أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

قال الشافعي رحمه الله في الرسالة: لما كان معروفا - والله أعلم - عند عمر أن النبي قضى في اليد بخمسين وكانت اليد خمسة أطراف مختلفةِ الجمال والمنافع: نزَّلها منازِلَها، فحكم لكل واحد من الأطراف بقَدْره من دية الكفِّ، فهذا قياس على الخبر.
فلما وجدنا كتاب آل عمرو بن حزم فيه: أن رسول الله قال: وفي كل إصبع مما هنالك عشرٌ من الإبل صاروا إليه.
ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم - والله أعلم - حتى يثبت لهم أنه كتاب رسول الله. عمل من الأئمة بمثل الخبر الذي قبلوا.
ودلالةٌ على أنه مضى أيضا عملٌ من أحد من الأئمة، ثم وَجَدَ خبرا عن النبي يخالف عملَه لترك عمله لخبر رسول الله.
ودلالةٌ على أن حديث رسول الله يثبت بنفسه لا بعمل غيره بعده.
وقال أيضاً:و يجب أن يقبل الخبر في الوقت الذي يثبت فيه ، و إن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر .

و قال العلامة ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين : و لم يكن الإمام أحمد رحمه الله تعالى يقدم على الحديث الصحيح : عملاً ، و لا رأيا ، و لا قياساً ، و لا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعاً ، و يقدمونه على الحديث الصحيح ، و قد كذب أحمد من ادعى هذا الإجماع ، ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت.

وقال ابن القيم في مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية و المعطلة : (ومنها) أن أهل السنة إذا صحت لهم السنة عن رسول الله لم يتوقفوا عن العمل بها ، من غير نظر إلى من وافقها أو خالفها ، و قد نص الشافعي على ذلك في كثير من كتبه ، و عاب على من يقول لا أعلم بالحديث حتى أعرف من قال به ذهب إليه ، بل الواجب على من بلغته السنة الصحيحة أن يقبلها و أن يعاملها بما كان يعاملها الصحابة حين يسمعونها من رسول الله فينزل نفسه منزلة من سمعها منه صلى الله عليه و سلم.

و قال الألباني رحمه الله : في رسالته المباركة (الحديث حجة بنفسه في العقائد و الأحكام ) الفصل الثاني بطلان تقديم القياس و غيره على الحديث إن رد الحديث الصحيح بالقياس أو غيره من القواعد التي سبق ذكرها مثل رده بمخالفة أهل المدينة له لهو مخالفة صريحة لتلك الآيات والأحاديث المتقدمة القاضية بوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة عند الاختلاف والتنازع ومما لا شك فيه عند أهل العلم أن رد الحديث لمثل ما ذكرنا من القواعد ليس مما اتفق عليه أهل العلم كلهم بل إن جماهير العلماء يخالفون تلك القواعد ويقدمون عليها الحديث الصحيح اتباعا للكتاب والسنة كيف لا مع أن الواجب العمل بالحديث ولو مع ظن الاتفاق على خلافه أو عدم العلم بمن عمل به.

و قال الألبانى رحمه الله فى مقدمة تمام المنة: القاعدة الرابعة عشرة : وجوب العمل بالحديث الصحيح وإن لم يعمل به أحد ـ

و قال الألباني أيضاً : في رسالته مناسك الحج و العمرة ص 32 :(لقوله صلى الله عليه و سلم : إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا من كل ما حرمتم منه إلا النساء ، فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا هذا البيت صرتم حرماً لهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة ، قبل أن تطوفوا به )
و علق عليه الألباني في الهامش :
وهو ، و قد قواه جمع منهم الإمام ابن القيم ، كما بينته في صحيح أبي داود 1745
ولما اطلع على هذا الحديث بعض أفاضل أهل العلم قبل ذيوع الرسالة ، استغربوه و بعضهم بادر إلى تضعيفه _ كما كنت فعلت أنا نفسي في بعض مؤلفاتي _ بناء على الطريق التي عند أبي داود ، و هذه مع أنها قواها ابن القيم في التهذيب و الحافظ في التلخيص بسكوته عليه ، فقد و جدت له طريقاً أخرى يقطع الواقف عليها بانتفاء الضعف عنه ، وارتقائه إلى مرتبة الصحة ، و لكنها لما كانت في مصدر غير متداول عند الجماهير ، و هو شرح معاني الآثار للإمام الطحاوي خفيت عليه كما خفيت علي من قبل ، فلذلك بادروا إلى الاستغراب أو التضعيف.
و شجعهم على ذلك أنهم وجدوا من قال من العلماء فيه : لا أعلم أحداً من الفقهاء قال به ، و هذا نفي ، و هو ليس علماً ، فإن من المعلوم عند أهل العلم أن عدم العلم بالشيء ، لا يستلزم العلم بعدمه ، فإذا ثبت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان صريح الدلالة كهذا ، وجبت المبادرة إلى العمل به ، و لا يتوقف ذلك على معرفة موقف أهل العلم منه .، كما قال الإمام الشافعي : (يقبل الخبر في الوقت الذي يثبت فيه ، و إن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر الذي قبلوا ، إن حديث رسول الله يثبت بنفسه ، لا بعمل غيره بعده )
قلت فحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم أجل أن يستشهد عليه بعمل الفقهاء به ؟ فإنه أصل مستقل حاكم غير محكوم ، ومع ذلك فقد عمل بالحديث جماعة من أهل العلم منهم عروة بن الزبير التابعي الجليل ، فهل بعد هذا أحد عذر في ترك العمل به ؟

