وداعاً رمضان..

مقالة لـ د. غازي القصيبي رحمه الله



يقول فيه انه من الغريب ان تودع رمضان قبل وصوله

الا ان هذا الضيف الغالي(رمضان)
رحل عنا منذ زمن أحسبه يعود الى فترة الطفرة الاولى،
وحل محله رمضان اخر بملامح نعرف أقلها وننكر معظمها .

رمضان القديم لم يكن " اولمبياد" طعام يتضاعف فيه استهلاك المواد الغذائية عدة أضعاف.
ولم يكن موسم تلفزيون يجمد امامه - كالخُشب المسندة - النساء والرجال والكبار والصغار
ولم يكن يأتي وفي صحبته مسلسلات لها اول وليس لها آخر
وليس في واحد منها شيء عن تزكية النفس او تنقية الروح.

لم يكن مسابقة في الفتوى بين المفتين،
ولا في الجمال بين المذيعات،
ولا في الذكاء بين المحللين السياسين،
ولم يكن مدرسة للعادات السيئة يتعلم فيها الصغار الطعام المتصل، والعبث المتصل، والسهر المتصل.


في رمضان القديم كان الطلاب يذهبون الى مدارسهم كالمعتاد.
وكان الموظفون يمارسون عملهم كالمعتاد.

اما في رمضان الجديد فقد اصبحت دراسة الاطفال عقوبة جسدية ومعنوةه قاسية لامبرر لها،
اما دوام الموظفين فقد تحول الى "وصلة" نوم وخمول
استجماماً من سهر الليلة السابقة واستعداداً "لملامح" الليلة القادمة.

أي هدف من اهداف الصيام الربانية يتحقق في رمضان الجديد؟

أي "تقوى" يمكن أن يحس بها شخص يلهث متلمظاً من حسناء في مسلسل الى حسناء في مسلسل؟

أي شعور بمعاناة الفقير يحس بها صائم يأكل في ليلة واحدة مايكفي قرية افريقية بأكملها؟

أي صحة يمكن أن تجيء من التهام واثب لأطعمة تقود الى مختلف انواع المرض؟

أي روحانية يمكن أن يحس بها الصائم في شهر يجسد المادية الطاغية
بدءا بالاعلانات وانتهاء بجوائز المسابقات؟


الحق اقول لكم، انا ، ولا ادري عنكم أحنُ الى رمضاني القديم .. كثيراً.. كثيراً ؟؟.



نشر المقال في صحيفة الوطن السعودية
الأربعاء بتاريخ 1429/26 شعبان
العدد(2889)السنه الثامنة
اللهم اغفر لـ د غازي القصيبي واسكنه فسيح جناتك

مآمضى لن يعود كمآ كآن
وكذا الجيل بعد الجيل
اليوم نَفقد وغدا نُفقد
اليوم نَدفن وغدا نُدفن
اليوم نَحزن وغدا يُحزن علينا
ولا يبقى غير وجهه سبحانه


اللهم ارزقنا حسن الخاتمة