أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





1 – تعريفه لغة:

بالرجوع إلى مادة: "جهد" في كتب اللغة، يجد الباحث لها أكثر من عشرين معنى، والمعاني اللغوية المناسبة للجهاد من تلك المعاني مناسبة ظاهرة بدون تكلف هي: الطاقة، والمشقة، والوسع، والقتال، والمبالغة.

لهذا تجد العلماء في كتب التفسير والحديث والفقه وغيرها إذا عرفوا الجهاد لغة قالوا: بذل الطاقة، أو الوسع، أو هو المشقة [يمكن مراجعة هذه المعاني وغيرها في الكتب الآتية: لسان العرب (4/107)، تاج العروس (2/329)، المعجم الوسيط (1/142)، الصحاح (1/457)، أساس البلاغة (1/144)، معجم مقاييس اللغة (1/486)، المحكم والمحيط الأعظم (4/110)].

قال الراغب: "الجَهد والْجُهد: الطاقة والمشقة، وقيل الجَهد بالفتح المشقة، والجُهد: الوسع" [المفردات ص99].

وقال الفيروز أبادي: "بصيرة في: الجهد بالفتح والضم، وهو: الطاقة والمشقة، وقيل: بالفتح المشقة، وبالضم الوسع، وقيل الجهد ما يجهد الإنسان" [بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (2/401)].

وقال ابن حجر: "والجهاد بكسر الجيم"، "أصله لغة المشقة" [الفتح (6/3)].
وقال الشيخ مصطفى السيوطي: "الجهاد مصدر جاهد جهاداً ومجاهدةً إذا بالغ في قتل عدوه" [مطالب أولي النهى (2/497)].

2 – تعريفه شرعاً:

أما تعريف الجهاد شرعاً، فإنه يدور عند أغلب الفقهاء من أهل المذاهب، على قتال المسلم الكافر بعد دعوته إلى الإسلام أو الجزية وإبائه.

فعرف في كتب الحنفيين بأنه: "بذل الوسع والطاقة، بالقتال في سبيل الله عز وجل، بالنفس والمال واللسان، أو غير ذلك، أو المبالغة في ذلك" [بدائع الصنائع (9/4299)].

وبأنه: "الدعاء إلى الدين الحق وقتال من لم يقبله" [حاشية رد المحتار لابن عابدين (4/121)، وراجع كتاب فتح القدير (5/436)].

وفي كتب المالكيين عرف بأنه: "قتال مسلم كافراً غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله تعالى" [الشرح الصغير على أقرب المسالك للدردير (2/267)]. وهو كذلك عند الشافعيين، كما قال الحافظ ابن حجر: "وشرعاً بذل الجهد في قتال الكفار" [فتح الباري (6/3)].

وفي كتب الحنبليين: "وشرعاً قتال الكفار" [مطالب أولي النهى (2/497)].

ولا فرق بين هذه التعريفات إلا زيادة: "الدعاء إلى الدين الحق" المذكور في كتب الحنفيين، وهو وإن لم يذكر في التعريفات الأخرى، قيد لا بد منه، لأن نصوص القرآن والسنة دلت عليه، وكذلك سيرة الرسول صَلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، وعدم ذكره لوضوحه، فلا يكون القتال إلا بعد الدعوة والامتناع عن قبولها، وسيأتي هذا في محله إن شاء الله.

وكل هذه التعريفات ليست شاملة لكل أنواع الجهاد التي يجب على المسلم أن يحققها في نفسه وفي غيره، كما سيأتي في فصل: أنواع الجهاد.

وأشمل تعريف للجهاد في سبيل الله هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: "والجهاد هو بذل الوسع - وهو القدرة - في حصول محبوب الحق، ودفع ما يكرهه الحق".

وقال في موضع آخر: "وذلك لأن الجهاد حقيقته الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان" [مجموع الفتاوى (10/191 ـ 192)].

فهذا التعريف يشمل كل أنواع الجهاد التي يؤديها المسلم، يشمل اجتهاده في طاعة ربه في نفسه، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، واجتهاده في دعوة غيره لتلك الطاعة، القريب والبعيد، المسلم وغير المسلم، واجتهاده في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله، وغير ذلك.

دلالة الكتاب والسنة على هذا الشمول في معنى الجهاد.

وهذا التعريف الشامل للجهاد في سبيل الله، دلت عليه نصوص من القرآن والسنة، وفهمه علماء الإسلام:

فمن نصوص القرآن، قوله تعالى: {وجاهدوا في الله حق جهاده} [الحج (78)] فالجهاد المأمور به هنا شامل لامتثال أوامر الله كلها، واجتناب نواهيه كذلك، ومن ذلك جهاد الكفار المشروع.

