وَاسْتِعَانَةٌ بِمُشْرِكٍ لَا لِكَخِدْمَةٍ ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لَا يُسْتَعَانُ بِالْمُشْرِكِينَ فِي الْقِتَالِ لِقَوْلِهِ صَلى الله عليه وسلم: (لَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ) . وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونُوا نَوَاتِيَةً وَخَدَمَةً . ابْنُ رُشْدٍ : وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَارَ مِنْهُمْ السِّلَاحُ... وَأَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ بِمَنْ سَالَمَهُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَالِمْهُ . وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ : لَا بَأْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْمُشْرِكِينَ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ" [التاج والإكليل لمختصر خليل" (3/353)]

( وَ ) حَرُمَ عَلَيْنَا ( اسْتِعَانَةٌ بِمُشْرِكٍ ) وَالسِّينُ لِلطَّلَبِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ لَمْ يُمْنَعْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ( إلَّا لِخِدْمَةٍ ) مِنْهُ لَنَا كَنُوتِيٍّ أَوْ خَيَّاطٍ أَوَ لِهَدْمِ حِصْنٍ . ( قَوْلُهُ : بِمُشْرِكٍ ) الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْكَافِرِ لَا خُصُوصُ مَنْ يُشْرِكُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْخَاصِّ , وَإِرَادَةِ الْعَامِّ ( قَوْلُهُ : لَمْ يُمْنَعْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ) [حاشية الدسوقي (2/178)]

نصوص دالة على الاستعانة بالمشركين، على المشركين ومن قال بذلك من العلماء

منها الاستعانة بهم في أخذ السلاح منهم، وهذا أمر مباح مشروع، ولا حرج فيه سواء كان بيعا، أو إعارة، مالم يكن مشروطا بشروط تضر المسلمين.

ومن ذلك استعارة الرسول صَلى الله عليه وسلم، أدرع صفوان بن أمية، كما حديث جابر الطويل في قصة غزوة حنين: "...بعث رسول الله صَلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية، فسأله أدراعا، مائة درع وما يصلحها من عدتها، فقال: أغصبا يا محمد؟ قال: (بل هي مضمونة حتى نؤديها إليك) ثم خرج رسول الله صَلى الله عليه وسلم سائرا" [أخرجه الحاكم في المستدرك، برقم (4369) وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه]

عن بن شهاب قال: "غزا رسول الله صَلى الله عليه وسلم ، غزوة الفتح فتح مكة، ثم خرج رسول الله صَلى الله عليه وسلم بمن معه المسلمين، فاقتتلوا بحنين فنصر الله دينه والمسلمين، وأعطى رسول الله صَلى الله عليه وسلم، يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم ثم مائة ثم مائة، قال بن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب، أن صفوان قال: والله لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي" [مسلم، برقم (2313)]

ومن ذلك حديث عائشة رضِي الله عنها، في قصة استئجار الرسول صَلى الله عليه وسلم ، عبد الله بن أريقط الديلي الليثي، ليدله على الطريق في هجرته إلى المدينة، وكان مشركا على دين قومه.

قال البخاري رحمه الله: "باب استئجار المشركين عند الضرورة، أو إذا لم يوجد أهل الإسلام...... عن عائشة رضي الله عَنها: "واستأجر النبي صَلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل ثم من بني عبد بن عدي، هاديا خريتا.... وهو على دين كفار قريش، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما، ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث، فارتحلا وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل الديلي فأخذ بهم أسفل مكة وهو طريق الساحل" [البخاري، برقم (2144)

عن بن عمر: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز وكان رسول الله صَلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله صَلى الله عليه وسلم وللمسلمين وأراد إخراج اليهود منها فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقرهم بها أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمر فقال لهم رسول الله صَلى الله عليه وسلم نقركم بها على ذلك ما شيءنا فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء [البخاري (2213) ومسلم (1551)

ومن ذلك حديث عائشة في قصة استعانة الرسول صَلى الله عليه وسلم ، بعبد الله بن أريقط الديلي الليثي، ليدله على الطريق عند هجرته إلى المدينة، قالت عائشة رضي الله عنْها: "لما خرج رسول الله صَلى الله عليه وسلم، من الغار مهاجرا ومعه أبو بكر، وعامر بن فهيرة مردفه أبو بكر، وخلفه عبد الله بن أريقط الليثي فسلك بهما أسفل من مكة ثم مضى بهما حتى هبط بهما على الساحل أسفل من عسفان...الحديث" [الحاكم في المستدرك، برقم (4272) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه]

