أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ في النفسِ البشريةِ أربعةَ مواضعٍ إمَّا أن تُبصر بها النفسُ نورَ الهدايةِ فتهتديَ إلى الطريقِ المُستقيمِ وإمَّا أن تعمى بها عن نورِ الهدايةِ فتبقى في ظلماتِ الضلالِ ضالةً غيرَ مُهتديةٍ. وهذه المواضع الأربعُ هي : الأول: فطرة التوحيد: عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفطرةِ ، فأبواه يُهَوِّدانِه ، أو يُنَصِّرانِه ، أو يُمَجِّسانِه ، كمثلِ البَهِيمَةِ تُنْتِجُ البَهِيمَةَ ، هل ترى فيها جَدْعَاءَ) . ( الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1385 خلاصة حكم المحدث: صحيح ). الثاني: هوىُ النفسُ: إمَّا أن يكون موافقاً لفطرة التوحيد؛ لقوله عليه الصلاة والسلام (لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى يَكونَ هواهُ تبعًا لمَّا جئتُ بِهِ ) ( الراوي: عبدالله بن عمرو المحدث: النووي - المصدر: الأربعون النووية - الصفحة أو الرقم: 41 خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح )، لأنَّ فطرةَ التوحيدِ هي نفسُها فطرةُ الإسلامِ فالدينُ عند اللهِ هو الإسلامُ ولا يكتمل إيمانُ المسلمِ حتى يكونَ هوى نفسهِ متابعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وهو دينُ الإسلامِ؛ أي موافقاً لفطرة التوحيد. وإمَّا أن يكون مخالفاً لفطرة التوحيد؛ قال تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ) (الجاثية: 23)، فمن يعبد هواه بطاعته والإنقيادُ لهُ لأن طاعةُ غيرَ اللهِ بمعصيةِ اللهِ عبادةٌ لهُ كما في قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام مخاطباً أباه (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا) (مريم: 44)، فعبادةُ الشيطانِ هي بطاعتهِ في معصيةِ اللهِ عزوجل. الثالث والرابع: كلا الخيرِ والشرِ في نفسِ الإنسانِ اللذينِ يحكمان هوى النفسِ.

وللخير والمعروف والشر والمنكر أوجهٌ متعددةٌ منها : حبُ الآخرةِ؛ قال تعالى (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (البقرة: 201)، وقال تعالى (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) (الإسراء: 19)، وحبُ الدنيا؛ قال تعالى (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) (البقرة: 212)، وقال تعالى (فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ) (البقرة: 200). حبُ الخيرِ؛ قال تعالى (يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران: 114)، وقال تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (القلم: 4)، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (الأنبياء: 107)،وقال تعالى ( إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ) (مريم: 19-21)، وقال تعالى (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ) (الزلزلة: 7)، وحبُ الشرِ؛ قال تعالى (وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة: 8)، وقال تعالى ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ) (الفلق: 1-2). الإنقياد والطاعة؛ قال تعالى (وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة: 285)، وقال تعالى (ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) (المائدة: 82)، والإستكبار والعصيان؛ قال تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (البقرة: 93)، وقال تعالى (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) (البقرة: 87). حبُ الإصلاحِ؛ قال تعالى (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ) (الصافات: 112)، وقال تعالى (وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران: 39)، وقال تعالى (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران: 46)، وقال تعالى (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (البقرة: 130)، وقال تعالى (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (الأعراف: 196)، وحبُ الإفسادِ؛ قال تعالى (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (المائدة: 64)، وقال تعالى (وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) (الإسراء: 4)، وقال تعالى (وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة: 205)، الصدق والكذب؛ قال تعالى (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت: 3).