قال القرطبي: قوله تعالى: {وجاهدوا في الله حق جهاده}: "قيل: عنى به جهاد الكفار، وقيل هو إشارة إلى امتثال جميع ما أمر الله به، والانتهاء عن كل ما نهى الله عنه، أي جاهدوا أنفسكم في طاعة الله وردوها عن الهوى، وجاهدوا الشيطان في رد وسوسته، والظلمة في رد ظلمهم، والكافرين في رد كفرهم. ..." [الجامع لأحكام القرآن (12/99)]

ومنها قوله تعالى: {ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمي} [العنكبوت (6)] وهي كآية الحج السابقة في شمولها

قال القرطبي: قوله تعالى {ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه} "أي ومن جاهد في الدين، وصبر على قتال الكفار، وأعمال الطاعات، فإنما يسعى لنفسه أي ثواب ذلك كله له، ولا يرجع إلى الله نفع من ذلك، {إن الله لغني عن العالمين}... [الجامع لأحكام القرآن (13/327)]

ومنها قوله تعالى: ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} [التوبة (73) والتحريم (9)] فهي شاملة للجهاد العسكري، والجهاد اللساني.

قال ابن جرير: القول في تأويل قوله تعالى: {يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبي جاهد الكفار بالسيف والمنافقين بالوعيد واللسان" [تفسير الطبري (28/169)]

قال القرطبي: قوله تعالى {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}: "فيه مسألة واحدة وهو التشديد في دين الله فأمره أن يجاهد الكفار بالسيف والمواعظ الحسنة والدعاء إلى الله والمنافقين بالغلظة وإقامة الحجة وأن يعرفهم أحوالهم في الآخرة وأنهم لا نور لهم يجوزون به الصراط مع المؤمنين وقال الحسن أي جاهدهم بإقامة الحدود عليهم فإنهم كانوا يرتكبون موجبات الحدود وكانت الحدود تقام عليهم" [الجامع لأحكام القرآن (18/201)]

ومنها قوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} [العنكبوت (69)] فقد ذكر بعض العلماء أن هذه الآية، نزلت قبل الأمر بقتال الكفار، ومعنى ذلك أن الجهاد المراد منها، هو الاجتهاد في الأعمال الصالحة، من عبادة الله تعالى، وهي كذلك شاملة لعمل طاعات الله أمرا ونهيا، فيدخل فيها قتال الكفار أيضا.
قال القرطبي: قوله تعالى {والذين جاهدوا فينا} "أي جاهدوا الكفار فينا أي في طلب مرضاتنا، وقال السدي وغيره: إن هذه الآية نزلت قبل فرض القتال. قال ابن عطية: فهي قبل الجهاد العرفي، وإنما هو جهاد عام في دين الله وطلب مرضاته. قال الحسن بن أبي الحسن: الآية في العبادة. وقال ابن عباس وإبراهيم بن أدهم: هي في الذين يعملون بما يعلمون وقد قال صلى الله عليه وسلم من عمل بما علم علمه الله ما لم يعلم الجامع في أحكام القرآن (13/364)

ومن الأحاديث الدالة على أن الجهاد يراد به طاعة الله تعالى أمرا ونهيا، حديث عائشة رضيَ الله عنها، أنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: (لا، ولَكُنَّ أفضلُ الجهاد حجٌ مبرور) [البخاري رقم الحديث 1520، فتح الباري (3/381)]. فمجاهدة المرأة نفسها في القيام بأعمال الحج، الذي يكون فيه من المشقة ما هو معلوم، داخل في الجهاد في عرف الشرع.

قال الحافظ: "وسماه جهاداً لما فيه من مجاهدة النفس" [فتح الباري (3/382)].
ومنها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: جاء رجل النبي صَلى الله عليه وسلم، فاستأذنه في الجهاد، فقال: (أحي والداك) قال: نعم. قال: (ففيهما فجاهد) [البخاري رقم 3004 فتح الباري (6/140) ومسلم (4/1975)]. وهو كسبقه واضح.

والقيد: (في سبيل الله) واضح في قوله: "في حصول ما يحبه الله" وقوله: "من دفع ما يكرهه الله"، فإنه لا يكون كذلك إلا إذا كان في سبيله.

وهو يخرج كل سعي لا يقصد به وجه الله، فإنه لا يكون جهادا شرعيا يثيب الله فاعله، وإن كان قد يحصل صاحبه على مغنم مادي. [راجع الشرح الصغير على أقرب المسالك (2/267): الحاشية].

ولهذا لا يقبل الله أي عمل من العبد، إلا إذا قصد به وجهه، كما قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة: 5].

وفي الحديث: (الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى) [البخاري رقم الحديث 54، فتح الباري (1/135)، ومسلم (3/1515)].

وفي هذا الباب - وهو قتال المسلم الكافر بشرط أن يكون في سبيل الله - قال صَلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) جواباً على من سأله عن المرء يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء؛ أي ذلك في سبيل الله؟ وهو نص صريح في تفسير هذا القيد (في سبيل الله) وسيأتي الكلام على هذا المعنى بالتفصيل إن شاء الله في الباب الثاني، عند المقارنة بين أهداف الجهاد في الإسلام وأهداف الحروب الجاهلية. [الحديث في البخاري رقم 2810 فتح الباري (6/27)، ومسلم (3/1512)].