وقال الألباني رحمه الله في شريط سلسلة الهدى و النور رقم 376:
السائل : في سؤال حول مسألة أنّ الّذي ما طاف طواف الإفاضة بالزيارة في يوم النّحر عاد حراما ذكرتم أن هذا الحديث الّذي أخرجه الطّحاوي في معاني الآثار وكذلك أبو داود أن ال وأنّ الحديث لا يشترط في العمل به أنّ الفقهاء عملوا به لأنّ البيهقيّ قال يشكل على هذا الحديث أنّ الفقهاء ... .
الشيخ : من الّذي قال ؟
السائل : البيهقيّ أنّ الفقهاء لم تعمل به ,فهل يشترط بالعمل بهذا الحديث أن يعمل به مثلا أحد الأئمّة أو أن يروى فعل هذا الأمر عن بعض الصّحابة ؟
الشيخ : أوّلا لقد قلنا في الإجابة عن مثل هذا السّؤال عن مثل هذا الحديث بأنّ الله تبارك وتعالى قد تعهّد للمسلمين أن يحفظ لهم شريعتهم و الشّريعة ليست إلاّ الكتاب و السّنّة الصّحيحة ولم يتعهّد ربّنا عزّ و جلّ أن يحفظ لهذه الأمّة من قال بحديث ما من الأحاديث الصّحيحة فقد يوجد حديث ولا نعلم نحن من عمل به من السّلف فلا يعني ذلك أنّ أحدا من السّلف لم يعمل به ولذلك نصّ الإمام الشّافعيّ في رسالته القيّمة وهي المسمّاة بالرّسالة على أنّ مجرّد كون الحديث ثابتا صحيحا كاف في وجوب العمل به ولو لم نعلم من قال به من العلماء لأنّ السّنّة أصل مستقلّ لا يلزمنا أن نعرف من عمل به أو بها , ثانيا قد وجد من عمل بهذا الحديث كما كنت ذكرت فيما أذكر في رسالة مناسك الحجّ و العمرة قد عمل بهذا الحديث بعض السّلف ومنهم ولعلّه عروة بن الزّبير أي نعم , ولذلك في اعتقادي أنّ قول البيهقيّ حينما ذكر الفقهاء أنّه لا يعني الفقهاء مثلا الأئمّة الأربعة أو لا يعني الفقهاء السّبعة بينما يعني ما هو أعمّ من ذلك فإن كان يعني عددا مسمّى حينئذ نقول والدّعاوي ما لم تقيموا عليها بيّنات أبناؤها أدعياء فإذا كان عروة وهو ابن الصّحابيّ الجليل هو بن الزّبير قد عمل بهذا الحديث فهذا يكفي للاستئناس لا للاحتجاج لأنّ الأمر كما قلنا الحديث حجّة بنفسه لا يحتاج أن يشهد له من العاملين به أما وقد وجد هنا من قد عمل به فيكفي أن نقول إنّ الحديث بعد ثبوته وجب العمل به ومن لا يطمئنّ للعمل بالحديث الّذي لا يعلم عاملا به فهذا قد قدّمنا له من عمل به و هذا يكفي بالاحتجاج بهذا الحديث.

