أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



1- طائفة المتعالمين المغرورين.

2- طائفة تلاميذ المستشرقين.

3- طائفة علماء السوء.

لقد أساء الأدب مع القرآن الكريم ثلاث طوائف من الناس:

الطائفة الأولى: طلاب مدارس إسلامية صغار:

لا أقصد بالصغار -هنا-صغار السن، وإنما صغار العلم، الذين أصابهم الغرور والإعجاب بأنفسهم لإحرازهم قليلاً من العلم المبعثر الذي لم يؤسس على مناهج أهل العلم، وقواعدهم، بل حصلوه - غالباً - بقراءتهم الشخصية، أو على أيدي من حصلوه بتلك الطريقة، أو أخذوا ما لا يكفي منه على علماء مؤهلين، ثم نصبوا أنفسهم علماء مفتين يقولون على الله بدون علم، يحللون ويحرمون، ويكفرون، ويبدعون، ويفسقون، ويحكمون على سرائر الناس، ويجتهدون في تأخير ما حقه التقديم، وتقديم ما حقه التأخير، لا يتورعون من الاستدلال بآي القرآن على ما يظنونه حقاً، وقد يكون باطلاً.

وقد كثرت هذه الطائفة في هذا العصر، وأصبحت تُكَوِّن مجموعات لا هم لها إلا إحداث الخلاف والنزاع في فرعيات، وسع علماء السلف من الصحابة والتابعين الخلاف فيها واحترام بعضهم لبعض، ولكن هذه الطائفة تفاصل على تلك المسائل، ومصيبتها أنها تنزل آيات من القرآن على فهمها، فإذا اختلف أحدهم - مثلاً - مع آخر في حكم وضع اليدين في الصلاة على الصدر، أو فوق السرة أو تحتها، أو اختلف معه في تحريك الإصبع في التشهد، انطلق يستدل بمثل قول الله تعالى: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(63)}[وأذكر من ذلك قصة حصلت بين طويلبين صغيرين، في المسجد النبوي، كان أحدهما يحرك أصبعه في التشهد تحريكاً مستمراً ـ بعض الناس يحرك يده كلها ـ فلما سلما قال له الآخر: لماذا تعبث في الصلاة؟ فقال له الشاب: أنا أعمل بسنة الرسول ‘، فقال له الآخر: صلاتك باطلة؛ لأن وجود ثلاث حركات متوالية تبطل الصلاة. فقال المحرك: أنت مبتدع تخالف السنة، واستدل عليه بآية النور المذكورة. فالتفتُّ إليهما، وقلت لهما: هذه من المسائل الفرعية التي لا تبطل الصلاة بفعلها ولا بتركها، ولكن هناك تحريك آخر أجمع العلماء على أنه إما أن يكون فرض عين أو فرض كفاية، وهو الآن فرض عين فإذا كنتما صادقين تريدان الأجر والثواب فاذهبا وحركا جميعاً أصبعكما وستجدان أنكما أخوان في الله يجمع بينكما الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من أعداء الله الملحدين. وأخذت أحرك أصبعي السبابة كأنها موضوعة على زناد الرشاش أو المسدس، وكانت الحرب على أشدها تلك الأيام بين المجاهدين الأفغان والملحدين الروس والأفغان. ففهم الشابان وسكتا، ولعل الله وفقهما لذلك ونالا الشهادة بتحريك أصبعهما هناك.].

الطائفة الثانية: تلاميذ المستشرقين:

وهم من يسمون بالمثقفين الذين تعلموا على أيدي المستشرقين أو تلامذتهم في الغرب أو في بلاد المسلمين، وكثير منهم لا يلتزمون بأحكام الإسلام، وبعضهم لايحرؤ على الجهر بأن العمل بالقرآن غير لازم، فيحاول أن يلوي معاني الآيات القرآنية ويفسرها تفسيراً يؤدي إلى ما يريد، فإذا أنكر عليه منكر بأن هذا المعنى غير سليم، وأن العلماء فسروه بكذا، واستدلوا بكذا، قال: هذه كهنوتية تريدون أن تتحدثوا أنتم باسم الله كما فعل رجال الكنيسة.

