كيف نعظم مخافة الله في قلوبنا ..

ونستشعر مراقبته لنا في السر والعلن ؟

قال تعالى:

(طه (1) ما أنْزلْنا عليْك الْقُرْآن لتشْقى (2) إلا تذْكرة لمن يخْشى).

وقال تعالى: (سيذكرُ من يخْشى).

وقال تعالى: (إن الذين يخْشوْن ربهُم بالْغيْب لهُم مغْفرة وأجْر كبير).

فقال تعالى: (إنما تُنذرُ من اتبع الذكْر وخشي الرحْمن بالْغيْب فبشرْهُ بمغْفرةٍ وأجْرٍ كريمٍ).

فالخشية "خوف مقرون بمعرفة...

وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية

كما قال النبي عليه السلام

"إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية" وفى رواية "خوفا".

قال الله تعالى:

(إنما يخْشى الله منْ عباده الْعُلماءُ إن الله عزيز غفُور)

وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو الله تعالى أن يرزقه خشيته في السـر والعلانـية،

مع أنه عليه الصلاة والسلام أخشى الناس وأتقاهم،

فعن عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وسلم

كان يدعو فيقول:

"اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق ...

أسألك خشيتك في الغيب والشهادة ...
"

ولخشية الله تعالى فضل عظيم، لكن خشية الله تعالى في السر أعظم قدرا من الخشية في العلانية؛

ولهذا خصها الله تعالى بالذكر في عدد من الآيات ..

كما في قوله تعالى: (منْ خشي الرحْمن بالْغيْب وجاء بقلْبٍ مُنيبٍ)

قال عليه الصلاة والسلام: "ثلاث مُنجيات: خشية الله تعالى في السر والعلانية,

والعدل في الرضا والغضب, والقصد في الفقر والغنى. ...
"

ايها القارئ الكريم

خوف الله جل وعلا فيه شأن عجيب، فهو وإن كان خوفا من الله جل وعلا

وتعظيما لشأنه العظيم جل جلاله،

وخوفا من عذابه عز وجل،

إلا أنه ممزوج بالحب،

فكل من خاف الله أحبه، بخلاف المخلوقين،

فإن المخلوق إذا خيف منه كُره وبغض،

بينما إذا خاف العبد من ربه ازداد حبا به

لما له من صفات الجلال والكمال جل وعلا.

واعلم انك تتعامل مع رب رحيم غفور ودود

وهو الذي قال:

(ورحمتي وسعت كل شيء)

فرحمته وسعت كل شيء ..

أفلا يرحمك وأنت تخاف عذابه؟

وأنت الذي تسجد مستغفرا نادما

تنادينه بما ناداه عبده الصالح يونس بن متى صلوات الله وسلامه عليه

(لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) ؟

ألا يرحمك وأنت تحرص على أن تكون متقرب إليه جل وعلا

كارها معصيته،

محبا طاعته؟

ايها القارئ الكريم

اعلم ان سعة مغفرته جل وعلا حتى للمذنبين،

كما قال تعالى:

(قُلْ يا عبادي الذين أسْرفُوا على أنْفُسهمْ لا تقْنطُوا منْ رحْمة الله

إن الله يغْفرُ الذُنُوب جميعا إنهُ هُو الْغفُورُ الرحيمُ
)..

إنها رحمة الله التي لو جاء العبد بملأ الأرض خطايا ولقيه لا يشرك به لجاءه جل وعلا بملئها مغفرة ورحمة،

كما قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: "

يا ابْن آدم إنك ما دعوْتني

ورجوْتني غفرْتُ لك على ما كان فيك ولا أُبالي، يا ابْن آدم لوْ بلغتْ ذُنُوبُك عنان السماء ثُم اسْتغْفرْتني

غفرْتُ لك ولا أُبالي يا ابْن آدم إنك لوْ أتيْتني بقُراب الْأرْض خطايا ثُم لقيتني لا تُشْركُ بي شيْئا لأتيْتُك

بقُرابها مغْفرة
".

فالقلب ما دام مستشعرا روح الخوف من الله فإنه يظل عامرا بالإيمان واليقين،

ومن هنا قال بعض السلف: "ما فارق الخوف قلبا إلا خرب".

وقال آخر: "إذا سكن الخوفُ القلوب أحرق مواضع الشهوات منها، وطرد الدنيا عنها".

فيقظة الخوف من الله في نفس المؤمن تثمر عنده الابتعاد عن الشهوات المحرمة،

وقال ذو النون:

الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف،

فإذا زال عنهم الخوف ضلوا الطريق
.

وقال أبو حفص:

الخوف سوط الله، يقوم به الشاردين عن بابه.

وللخوف من الله ثمرات جليلة:

فهو يدفع المرء لفعل الطاعات، ويكفُه عن المحرمات، فهو يؤمن باطلاع الله عليه ونظره إليه:

(يعْلمُ ما يلجُ في الْأرْض وما يخْرُجُ منْها وما ينزلُ من السماء وما يعْرُجُ فيها وهُو معكُمْ أيْن ما كُنتُمْ واللهُ بما تعْملُون بصير).

وقال ابن القيم رحمه الله:

"القلب في سيره إلى الله بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه،

والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران،

ومتى قُطع الرأس مات الطائر، ومتى فُقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر
".

والخوف المحمود الصادق:

ما حال بين صاحبه ويبن محارم الله عز وجل،

ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

الخوف المحمود: هو ما حجزك عن محارم الله،

وهذا الخوف من أجل منازل السير إلى الله وأنفعها للقلب، وهو فرض على كل أحد.


قيل لـــ طلق بن حبيب صف لنا التقوى فقال :

العمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله ،

وترك معاصي الله على نور من الله مخافة عذاب الله
.

اللهم صل وسلم وبارك على حبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله،

وارض اللهم عن خلفاءه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي

وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..

وكل رمضان انتم واحبتكم بالف خير
.