من قال بجواز الاستعانة بالمشركين

الحنفية:

قال الجصاص الحنفي: قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا} فِيهِ نَهْيٌ عَنْ الِاسْتِنْصَارِ بِالْمُشْرِكِينَ ; لِأَنَّ الْأَوْلِيَاءَ هُمْ الْأَنْصَارُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلى الله عليه وسلم { أَنَّهُ حِينَ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى أُحُدٍ جَاءَ قَوْمٌ مِنْ الْيَهُودِ وَقَالُوا : نَحْنُ نَخْرُجُ مَعَك , فَقَالَ : إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ } , وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ يُقَاتِلُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عليه وسلم الْمُشْرِكِينَ . وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ : حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ : { أَنَّ نَاسًا مِنْ الْيَهُودِ غَزَوْا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عليه وسلم فَقَسَمَ لَهُمْ كَمَا قَسَمَ لِلْمُسْلِمِينَ } . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلى الله عليه وسلم أَيْضًا مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ : حَدَّثَنَا مُسَدِّدٌ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَا : حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْفَضْلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن نِيَارٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ يَحْيَى : { إنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلى الله عليه وسلم لِيُقَاتِلَ مَعَهُ فَقَالَ : ارْجِعْ ثُمَّ اتَّفَقَا فَقَالَ : إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ } . وَقَالَ أَصْحَابُنَا : لَا بَأْسَ بِالِاسْتِعَانَةِ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إذَا كَانُوا مَتَى ظَهَرُوا كَانَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ هُوَ الظَّاهِرُ, فَأَمَّا إذَا كَانُوا لَوْ ظَهَرُوا كَانَ حُكْمُ الشِّرْكِ هُوَ الْغَالِبُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَهُمْ . وَمُسْتَفِيضٌ.." [أحكام القرآن]

وقال في موضع آخر: " قوله تعالى : { بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } قِيلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ { أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} أَنَّهُمْ اتَّخَذُوهُمْ أَنْصَارًا وَأَعْضَادًا لِتَوَهُّمِهِمْ أَنَّ لَهُمْ الْقُوَّةَ وَالْمَنَعَةَ بِعَدَاوَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْمُخَالَفَةِ جَهْلًا مِنْهُمْ بِدِينِ اللَّهِ ; وَهَذَا مِنْ صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ , وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِلْمُؤْمِنِينَ الِاسْتِنْصَارُ بِالْكُفَّارِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ ; إذْ كَانُوا مَتَى غَلَبُوا كَانَ حُكْمُ الْكُفْرِ هُوَ الْغَالِبُ ; وَبِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا" [أحكام القرآن (4/104)]

الشافعية:

قال الشافعي وإن كان مشرك يغزو مع المسلمين وكان معه في الغزو من يطعيه من مسلم أو مشرك وكانت عليه دلائل الهزيمة والحرص على غلبة المسلمين وتفريق جماعتهم لم يجز أن يغزو به وإن غزا به لم يرضخ له لأن هذا إذا كان في المنافقين مع استتارهم بالإسلام كان في المكتشفين في الشرك مثله فيهم أو أكثر إذا كانت أفعاله كأفعالهم أو أكثر ومن كان من المشركين على خلاف هذه الصفة فكانت فيه منفعة للمسلمين القدرة على عورة عدو أو طريق أو ضيعة أو نصيحة للمسلمين فلا بأس أن يغزي به [الأم (4/166)]

الحنابلة

قال ابن قدامة: "فصل ولا يستعان بمشرك وبهذا قال ابن المنذر والجوزجاني وجماعة من أهل العلم وعن أحمد ما يدل على جواز الاستعانة به وكلام الخرقي يدل عليه أيضا عند الحاجة وهو مذهب الشافعي .."[المغني (9/207)]

وقد لَخَّصَتْ الموسوعةُ الفقهية مذاهب العلماء في الجمل الآتية:

"الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْقِتَالِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ , وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ , وَالشَّافِعِيَّةُ مَا عَدَا ابْنَ الْمُنْذِرِ , وَابْنَ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ , وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ إلَى : جَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْقِتَالِ عِنْدَ الْحَاجَةِ . ..... وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ الْإِمَامُ حُسْنَ رَأْيِهِمْ فِي الْمُسْلِمِينَ وَيَأْمَنُ خِيَانَتَهُمْ , فَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَأْمُونِينَ لَمْ تَجُزْ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ ; لِأَنَّنَا إذَا مَنَعْنَا الِاسْتِعَانَةَ بِمَنْ لَا يُؤْمِنُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ الْمُخْذِلِ وَالْمُرْجِفِ , فَالْكَافِرُ أَوْلَى .

كَمَا شَرَطَ الْإِمَامُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ شَرْطًا آخَرَ , وَهُوَ : أَنْ يَكْثُرَ الْمُسْلِمُونَ , بِحَيْثُ لَوْ خَانَ الْمُسْتَعَانُ بِهِمْ , وَانْضَمُّوا إلَى الَّذِينَ يَغْزُونَهُمْ , أَمْكَنَهُمْ مُقَاوَمَتُهُمْ جَمِيعًا .

وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَنْ يُخَالِفُوا مُعْتَقَدَ الْعَدُوّ, كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى . وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ مَا عَدَا ابْنَ حَبِيبٍ , وَجَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ , مِنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْجُوزَجَانِيُّ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِمُشْرِكٍ ; لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: ( فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ) . وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونُوا فِي غَيْرِ الْمُقَاتِلَةِ , بَلْ فِي خَدَمَاتِ الْجَيْشِ ..."

فأنت ترى من النصوص وأقوال العلماء، أن محل الخلاف إنما هو في استعانة المسلمين بالمشركين على أعدائهم من المشركين، وأن القائلين بالجواز اشترطوا شروطا تمنع ما قد يتوقع من ضرر يلحق بالمسلمين من الاستعانة بهم، كما هو واضح.

فرق بين الإعانة والاستعانة

ويجب التفريق بين الإعانة والاستعانة، فإن غير المسلمين كثيرا ما يطلبون من المسلمين، أن يعينوهم على من يريدون العدوان عليهم ويغفل الناس، ومنهم بعض العلماء عن هذا المعنى، فيسمونه استعانة، وهو في الحقيقة إعانة وليس استعانة، كما هو حال أمريكا في عدوانها على العراق، تتعاون معها بعض الأحزاب العراقية باسم أنهم يستعينون بالأمريكان على حاكم العراق، بسبب ظلمه لهم، والحقيقة أن أمريكا هي التي تستعين بهذه الأحزاب، لا لحاجتها إليهم، وإنما لتتخذ منهم غطاء شرعيا في عدوانها على الشعب العراقي المظلوم وإعانة المسلم للكافر على أخيه المسلم، أشد جرما من استعانة المسلم بالكافر عليه، وإن كان كلا الأمرين محرمين.

رجحان مصلحة المسلمين فيما جرى من استعانتهم بغيرهم

ثم إن الحالات التي استعان فيها الرسول ببعض المشركين، واضح رجحان مصلحة المسلمين فيها، لأن المستعان به إما أن يكونوا أفرادا مأموني الجانب، كما هو الحال في قصة عبد الله بن أريقط الديلي، دليل الرسول صَلى الله عليه وسلم في الهجرة، وإما أفرادا في جيش عرمرم من المسلمين، كما في قصة صفوان بن أمية وأصحابه في غزوة حنين، وإما طائفة تحت قيادة الرسول صَلى الله عليه وسلم، كما في قصة بني قينقاع التي روي فيها استعانة الرسول صلى الله بهم، فقد كانوا محكومين بالوثيقة المشهورة التي عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم مع كافة سكان المدينة، من الأنصار بقبيلتيهم، الأوس والخزرج، والمهاجرين، واليهود بقبائلهم الثلاث، بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة.

