أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



والتفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا استمرت عشرات السنين، والأوربيون يدوسون كرامة السود وهم أهل البلد: قتلوهم وعذبوهم وسجنوهم واعتقلوهم وشردوهم، ودعاة التحضر وحماة حقوق الإنسان ينكرون ذلك في أجهزة الإعلام، ويمدون أبناء جنسهم الأوربيين بكل ما يريدون من مال وسلاح وغيرهما، بطرق خبيثة ماكرة، وبخاصة عن طريق ربيبتهم المشابهة لدولة جنوب أفريقيا: دولة اليهود، ولا زالت الأغلبية السوداء صاحبة البلد تناضل من أجل حقوقها إلى الآن ولم تنلها. [كانت كتابة هذه السطور قبل تحرر جنوب إفريقيا من حكم البيض.]

والتفرقة العنصرية اليهودية في فلسطين، لا زالت جاثمة على صدور أهل البلد، من الفلسطينيين الذين تداس كرامتهم، في منازلهم وشوارعهم ومساجدهم ومعتقلا تهم ومخيماتهم بكل وحشية، والدول الغربية المتحضرة تمد اليهود بالسلاح والمال والاقتصاد والدعم الكامل، سياسيا وعسكريا إذا اقتضى الأمر ذلك، أي إن حقوق الإنسان الفلسطيني مهدرة كحقوق الإنسان الأفريقي، وبعد أن دعم الغرب في الأمم المتحدة نفي أن يكون اليهود عنصريين، هاهم اليوم يدعمونهم لتكون دولتهم يهودية، يعني عنصرية، لا يستحق الفلسطيني الساكن فيها جنسية إلا من الدرجة الثانية!

وتلك الهند تحتل أرض المسلمين في كشمير برغم قرارات "مجلس الأمن!" التي أعطت الحق للكشميريين في تقرير مصيرهم باستفتاء يجري بينهم، تقتلهم الهند وتسجنهم وتشردهم، والدول الغربية المتحضرة الحامية لحقوق الإنسان، تسمع وترى وتهز كتفيها غير عابئة بما يجري.
والمسلمون في بورما يقتلون ويشردون ويعذبون ويموتون جوعا، ودول الغرب المتحضرة حامية حقوق الإنسان تتفرج وكأن الأمر لا يعنيها.

والأغلبية المسلمة في الحبشة وإريتريا تحكمها أقلية تتصرف في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، والدول المتحضرة حامية حقوق الإنسان تتفرج ولا تحرك ساكنا.

والأغلبية المسلمة في جنوب الفلبين تطالب بحقوقها، والدولة الصليبية تدوس كرامتها وتقتل وتشرد المسلمين، أمام أعين حماة حقوق الإنسان فلا تتحرك ضمائرهم.

والأغلبية المسلمة في جنوب تايلاند تضطهد وتحرم من حقوقها، أمام أعين حماة حقوق الإنسان!

والأغلبية المسلمة في البوسنة والهرسك تستأصل في بلدها، من قبل الصليبيين الصرب والدول الغربية تنذر وتتوعد ولا تحرك ساكنا.

والمسلمون في ليبريا يذبحون وتقطع السنة أئمتهم وتهدم مساجدهم وتنتهك أعراضهم، وحماة حقوق الإنسان يشاهدون دون أن يفعلوا شيئا!

لماذا كل هذا السكوت ولماذا يغض حماة حقوق الإنسان الطرف عن هذه المآسي، ولماذا لا يتدخل مجلس الأمن الظالم لنصر حقوق الإنسان المسلم.

لا سبب أمامنا نراه إلا شيئا واحدا، وهو أن هذا الإنسان مسلم، لا قيمة له لأن المسلمين أذلوا أنفسهم لغير الله فزادوهم ذلا.

لكن حماة حقوق الإنسان لا ينامون ولا يهدؤون إذا ما انتهكت حقوق إنسان آخر غير مسلم أو انتهكت حقوق مسلم ولهم في التدخل لحماية حقوقه-في الظاهر-مصلحة، ومصلحة حماة حقوق الإنسان هي المحور الأساس.

وإليك بعض الأمثلة:
عندما أعلنت كرواتيا في هذه الأيام استقلالها عن صربيا، وأعلن الصرب الحرب ضدها قامت دول التحضر الحامية لحقوق الإنسان بحملة سريعة ضد صربيا، وأعلن مجلس الأمن "اللعبة" بعث قوة تفصل بين الدولتين وتم ذلك، ولكنها لم تفعل ذلك مع البوسنة والهرسك، وكلاهما دولتان اعترف بهما، وهما من دول يوغوسلافيا السابقة ويجاور بعضهما بعضا، فلماذا!؟

أعلنت دول الغرب المتحضر الحامي لحقوق الإنسان حربا إعلامية ضد حكومة السودان، بسبب قتلها موظفَيْنِ سودانيين لدى الإدارة الأمريكية، لأنهما نصرانيان والغالب أنهما جاسوسان لأمريكا، لأن الحكومة السودانية سوغت قتلهما بالخيانة العظمى.