و قال الألباني في رسالة سؤالات أبي العينين:
السؤال 47: إذا كان الحديث في الكتب الحديثية غير المتداولة ، ولم يقل بموجبه أحد من الفقهاء ، و لم يذكروه في كتبهم ، أيكون هذا دليلاً علي نكارته؟
الجواب 47: لا يدل ذلك على النكارة ، و أنا ذكرت في بعض الكتب أو التخاريج في بعض الأحاديث ، و قلت إنه من الغريب أن كتب الفقه خلت من ذكر هذا الحديث أو الحكم الذي تضمنه ، لعل من هذا القبيل يا أبا الحارث حديث النعمان بن بشير في التراص ذكرت هذا في الصحيحة أو غيرها ، فهذا لم تذكره كتب الفقه : لصق القدم بالقدم في الصف ، هذا مع كونه في صحيح البخاري من حديث أنس ، و في سنن أبي داود من حديث النعمان بن بشير ، فقد خلت كتب الفقه من فقه هذا الحديث ، فضلاً عن نص هذا الحديث
فقال أبو الحسن علي الحلبي : هناك مثال آخر شيخنا ذكرتموه و هو حديث أيكم لم يقارف أهله الليلة ( أيكم لم يقارف أهله الليلة )
فقال الشيخ : صدقت ، لذلك ربما لا يدل على النكارة ، و ربما يدل على أنه خفي على المتقدمين ، ثم جرى على نسقهم المقلدون ، و هذا من شؤم التقليد ، فإنهم تركوا الاستمرار على الخط الذي خطه الأئمة الأولون ، كمثل قول من قال منهم :
لا تقلدن مالكاً ، و لا الشافعي و لا أحمد و إنما خذ من حيث أخذوا ـ
هذا الأخذ انقطع ، و بالتالي كان هذا من أسباب ضياع بعض الأحكام الشرعية من الكتب الفقهية التقليدية
السؤال 48: قال أبو الحسن علي الحلبي : شيخنا وضح الجواب لكن كيف أو بالأحرى ما موضع الكلمة التي تذكرونها عن الإمام أحمد و ينقلها شيخ الإسلام ابن تيمية و يؤيدها ، و هي قوله (إياك و كل مسألة ليس فيها لك إمام ) هل لها في هذا المكان موضع ؟ و ما هي ضوابط أخذها ؟
الجواب 48: قال الشيخ أظن أننا تعرضنا لبحثه أكثر من مرة
نحن نقول إذا كان الاً في حدوده المعروفة في علم المصطلح يأتي كلام الإمام الشافعي أنه يجب الأخذ بالسنة الصحيحة ، و إن لم يقل بها أحد ـ
أما إذا كان الحديث ، و أعني طبعاً الحديث الصحيح يحتمل وجوها من المعاني فحينئذ إذا ما اختار المتأخر وجها من تلك الوجوه فلا بد أن يكون له سلف من الأئمة ، و على هذا نحمل كلام الإمام أحمد

و قال النووي رحمه الله :(شرح صحيح مسلم / باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعاً لرمضان)
........ قال مالك في الموطأ : ما رأيت أحداً من أهل العلم يصومها ، قالوا : فيكره لئلا يظن وجوبه ، و دليل الشافعي و موافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح ، و إذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها

و قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين: فلما انتهت النوبة إلى المتأخرين ساروا عكس هذا السير، وقالوا: إذا نزلت النازلة بالمفتي أو الحاكم فعليه أن ينظر أولا: هل فيها اختلاف أم لا ؟ فإن لم يكن فيها اختلاف لم ينظر في كتاب ولا في سنة، بل يفتي ويقضي فيها بالإجماع، وإن كان فيها اختلاف اجتهد في أقرب الأقوال إلى الدليل فأفتى به وحكم به. وهذا خلاف ما دل عليه حديث معاذ وكتاب عمر وأقوال الصحابة. والذي دل عليه الكتاب والسنة وأقوال الصحابة أولى فإنه مقدور مأمور، فإن علم المجتهد بما دل عليه القرآن والسنة أسهل عليه بكثير من علمه باتفاق الناس في شرق الأرض وغربها على الحكم . وهذا إن لم يكن متعذرا فهو أصعب شيء وأشقه إلا فيما هو من لوازم الإسلام، فكيف يحيلنا الله ورسوله على ما لا وصول لنا إليه ويترك الحوالة على كتابه وسنة رسوله اللذين هدانا بهما، ويسرهما لنا، وجعل لنا إلى معرفتهما طريقا سهلة التناول من قرب؟! ثم ما يدريه فلعل الناس اختلفوا وهو لا يعلم، وليس عدم العلم بالنزاع علما بعدمه، فكيف يقدم عدم العلم على أصل العلم كله؟ ثم كيف يسوغ له ترك الحق المعلوم إلى أمر لا علم له به وغايته أن يكون موهوما، وأحسن أحواله أن يكون مشكوكا فيه شكا متساويا أو راجحا؟
ثم كيف يستقيم هذا على رأي من يقول: انقراض عصر المجمعين شرط في صحة الإجماع ؟ فما لم ينقرض عصرهم فلمن نشأ في زمنهم أن يخالفهم، فصاحب هذا السلوك لا يمكنه أن يحتج بالإجماع حتى يعلم أن العصر انقرض ولم ينشأ فيه مخالف لأهله ؟ وهل أحال الله الأمة في الاهتداء بكتابه وسنة رسوله على ما لا سبيل لهم إليه ولا اطلاع لأفرادهم عليه ؟ وترك إحالتهم على ما هو بين أظهرهم حجة عليهم باقية إلى آخر الدهر متمكنون من الاهتداء به ومعرفة الحق منه، وهذا من أمحل المحال، وحين نشأت هذه الطريقة تولد عنها معارضة النصوص بالإجماع المجهول، وانفتح باب دعواه، وصار من لم يعرف الخلاف من المقلدين إذا احتج عليه بالقرآن والسنة قال: هذا خلاف الإجماع. وهذا هو الذي أنكره أئمة الإسلام، وعابوا من كل ناحية على من ارتكبه، وكذبوا من ادعاه، فقال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله: من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكن يقول: لا نعلم الناس اختلفوا ، أو لم يبلغنا.

وقال في رواية المروذي: كيف يجوز للرجل أن يقول: أجمعوا ؟ إذا سمعتهم يقولون: أجمعوا فاتهمهم، لو قال: إني لم أعلم مخالفا كان.

وقال في رواية أبي طالب: هذا كذب، ما علمه أن الناس مجمعون؟ ولكن يقول: ما أعلم فيه اختلافا فهو أحسن من قوله إجماع الناس.

وقال في رواية أبي الحارث: لا ينبغي لأحد أن يدعي الإجماع، لعل الناس اختلفوا.

ولم يزل أئمة الإسلام على تقديم الكتاب على السنة والسنة على الإجماع وجعل الإجماع في المرتبة الثالثة، قال الشافعي: الحجة كتاب الله وسنة رسوله واتفاق الأئمة، وقال في كتاب اختلافه مع مالك: والعلم طبقات، الأولى: الكتاب والسنة الثابتة، ثم الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة، الثالثة: أن يقول الصحابي فلا يعلم له مخالف من الصحابة، الرابعة: اختلاف الصحابة، والخامسة: القياس، فقدم النظر في الكتاب والسنة على الإجماع، ثم أخبر أنه إنما يصار إلى الإجماع فيما لم يعلم فيه كتابا ولا سنة، وهذا هو الحق.

وقال أبو حاتم الرازي: العلم عندنا ما كان عن الله تعالى من كتاب ناطق ناسخ غير منسوخ، وما صحت به الأخبار عن رسول الله مما لا معارض له، وما جاء عن الألباء من الصحابة ما اتفقوا عليه، فإذا اختلفوا لم يخرج من اختلافهم، فإذا خفي ذلك ولم يفهم فعن التابعين، فإذا لم يوجد عن التابعين فعن أئمة الهدي من أتباعهم.