وكان مَرَدُّ أهل الوثيقة كلهم هو الله ورسوله صَلى الله عليه وسلم، كما يظهر من النص الآتي: (وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صَلى الله عليه وسلم " [السيرة النبوية (3/35)]

وسبق أن الذين أجازوا للمسلمين الاستعانة بالمشركين على المشركين، وليس على المسلمين، اشترطوا بـ"أَنْ يَعْرِفَ الْإِمَامُ حُسْنَ رَأْيِهِمْ فِي الْمُسْلِمِينَ وَيَأْمَنُ خِيَانَتَهُمْ , فَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَأْمُونِينَ لَمْ تَجُزْ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ ; لِأَنَّنَا إذَا مَنَعْنَا الِاسْتِعَانَةَ بِمَنْ لاَ يُؤْمَنُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ الْمُخْذِلِ وَالْمُرْجِفِ, فَالْكَافِرُ أَوْلَى". كما اشترطوا " أَنْ يَكْثُرَ الْمُسْلِمُونَ, بِحَيْثُ لَوْ خَانَ الْمُسْتَعَانُ بِهِمْ, وَانْضَمُّوا إلَى الَّذِينَ يَغْزُونَهُمْ, أَمْكَنَهُمْ مُقَاوَمَتُهُمْ جَمِيعًا".




وقد اختلف العلماء في التوفيق بين حديث عائشة المذكور، وأحاديث أخرى حصلت فيها الاستعانة بمشركين.

قال الإمام النووي رحمه الله: "وقد جاء الحديث الآخر أن النبي صَلى الله عليه وسلم، استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه، فأخذ طائفة من العلماء بالحديث الأول – أي حديث عائشة – على إطلاقه، وقال الشافعي وآخرون: إن كان الكافر حسن الرأي، ودعت الحاجة إلى الاستعانة به، استعين به، وإلا فيكره، وحمل الحديثين على هذين الحالين" [شرح النووي على صحيح مسلم 12/198 وما بعدها]

وإن كان في الاستعانة به مصلحة للمسلمين، كما استعان الرسول صَلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أريقط، إذ كان دليله في الهجرة إلى المدينة، وكما استعان بصفوان بن أمية في غزوة حنين: "فلما أجمع رسول الله السير الى هوازن ذكر له أن عند صفوان ابن أمية أدرعا له سلاحا، فأرسل إليه، وهو يومئذ مشرك فقال: (يا أبا أمية أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غدا) فقال صفوان: "أغضبا يا محمد" قال" (بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك) قال: "ليس بهذا بأس" فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح فزعموا أن رسول الله سأله أن يكفيهم حملها ففعل" [سيرة ابن هشام (1/491، 2/440) و البداية والنهاية (4/324) (2/167)تاريخ الطبري فتح الباري(6/ 129)]

وهناك وجوه أخرى في الجمع بين الحديثين.

والذي يظهر أن الأصل عدم مشروعية الاستعانة بكافر، إلا في حالات نادرة يعلم فيها من حال الكافر – أو تدل القرائن – على صدقه وعدم خيانته، أو يترجح للمسلم المستعين بالكافر قدرته على السيطرة عليه، إذا أراد أن يخون المسلمين، وتكون الحاجة إلى الاستعانة به شديدة، لعدم وجود من يستعان به من المسلمين في تلك الحالة.

ويجب التنبيه، على أن الرسول صَلى الله عليه وسلم، إنما استعان ببعض أفراد المشركين في حالات معينة، ترجح عنده صَلى الله عليه وسلم ، عدم ضرر يلحق به أو بالمسلمين.

أما استعانته صَلى الله عليه وسلم باليهود في غزوة الأحزاب، فكانت مبنية على عقدٍ جرى بينه وبينهم، في الوثيقة النبوية التي تم الاتفاق عليها بين الرسول صَلى الله عليه وسلم، وبين طوائف أهل المدينة، من المسلمين، واليهود ومن بقي على شركه، وكان صَلى الله عليه وسلم ، هو ولي الأمر في المدينة على جميع سكانها. فلا يصح الاستدلال بهذه الحوادث، على المشروعية المطلقة للاستعانة بغير المسلمين.

تحرير مسألة الاستعانة بغير المسلمين

إن الموضوع الذي ذكر العلماء فيه الاختلاف في الاستعانة بغير المسلمين، كان في استعانة المسلمين بالمشركين على المشركين، والنصوص التي فهم منها جواز الاستعانة أو عدمها، هي في هذا المعنى، وليست في استعانة المسلمين بالكفار على المسلمين.