وأعلنت الحرب الإعلامية ضد ليبيا بتهمة أن اثنين من الرعايا الليبيين فجرا طائرة لوكوربي، وهددوا ليبيا بحرب عسكرية ولا زالوا.

أعلنوا حمايتهم لحقوق الإنسان الشيعي-الذي يظهرون كراهته-في جنوب العراق من أجل أغراض خاصة لهم في العراق.
أعلنوا حمايتهم لحقوق الإنسان الكردي في شمال العراق وأدخلوا قواتهم لأجله-في زعمهم-ولكنهم (يحمونه من العراق ويسمحون لتركيا أن تطارده وتقتله وتشرده وتتابعه حتى في الأرض العراقية).

عجب والله لحماة حقوق الإنسان الكردي من صدام حسين، وإهدار حقوقه للأتراك ما هذا المكيال الذي يكيل به حماة حقوق الإنسان؟!

دعاة الديمقراطية يحرمون الإنسان من الديمقراطية!

وحدث عن حقوق الإنسان المسلم السياسية والديمقراطية ولا حرج.

لو تتبعت أجهزة إعلام الغرب وأحصيت منها يوما واحدا كلمة الديمقراطية وحدها لملأتَ بها مجلدات.

إن الديمقراطية أحد المحاور الرئيسة التي يدندن حولها الغرب المتحضر، ويلح على دول ما يسمى بالعالم الثالث على أن تطبق المنهج الديمقراطي الذي أساسه إعطاء الشعوب حرية اختيار حكامها.

ويحترم الغرب المتحضر فوز أي حزب يختار في الانتخابات-حتى ولو كانت مزورة مع انتقاده للتزوير-ولكن الغرب المتحضر يحظر حظرا باتا، بأساليبه الخاصة وصلاته بحكام الشعوب الإسلامية النابذين لشرع الله، قيامَ أي حزب على أساس الإسلام، وإذا ما سبق السيف العذل فقامت جماعة إسلامية واختارها الشعب، حاربوا تلك الديمقراطية التي أهللت الجماعة المسلمة إلى أن تكون هي الحاكمة، وفسروا الديمقراطية التي ينادون بها بأنها ليست الديمقراطية التي تكون وسيلة لوصول الأصوليين إلى الحكم، لأن وصول الأصوليين إلى الحكم يعود بالنقض على الديمقراطية، وأوعزوا إلى أذنابهم بحماية الديمقراطية الأصيلة، بالجيش وأجهزة الأمن وفتح المعتقلات والسجون لمن اختارهم الشعب. [ولا يخفى ما قام به تلاميذ أتاتورك العسكريين والمدنيين الأتراك بضغط حماة الديمقراطية وحقوق اٌنسان من محاربة حزب الرفاه الإسلامي الذي وصل إلى الحكم عن طريق الانتخابات الديمقراطية ****.]

الشعب مسلم اختار من يحكمه بالإسلام، فأين وضعتم حق هذا الشعب في حرية اختياره لحكامه يا دعاة حقوق الإنسان؟!

لقد اتخذ الغرب المتحضر لافتة حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية وغيرها، سلاحا لحماية حقوق الإنسان الغربي أو من له مصلحة في حمايته.

وإذا كانت أمريكا هي الدولة التي تقود الغرب في هذه الفترة، وتدعي أنها دولة حقوق الإنسان، فإن بعض قادتها يصرحون بأن مصالحهم هي التي تحدد مواقفهم، فبمقدار المصلحة يكون الموقف.

قال الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية ريتشارد نكسون: (وأول واجب علينا أن نفعله هو أن نفرق بين مصالحنا الحيوية، ومصالحنا الحساسة، ومصالحنا الهامشية، ولا توجد دولة في العالم تستطيع أن تدافع عن جميع هذه المصالح طوال الوقت....

وتكون المصلحة حيوية إذا كان فقدانها يهدد أمن الولايات المتحدة، فاستمرار استقلال أوربا الغربية واليابان وكندا والمكسيك ودول الخليج مسألة حيوية لأمن بلادنا.

وكذلك لدينا مصلحة حيوية في أن لا تحصل الدول المتخلفة على السلاح الذري، وليس للولايات المتحدة الخيار إلا القوة المسلحة لتمنع تهديد مصالحها.

والمصلحة الحساسة هي التي تشكل تهديدا مباشرا لإحدى النقاط الحيوية... ولذلك تعتبر أمريكا الوسطى وكوريا من المصالح الحساسة للولايات المتحدة، ومن الممكن أن تلجأ الولايات المتحدة أحيانا في معالجة المصالح الحساسة، وكأنها مصالح حيوية وكنوع من الاستراتيجية الدفاعية.

أما المصالح الهامشية فهي الأمور التي لو سيطرت عليها قوى معادية فإنها تشكل تهديدا غير قريب لمصلحة حيوية أو مصلحة حساسة.

وعلى سبيل المثال فإننا لا نحب أن تحتل إحدى الدول المعادية دولة مالي، ولكننا لا نعتقد أن احتلال مالي سوف يكون له تأثير على مصالح الولايات المتحدة المهمة، ومن هذا فلا نفكر في استعمال القوة العسكرية لرد هذا الاعتداء.
إن استراتيجيتنا الأمنية يجب أن تقيِّم كل ما يمكن عمله، طبقا لمستوى الأهمية لمصالحنا وإمكاناتنا وما نواجه من أخطار.

