أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



سبق هذا الرجل كما نوهت في الحلقة الماضية، طغاة من صنفه، بل قد يكونون أكثر شرا منه، ولكن المقام يقتضي تجاوز ذكرهم صراحة، وليس من السهل الاستمرار في ضرب الأمثلة لطغاة الكذب السياسي المدمر للشعوب، فهو الأصل عند عالب المستبدين-وما عداه استثناء-في وعد طاغية العراق شعبه بإمبراطورية واسعة الأطراف، بالغزو المسلح الذي بدأه باحتلال الكويت وما آل إليه أمر العراق والشعوب الإسلامية، وبخاصة العربية منها ما فيه غناء عن الأمثلة للأكاذيب السياسية المدمرة، وزعماء الدول، عندهم من الإمكانات والقدرات والوسائل، ما يجعل سباقهم بباطلهم إلى عقول شعوبهم وغيره أشد من غيرهم...


ولكني أذكر مثالا واضحا من أمثلة كذب الطغاة المدمر لشعوبهم نراه رأي العين اليوم ويراه العالم كله، وهو كذب طاغية الصومال الذي استولى على الحكم-كغيره من حكام الشعوب الإسلامية-بالقوة العسكرية [سنة 1969م] مدعيا أنه أراد بذلك تخليص الشعب الصومالي من محنته، واعدا إياه بالعيش في جنة من الحياة، وهو الآن يعيش تعيسا جائعا، عاريا، عطشانا، لم يبق من أفراده إلا الجلد والعظم تلهبه الشمس المحرقة، ويقتله البرد القارس، وتفتك به الأمراض المتنوعة، عدا المئات الذين يموتون كل يوم من الجوع والعطش والمرض.

وأمامي الآن جريدة الشرق الأوسط [عدد (5110) 30/5/1413هـ-24/11/1992م. ص: 8 بقلم اللواء عمر الحاج محمد مصلي.] وبها عنوان: (الصومال.... أسوأ كارثة إنسانية) أقتطف من المقال الذي كتب تحته المقطع الآتي لأنه يناسب المقام:

"النظام الذي استولى على الحكم في عام 1969م تراجع عن المبادئ التي أعلنها بعد أعوام قليلة من استيلائه على الحكم [هذا إذا أحسن الظن بمن الأصل فيهم الكذب فيقال: خططوا بأن يقضوا على الفساد، أما إذا جرينا على الأصل فهو أن أصل التخطيط كان الهدف منه الفساد المذكور وإن زعم صاحبه أنه أراد الصلاح.
والشك في ذي الكذبِ أصل ولو لم يكذبِ]

وبعد أن أعلن حربا على الفساد والمحسوبية واختلاس أموال، والقبلية، تعثرت خطاه من تلقاء نفسه، مما أدى إلى اختلال ترتيب الأمور والتقاعس في تحقيق الوعود. من تلك اللحظة بدأ كل شئ يخطو عكس ما خطط له سابقا [راجع مجلة المجتمع الكويتية. عدد (234) 15/11/1395هـ-. 28يناير سنة 1975م ص: 6 وما بعدها.]

فظهرت القبيلة بقوة جبارة وفعالة، وسيطرت المحسوبية على الدوائر الحكومية، ونهبت الأموال العامة والخاصة، وعمّت الفوضى ربوع البلاد.

هذه الظواهر السلبية مهدت الطريق إلى ظهور ديكتاتور ينفرد بحكم البلاد لا يشاركه أحد في اتخاذ القرارات، كما أن السلطات كلها أصبحت في قبضته وتمكن من التخلص من المسؤولين الذين كانوا يتقاسمون معه الحكم، وعين بدلا منهم شخصيات انتهازية لا تعارضه في أبسط الأمور.

هذا الخلل الذي أصاب النظام وفّر مناخا ملائما لتنشيط القبلية، كما أعطى فرصة ثمينة لصيادي القبلية والمستفيدين منها، فزرعوا الفتن والشكوك بين القبائل، وكسبوا مراكز حكومية رفيعة في الدوائر الحكومية، وأداروا ظهورهم للمصلحة العامة.

ظهرت شخصيات كثيرة في قمة سلم الحكم، لا يهمها التاريخ وما يسجله من تصرفاتهم، فركزوا نفوذهم على الكسب غير المشروع..." انتهى ما نشر في جريدة الشرق الأوسط.