ولهذا يجب على علماء العصر، عندما يذكرون الحكم الشرعي، جوازا أو عدم جواز، أن يحرروا محل النزاع، حتى لا يختلط على الناس الأمر.

النصوص دالة على النهي عن الاستعانة بالمشركين على المشركين، ومن قال بذلك من العلماء


من تلك النصوص حديث عائشة زوج النبي صَلى الله عليه وسلم ، أنها قالت: "خرج رسول الله صَلى الله عليه وسلم قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله صَلى الله عليه وسلم: جئت لأتبعك وأصيب معك.قال له رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (تؤمن بالله ورسوله)؟ قال: لا، قال: (فارجع فلن أستعين بمشرك)

قالت: ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة، أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صَلى الله عليه وسلم، كما قال أول مرة قال (فارجع فلن أستعين بمشرك) قال ثم رجع فأدركه بالبيداء، فقال له كما قال أول مرة: (تؤمن بالله ورسوله)؟ قال: نعم. فقال له رسول الله صَلى الله عليه وسلم (فانطلق) [صحيح مسلم، برقم (1817)]

ومنها حديث خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده رضيَ الله عنه، قال: "خرج رسول الله صَلى الله عليه وسلم، في بعض غزواته فأتيته أنا ورجل قبل أن نسلم، فقلنا: إنا نستحيي أن يشهد قومنا مشهدا، فقال (أأسلمتما)؟ قلنا: لا. قال: (فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين) فأسلمنا وشهدنا مع رسول الله صَلى الله عليه وسلم، فقتلت رجلا وضربني الرجل ...فتزوجت ابنته فكانت تقول: لا عدمتُ رجلا وشحك هذا الوشاح. فقلت لا عدمت رجلا عجل أباك إلى النار" [أخرجه الحاكم في المستدرك، برقم (2563) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وخبيب بن عبد الرحمن بن الأسود بن حارثة، جده صحابي معروف وله شاهد عن أبي حميد الساعدي"]

ومنها حديث أبي حميد الساعدي رضِي الله عنه، قال: "خرج رسول الله صَلى الله عليه وسلم، حتى إذا خلف ثنية الوداع، إذا كتيبة، قال: (من هؤلاء)؟ قالوا بنو قينقاع، وهو رهط عبد الله بن سلام، قال: (وأسلموا)؟ قالوا: لا بل هم على دينهم، قال: (قل لهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين) [نفس المصدر، برقم (2564)]
من قال بعدم جواز الاستعانة بالمشركين.

المالكيون:

"في الِاسْتِعَانَةِ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ قُلْتُ : هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمُشْرِكِينَ فِي حُرُوبِهِمْ ؟ قَالَ : سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ : بَلَغَنِي { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلى الله عليه وسلم قَالَ : لَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ } قَالَ : وَلَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا , قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : وَلَا أَرَى أَنْ يَسْتَعِينُوا بِهِمْ يُقَاتِلُونَ مَعَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا نَوَاتِيَّةً أَوْ خُدَّامًا , فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا . ابْنُ وَهْبٍ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِيَارٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلى الله عليه وسلم, أَنَّهَا قَالَتْ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله..." [ثم أورد حديث عائشة السابق. المدونة (3/40)]

"( وَاسْتِعَانَةٌ بِمُشْرِكٍ لَا لِكَخِدْمَةٍ ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لَا يُسْتَعَانُ بِالْمُشْرِكِينَ فِي الْقِتَالِ لِقَوْلِهِ صَلى الله عليه وسلم: (لَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ) . وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونُوا نَوَاتِيَةً وَخَدَمَةً . ابْنُ رُشْدٍ : وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَارَ مِنْهُمْ السِّلَاحُ... وَأَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ بِمَنْ سَالَمَهُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَالِمْهُ . وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ : لَا بَأْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْمُشْرِكِينَ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ" [التاج والإكليل لمختصر خليل" (3/353)]