ولكنْ يبقى سؤالٌ مهمٌ جدًا وهو كيفيةُ عملُ هؤلاء المواضعَ الأربعَ في هداية الإنسانِ أو في إضلالهِ، والجواب هو الآتي: فالنفسُ البشريةُ إمَّا أن تقبلَ وتميلَ إلى ما يعقله الإنسان بعقله من كلماتِ وأفعالِ الهدايةِ وإمَّا أن تعرضَ عنها. ولذلكَ أربعُ أحوالٍ هي: الأول: أن تميلَ النفسُ بخيرها وشرها إلى دعوةِ الهدايةِ فتؤمنُ بها ويغلبُ شرُها خيرَها فيوافقُ هواهَا فطرتَها وتُسلم لخالقِها وربِها بالعبادات العلمية كالإيمان بوحدانية الله عزجل وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره، وبالعبادات العملية كالصلاة والزكاة والصيام. ولكنَّها تبقى بعيدةً غيرَ قريبةٍ من الله عزوجل على قدرِ حبِها للشرِ وفُحشِ شرها لأنَّه سبحانه وتعالى يحبُ الخيرَ ويكرهُ الشرَ؛ لقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: 90)، ولقوله عليه الصلاة والسلام (... واهدني لأحسنِ الأخلاقِ لا يَهدي لأحسنِها إلَّا أنتَ واصرف عنِّي سيِّئَها لا يصرفُ عنِّي سيِّئَها إلَّا أنتَ لبيكَ و سعديكَ و الخيرُ كلُّه في يديكَ والشر ليس إليك أنا بِك وإليك تبارَكتَ وتعاليتَ ...) ( الراوي: علي بن أبي طالب المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الترمذي – الصفحة أو الرقم: 3422 خلاصة حكم المحدث: صحيح). الثاني: أن تميلَ النفسُ بخيرها وشرِها إلى دعوة الهدايةِ فتؤمنُ بها ويغلبُ خيرُها شرَها فيوافقُ هواهَا فطرتَها وتُسلم لخالقِها وربِها بالعبادات العلمية والعملية وتصيرُ قريبةً من الله عزوجل على قَدرِ حُبها للخيرِ وحُسنِ وكرمِ خيرها؛ لقوله تعالى ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) (الأنبياء: 90)، وقوله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات: 13)، وقوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (الواقعة: 10-11)، وقوله تعالى ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ) (النساء: 69). الثالث: أن تُعرضَ النفسُ بخيرِها وشرِها عن دعوةِ الهدايةِ فتَكفرْ ويغلبُ شرُها خيرَها فيخالفُ هواها فطرتَها فتستكبر عن الإذعانِ إلى اللهِ عزوجل والإستسلامِ إليه وطاعته فتصيرَ من شرِ الخلقِ لا تؤمن باللهِ سبحانه و تعالى وتُفسدُ في الأرضِ؛ قال تعالى ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ) (الفلق: 1-2)، وقال تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) (البقرة: 204-205 ). الرابع: أن تُعرض النفسُ بخيرها وشرِها عن دعوةِ الهدايةِ فتَكفرْ ويغلبُ خيرُها شرَها فيخالفُ هواها فطرتَها فتستكبر عن الإذعانِ إلى اللهِ عزوجل والإستسلامِ إليه وطاعته، فلا ينفعها خيرُها في الآخرة لأنَّ أعمالَها مُحبطةٌ لقوله تعالى ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ) (الكهف: 103-105)، وإنَّما ينفعُها وينفعُ الناس في الدنيا وتُعمر به الأرضُ لقوله تعالى ( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا ) (الإسراء: 18).

ولكن قد يقول قائلٌ لماذا الله عزوجل فطر وخلق أرواحاً على حُبِ الخيرِ وأرواحاً على حُبِ الشرِ وهل جَبَرها على ذلكَ أم خيَّرها في ذلك؟!!!. إنَّ اللهَ عزوجل فطرَ وجبلَ الأرواحَ على الخيرِ بفضله ومنته إمَّا ليهديها به إلى الإيمان، أو ليرحمَ الناس ويَعمُرَ الأرضَ به، أو لكليهما معاً. قال عليه الصلاة والسلام لأشجِّ عبد القيْسِ ( إنَّ فيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُما اللهُ الحِلْمُ والأناةُ . قال : يا رسولَ اللهِ ! أنا أَتَخَلَّقُ بهما أَمِ اللهُ جَبَلَنِي عليهما ؟ قال : بَلِ اللهُ جبلكَ عليهما . قال : الحمدُ للهِ الذي جَبَلَنِي على خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهما اللهُ ورسولُه ) ( الراوي: زارع بن عامر بن عبد القيس العبدي - المحدث : الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 5225 خلاصة حكم المحدث: صحيح ). فالخير المَجبُول والمَفطُور في الأرواح إمَّا أن يكونَ مُنجياً في الدنيا والآخرة كحُبِ طاعةِ اللهِ والإنقيادِ له عزوجل و حُبِ كلا الدنيا والآخرةِ وحُبِ الإصلاحِ والخيرِ إذا كانا مع إيمانٍ بالله عزوجل؛ فيهديَ اللهُ بمَن فيه خصالُ الخيرِ هذهِ إلى الإيمان به عزوجل وإلى عمارة الأرضِ والرحمةِ بالناسِ. أو يكونَ مُنجياً في الآخرةِ فقط كحُبِ طاعةِ اللهِ والإنقيادِ له عزوجل وحُبِ الآخرةِ؛ فيهديَ اللهُ بمَن فيه خصالُ الخيرِ هذهِ إلى الإيمانِ به عزوجل. أو يكونَ مُنجياً في الدنيا فقط كحُبِ الدنيا وحُبِ الخير والإصلاحِ إذا كانا مع غيرِ إيمانٍ بالله عزوجل؛ فيُيسرُ الله بمَن فيه خصالُ الخير هذه إلى عمارة الأرضِ والرحمةِ بالناسِ دون الإيمانِ باللهِ عزوجل. أمَّا الشرُ فإنَّ اللهَ عزوجل يبتلي صاحبَهُ به ليعذبَهُ جزاءً وعدلاً على ما اقترفه؛ قال عليه الصلاة والسلام (إنَّ مِنَ النَّاسِ ناسًا مَفاتيحا للخَيرِ مَغاليقا للشَّرِّ، ومنَ النَّاسِ مفاتيحا للشَّرِّ مغاليقا للخيرِ. فطوبى لمن جعلَ اللَّهُ مِفتاحَ الخيرِ علَى يديهِ، وويلٌ لمن جعلَ مِفتاحَ الشَّرِّ علَى يديهِ) ( الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: تخريج كتاب السنة - الصفحة أو الرقم : 297خلاصة حكم المحدث: حسن) وقال تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) (العنكبوت: 4)، وليبتليَ عباده المؤمنين بأهل الشرِ؛ قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ) (العنكبوت: 10-11).