هذا النص من مقال اللواء عمر الحاج، وهو وزير الدفاع الصومالي السابق الذي كان مشاركا في الحكم، وقد جرت العادة أن التاريخ الذي يكتب في عهد الطغاة وينشر، يكون غالبا في صفهم مدحا وثناء بالكذب والبهتان، وأن التاريخ الذي يكتب بعد ذهابهم قد يكون صادقا وقد يكون مبالغا في ذمهم ونسبة السوء إليهم، ولكننا نعرف أن هذا الكاتب لم يذكر إلا قطرة من بحار تاريخ الزعيم الصومالي وكذبه السياسي المدمر.

كما أنه لم يذكر ما يتعلق بمحاربته الإسلام وعلماء الإسلام الذين أحرق مجموعة منهم بسبب معارضتهم لقانون أصدره يساوي بين المرأة والرجل في الإرث الذي فرق الله فيه بينهما في نص كتابه.

والأمة التي تحارب عقيدتها ودينها وشريعتها ويحرق علماؤها، ثم لا تحرك ساكنا في ردع المعتدي الآثم، لا بد أن تصل في النهاية إلى هذه المأساة التي يقول الله فيها وفي أمثالها: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب}. [ الأنفال: 25.] أقول: والعالم كله يعرف ما يجري في الصومال إلى الآن على جميع أهل الصوما، وكل يوم تشرق شمسه، يكون أسوأ م اليوم الذي غربت شمسه.

ومن هنا نعلم أن أهل الحق الصادقين يسعدون البشرية بحقهم وصدقهم، وأن أهل الباطل الكاذبين يُشقُون البشرية بباطلهم وكذبهم.

ولعل الأمة الإسلامية تتنبه لخطر كذب قادتها الذين يحاربون الإسلام، وكذبهم السياسي المدمر الذي تجند لترويجه كل طاقات الدولة، حتى ينطلي عليها ويستمر في تضليلها فترة طويلة، ولا تشعر بآثاره المدمرة إلا بعد أن يفوت الأوان وتتحطم الشعوب اقتصاديا وسياسيا وأمنيا وخلقيا وعسكريا، حتى يصبح استعمارها من قبل أعداء الإسلام الذين يوفرون لها لقمة العيش وشيئا من الأمن النسبي، أحب إليها من بقائها تحت مطارق الخوف والجوع والسلب والنهب والقتل والتشريد [كما هو حاصل الآن في الصومال الذي سيطرت عليه القوات الأمريكية تحت مظلة مجلس الأمن والإغاثة الإنسانية مستترة بتأييد حلفائها الذين شاركوها بقوات رمزية شبيهة بالمحلل في فقه النكاح!]

ولو أرد الباحثذكر أمثلة أخرى لضر كذب السياسة المدمة، في البلدان الإسلامية في الدول العربية، وفي قارتي آسيا وأفريقيا بجميع دولها، لاحتاج إلى كتب خاصة يفصل فيها كذب كل سياسي دمر شعبه، وربما غير شعبه، ولا زال الكثير منهم إلى هذه اللحظة يدمر شعبه بكذبه – وهو على رأس الحكم – وهو ما حذر منه الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث جعله ممن لا ينظر الله إليهم، ولا يكلمهم، ولهم عذاب أليم، كما روى ذلك أبو هريرة، ضي الله عنه، عن الرسول عليه الصلاة والسلام، [الحديث في صحيح مسلم]

والسبب في ذلك الجزاء الشديد، أن الحاكم، سواء سمي ملكا، أو رئيس جمهورية، أو أميرا، أو غير ذلك، لا يحتاج إلى الكذب، لكونه صاحب السلطة، يستطيع أن يأخذ حقه بقوته وسلطته، بل يستطيع أن يظلم الناس، وإنما يحتاج إلى الكذب المظلوم المتهم بغير حق، مع أخذ اعترافاته بما لم يفعله، كما تفعل أجهزة ما يسمى بالأمن اليوم، أو يتعمد للكذب عنادا وسوء خلق، لعدم خوفه من الله.

يضاف إلىذلك أن صاحب السلطة الكذاب، يعم كذبه ويصل إلى شعبه كله، وبخاصة أنه يملك من وسائل النشر والإعلام ما لا يملكه غيره، فهو به يسابق إلى عقول الناس بالباطل.