( وَ ) حَرُمَ عَلَيْنَا ( اسْتِعَانَةٌ بِمُشْرِكٍ ) وَالسِّينُ لِلطَّلَبِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ لَمْ يُمْنَعْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ( إلَّا لِخِدْمَةٍ ) مِنْهُ لَنَا كَنُوتِيٍّ أَوْ خَيَّاطٍ أَوَ لِهَدْمِ حِصْنٍ . ( قَوْلُهُ : بِمُشْرِكٍ ) الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْكَافِرِ لَا خُصُوصُ مَنْ يُشْرِكُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْخَاصِّ , وَإِرَادَةِ الْعَامِّ ( قَوْلُهُ : لَمْ يُمْنَعْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ) [حاشية الدسوقي (2/178)]

نصوص دالة على الاستعانة بالمشركين، على المشركين ومن قال بذلك من العلماء

منها الاستعانة بهم في أخذ السلاح منهم، وهذا أمر مباح مشروع، ولا حرج فيه سواء كان بيعا، أو إعارة، مالم يكن مشروطا بشروط تضر المسلمين.

ومن ذلك استعارة الرسول صَلى الله عليه وسلم، أدرع صفوان بن أمية، كما حديث جابر الطويل في قصة غزوة حنين: "...بعث رسول الله صَلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية، فسأله أدراعا، مائة درع وما يصلحها من عدتها، فقال: أغصبا يا محمد؟ قال: (بل هي مضمونة حتى نؤديها إليك) ثم خرج رسول الله صَلى الله عليه وسلم سائرا" [أخرجه الحاكم في المستدرك، برقم (4369) وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه]

عن بن شهاب قال: "غزا رسول الله صَلى الله عليه وسلم ، غزوة الفتح فتح مكة، ثم خرج رسول الله صَلى الله عليه وسلم بمن معه المسلمين، فاقتتلوا بحنين فنصر الله دينه والمسلمين، وأعطى رسول الله صَلى الله عليه وسلم، يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم ثم مائة ثم مائة، قال بن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب، أن صفوان قال: والله لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي" [مسلم، برقم (2313)]

ومن ذلك حديث عائشة رضِي الله عنها، في قصة استئجار الرسول صَلى الله عليه وسلم ، عبد الله بن أريقط الديلي الليثي، ليدله على الطريق في هجرته إلى المدينة، وكان مشركا على دين قومه.

قال البخاري رحمه الله: "باب استئجار المشركين عند الضرورة، أو إذا لم يوجد أهل الإسلام...... عن عائشة رضي الله عَنها: "واستأجر النبي صَلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل ثم من بني عبد بن عدي، هاديا خريتا.... وهو على دين كفار قريش، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما، ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث، فارتحلا وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل الديلي فأخذ بهم أسفل مكة وهو طريق الساحل" [البخاري، برقم (2144)

عن بن عمر: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز وكان رسول الله صَلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله صَلى الله عليه وسلم وللمسلمين وأراد إخراج اليهود منها فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقرهم بها أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمر فقال لهم رسول الله صَلى الله عليه وسلم نقركم بها على ذلك ما شيءنا فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء [البخاري (2213) ومسلم (1551)

ومن ذلك حديث عائشة في قصة استعانة الرسول صَلى الله عليه وسلم ، بعبد الله بن أريقط الديلي الليثي، ليدله على الطريق عند هجرته إلى المدينة، قالت عائشة رضي الله عنْها: "لما خرج رسول الله صَلى الله عليه وسلم، من الغار مهاجرا ومعه أبو بكر، وعامر بن فهيرة مردفه أبو بكر، وخلفه عبد الله بن أريقط الليثي فسلك بهما أسفل من مكة ثم مضى بهما حتى هبط بهما على الساحل أسفل من عسفان...الحديث" [الحاكم في المستدرك، برقم (4272) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه]

من قال بجواز الاستعانة بالمشركين

الحنفية:

