أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





كما قال تعالى في مثل هذا: {ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا}. [النساء: 112]

وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في طعمة بن أبيرق الذي سرق سلاحا، فشكاه صاحب السلاح إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فألقى السارق السلاح المسروق في بيت رجل برئ، ليبرئ نفسه ويحمل البريء إثمه، وعندما وجد السلاح في بيت الرجل البريء ثبتت-في الظاهر-براءة السارق، فأنزل الله هذه الآية وآيات قبلها منها قوله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما}. [النساء: 105، وراجع تفسير هذه الآيات في كتاب تفسير القرآن العظيم لابن كثير.]

ومقصود الكاذب من ذلك أن يسبق إلى عقول الناس باتهامه البريء، ليصرفها عن تهمته هو بالجريمة، إلى غيره ليثبت الظلم ويبطل الحق والعدل، وما أكثر ما يرتكب ناس مثل هذه الخطيئة! ويبرؤن أنفسهم مما ارتكبوه ويلطخون به البريئين، ولا سيما مع كثرة وسائل الإعلام ووسائل الاتصال التي تظهر الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق!

وقد نقل السيد محمد رشيد رضا، عن شيخه محمد عبده، في تفسيره هذه الآية، فقال:"وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : بَعْدَ أَنْ حَذَّرَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ مِنْ أَعْدَاءِ الْحَقِّ الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ طَمْسَهُ بِإِهْلَاكِ أَهْلِهِ، أَرَادَ أَنْ يُحَذِّرَهُمْ مِمَّا يُخْشَى عَلَى الْحَقِّ مِنْ جِهَةِ الْغَفْلَةِ عَنْهُ، وَتَرْكِ الْعِنَايَةِ بِالنَّظَرِ فِي حَقِيقَتِهِ وَتَرْكِ حِفْظَهُ، فَإِنَّ إِهْمَالَ الْعِنَايَةِ بِالْحَقِّ أَشَدُّ الْخَطَرَيْنِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِفَقْدِ الْعَدْلِ أَوْ تَدَاعِي أَرْكَانِهِ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى هَلَاكِ الْأُمَّةِ، وَكَذَلِكَ إِهْمَالُ غَيْرُ الْعَدْلِ مِنَ الْأُصُولِ الْعَامَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الدِّينُ; فَالْعَدُوُّ لَا يُمْكِنُهُ إِهْلَاكُ أُمَّةٍ كَبِيرَةٍ وَإِعْدَامُهَا، وَلَكِنَّ تَرْكَ الْأُصُولِ الْمُقَوِّمَةِ لِلْأُمَّةِ كَالْعَدْلِ، وَغَيْرِهِ يُهْلِكُ كُلَّ أُمَّةٍ تُهْمِلُهُ،" انتهى

وبنظرة في وسائل الإعلام في هذا العصر، يرى المرء العجب العجاب من الاتهامات الكاذبة من فرد لآخر، ومن جماعة أو حزب لجماعة أو حزب آخر، ومن دولة لدولة أخرى، وكثيرا ما يكون المتَّهِم غارقا في العيوب والنقائص التي اتهم بها غيره، والمتهم بريئا منها

والسبب في ذلك هو الاتصاف بصفة الكذب التي تلازم أهل الباطل غالبا، وفقد صفة الصدق التي تلازم أهل الحق، وكثيرا ما يترتب على ذلك ظلم البريء بتلك اتهم، وبراءة الكاذب، ونجاته، وبخاصة ما يحصل من التهم الكاذبة من الأقوياء ضد الضعفاء، ليتخذوا ذلك مسوغا لظلمهم للضعيف، وكما يحصل من جماعة لأخرى، ومن حزب لآخر، فيخدعون الناس بكذبهم، فيصدقوا أهل الباطل، ويكذبوا أهل الحق.