واللهُ عزوجل قد خَيَّر عبادَهُ في حُبِ الخيرِ ولو لمْ يَخَيرهم في حُبِهِ لمَا مدحَ اللهُ أنبياءَهُ وأولياءَهُ الصالحين ومن يليهم في الصلاح من المؤمنين ولمَا فضلهم على غيرِهم. ما يعني أنَّ اللهَ عزوجل لم يُجبر عباده الصالحين والمؤمنين على حُب الخيرِ بل ابتلاهم وامتحنهم في حُبِهِ لِينعمَ على أطهرَهُم وأنقاهُم قلباً وأشدَهُم حباً للخيرِ بأكرمَ الخير وأكملَهُ كما أنعم على أنبيائه عامةً والمقربين منهم خاصةً كالحبيب المصطفى عليه السلام؛ قال تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (القلم: 4)، وكإبراهيم عليه السلام؛ قال تعالى (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ) (هود: 75)، وكعيسى عليه السلام؛ قال تعالى ( إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ) (مريم: 19-21)، وكموسى عليه السلام؛ قال تعالى ( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) (الصف: 5)، وكنوح عليه السلام؛ قال تعالى (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ ۖ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) (هود: 31). كابتلائه عزوجل لعباده كافةً بعهدِ وميثاقِ الربوبية والتوحيدِ الذي قطعوه على أنفسِهم وأقروا به في عالمِ الذرِ؛ قال تعالى ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ) (الأعراف: 172)، وكابتلائه لهم بحبهم له عزوجل؛ قال تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ) (البقرة: 165)، وكابتلائه لهم بالتمسكِ بعبادته وبالإيمان به عزوجل؛ قال تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت: 69).

أمَّا كيفيةُ إبتلاءُ اللهِ لعبادِه بحُبِ الخيرِ وكراهية الشرِ أو بحُبِ الشرِ وكراهيةِ الخيرِ هي مجهولةٌ وتقع تحت العلم الغيبي الذي لم يردْ به نصٌ؛ قال تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) (الإسراء: 85). بينما الوقت قد يُمكن التنبؤ به وهو قد يكون قبلَ عهد وميثاق الربوبية الذي أخذ الإنسانُ على نفسه الإقرار به في عالم الذر إذْ كان روحاً بلا جسدٍ فعندما خلقه اللهُ في الدارِ الدنيا في جسدٍ وَفَى المؤمن بعهدِهِ ونَقضَ الكافر عهدَهُ، لأنَّ الخيرَ والشرَ المجبولُ في الإنسان هو الذي يهديه أو يضلهُ إلى عبادة اللهِ عزوجل في الدار الدنيا والإقرار بربوبيته؛ ما يفيد بأنَّه عندما أخذَ اللهُ عهدَ وميثاق الربوبيةِ والتوحيد على الإنسان كان قد أكملَ اللهُ خلقَ الخيرِ والشرِ فيه لأنَّهُ بهما يهتدي أو يضلُ الإنسانُ والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الكاتب: أخوكم خالد صالح أبودياك