فعلى سبيل المثال لا نرسل الوحدة: 82 المحمولة جوا للدفاع عن إحدى مصالحنا الهامشية في موريتانيا، ولكننا نفعل ذلك بدون تردد للدفاع عن مصلحتنا في الخليج...) [الفرصة السانحة. ترجمة أحمد صدقي. دار الهلال.]وقد فعلوا!.

من هذا النص تعرف السبب في عدم التدخل في البوسنة والهرسك، لأن هذا التدخل ليس لأمريكا فيه مصلحة لا حيوية ولا حساسة ولا هامشية، لأن المظلوم مسلم والظالم نصراني. اللهم إلا أن يقال: إن لها مصلحة هامشية، وهي أن سكوتها عن هذا الظلم يشوه سمعتها أمام العالم الذي تعلن له أنها حامية حقوق الإنسان، ولهذا تستنكر في أجهزة إعلامها هذا الظلم وتهدد-كذبا وزورا-صربيا، وتحث على إغاثة المسلمين، فمصلحة الغرب هي الأساس.[ تدخلت أمريكا وأوربا عن بجيوشها في البوسنة والهرسك، بعد أن قتل مئات الآلاف من المسلمين وشردوا من ديارهم، واغتصبت غالبَ أراضيه الصرب، ولا زال الصرب يحظرون على المسلمين عودتهم إلى مدنهم وقراهم التي تم الاتفاق على عودتهم إليها بموجب اتفاقية ,, دايتون،، أمام سمع وبصر أوربا وأمريكا.]

هذه هي يا أخي إشارة عابرة إلى صورة مجال تطبيق حقوق الإنسان، فهل ترى أمثال هؤلاء المتحضرين الذي هذه صفتهم يعيشون في نور أو في ظلام؟!

ولو أطلقت لليراع الزمام لأطال في هذا الباب، ليظهر للجاهل أن العالم المتحضر!-المتخلف في ميزان الله ومنهجه الرباني-يعيش في ظلمات، وأنه في أمس الضرورة إلى أهل الحق ليخرجوه من الظلمات إلى النور. وإخراج الناس من الظلمات إحدى غايات أهل الحق التي يسابقون بها أهل الباطل إلى العقول.

واكتفى بهذه المجالات الخمسة، للتدليل على أن العالم المتحضر محروم من النور الرباني تحيط به الظلمات الشيطانية من كل جانب، وأنه يجب على أهل الحق السعي الجاد لإخراجه من الظلمات إلى النور.

وكما أن الكفر كله ظلمات، فإن الإسلام كله نور، قال تعالى: {أوَمن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون(122)}[الأنعام]

وقد قارن القرآن الكريم بين ذوي العقول التي صاغها النور الرباني وأشرقت عليها أنوار وحيه، وبين ذوي العقول المظلمة التي أحاطت بها الظلمات من كل جانب، فقال الله تعالى في الفريقين: {الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري، يوقد من شجرة مباركة، زيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار، نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء، ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم} إلى أن قال جل وعلا: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجيُّ يغشاه موج من فوقه موج، من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور}. [النور 35 - 40]

والأمريكان وحلفاؤهم من دول الغرب، وأتباعهم من دول ما يسمى بالعالم الثالث، يجدون ويجتهدون، في السباق إلى عقول الناس، بإقناعهم، بأن الحكم بالإسلام، وتطبيق الشريعة، يعتبر إرهابا، واستبدادا من أهله على الشعوب، وأنهم إذا تمكنوا من تطبيقه في أي شعب من الشعوب، فإنهم سيلغون الديمقراطية، ويحكمون الناس باسم الله، كما فعلت الكنيسة في أوربا في القرون الوسطى، ولقد نجحوا بسبب ما يملكون من وسائل الإعلام، وغيرها في الدول الغربية، وفي بلدان المسلمين، نجحوا في جعل أكثر الشعوب الإسلامية تؤمن بباطلهم الذي يواصلون به سبيل السيطرة على عقول المسلمين وغيرهم، وما أكثر من يصدقهم في ذلك من الجهلة الذين يسمون بالمثقفين، وما أكثر أتباعهم ممن يدعون الإسلام، وهم أشد على الإسلام من كبار من حاربوا الرسول عليه الصلاة والسلام، من المشركين في مكة، ومن كبار المنافقين في المدينة،وإن ما يجري في بعض البلدان الإسلامية، لشاهد على هذه الحرب الشرسة ضد الإسلام.

وهذا يوجب على علماء المسلمين، وجماعاتهم وأحزابهم ومثقفيهم، من الأدباء والشعراء وكل المتخصصين في أي علم من العلوم، أو أي فن من الفنون، أن يضاعفوا جهودهم في السباق بالحق الإسلامي إلى عقول الناس، مسلمين كانوا أو غير مسلمين، تحقيقا لقول الله تعالى: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108) } [يوسف] ليخرجوهم من الظلمات إلى النور.