يقول شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية الحراني رحمه الله تعالى(مجموعة الفتاوى :260/19 ) :
"وَمَنْ ادَّعَى إجْمَاعًا يُخَالِفُ نَصَّ الرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ يَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا يَدَّعِيه ؛ وَاعْتَقَدَ جَوَازَ مُخَالَفَةِ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ لِلرَّسُولِ بِرَأْيِهِمْ ؛ وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ يَنْسَخُ النَّصَّ كَمَا تَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالرَّأْيِ فَهَذَا مِنْ جِنْسِ هَؤُلَاءِ . وَأَمَّا إنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ يَدُلُّ عَلَى نَصٍّ لَمْ يَبْلُغْنَا يَكُونُ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ . فَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقُلْ قَوْلًا سَدِيدًا فَهُوَ مُجْتَهِدٌ فِي ذَلِكَ يُبَيِّنُ لَهُ فَسَادَ مَا قَالَهُ كَمَنْ عَارَضَ حَدِيثًا صَحِيحًا بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَكِنْ يُبَيِّنُ لَهُ ضَعْفَهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُبَيِّنَ لَهُ عَدَمَ الْإِجْمَاعِ الْمُخَالِفِ لِلنَّصِّ أَوْ يُبَيِّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ تَجْتَمِعْ الْأُمَّةُ عَلَى مُخَالَفَةِ نَصٍّ إلَّا وَمَعَهَا نَصٌّ مَعْلُومٌ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ النَّاسِخُ لِلْأَوَّلِ فَدَعْوَى تَعَارُضِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ بَاطِلَةٌ وَيُبَيِّنُ لَهُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَجُوزُ ؛ فَإِنَّ النُّصُوصَ مَعْلُومَةٌ مَحْفُوظَةٌ وَالْأُمَّةُ مَأْمُورَةٌ بِتَتَبُّعِهَا وَاتِّبَاعِهَا وَأَمَّا ثُبُوتُ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهَا بِغَيْرِ نَصٍّ فَهَذَا لَا يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ خَالَفَ ذَلِكَ النَّصَّ .
وَالْإِجْمَاعُ نَوْعَانِ :
قَطْعِيٌّ . فَهَذَا لَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يُعْلَمَ إجْمَاعٌ قَطْعِيٌّ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ .
وَأَمَّا الظَّنِّيُّ فَهُوَ الْإِجْمَاعُ الإقراري والاستقرائي : بِأَنْ يَسْتَقْرِئَ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَجِدُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا أَوْ يَشْتَهِرُ الْقَوْلُ فِي الْقُرْآنِ وَلَا يَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَهُ فَهَذَا الْإِجْمَاعُ وَإِنْ جَازَ الِاحْتِجَاجُ بِه فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُدْفَعَ النُّصُوصُ الْمَعْلُومَةُ بِهِ لِأَنَّ هَذَا حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ لَا يَجْزِمُ الْإِنْسَانُ بِصِحَّتِهَا
فَإِنَّهُ لَا يَجْزِمُ بِانْتِفَاءِ الْمُخَالِفِ وَحَيْثُ قَطَعَ بِانْتِفَاءِ الْمُخَالِفِ فَالْإِجْمَاعُ قَطْعِيٌّ . وَأَمَّا إذَا كَانَ يَظُنُّ عَدَمَهُ وَلَا يَقْطَعُ بِهِ فَهُوَ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ وَالظَّنِّيُّ لَا يُدْفَعُ بِهِ النَّصُّ الْمَعْلُومُ لَكِنْ يُحْتَجُّ بِهِ وَيُقَدَّمُ عَلَى مَا هُوَ دُونَهُ بِالظَّنِّ وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ الظَّنُّ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَمَتَى كَانَ ظَنُّهُ لِدَلَالَةِ النَّصِّ أَقْوَى مِنْ ظَنِّهِ بِثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ قَدَّمَ دَلَالَةَ النَّصِّ وَمَتَى كَانَ ظَنُّهُ لِلْإِجْمَاعِ أَقْوَى قَدَّمَ هَذَا وَالْمُصِيبُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَاحِدٌ . وَإِنْ كَانَ قَدْ نُقِلَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ صِحَّتُهُ فَهَذَا يُوجِبُ لَهُ أَنْ لَا يَظُنَّ الْإِجْمَاعَ إنْ لَمْ يَظُنَّ بُطْلَانَ ذَلِكَ النَّقْلِ وَإِلَّا فَمَتَى جُوِّزَ أَنْ يَكُونَ نَاقِلُ النِّزَاعِ صَادِقًا وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا يَبْقَى شَاكًّا