قال الجصاص الحنفي: قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا} فِيهِ نَهْيٌ عَنْ الِاسْتِنْصَارِ بِالْمُشْرِكِينَ ; لِأَنَّ الْأَوْلِيَاءَ هُمْ الْأَنْصَارُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلى الله عليه وسلم { أَنَّهُ حِينَ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى أُحُدٍ جَاءَ قَوْمٌ مِنْ الْيَهُودِ وَقَالُوا : نَحْنُ نَخْرُجُ مَعَك , فَقَالَ : إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ } , وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ يُقَاتِلُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عليه وسلم الْمُشْرِكِينَ . وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ : حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ : { أَنَّ نَاسًا مِنْ الْيَهُودِ غَزَوْا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عليه وسلم فَقَسَمَ لَهُمْ كَمَا قَسَمَ لِلْمُسْلِمِينَ } . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلى الله عليه وسلم أَيْضًا مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ : حَدَّثَنَا مُسَدِّدٌ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَا : حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْفَضْلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن نِيَارٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ يَحْيَى : { إنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلى الله عليه وسلم لِيُقَاتِلَ مَعَهُ فَقَالَ : ارْجِعْ ثُمَّ اتَّفَقَا فَقَالَ : إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ } . وَقَالَ أَصْحَابُنَا : لَا بَأْسَ بِالِاسْتِعَانَةِ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إذَا كَانُوا مَتَى ظَهَرُوا كَانَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ هُوَ الظَّاهِرُ, فَأَمَّا إذَا كَانُوا لَوْ ظَهَرُوا كَانَ حُكْمُ الشِّرْكِ هُوَ الْغَالِبُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَهُمْ . وَمُسْتَفِيضٌ.." [أحكام القرآن]

وقال في موضع آخر: " قوله تعالى : { بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } قِيلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ { أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} أَنَّهُمْ اتَّخَذُوهُمْ أَنْصَارًا وَأَعْضَادًا لِتَوَهُّمِهِمْ أَنَّ لَهُمْ الْقُوَّةَ وَالْمَنَعَةَ بِعَدَاوَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْمُخَالَفَةِ جَهْلًا مِنْهُمْ بِدِينِ اللَّهِ ; وَهَذَا مِنْ صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ , وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِلْمُؤْمِنِينَ الِاسْتِنْصَارُ بِالْكُفَّارِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ ; إذْ كَانُوا مَتَى غَلَبُوا كَانَ حُكْمُ الْكُفْرِ هُوَ الْغَالِبُ ; وَبِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا" [أحكام القرآن (4/104)]

الشافعية:

قال الشافعي وإن كان مشرك يغزو مع المسلمين وكان معه في الغزو من يطعيه من مسلم أو مشرك وكانت عليه دلائل الهزيمة والحرص على غلبة المسلمين وتفريق جماعتهم لم يجز أن يغزو به وإن غزا به لم يرضخ له لأن هذا إذا كان في المنافقين مع استتارهم بالإسلام كان في المكتشفين في الشرك مثله فيهم أو أكثر إذا كانت أفعاله كأفعالهم أو أكثر ومن كان من المشركين على خلاف هذه الصفة فكانت فيه منفعة للمسلمين القدرة على عورة عدو أو طريق أو ضيعة أو نصيحة للمسلمين فلا بأس أن يغزي به [الأم (4/166)]

الحنابلة

قال ابن قدامة: "فصل ولا يستعان بمشرك وبهذا قال ابن المنذر والجوزجاني وجماعة من أهل العلم وعن أحمد ما يدل على جواز الاستعانة به وكلام الخرقي يدل عليه أيضا عند الحاجة وهو مذهب الشافعي .."[المغني (9/207)]

وقد لَخَّصَتْ الموسوعةُ الفقهية مذاهب العلماء في الجمل الآتية:

"الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْقِتَالِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ , وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ , وَالشَّافِعِيَّةُ مَا عَدَا ابْنَ الْمُنْذِرِ , وَابْنَ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ , وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ إلَى : جَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْقِتَالِ عِنْدَ الْحَاجَةِ . ..... وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ الْإِمَامُ حُسْنَ رَأْيِهِمْ فِي الْمُسْلِمِينَ وَيَأْمَنُ خِيَانَتَهُمْ , فَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَأْمُونِينَ لَمْ تَجُزْ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ ; لِأَنَّنَا إذَا مَنَعْنَا الِاسْتِعَانَةَ بِمَنْ لَا يُؤْمِنُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ الْمُخْذِلِ وَالْمُرْجِفِ , فَالْكَافِرُ أَوْلَى .

كَمَا شَرَطَ الْإِمَامُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ شَرْطًا آخَرَ , وَهُوَ : أَنْ يَكْثُرَ الْمُسْلِمُونَ , بِحَيْثُ لَوْ خَانَ الْمُسْتَعَانُ بِهِمْ , وَانْضَمُّوا إلَى الَّذِينَ يَغْزُونَهُمْ , أَمْكَنَهُمْ مُقَاوَمَتُهُمْ جَمِيعًا .

وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَنْ يُخَالِفُوا مُعْتَقَدَ الْعَدُوّ, كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى . وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ مَا عَدَا ابْنَ حَبِيبٍ , وَجَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ , مِنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْجُوزَجَانِيُّ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِمُشْرِكٍ ; لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: ( فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ) . وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونُوا فِي غَيْرِ الْمُقَاتِلَةِ , بَلْ فِي خَدَمَاتِ الْجَيْشِ ..."

فأنت ترى من النصوص وأقوال العلماء، أن محل الخلاف إنما هو في استعانة المسلمين بالمشركين على أعدائهم من المشركين، وأن القائلين بالجواز اشترطوا شروطا تمنع ما قد يتوقع من ضرر يلحق بالمسلمين من الاستعانة بهم، كما هو واضح.

فرق بين الإعانة والاستعانة

ويجب التفريق بين الإعانة والاستعانة، فإن غير المسلمين كثيرا ما يطلبون من المسلمين، أن يعينوهم على من يريدون العدوان عليهم ويغفل الناس، ومنهم بعض العلماء عن هذا المعنى، فيسمونه استعانة، وهو في الحقيقة إعانة وليس استعانة، كما هو حال أمريكا في عدوانها على العراق، تتعاون معها بعض الأحزاب العراقية باسم أنهم يستعينون بالأمريكان على حاكم العراق، بسبب ظلمه لهم، والحقيقة أن أمريكا هي التي تستعين بهذه الأحزاب، لا لحاجتها إليهم، وإنما لتتخذ منهم غطاء شرعيا في عدوانها على الشعب العراقي المظلوم وإعانة المسلم للكافر على أخيه المسلم، أشد جرما من استعانة المسلم بالكافر عليه، وإن كان كلا الأمرين محرمين.

رجحان مصلحة المسلمين فيما جرى من استعانتهم بغيرهم

ثم إن الحالات التي استعان فيها الرسول ببعض المشركين، واضح رجحان مصلحة المسلمين فيها، لأن المستعان به إما أن يكونوا أفرادا مأموني الجانب، كما هو الحال في قصة عبد الله بن أريقط الديلي، دليل الرسول صَلى الله عليه وسلم في الهجرة، وإما أفرادا في جيش عرمرم من المسلمين، كما في قصة صفوان بن أمية وأصحابه في غزوة حنين، وإما طائفة تحت قيادة الرسول صَلى الله عليه وسلم، كما في قصة بني قينقاع التي روي فيها استعانة الرسول صلى الله بهم، فقد كانوا محكومين بالوثيقة المشهورة التي عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم مع كافة سكان المدينة، من الأنصار بقبيلتيهم، الأوس والخزرج، والمهاجرين، واليهود بقبائلهم الثلاث، بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة.

وكان مَرَدُّ أهل الوثيقة كلهم هو الله ورسوله صَلى الله عليه وسلم، كما يظهر من النص الآتي: (وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صَلى الله عليه وسلم " [السيرة النبوية (3/35)]

وسبق أن الذين أجازوا للمسلمين الاستعانة بالمشركين على المشركين، وليس على المسلمين، اشترطوا بـ"أَنْ يَعْرِفَ الْإِمَامُ حُسْنَ رَأْيِهِمْ فِي الْمُسْلِمِينَ وَيَأْمَنُ خِيَانَتَهُمْ , فَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَأْمُونِينَ لَمْ تَجُزْ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ ; لِأَنَّنَا إذَا مَنَعْنَا الِاسْتِعَانَةَ بِمَنْ لاَ يُؤْمَنُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ الْمُخْذِلِ وَالْمُرْجِفِ, فَالْكَافِرُ أَوْلَى". كما اشترطوا " أَنْ يَكْثُرَ الْمُسْلِمُونَ, بِحَيْثُ لَوْ خَانَ الْمُسْتَعَانُ بِهِمْ, وَانْضَمُّوا إلَى الَّذِينَ يَغْزُونَهُمْ, أَمْكَنَهُمْ مُقَاوَمَتُهُمْ جَمِيعًا".