ونسي هؤلاء أن لكل علم رجاله المتخصصين فيه، وأن النجار الماهر في مهنته لا يجرؤ على الزعم بأنه يستطيع أن يزاول مهنة الطبيب البشري... وهكذا ونحن نقول لهؤلاء: لا كهنوت ولا حجر عليكم في أن تجتهدوا في تفسير كلام الله وفي أحكام الإسلام وسنشكركم على ذلك ونعتبركم علماءنا ومفتينا، ولكن بشرط أن تكونوا مؤهلين لذلك بأدواته العلمية المعروفة عند أهله، وليس ذلك بكهنوت لأنه مبني على قواعد علمية، كل من أحرزها كأن أهلاً لأن يكون من أهلها، إن كنتم مؤهلين هذا التأهيل فحي هلا بكم، وإلا فالزموا الأدب مع الله ورسوله، ومع الكتاب والسنة، وأعطوا القوس لباريها، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
إن كلتا الطائفتين - مع اختلاف ثقافتهما - قد أساءتا الأدب مع كتاب الله، ومنهجهما يؤدي إلى العبث بمعاني القرآن وأحكام الإسلام وآدابه، وذلك أمر يترتب عليه خطر عظيم، لا يجوز السكوت عليه أو السماح به، بل يجب زجر من يحصل ذلك منه، وتأديبه إن تمادى في غيه، فالقرآن ليس محلاً لعبث العابثين، وإنما هو منهج الله لخلقه لا يتصدى لتفسيره غير أهله.

وإذا كان كبار الصحابة الذين أخذوا الفقه في الدين - ومنه تفسير القرآن العظيم - على يد الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، كانوا يتحرجون أن يقولوا في القرآن برأيهم، فمن هم هؤلاء الذين يريدون العبث بكتاب الله وتفسيره بأهوائهم؟! [راجع مقدمة تفسير القرآن العظيم: (1/6). لابن كثير.].

الطائفة الثالثة: علماء السوء:

وهم الذين يفقهون معاني كتاب الله ويعلمون حكم الله في المسائل التي يفتون أو يقضون فيها، ولكنهم يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً كما كان يفعل علماء أهل الكتاب، وهؤلاء هم أخطر على الإسلام والمسلمين من غيرهم، لثلاثة أمور:

الأمر الأول: قدرتهم على إظهار الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق، إذ قد يعتمدون على عمومات مخصصة، أو مطلقات مقيدة أو مجملات مفسرة أو أقوال شاذة، وهم يعلمون ذلك. ولكن عامة الناس لا يعلمون، فيضللون الناس في فهم أحكام الله وينصرون الظالم، ويخذلون المظلوم. وهؤلاء يدخلون في مثل قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(71)}[آل عمران].

الأمر الثاني: أن هؤلاء العلماء هم الذين يُمَكَّنُ لهم فيظهرون أمام الأمة في الفتوى والقضاء وغيرهما، فيفتن الجهال والعامة بفتاواهم ويغترون بقضائهم، وتمجدهم وسائل الإعلام، وبخاصة في هذا العصر الذي تقلب فيه تلك الوسائل الحقائق، فيتأكد للناس لبس الحق بالباطل الذي يصدر من علماء السوء.

الأمر الثالث: تصدي علماء السوء هؤلاء لكل من أراد تنبيه الناس على باطلهم، حرصاً منهم على بروزهم وحدهم، وعدم ظهور غيرهم، حتى يتسنى لهم الاستمرار في امتلاك الجاه والمنصب اللذين يدران عليهم الأموال التي يأخذونها في مقابل تحريفهم لكتاب الله وأحكامه.