فِي ثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ وَمَعَ الشَّكِّ لَا يَكُونُ مَعَهُ عِلْمٌ وَلَا ظَنٌّ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا تُدْفَعُ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ بِهَذَا الْمُشْتَبَهِ مَعَ أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ فَلَا يَكُونُ قَطُّ إجْمَاعٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ مَعَ مُعَارَضَتِهِ لِنَصٍّ آخَرَ لَا مُخَالِفَ لَهُ وَلَا يَكُونُ قَطُّ نَصٌّ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَلَيْسَ فِي الْأُمَّةِ قَائِلٌ بِهِ بَلْ قَدْ يَخْفَى الْقَائِلُ بِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ . قَالَ التِّرْمِذِيُّ : كُلُّ حَدِيثٍ فِي كِتَابِي قَدْ عَمِلَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا حَدِيثَيْنِ : حَدِيثَ الْجَمْعِ ؛ وَقَتْلِ الشَّارِبِ . وَمَعَ هَذَا فَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ قَدْ عَمِلَ بِهِ طَائِفَةٌ وَحَدِيثُ الْجَمْعِ قَدْ عَمِلَ بِهِ أَحْمَد وَغَيْرُهُ .وَلَكِنْ مَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ نَصٌّ وَلَمْ يَعْلَمْ قَائِلًا بِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي : أَجْمَعَ عَلَى نَقِيضِهِ أَمْ لَا ؟ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ رَأَى دَلِيلًا عَارَضَهُ آخَرُ وَهُوَ بَعْدُ لَمْ يَعْلَمْ رُجْحَانَ أَحَدِهِمَا فَهَذَا يَقِفُ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ رُجْحَانُ هَذَا أَوْ هَذَا فَلَا يَقُولُ قَوْلًا بِلَا عِلْمٍ وَلَا يَتَّبِعُ نَصًّا مع . . . (1) مَعَ ظَنِّ نَسْخِهِ وَعَدَمِ نَسْخِهِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ لِمَا عَارَضَهُ عِنْدَهُ مِنْ نَصٍّ آخَرَ أَوْ ظَنِّ إجْمَاعٍ وَلَا عَامًّا ظَنُّ تَخْصِيصِهِ وَعَدَمِ تَخْصِيصِهِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُقَاوِمِ فَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ نَفْيُ الْمُعَارِضِ الْمُقَاوِمِ وَإِلَّا وُقِفَ . وَأَيْضًا فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْإِجْمَاعِ يُحْتَجُّ بِهِ فِي خِلَافِ النَّصِّ إنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ ثُبُوتُ الْإِجْمَاعِ أَوْ يَكُونُ مَعَهُ نَصٌّ آخَرُ يُنْسَخُ الْأَوَّلُ وَمَا يَظُنُّهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ مَعَهُ . وَأَكْثَرُ مَسَائِلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّتِي يَحْتَجُّونَ فِيهَا بِالْعَمَلِ يَكُونُ مَعَهُمْ فِيهَا نَصٌّ فَالنَّصُّ الَّذِي مَعَهُ الْعَمَلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْآخَرِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ كَتَقْدِيمِ حَدِيثِ عُثْمَانَ : { لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ } عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ .
وَأَمَّا رَدُّ النَّصِّ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ فَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ
وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي مُخَالِفِ الْإِجْمَاعِ : هَلْ يَكْفُرُ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ .وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَعْلُومَ يَكْفُرُ مُخَالِفُهُ كَمَا يَكْفُرُ مُخَالِفُ النَّصِّ بِتَرْكِهِ لَكِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا عَلِمَ ثُبُوتَ النَّصِّ بِهِ . وَأَمَّا الْعِلْمُ بِثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ فِي مَسْأَلَةٍ لَا نَصَّ فِيهَا فَهَذَا لَا يَقَعُ وَأَمَّا غَيْرُ الْمَعْلُومِ فَيَمْتَنِعُ تَكْفِيرُهُ . وَحِينَئِذٍ فَالْإِجْمَاعُ مَعَ النَّصِّ دَلِيلَانِ كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
وَتَنَازَعُوا فِي الْإِجْمَاعِ : هَلْ هُوَ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ أَوْ ظَنِّيَّةٌ ؟ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ قَطْعِيَّهُ قَطْعِيٌّ وَظَنِّيَّهُ ظَنِّيٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .............
وَإِذَا نَقَلَ عَالِمُ الْإِجْمَاعِ وَنَقَلَ آخَرُ النِّزَاعَ : إمَّا نَقْلًا سُمِّيَ قَائِلُهُ ؛ وَإِمَّا نَقْلًا بِخِلَافٍ مُطْلَقًا وَلَمْ يُسَمَّ قَائِلُهُ فَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ نَقْلًا لِخِلَافٍ لَمْ يَثْبُتْ ؛ فَإِنَّهُ مُقَابِلٌ بِأَنْ يُقَالَ وَلَا يَثْبُتُ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ بَلْ نَاقِلُ الْإِجْمَاعِ نَافٍ لِلْخِلَافِ وَهَذَا مُثْبِتٌ لَهُ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي . وَإِذَا قِيلَ : يَجُوزُ فِي نَاقِلِ النِّزَاعِ أَنْ يَكُونَ قَدْ غَلِطَ فِيمَا أَثْبَتَهُ مِنْ الْخِلَافِ : إمَّا لِضَعْفِ الْإِسْنَادِ ؛ أَوْ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ قِيلَ لَهُ : وَنَافِي النِّزَاعِ غَلَطُهُ أجوز ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ لَمْ تَبْلُغْهُ ؛ أَوْ بَلَغَتْهُ وَظَنَّ ضَعْفَ إسْنَادِهَا وَكَانَتْ صَحِيحَةً عِنْدَ غَيْرِهِ ؛ أَوْ ظَنَّ عَدَمَ الدَّلَالَةِ وَكَانَتْ دَالَّةً فَكُلُّ مَا يَجُوزُ عَلَى الْمُثْبِتِ مِنْ الْغَلَطِ يَجُوزُ عَلَى النَّافِي مَعَ زِيَادَةِ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْخِلَافِ . وَهَذَا يَشْتَرِكُ فِيهِ عَامَّةُ الْخِلَافِ ؛ فَإِنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ لَيْسَ عِلْمًا بِالْعَدَمِ لَا سِيَّمَا فِي أَقْوَالِ عُلَمَاءِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا إلَّا رَبُّ الْعَالَمِينَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ : مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ ؛ هَذِهِ دَعْوَى الْمَرِيسِيَّ وَالْأَصَمِّ ؛ وَلَكِنْ يَقُولُ : لَا أَعْلَمُ نِزَاعًا وَاَلَّذِينَ كَانُوا يَذْكُرُونَ الْإِجْمَاعَ كَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِمَا يُفَسِّرُونَ مُرَادَهُمْ : بِأَنَّا لَا نَعْلَمُ نِزَاعًا وَيَقُولُونَ هَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ الَّذِي نَدَّعِيه . فَتَبَيَّنَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْإِجْمَاعِ الَّذِي قُوبِلَ بِنَقْلِ نِزَاعٍ وَلَمْ يُثْبِتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ نَقْلُ مُثْبِتِ النِّزَاعِ عَلَى نَافِيهِ وَلَا نَافِيهِ عَلَى مُثْبِتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْضًا أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى النَّصِّ وَلَا يُقَدِّمَ النَّصَّ عَلَيْهِ بَلْ يَقِفُ لِعَدَمِ رُجْحَانِ أَحَدِهِمَا عِنْدَهُ ؛ فَإِنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ الْمُثْبِتُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ النَّصَّ لَمْ يُعَارِضْهُ إجْمَاعٌ يَعْمَلُ بِهِ وَيَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إلَى مُثْبِتِ الْإِجْمَاعِ وَالنِّزَاعِ فَمَنْ عُرِفَ مِنْهُ كَثْرَةُ مَا يَدَّعِيه مِنْ الْإِجْمَاعِ وَالْأَمْرِ بِخِلَافِهِ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ إثْبَاتُ إجْمَاعٍ عُلِمَ انْتِفَاؤُهُ وَكَذَلِكَ مَنْ عُلِمَ مِنْهُ فِي نَقْلِ النِّزَاعِ أَنَّهُ لَا يَغْلَطُ إلَّا نَادِرًا لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عُلِمَ مِنْهُ كَثْرَةُ الْغَلَطِ . وَإِذَا تَضَافَرَ عَلَى نَقْلِ النِّزَاعِ اثْنَانِ لَمْ يَأْخُذْ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَهَذَا يَثْبُتُ بِهِ النِّزَاعُ بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ تَضَافَرَ عَلَيْهِ عَدَدٌ لَمْ يُسْتَفَدْ بِذَلِكَ إلَّا عَدَمُ عِلْمِهِمْ بِالنِّزَاعِ وَهَذَا لِمَنْ أَثْبَتَ النِّزَاعَ فِي جَمْعِ الثَّلَاثِ وَمَنْ نَفَى النِّزَاعَ مَعَ أَنَّ عَامَّةَ مَنْ أَثْبَتَ النِّزَاعَ يَذْكُرُ نَقْلًا صَحِيحًا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ وَلَيْسَ مَعَ النَّافِي مَا يُبْطِلُهُ

والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الأحد 15 رمضان 1435 هـ / 13 يوليو 2014 م